وضع داكن
28-03-2024
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 041 - أصول الدين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تمهيد.


أيها الإخوة الأكارم؛ من السهل جداً أن تدخُلَ في تفاصيل الدين, والدين بابٌ واسعٌ جداً من أبواب المعرِفة، ولكن من حينٍ إلى آخر أرى من المُناسب أن نتحدّثَ في الكُلّيات. 
الجزئيّات: أن تصل إلى دقائق الآيات, إلى دقائق السُنّة, إلى دقائق السيرة، لِئلا ندخُلَ في التفاصيل, ونغفلَ أحياناً عن الأهداف الكُبرى والكُليّات العُظمى, لذلك أجد من المُناسب من حينٍ إلى آخر أن نعودَ إلى الكُليّات.
لو دخلتَ إلى مكتبةٍ إسلاميّة, لوجدتَ عشراتِ بل مئات الآلاف من الكُتب إن شِئت: 
العقائدُ وأُصولُها، والقرآنُ وعلومُهُ، والحديثُ ومُصطلحهُ، والسيرةُ وأعلام الإسلام، والفِقهُ ومذاهِبُه.
قد تجدُ عشرات الآلاف من الكُتب, بل مئات الأبواب من الكُتب, في كُلِّ بابٍ من أبواب الدين, ولا يتسّعُ أيُّ عُمر مهما طال لقراءةِ ما أُلّفَ في أحدِ أبواب الدين.
إذاً: نحنُ نحتاج أحياناً لا إلى الاستقصاء، لا إلى التفاصيل، لا إلى الجزئيات، نحتاجُ من حينٍ لآخر, أن نبقى في الكُليّات في أُصول الدين، في كُليّات الدين، في الخطوط العريضة، في الأهداف الكُبرى، في الوسائل الناجحة, فأردتُ في هذا الدرس أن يكونَ حولَ كُليّاته.
 

كليات الدين.


الدين يقوم على دعائم, أُولى هذه الدعائم: دِعامةُ المعرِفة, يعني التديّن دون طلب عِلم, هذا شيء مستحيل.
أُولى دِعاماتِ الدين: المعرِفة, لأنهُ ما اتخّذَ اللهُ وليّاً جاهلاً، لو اتخذهُ لعلّمَهُ، لأنكَ إذا تديّنتَ دونِ معرِفة, ما الذي يحصل؟.
 

1-طلب العلم. 


تُطبّقُ عشرات العِبادات, وقد تخرِقُ الاستقامةَ, لأنكَ لا تعلم, فيكونُ هذا الخرقُ حِجاباً سميكاً بينكَ وبينَ الله، كُلُ هذه العبادات غير مُجديّة، لن تستطيعَ أن تُحكِمَ الاتصالَ بالله عزّ وجل إلا إذا وقفتَ عِندَ حدودهِ، ولن تقِفَ عِندَ حدودهِ إلا إذا عرفتَ حدودَهُ, ولن تعرِفَ حدودَهُ إلا إذا عرفتَهُ قبلَ أن تعرِفَ حدودَهُ.
بالإسلام جانب معرِفي، جانب علمي، جانب عقيدي.
أُلاحظ أشخاصاً كثيرين يعنيهم من الدين: الصلاة, والصيام, والحج, والزكاة, ويعنيهم خِدمةُ الناس, هؤلاء ربمّا في عصور غير هذه العصور, ربمّا يصِلونَ إلى الجنّة, لكن في عصرٍ استعّرت فيهِ الفِتن واتقدت, والمزالق, والشُبُهات, والتُرُهات, والأضاليل, والعقائد الزائغة, والباطل المُزيّف, والانحراف المُروّج, والتفلّت من مبادئ الدين تحتَ غِطاءٍ من الحُريّةِ والعصريّةِ والتقدّمِ، هُناك شُبُهات كثيرة وفِتن.
أقول لكم وأنا أعني ما أقول: لا يستطيعُ أن ينجوَ الإنسانُ الآن في عصورِ الانحرافات الفكريّةِ والسلوكيّة إلا بعلمٍ صحيح، بعقيدةٍ راسِخة، بعلمٍ متين، بأدلّةٍ قاطعة.
يا أيها الإخوة الأكارم؛ حينما تنصرِفونَ إلى الدُنيا، حينما تتحركون، حينما تنطلقونَ إلى أعمالِكم، إذا شعرتم أنكم في غِنىً عن طلبِ العِلم, هذا النقصُ في العِلم, لا بُدَ من أن يُترّجمَ إلى انحرافٍ في السلوك، والانحرافُ في السلوك لا بُدَ من أن يُترجمَ إلى حجاب بينكَ وبينَ الله، وحينما يكونُ الحِجابُ بينكَ وبينَ الله, اعلم عِلمَ اليقين: أنكَ فقدتَ كُلَّ ثِمارِ الدين، أساسُ الدين هذه العلاقةُ الطيبةُ بينكَ وبينَ الله, وحينما تُفقدُ هذه العلاقة بانحرافٍ أساسُهُ الجهلُ, فقد خَسِرتَ كُلَّ ثمراتِ الدين، بالاتصال لا يوجد خوف:  

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

[ سورة المعارج ]

هكذا خُلِق, هذا ضعفٌ خلقيّ، هكذا أرادَ اللهُ عزّ وجل أن يكونَ ( إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)) يعني كُل نِقاط الضعف البشري الخلقي التي لا سببَ مِنكَ بِها, هذه النقاط الضعف تتلافاها بالاتصال بالله عزّو جل. 
فلذلك: من لم تُحدّثهُ نفسُهُ بحضورِ مجلسِ علمٍ, يزدادُ معرفةً باللهِ أو بكتابِهِ, درس أسماء الله الحُسنى معرفةٌ بالله، درسُ التفسير معرِفةٌ بكتاب الله، درسُ الحديث الشريف معرِفةٌ بِسُنّةِ رسولِ الله، درسُ السيرةُ النبويّة معرفةُ بالتطبيقات العمليّة، درسُ الفِقهِ معرفةٌ بالأحكام الشرعيّة التي ينبغي أن تدور مع حياتِك، فما لم تُخصص من وقتِكَ وقتاً ثميناً لِطلبِ العِلم, ومتابعةِ مجالس العِلم, وأن تزدادَ ثقافتُكَ الدينيّة, وقناعاتُكَ الفِكريّة, وعقيدَتُكَ الصحيحة, أن تزدادَ وتغتني, عندئذٍ ترى: أنَّ النقصَ في العِلم سيُسببُ خللاً في السلوك, هذا الجانب المعرفي.
والحقيقة: الجانب المعرفي بعضٌ منهُ يأتيكَ بالمُدارسة, وبعضٌ مِنهُ يأتيكَ بالتأمل, وبعضٌ مِنهُ يأتيكَ بالنظر: 

