وضع داكن
26-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 169 - لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم….
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الأخوة الكرام:
 لا زلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح بخاري ومسلم ولا زلنا في باب الأذكار، يقول عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه:

(( لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل: يا رَسُول اللَّهِ ما الاستعجال ؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر عند ذلك وَيَدَعُ الدعاء ))

 مرة قال لي إنسان، بجلسة فيها مئات الأشخاص قال لي العالم الإسلامي يزيد عن مليار وثلاثمئة مليون مسلم، ما فيهم واحد مستجاب الدعوة، ولا واحد، حتى يستجاب الله له وينقذنا مما نحن فيه، وكأنه يستهزأ بالدعاء، ألهمت جواباً وقتها قلت له لو أن مريضاً في غرفة العمليات، وعمليته معقدة جداً، وبطنه مفتوح، والطبيب من أعلى مستوى في العلم والإخلاص والورع، فجاء ابنه وألح على الطبيب أن ينهي العملية هل يستجيب له ؟ العملية تحتاج إلى ستة ساعات، والآن بالبدايات .
في عمل تربوي تأديبي من الله للمسلمين، بدأ بـ 11 من أيلول ويستمر، فهذا العمل يحتاج إلى صبر، يعني الله عز وجل لا يريدنا أن نكون محسوبين عليه، يريدنا أن نكون مؤمنين، الدليل أن الله سبحانه وتعالى حينما قال:

 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 110 )

 نحن بنص القرآن الكريم خير أمة، ولكن أتمم الآية:

 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 110 )

 العلماء قالوا: علة هذه الخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله فإذا أمرنا بالمنكر ونهينا عن المعروف فقدنا خيريتنا، وانقلبنا من أمة الاستجابة، إلى أمة التبليغ، وأمة التبليغ لا شأن لها عند الله إطلاقاً، إنها أمة من الأمم الشاردة عن الله، أمة الآن في 900 مليون بشرق آسيا، يعبدون بوذا، وفي كذا مليون يعبدون الشمس أو القمر أو الحجر أو موج البحر، أو الجراذين، فهؤلاء لا شأن لهم عند الله .

 

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾

 دقق في الإجابة:

 

 

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾

 

( سورة المائدة الآية: 18 )

 طيب قسها على المسلمين، لو قالها المسلمون نحن أمة محمد، " خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ " لِلنَّاسِ الرد الإلهي " فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ " لذلك قسمت أمة محمد إلى قسمين، أمة الاستجابة، وهي المعنية بقوله تعالى: " كنتم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " وأمة التبليغ وهي أية أمة كهذه الأمم الشاردة عن الله .
أيها الأخوة:
 وعود الله للمؤمنين قطعية، وزوال الكون أهون على الله من ألا تحقق، فإن لم تحقق فنحن إذاً لسنا مؤهلين لتلقي هذه الوعود، يقول عليه الصلاة والسلام: " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل " يعني إذا ابن قال لوالده أعطيني سكين لأذبح بها أخي، مثلاُ، هل يعقل أن يستجيب الله له، يقول الله عز وجل:

 

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾

 

( سورة الأعراف )

المعتدي لا يستجيب له، أن تكون مستجاب الدعوة شيء لا يصدق، هذا مقام رفيع جداً، أن تكون مستجاب الدعوة، والله لا يستجيب إلا لمن كان مستقيماً صالحاً .
 يعني في ملمح أيها الأخوة دقيق جداً أن الأقوياء يقربون إليهم أي إنسان بشرط إعلان الولاء، واضحة ؟ لكن الواحد الديان لا يقرب أي مؤمن، إلا إذا كان محسناً، يعني مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون معتدياً وأن تستطيع أن متصلاً بالله، مستحيل، لا تقدر يرفضك الله، بالتعبير القرآني ملعون، مقطوع، أبعده الله عنه، مع البشر ممكن أن تكون ممثل بارع، أن تعلن أعلى ولاء وأن تكون مجرماً بحق الناس، تعلن ولاءك لزيد وتؤذي عبيد لكن مع الله لا يسمح لك أن تتصل به، ولا أن تقطف من ثمار الدين شيئاً إلا إذا كنت مستقيماً .

(( لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل: يا رَسُول اللَّهِ ما الاستعجال ؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر عند ذلك وَيَدَعُ الدعاء ))

أيها الأخوة الكرام:
 ماذا أقول لكم ؟ أنت بالدعاء أقوى إنسان، أنت بالدعاء معك القوة المطلقة معك العلم المطلق، معك الغنى المطلق، فما رأيت إنسان على وجه الأرض أزهد ممن يزهد في الدعاء، والله عز وجل يقول: " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " .
البارحة وأنا في طريقي لأخرج من المسجد، ذكر لي أحد الأخوة آية قرآنية:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾

( سورة البقرة )

 الآية واضحة، معنى ذلك أن الله لا يستجيب الدعاء إلا لمن بالله أولاً، واستجاب له ثانياً " فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ " إلا لمن آمن بي واستجاب لي وأخلص في الدعاء، هذه شروط الدعاء المستجاب، أما كل أملك بزيد با رب توفقني وأنت ترى أن فلان هو الذي يعطي، يا رب تنجيني من عبيد ولك صديق مكانته كبيرة جداً تضع كل الأمل عنده أنت بهذا الدعاء لست مخلصاً، ما علقت الأمل على الله علقت الأمل على غير الله " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " ولكن من كرم الله عز وجل أن الله يستجيب لإنسانين لم يستوفيا شروط الدعاء الأول المظلوم، فلمظلوم يستجيب الله له لا لأهليته ولكن بعدله، والمضطر يستجيب الله له لا لأهليته ولكن برحمته فالعدل والرحمة يلغيان شروط الدعاء .
يعني يأتي كافر، كافر مظلوم يدعو على مؤمن فيستجيب الله له ويدمر المؤمن لأنه عدل، وصار في ظلم .
أخوانا الكرام:
 في بالقرآن قصص، وفي بالسنة قصص يعني لا تصدق، رجل اسمه الأبيرق من الأنصار، سرق درعاً ثمينة في إحدى المعارك وضعها في جراب، والجراب في طحين والجراب مثقوب، فهذه الدرع نقلها بالجراب إخفاء لها من ساحة المعركة إلى بيته، ثم خاف أن يفتضح، فذهب إلى بيت يهودي وأودعها عنده، والسكة مرسومة بهذا الثقب، طحين وثقب، فلما صاحب الدرع افتقدها، اتهم هذا الإنسان من الأنصار اسمه الأبيرق أنه سارق لهذا الدرع فجاء قوم النبي، قوم الأنصاري إلى النبي عليه الصلاة والسلام يستعطفونه أيعقل أنه يسرق وهو من أصحابك ؟ هذا من الأنصار يا رسول الله، لكن الذي سرقها هو اليهودي وهي عنده الآن، النبي عليه الصلاة والسلام بشر، قال لعل أحدكم ألحن بحجته من الآخر فإذا قضيت له بشيء فإنما اقضي له بقطعة من النار، والنبي مال إلى تبرئة هذا الأنصاري ومال إلى اتهام اليهودي، لكنه لم يحكم، لكن مال، هل تصدقون أن وحياً ينزل، وأن قرأناً يتلى إلى يوم القيامة، يقول الله عز وجل لحبيبه:

 

﴿ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً (105)﴾

 

( سورة النساء )

 لا تدافع عن هؤلاء الذين خانوا الأمانة، يدافع الله عن من ؟ عن اليهودي، عن عدو رسول الله، ويقرع من ؟ الأنصاري، إلى الآن الآية واضحة " وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا " هذه القصة هي أسباب نزول هذه الآية، لكن ثم يقول الله عز وجل في سياق ما بعد هذه الآية:

 

﴿ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ﴾

 

( سورة النساء الآية: 113 )