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) ﴾  

[ سورة يونس ]

جانبٌ كبير من جوانب المعرفة, يمكن أن تحصلَ عليها من وقوفِكَ عندَ دقائقِ خلقِ السمواتِ والأرض, وأقربُ شيء إليك جِسمُكَ الذي بينَ جوانِحك، أقربُ شيء إليك طعامُكَ الذي تأكُله، من حولَكَ من أهلٍ وأولاد، أقربُ شيء إليك مظاهر الطبيعةِ التي أمامَك، هذه كُلُها آياتٌ دالّةٌ على عظمةِ الله عزّ وجل.
فأنا أتمنى أن يُفكّرَ الإنسانُ كُلَّ يوم في آيات الله الدالّةِ على عظَمتِهِ, أو أن يشغَلَ نفسَهُ كُلما سنحت لهُ فرصةٌ أن يقفَ عِندَ دقائِقِ خلقِ اللهِ جلَّ وعلا.
لا تتأثر إذا سمعت, أنهُ يوجد عشرين مليون خلية عصبية شميّة, كُل خليّة فيها سبعة أهداب مغموسة بمادة دهنية مذيبة, وأنَّ أيّةَ رائحةٍ تصِلُ إلى أنفِك تتفاعلُ مع هذه المادةِ الدُهنيِةِ التي مع هذه الأهداب تفاعُلاً كيماويّاً, يتشكّلُ مِنهُ شكل هندسي, يُنقل على شكلِ إشارةِ إلى مركز المُخ, وفي مركزِ الشم المُخ عشرةُ آلافِ بند من بنودِ المشمومات, وأنَّ هذه الإشارة تُشعِرُكَ برائحة هذا الشيء, ثمَّ تنتقل إلى معرفة رائحة هذا الشيء, وأنَّ المادةَ إذا كانت بمقدار نِصف بالمليون من الميلي غرام في السنتيمتر المُكعّب, فإنها كافيةُ لكي تُحسسُكَ برائحةِ هذا الشيء, ألا تشعرُ أنكَ وقفتَ وجهاً لوجهٍ أمامَ عظَمةِ الله عزّ وجل؟ ألا تشعرُ أنكَ عَرَفتَ دِقّةَ الصنع؟.
إذاً أيها الإخوة؛ جانبٌ معرفيّ أحدُ أركانِ الدين، لذلك اللهُ عزّ وجل فَرَضَ على المُسلمين تأكيداً للجانبِ المعرفيّ، تأكيداً لأحدِ أركانِ الدينِ الكُبرى, فرضَ على المُسلمين صلاة الجُمُعة, ما طبيعةُ صلاة الجُمُعة؟ طبيعَتُها تعليميّة, عبادةٌ تعليمية فيها خُطبة، فيها خطيب يتلو على الناسِ آيات القرآن يُفسّرُ هذه الآيات، يتلو عليهم سُنّة النبي يُفسّرُ هذه السُنّة، يتلو عليهم مواقِفَ الصحابة يُفسّرُ لهم هذه المواقِف.
إذاً: لأنَّ جانب معرفة اللهِ جانبٌ أساسيٌّ جداً في الدين, كانت صلاةُ الجُمُعة تِلكَ الفريضةُ التعليميّة، عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ تَهَاوُنًا بِهَا, طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي ]

ومن تَرَكَ الجُمُعة ثلاثَ مرات من دونِ عُذرٍ, نكتت نُكتةٌ سوداءُ في قلبِه, ثمَّ يكون الران, ثمَّ تلى النبي قولُهُ تعالى:

﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) ﴾

[ سورة المطففين ]


   أركان الدين.


إذاً أيها الإخوة؛ أحد أركان الدين أن تقتطعَ من وقتِكَ الثمين. 
أقول الثمين وقد يكون وقت الناسِ ثميناً, وقد يكونُ الوقتُ ممتلئاً بالمشاغل والمواعيد والإنجازات والخِطط واللقاءات والأعمال وعقد الصفقات وما إلى ذلك، لكن ما قيمةُ هذه الدُنيا لو رَبِحتَ فيها كُلَّ شيء وخسِرتَ نفسَك؟ ما قيمةُ المال إذا جاءَ مَلَك الموت وقد تركتَ كُلَّ المالِ في ثانيةٍ واحدة؟ 
فالتأمّل في الكون باب، والنظر في الحوادث باب، وقراءةُ القرآنِ وتدبُرُهُ وقراءةُ السُنّةِ وفهمُها بابٌ ثالث؛ في نظر, وفي تفكّر, وفي مُدارسة.
وأنا أقول لكم: الإنسان الكامل هوَ الذي يجمعُ بينَ كُلِّ مصادر المعرِفة, يتأمّلُ تارةً، وينظرُ تارةً، ويُفكّرُ تارةً، ويدرسُ تارةً، الآن سماعُكَ مُدارسة، تفكُركَ الصباحي بآيات الكون تفكّر، نظرك إلى ما يجري في الكون, من حوادث دالّة على عدالِة الله, وعلى حِكمتِهِ, وعلى رحمتِهِ, وعلى قيوميتِهِ, هذا من بابِ طلبِ العِلم.   
اسمحوا لي أن أقول لكم: لو بلغتَ أعلى مراتِبِ العلمِ في الأرض, لو بلغتَ أعلى مراتِبِ العلمِ, ولم يكن لكَ عملٌ يدعمُ هذا العِلم, فلا قيمةَ لهذا العِلمِ عِندَ اللهِ إطلاقاً، المُشكلة: أنَّ العِلمَ وسيلة وظنّهُ الناسُ غاية، ما لم تتأكد من أن كُلَّ عِلمٍ تتعلمُهُ إنما هوَ وسيلةٌ كي ينقُلَكَ إلى التطبيق, هذا العِلمُ وبالٌ على صاحِبِهِ.
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: 