 كيف يضل النبي وهو معه الوحي ؟ قال علماء التفسير النبي عليه الصلاة والسلام إذا برأ المتهم واتهم البريء، المتهم ماذا يقول بحق هذا الحكم ؟ هذا نبي، يوحى إليه الخطأ الذي يصدر من إنسان له دعوة ينسحب لا على شخصه بل على دعوته، هنا المشكلة يعني أنت ممكن أن تتكلم ألف محاضرة حق، صح مئة بالمئة، ثم تنطق بكلام غير صحيح ولست قانعاً، والكلام غير مقبول، لكنك نطقت به إرضاء لزيد أو عبيد دعوتك كلها سقطت الدليل يقول الله عز وجل:

 

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39)﴾

 

( سورة الأحزاب )

 عجيبة هذه الآية " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ الله " ما صفاتهم ؟ أليسوا أمناء ؟ أمناء أليسوا يأكلون مالاً حلالاً ؟ كذلك، لمَ لم يذكر الله مئات الصفات لهم ؟ اكتفى بصفة واحدة " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ " قالوا علماء التفسير:
لو أن هؤلاء الذين يبلغون رسالات خافوا من غير الله، أو أرادوا إرضاء غير الله فسكتوا عن الحق إرضاء لهم، ونطقوا بالباطل إرضاء لهم، فماذا بقي من دعوتهم انتهت دعوتهم، ما في إنسان يقول فلان صداق وأمين وورع كله ما له قيمة .
 يقولون أن في صفة أحياناً تترابط مع الموصوف ترابط وجودي، قد تقول هذه الطائرة كبيرة والقصر كبير، وقد تقول غالية جداً والبارجة غالية، أما إذا قلت هذه الطائرة تطير فهذه صفة مترابطة مع الموصوف، لو ألغيت طيرانها تصبح مطعم وليست طائرة إلتغت كطائرة، فالصفة التي تترابط مع الموصوف ترابط وجودي لو ألغيت الصفة الغي الموصوف، وهذه الصفة مع الدعاة تترابط مع الموصوف ترابط وجودي

(( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ))

 في والي أموي تولى دمشق ويروي التاريخ أنه قتل من أهلها ما يزيد عن ثلاثين ألف وبالغ في القسوة وفي القهر وفي الظلم، ثم أراد أن يتلذذ بإحراج العلماء، كلهم جاؤوا إليه وأعلنوا الطاعة والولاء، وأثنوا على ما فعله، ثم سأل أفي أهل الشام عالم لم يأتِ إلي مهنئاً أو مباركاً ؟ قال هناك واحد، قال من هو ؟ قالوا الإمام الأوزاعي، طلبه للقتل فوراً لكن الإمام الأوزاعي اغتسل، ولبس كفنه وجاء إليه، قال له أنت الأوزاعي ؟ قال هكذا يقول الناس، قال ما تقول فيما فعلنا من قمع هؤلاء الظلمة الأمويين ؟ قال له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " غضب، صدقوا القصة مؤثرة جداً، لما غضب من حوله رفعوا ثيابهم لئلا يصيبهم من دم الأوزاعي، السياف واقف والنطع ممدود، هذه قطعة حماية للأثاث من دم المقتول، كان يقتل بحضرة الأمير، قال له وهذه الأموال التي أخذناها منهم ما قولك فيها ؟ قال له إنها حرام، ولا تحل لك، قال له سؤال ثالث يقول جدك ابن عباس ـ أيضاً كل جواب صفع ـ قال له اخرج، ما قتله، يقول هذا الوالي بعد أن مات الإمام الأوزاعي والله كنت أخاف من هذا العالم أكثر مما أخاف من الذي ولاني، لم يستطع أن يفعل معه شيئاً، هو ألبسه ثوب

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾

 جعفر المنصور التقى مع أبي حنيفة النعمان، قال له: يا إمام لو تتغشانا احضر لزيارتنا، قال له ولمَ أتغشاكم وليس لي عندكم شيء أخافكم عليه، وهل يتغشاكم إلا من خافكم على شيء، إنك إن أكرمتني فتنتني، وإن أبعدتني أزريت في، فلما أتغشاكم .
أيها الأخوة:
 كأن محور هذا اللقاء الطيب

 

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾

 فإذا خشي الداعية غير الله فسكت عن الحق إرضاء له، أو تكلم بالباطل إرضاء له انتهت دعوته وسقط من عين الله، وانتهى كل شيء .

 

إخفاء الصور