(( الْعِلْمُ عِلْمَانِ؛ فَعِلْمٌ فِي الْقَلْبِ فَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ, وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ فَذَلِكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ آدَمَ  ))

[ أخرجه الدارمي في سننه ]

حجةٌ عليه لا لهُ, هذا الباب بابُ طلبِ العِلم, بابُ الاستزادةِ بالعِلم, ماذا يؤكدّهُ؟ قولُهُ تعالى: 

﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) ﴾

[ سورة طه  ]

يؤكدّهُ أنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى اعتمدَ قيمةَ العِلمِ كقيمةٍ وحيدةٍ مُرجّحةٍ بينَ البشر, قالَ تعالى:

﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[ سورة الزُمر الآية: 9 ]

وقالَ تعالى:

﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف الآية: 76 ]

إذا أردتَ الدُنيا فعليكَ بالعِلم, وإذا أردتَ الآخرةَ فعليكَ بالعِلم, وإذا أردتهُما معاً فعليكَ بالعِلم, والعِلمُ لا يُعطيكَ بعضَهُ إلاّ إذا أعطيتَهُ كُلّكَ, فإذا أعطيتَهُ بعضَكَ لم يُعطكَ شيئاً
هل تسمحُ لنفسِكَ أن تقول أنا مشغول؟ مشغول بماذا؟ لماذا أنتَ في الدُنيا؟ أيُّ شيء يشغَلُكَ عن طَلَبِ العِلم، سوفَ تَعُدّهُ غبناً كبيراً في يومٍ ما.
طالب ذهب إلى دولة أجنبية لينال دكتوراه, عليهِ أن يعمل, وأن يدرس, أهلُهُ فُقراء، هوَ يحتاج فرضاً إلى ألف فرنك فرنسي في الشهر، وجدَ عمل ساعتين, هاتان الساعتان تُحققان لهُ ألف فرنك فرنسي، طبعاً: عِندَهُ دِراسة, لو نال الدكتوراه, سيعودُ إلى بلدهِ بأعلى مرتبة، بأعلى منصِب، بأكبر دخل، كُل آمالِهِ معقودة على هذه الشهادة, عَثرَ على عملٍ يُحقق لهُ ألفي فرنك في الشهر, لكن أربع ساعات, ثمَّ عَثَرَ على عملٍ يُحقق لهُ ثلاثة آلاف, ست ساعات, أربعة آلاف ثماني ساعات، خمسة آلاف تسع ساعات، عمل يُحقق لهُ مائة ألف فرنك بالشهر, لكن أربع وعشرون ساعة, فتركَ الدِراسة من أجلِها، هل يقول لكَ: أنا هيأت عملاً عظيماً؟ لا, أنتَ هُنا, إقامتُكَ محدودة, بقاؤكَ بهذا البلد منوط بجرّةِ قلم, فإذا عُدتَ إلى بلدِكَ بِلا شهادة, كُنتَ في خزيٍ شديد.
اسمعوا الآن القاعدة: العملُ الذي يستغرِقُ وقتَكَ كُلَهُ خسارةٌ مُحققة, مهما كانَ الدخلُ كبيراً, لأنكَ عندئذٍ خرجتَ عن هدفِكَ الأساسي. 
أيها الأخوة الأكارم؛ أنا أعلم الحياة صعبة, والدخل محدود, والمطالب كثيرة, والوقت ضيّق.
أنا أعرف أخوةً كثيرين مضطرين إلى عمل مستمر, ولكن أن أغُضَ الطَرفَ عن إنسان, عملُهُ استغرقَ وقتَهُ كُلُهُ, وهوَ ناجح أو رابح, لا والله، لا بُدَّ من وقتٍ تتعرفُ فيهِ إلى الله. 
 

الدين لا يعذر الجاهل :


مرة خطرَ في بالي مثل: طبيب درس 30 سنة, وجاء إلى بلده, وفتح عيادة, وكتب العيادة بينَ الساعة الخامسة والسابعة, بعد الظهر وهوَ في العيادة, جاءهُ مريض الساعة الخامسة والنصف, فقالَ لهُ: مشغول, لماذا أنتَ هُنا؟ لماذا درست كُل هذه الدراسة إن لم تكُن فارِغاً لأكبرِ عملٍ في حياتِك؟ فأنتَ فارِغ لِماذا؟. 
إذا قال: ليس عندي وقت أتعرّف على الله عزّ وجل, نقول له: ما الذي يشغَلُك أو ماذا كُنتم تعملون؟ ماذا بعدَ الحقِ إلا الضلال؟ الكلام أقولُهُ لكم: لا بُدَّ من طَلِبِ العِلم, هذا شيء لا بُدَّ مِنهُ, لأنهُ لو لم تكن كذلك لظَهَرَ الانحراف.
مثلاً: في الحج سمعنا في اجتماع عٌقِد قبلَ أيام, أن أكثر من 20 - 30 حاج سوري في العام الماضي, لم يطوفوا طواف الإفاضة, وهوَ رُكن أساسي, فلمّا قُلنا لهم: لماذا لم تطوفوا؟ قالوا: لم يقُل لنا أحد, لا نعرف, من عرفات إلى مكة, وجلسوا بعد العيد, ثمَّ سافروا، ما الذي أبطَلَ حَجَهم؟ جهلُهم.
أنا أقول لكم: ممكن أن تكون أنتَ سليم النيّة، ممكن أن تأكُل الرِبا وأنتَ لا تدري، ممكن أن تتجاوز الحدود لِعلّةِ الجهلِ فقط، والقانون لا يحمي الجاهل, كما أنَّ الدين لا يعذُر الجاهل.
أنا أتمنى من إخواننا الكِرام, أن موضوع مجلس العِلم ليسَ على وقت فراغِهِ, الدنيا شتاء, لا يوجد شيء نتلهى به, تعال لنحضر الدرس, بالصيف الناس في المصايف, وهُنا وهُناك, ليسَ هذا القصد, هذا مِنهاج جامعي, فيجب أن تجعل الأساس الدرس، حياتك متقلبة مع الدرس, وليسَ الأساس حياتك, والدرس على وقت الفراغ, هذا طبعاً من باب المُتابعة والمُثابرة.
 

2-العمل بشقيه السلبي والإيجابي: 


ماذا تقترحون البند الثاني في كُليّات الدين؟ العِلم بند أول، طَلب العِلم إمّا بالتفكّر بالكون، أو بالنظر في الحوادث، أو بالمُدارسة, والمُدارسة قراءة واستماع، أنتَ الآن تدرس, تستمع إلى درس, وقد تقرأ, وقد تنظر, وقد تتفكّر, تقترحون كُليّة كُبرى من كُليّات الدين: العمل, كلمة كبيرة جداً, ممكن أن يكون لها بندين أساسيين:  في بند سلبي وبند إيجابي، في بند امتناع وفي بند إيجابي فعلي؛ الاستقامة والعمل الصالح.  

ماذا تعني الاستقامة؟ :


الاستقامة: انضباط، غض البصر استقامة، تركُ الغيبةِ والنميمة استقامة، تركُ ركنةٌ من حرام استقامة, لكن العمل الصالح بذل بالضبط, دققوا في هذا المثل: لو تصورّنا أنَّ الطريق إلى الله طريق مادّي.
تصوّر افتراض الطريق إلى الله طريق مادّي, أنتَ راكب مركبة, وعلى هذا الطريق عقَبات، كُل عقَبَةَ ارتفاعها مترين, ومترين عرض, ومترين طول, إسمنت مُسلّح, هل بإمكانِكَ أن تسيرَ على هذا الطريق؟ لا, كُلُّ معصيةٍ عقبةٌ على طريقكَ إلى الله.
فالاستقامة تعني أن تُزيلَ هذه العقبات، كُل إنسان استقام على أمر الله, نقول لهُ: ما فعلَ شيئاً, لكنّهُ مهّدَ الطريقَ إلى الله, أزالَ كُلَّ العقَبات، أزالَ كُلَّ الموانع، ألغى كُلَّ الحواجز، المعاصي حواجز وموانع وعقبات وحُفر وما إلى ذلك، أنتَ حينما تستقيم على أمرِ الله عزّ وجل, والاستقامةُ طابعُها سلبيّ، أنتَ ما زِدتَ عن أن مهدّتَ الطريقَ إلى الله, وبقيَ الحركة على هذا الطريق، طريق إلى الله فرضاً مادّي, فيه عقبات أزلتَها, فأصبحَ الطريق سالكاً, بقيَ عليكَ أن تسير, أن تتحرك, الحركة هيَ العمل الصالح، والعملُ الصالحُ يرفَعُكَ، اسمع القرآن الكريم: 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) ﴾

[ سورة فُصّلت ]

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾

[ سورة فُصّلت ]

لا بُدَّ من استقامةٍ, ولا بُدَّ من عملٍ صالح.
 

ما الكلمة التي عبر عنها القرآن الكريم عن الاستقامة والعمل الصالح؟ :


لكن أحياناً: القرآن الكريم يُعبّرُ عن الاستقامةِ والعمل الصالح بكلمة: ( وَعَمِلَوا الصَالِحات ), والتفسير: أنَّ العملَ الصالِح لا يثبُت إلا على أرضيّةٍ من استقامة, كيفَ أنَّ الإنسان معهُ قلم حبر والورق عليه دُهن وكتب؟ لا شي, لا يثبُتُ أثرُ الحِبرِ إلا على ورقٍ نظيف، كذلك لن تستطيع أن تشعر أنَّ هذا العمل قَبِلَهُ اللهُ عزّ وجل إلا على أساسٍ من استقامةٍ على أمرِهِ.
بشكل آخر: لا تُفكّر أنَّ العمل الصالح يُعينُكَ على الاتصال بالله عزّ وجل إذا كان مبني على عدم استقامة, الاستقامة أساس.
 

أمثلة :


من باب الأمثلة, والأمثلة توضّح: المستودع: الاستقامة إملاؤهُ بسائل غالٍ جِدّاً, العمل الصالح, أمّا مستودع بِلا قعر, وصب هذا السائل الزِئبقي الغالي, عمل أحمق لا شيء يحفظَهُ ، أمّا إذا كان المستودع مُحكماً, لو ألقيتَ فيهِ ليتراً واحداً هو محفوظ, ليترين محفوظين, فلذلك : دعوتُنا استقامةٌ تامّة وعملٌ صالحٌ بقدرِ المُستطاع، العمل الصالح بقدرِ المُستطاع:

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)  ﴾

[ سورة البقرة  ]

لكن الاستقامة تامّة، فمن رضيَ بانحرافٍ طفيف, هذا الانحراف كما تعلمون: 
لا صغيرةَ معَ الإصرار ولا كبيرةَ مع الاستغفار.
الصغيرة تشبه راكباً بمركبتِهِ, وماشي على طريق مستقيم طويل, وعلى جانِبِهِ وادٍ سحيق, حَرَفَ المِقوّد 1سم, هذا الـ 1سم لو ثبت على الوادي, أمّا لِمَ سُميّت صغيرة؟ لأن هذا الـ 1سم تصليحهُ سهل جِدّاً, يحتاج إلى ضغط أقل من غرامين فيعود، أمّا الكبيرة انحراف 90 درجة فجأةً، فالصغيرة إذا ثَبُتت انقلبت إلى كبيرة من حيثُ النتائج, لأنهاَ نقلَتكَ إلى الوادي السحيق مع مسافة قصيرة.
لا يوجد في الاستقامة حل وسط، الاستقامة قطعيّة، أمّا العمل الصالح نِسبي, ممكن أن تتصدّق بألف باركَ الله، ألفين باركَ الله، خمسة باركَ الله، 100 ألف باركَ الله، مليون باركَ الله, لكن هذه الصَدَقَة مبنيّة على مستودع مُحكم: وهيَ الاستقامة، أمّا المستودع بِلا قعر, الألف مثل الخمسة آلاف مثل المليون, لأنها لن تظهر.
البند الثاني: العمل, العمل بِشقيه السلبي والإيجابي، السلبي: الاستقامة, والإيجابي: العمل الصالح, والعملُ الصالحُ يرفَعه. 
قد يقول لكَ أخ: أنا لست نبي, هذه دعوى مُعظم الناس, ومن قال: أنكَ نبي؟ لا لستَ بنبي فعلاً, أنتَ لستَ بنبياً، ولستَ بصديّق، ولستَ بمؤمن كبير، لكن أنتَ مُسلم, وفي عِندكَ كتاب الله, على أنكَ مُطالَبٌ تماماً تماماً تماماً أن تستقيمَ استقامةً تامّة: 

﴿ وَإِنَّ كُلّاً لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) ﴾

[ سورة هود ]

لذلك قالَ عليهِ الصلاة والسلام: شيبتني هود وأخواتُها, وما شيّبَهُ في هذه السورة إلاّ هذه الآية: ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ) حديث يؤكّدُ هذه الحقيقة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: 

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّهَا النَّاسُ, إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا, وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ, فَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) وَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ, أَشْعَثَ أَغْبَرَ, يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ, يَا رَبِّ يَا رَبِّ, وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ, وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ, وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ, وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ, فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ  ))

[ أخرجه مسلم في الصحيح والترمذي في سننه ]

يعني: لو فرضنا ملك قاد سيارة, يوجد قواعد للقيادة، هذه القواعد يجب أن يُطبّقَها ملك, وأصغر إنسان يقود سيارة, مبادئ السلامة هذه, أمّا العمل الصالح بحسب الإمكانيات، بحسب الجود، بحسب الشوق إلى الله, هذا نسبي، أكثر الناس يعتقدون بنسبيّة الاستقامة, أطع الله على قدر ما تستطيع, نوعاً ما كلمة بالطاعة نوعاً ما, قدر ما تستطيع, الميسور, اللهُ لم يُكلّفُكَ فوق طاقَتُكَ, الإنسان ما دام راغباً في أن يبقى ثغرات كبيرة بحياتِهِ, هذه الثغرات كُلُها حُجُب تحولُ بينَهُ وبينَ اللهِ جلَّ وعلا. 
 

3-الاتصال بالله : 


النظريّة الأولى: المعرفة بأبوابِها الثلاثة: بالتأمل, بالكون, بالنظر, بالحوادث, بالمُدارسة, بطابع التلقّي, الاستماع, أو طابَع الإلقاء, أو القراءة, في رُكن ثالث: الاتصالُ بالله  كُليّاً, الصلاة اتصال، والصوم اتصال، والاستغفار اتصال، والتسبيح اتصال, والدُعاء اتصال، يجب أن تكشف القاسِم المُشتَرك, تُصلّي من أجلِ أن تتصل، وتصوم من أجلِ أن تتصل، وتحُجَ البيت من أجل أن تتصل, وتدعو اللهَ عزّ وجل من أجلِ أن تتصل، وتُسبحهُ وتوحّدهُ وتُكبرّهُ وتُمجدّهُ وتُنزههُ من أجلِ أن تتصل.
طيب: إذا كان العِلم نما, والعمل جاد والذِكر ضَعف, ماذا يحصل للإنسان؟ دققوا في السؤال: عِلم جيد، أعمال طيبة جيدة، لكن الاتصال بالله ضعيف, الصلاة شكليّة، والذكر قليل، الدُعاء صفر، القلب يتصحّر، القلب يخلو من مشاعر الإيمان, وإذا خلا القلبُ من مشاعر الإيمان, دخلَ السأم والملل والضجر، يعني: القلب مُحرّك, فإذا المُحرّك واقف، المِقود ممتاز؛ لكن لا يوجد مُحرّك!!!.
سيدنا سُليمان قال: إني أحببتُ حُبَّ الخيرِ عن ذِكر ربي، سيدنا سُليمان آثرَ العملَ الصالح على اتصالِهِ بالله فعاتَبَهُ الله، سيدنا داوود بالعكس: آثرَ اتصالَهُ بالله على خِدمةِ الخلق فعاتَبَهُ الله, إذاً: ما المطلوب؟ أن توازِنَ بينَهُما، أن تسعى إلى إِقام التوازن, حركة كما يقولون، كُلما خطوتَ خطوةً نحوَ العمل الصالح, يجب أن تُلازِمَها خطوة نحوَ ذِكرِ الله, ذِكر وعمل, الآية الكريمة: 

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) ﴾

[  سورة الشرح ]

ما علاقةُ هذه السورة بهذه الفِكرة؟ أينَ موضِعُ الشاهد؟ إذا فرغتَ من عملٍ صالح, فعليكَ أن تنصَبَ لِذِكرِ الله، يجب أن تتحركَ على خطين متوازيين؛ خط العِلم والعمل, وخط الذِكر.
 

من فروع الذكر :


مرةً ثانية: الذِكر من فروعه الصلاة، الصوم، الحج، الزكاة، الاستغفار، الدُعاء، التسبيح، التحميد، التمجيد، التهليل، التكبير, كُلُهُ ذِكر:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) ﴾

[  سورة الرعد ]

فأنتَ عقلُكَ امتلأَ عِلماً بقيَ القلب، القلب مملوء شهوات، فالمؤمن يشحنُ قلبهُ بِذكرِ الله. 
عبدي طهّرتَ منظرَ الخلقِ سنين, أفلا طهّرتَ منظري ساعة؟
يا أيها الإخوة الأكارم؛ لا بُدَّ لُكلِّ واحدٍ مِنّا من غارِ حِراء.
قالَ لي واحد مُداعِباً ومُعاتِباً: أتتركُنا أسبوعين وتذهب وتَحُج؟ قلتُ لهُ: وأنا أريد أن أُشحن أيضاً, ألا أُعطي؟ فيجب أن أتلّقى أيضاً، الإنسان عطاء, فتفرغ البطارية، يجب أن يُشحن, حتى يشحن الآخرين، فالحج عِبادة, فيها تفرّغ تام لله عزّ وجل، كُل الحج تفرّغ ودعاء وابتهال وطواف وسعي وما إلى ذلك.
إذاً: الكُليّة الثالثة: وهي الذِكر, الصلاة, أو اتصال، أعتقد أنَّ الذِكر أشمل، أولاً: ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) , أعني ما أقول: القلق, الخوف، الاضطراب، السأم، الضجر، كُلُ هذه المشاعر المُحزِنة تزول بالذِكر.
يا إخوان؛ لو كان جهاز يقيس معنويات الإنسان العالية, كُلما ازددتَ صِلةً باللهِ عزّ وجل, شعرتَ بمعنوياتٍ عاليةٍ جداً, وكُلما ضَعُفَ الاتصالُ بالله عزّ وجل, تسرّب القلق والخوف، لذلك لو أُتيحَ لكَ أن تطلعَ على قلبِ إنسانٍ بعيدٍ عن الله عزّ وجل, لوجدت قلبَهُ ممتلئ خوفاً وذُعراً, والدليل:

﴿ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26)﴾

[ سورة الأحزاب ]

أمّا المؤمن مطمئن بالله عزّ وجل، طلب عِلم، عمل صالح بِشقيّه السلبي والإيجابي، ذِكر بِكُلِّ ما تعني هذه الكلمة, من صلوات, وصيام, وحج, وزكاة, ودعاء, وما إلى ذلك.
 

4-التوحيد : 


في رُكن رابع أو خامس من أركان هذا الدين العظيم: التوحيد يجب أن ينطوي تحت ركن كبير رُكن المعرِفة, هذا السؤال ساقَني إلى موضوع دقيق: 
أنتَ إمّا أن تعرِفَ أمرهُ وإمّا أن تعرِفَهُ، إذا عَرفتَهُ ولم تعرِف أمرَهُ تفسقت, وإذا عَرَفتَ أمرَهُ ولم تعرِفهُ تزندقت، لا بُدَّ من أن تعرِفَهُ, ولا بُدَّ من أن تعرِفَ أمرَهُ في وقتٍ واحد، فلذلك أكبر خطأ يرتكبهُ بعض المُسلمين: أنهم يُعلّمون طالب العِلم الأحكام الفقهيةَ فقط، طالِبُ العِلم ما عَرَفَ اللهَ عزّ وجل, يُريد أن يُطيعَ من؟ أن يتصّل بمن؟ أن يخافَ من؟ أن يرجو من؟.
في سؤال كبير: هكذا الصلاة، الواجبات، السُنن، تُصلّي لمن؟ نقول لكَ: يا أخي ألا تستقيم؟ أأستقيم لمن؟ لذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- أمضى مرحلةً رائعةً جداً من مراحِلِ دعوتهِ في التعريفِ باللهِ عزّ وجل، ثمَّ أمضى مرحلةً أُخرى في التعريفِ بأمرِ اللهِ عزّ وجل, وأيّةُ دعوةٍ إلى الله تفتقر إلى أحدِ شرطيها دعوةٌ عرجاء، لا بُدَّ من أن تُعرّفَ بالله, ولا بُدَّ من أن تُعرّفَ بأمرِ الله.
مثلاً: في عندك ظاهرة مرضية، تجد شخصاً يحمل أعلى شهادة شرعية, تعلّم العقائد, والتوحيد, والفقه, والمواريث, وتعلّمَ أحكام الزواج والطلاق, والعدّة, واللقطة, وأحكام الوديعة, وأحكام القرض, وأحكام المُزارعةَ والمُساقاة, وأحكام الوكالة والحوالة, يقول لكَ: ثماني مجلدات, وتتفاجأ أنهُ يرتكب مخالفات كبيرة جدّاً, أنتَ كمراقب وجدت واحداً يحمل أعلى شهادة شرعية, لكن لهُ انحرافات خطيرة، قد يأكُلُ مالاً حراماً, بماذا تُشخّص مرضَهُ؟ عَرَفَ الأمر ولم يعرف الآمر، عَرَفَ الشريعة ولم يعرف الحقيقة، عَرَفَ الأحكام الفقهيّة ولم يعرف المُشرّع، هكذا..., وإذا رأيتَ إنساناً معلوماتهُ الفقهيّة ضعيفة جداً, يرتكب مخالفات فقهيّة, لا لأنهُ يُحب أن يعصيَ الله, لا, لأنهُ جاهل لا يعرف, ثمَّ رأيتَهُ يُحدّثُكَ عن أسماء الله الحُسنى, وعن صِفاتِهِ, وهذه حالةٌ مرضيّة، عَرَفَ اللهَ من خِلال الكون, ولم يعرف أمرَهُ بالضبط, فوقعَ في المعاصي, لا لأنهُ يُحبُ أن يعصيَ الله عزّ وجل, لا, لأنهُ يجهلُ حُكم الفِقهِ، ومثلُ هؤلاء كُثُر, يرتكب مخالفةً شنيعةً كبيرةً وهوَلا يدري، يقول لكَ: لا أعرف أهذه حرام!!؟؟.
 

التوحيد ينضم إلى قسم المعرفة :


فالتوحيد ينضم إلى قسم المعرِفة، وقسم المعرِفة كما قُلنا في كون وحوادث, هذهِ تُمثّلُ معرِفة الله، في قرآن وسُنّة هذه تُمثّلُ أمرَ الله, والدليل: الله عزّ وجل قال: 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) ﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) ﴾

[ سورة الكهف ]

فكأنَّ هُناكَ رُكنانِ أساسيّان: الكون كتابٌ مفتوح, والقرآن كتابٌ مفتوح، هذا كِتابٌ حروفهُ كبيرة, يقرؤهُ القاصي والداني، العربي والأعجمي، وهذا كِتاب حروفهُ صغيرة, يقرؤهُ أهلُ العربيةِ فقط.
يعني: هذا خلقُهُ وهذا أمرُهُ، خلقُهُ يدُلُ على التوحيد, وأمرُهُ يدلُ على التشريع معرفة ، عمل صالح, واستقامة، عمل, اتصال.
 

5-البيئة : 


ركن رابع: محبّةُ النبي -عليه الصلاة والسلام- تجديد الإيمان.
الحقيقة: الذي قال محبة النبي, معهُ وجهة نظر, في شيء اسمهُ البيئة, الله عزّ وجل قال: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)  ﴾

[ سورة التوبة ]

نحنُ نتصوّر إنساناً فِكرُهُ نيّر, وعملُهُ مستقيم, ونفسُهُ طاهِرة, ولهُ اتصال بالله، لو أنَّ هذا الإنسان عاشَ في مجتمعٍ منحرف, كُلما مضى بهِ الوقت تضعُفُ مقاومتهُ, إلى أن ينزلق من بابٍ إلى باب, ومن مستوى إلى مستوى, لذلك وردَ أنهُ:
من أقامَ معَ المُشرِكين فقد بَرِئت مِنهُ ذِمّةُ الله
وردَ أيضاً: 
من هَويَ الكَفَرَةَ حُشِرَ معهُم ولا ينفعهُ عملهُ شيئاً
إضافةً إلى معرِفتِكَ بالله, وإلى طاعتِكَ, وإلى عملِكَ الصالح, وإلى ذِكرِكَ, لا بُدَّ من أن تكونَ في بيئةٍ مؤمنة, لأنَّ المؤمنَ يشدُّ أخاه. 
هذا معنى قولِهِ تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) الإنسان أحياناً لا يعرف وليسَ هذا عاراً، ليسَ العار أن لا تعرف, ولكنَّ العار أن تُصرَّ على عدم المعرِفة، ليسَ العار أن تكونَ جاهِلاً, ولكنَّ العار أن تبقى جاهلاً، إذاً: أنتَ يجب أن يكون في حياتِكَ إنسان تثق بِعِلمِهِ، إنسان تسألُهُ هذا معنى قولِهِ تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) إذا قُلت: أنا لا أُريد أيّة جماعة, ولا أيّة جهة, ولا أيّ إنسان, وليسَ لي ثِقة بأحد, فماذا يحدث بالضبط؟ كُن واقعياً, ليسَ لكَ ثِقة بإنسان, ولا بداعية, ولا بعالِم, ولا بجامع, ولا بجماعة, كُلُهم كاذبون, راقب نفسك, تجد نفسك وحيداً مُحاطاً بأُناس بعيدين، مُحاط بأُناس شهوانيين، مُحاط بأُناس دنيويين، من جانس جالس، عندما أنتَ تكون في بيئة منحرِفة أو كافرة أو فاجرة أو فاسقة, تُحِس بحالكَ بعدَ فترة من الزمن صِرتَ مِثلَهم وأنتَ لا تدري, إذاً: لا بُدَّ لكَ من بيئةٍ طيّبة، لا بُدَّ من بيئةٍ تنبُتُ فيها.
وجود رسول أو وجود عالِم أو مُرشد أو مؤمنين, أنا أُعمم, لا بُدَّ لكَ من بيئةٍ صالحة ، لو فرضنا أن إنساناً مؤمناً, وكل أصدقائه فسقه, لا يُصلّون, شاربي خمر, أعتقد لهم تأثير عليه سلبي، أمّا إذا مؤمن جلس مع مؤمنين, الأول صلّى قيام الليل, أنا يجب أن أفعل مِثلَهُ، الثاني تصدّق أمامهُ بصدقة كبيرة, هوَ أفضل منّي, والله أنا أيضاً, تجد المؤمن القوي يأخذُ بيد الضعيف. لذلك:
لا تصحب من لا ينهضُ بك إلى اللهِ حالُه, ويَدُلّكَ على اللهِ مقالُه. 
أنتَ اجلس مع أهل الدُنيا تُحِس بهبوط.
أيام الطائرة تكون مُحلّقة في الأجواء, فجأةً تهوي خمسين متراً, فقلوب الرُكّاب تنخلع, ولا سيّما الراكب أول مرّة, ماذا حصل؟ هذه الطائرة دخلت في جيبٍ هوائي فهبطت، وأنتَ أحياناً أيها الأخ الكريم, لكَ أخوانُك, ولكَ مجلس العلِم, وعلاقاتُكَ كُلُها مع مؤمنين, أُناس طاهِرين، مهذّبين، مُحبين، يُصلّون، يذكُرون، يتورّعون، ينصحون، كأنكَ بينَ أهلِكَ في بحبوحة، اجلس فجأةً مع أهلِ الدُنيا, من مُزاحُهم الرخيص، من مُزاحُهم الجِنسي، من قنصهم، من تعليقاتهم اللاذعة، من وقاحتهم أحياناً، من انحرافهم الأخلاقي، من شهوانيتهم, تُحس كأنكَ تلوّثت وهبطت، فأنا أقول لكم الرُكن الرابع: لا يُمكن أن تلتزم وتتنامى وينمو إيمانُك إلا في بيئة طيّبة, هذا معنى قولِهِ تعالى, آية كبيرة: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)﴾

[ سورة الممتحنة  ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) ﴾

[ سورة المائدة ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) ﴾

[ سورة الممتحنة ]

آيات كثيرة: 

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)  ﴾

[ سورة التوبة  ]

بعدَ أن تتعرفَ إلى الله, من خِلال الكون والحوادث والقُرآن، ومن خِلالِ معرِفتهِ ومعرِفةِ أمرِهِ، ومن خِلالِ التلقّي أو الإلقاء, من خِلال الكونِ أو القُرآن، وبعدَ أن تستقيمَ على أمرِ الله, فتُزيلَ كُلَّ العقباتِ من الطريقِ إلى الله, وبعدَ أن تعملَ صالِحاً, فتتحركَ على طريقِ الإيمانِ, وبعدَ أن تتصلَ باللهِ في الصلاةِ, والصيامِ, والحجِ, والزكاةِ, والذِكرِ, والدُعاءِ, والتسبيحِ, وبعدَ أن تفعلَ كُلَّ هذا, لا بُدَّ لكَ من بيئةٍ مؤمنةٍ تعيشُ فيها.
لا يعرِفُ ما نقول, كما قالَ ابنُ عطاءِ اللهِ السَكندَريّ: إلا من اقتفى أثرَ الرسول.
الذينَ عاشوا في بيئاتٍ كافرة، في مجتمعاتٍ قاسيّة, في مجتمعاتٍ تُرتكبُ فيهِ الفواحِشُ على قارِعة الطريق, كُلُ شيء في هذا المُجتمع يدعوكَ إلى معصية الله، كُلُ شيء في هذا المُجتمع يدعوكَ إلى الفِسقِ والفجور، هذا المُجتمع لا يُعاشُ فيه، لذلك الإنسان إذا اللهُ أكرَمَهُ ببلدٍ طيّبٍ, فيهِ مساجد، فيهِ ذِكر، فيهِ مجالس عِلم، فيهِ بقيّة حياء, بقيّة ورع, بقيّة تقوى, بقيّة صلاح, بقيّة عمل صالح, هذه أرضٌ مُبارَكة، بلدةٌ طيّبة, على الرغمِ من كُلِّ السلبيّات, لا تعرِفُ قيمتها إلا إذا تركتها. 
 

الحنين إلى الوطن :


أحد إخواننا الكِرام ذهب إلى بلد أجنبي بعيد جداً, ولهُ منصِب لا بأسَ بهِ, ويعيش في طمأنينة وبحبوحة, حدثّني أنهُ سَمِعَ قرآناً يُتلى من بعض المراكز الإسلامية في هذا البلد الكبير الحضاري المُتقدّم, حنّت نفسهُ إلى بلادِهِ, وشعرَ بأشواقِهِ إلى بلادِهِ الإسلاميّة, وإلى المساجد, ومجالس العِلم, وتلاوة القرآن، المؤمن دائماً يشعر بانتمائهِ إلى إسلامِهِ وإلى بلدِهِ.
إذاً: الرُكن الرابع في آيات كثيرة جدّاً, وفي أحاديث كثيرة جدّاً, هذا الرُكن الرابع أن تكونَ بينَ جماعةٍ مؤمنة، سافر الآن مع ثلاثة مؤمنين؛ الصلوات، الذِكر، الفجر، وسافر وحدك, أميل إلى التحلل والتفلّت ، الجماعةُ رحمة والفُرقةُ عذاب ، إنَّ الشيطانَ معَ الواحد, وهوَ من الاثنينِ أبعد, وإنما يأكُلُ الذئبُ من الغنمِ القاصيّة ، أحياناً: يجب أن نعودَ إلى كُل الدين، إلى أُصول الدين, هذا هوَ الدين معرِفة.
 

خلق الإنسان للعبادة .


أنا أذكر دائماً وكثيراً: أنَّ الإنسانَ خُلِقَ ليعبُدَ اللهَ عزّ وجل, بدليلِ: الآية القطعيّةِ في دلالتِها:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

العبادة ثلاث مراحل: طاعة قبلها معرِفة وبعدها سعادة, هذا كُل الدين، سلوك مبني على معرِفة يُفضي إلى سعادة، والسعادةُ هدفُ كُلِّ مخلوقٍ حيّ، يعني في النهاية أنتَ خُلقِتَ للجنة, والجنة كُلُها سعادة، متاعب الدُنيا متاعب مؤقتة, التكليف مؤقت، المشقّة مؤقتة، مصارعة النفسِ مؤقتة، لمّا الإنسان يستحق دخول الجِنان:

﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)  ﴾

[ سورة الحجر ]

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)  ﴾

[ سورة الزُمر ]

    قال: المؤمن حينما يأتيهِ مَلَكُ الموت, ويطّلعُ على مقامِهِ في الجنّة, يقول: لم أر شرّاً قط ، لو أنَّ حياتهُ كُلها مُفعمةُ بالمصائبِ والمتاعب, يقول: لم أر شرّاً قط, لو أنَّ حياتَهُ كُلّها مُفعمةٌ بالمتاعبِ والمصائب, يقول: لم أر شرّاً قط، والكافر حينما يعرِفُ مكانَهُ في النار, يصيحُ صيحةً, لو سمِعَها أهلُ الأرضِ لصُعِقوا, يقول: لم أر خيراً قط، أينَ بيوتُهُ؟ أينَ مسرّاتُهُ؟ حفلاتُهُ؟ رِحلاتُهُ؟ أينَ شأنُهُ؟ أينَ الطعام الذي أكلَهُ؟ أينَ النساء اللواتي التقى بِهنّ؟ أينَ السهرات الناعمة؟ أينَ هيَ؟ كُلُها ذهبت وبقيت تبِعاتُها.
 

الخاتمة .


فنحنُ إذاً: بحاجة إلى مجتمع مؤمن، أنا أشعر عليكم أنهُ لمّا الإنسان يحضُر مجلس عِلم, يقول لكَ: تأثّرت وشعرت بصفاء, وبقي معي يومين ثلاث, يومين أو ثلاث في ذكر, وفي قُرب, وفي طُمأنينة, وفي قوّة نفسيّة, وفي معنويات مرتفعة.
أربعة أركان أساسيّة في الدين: رُكن معرِفيّ, طلب عِلم بكُل أنواعُهُ, العِلمُ بالله، العِلمُ بأمرِهِ، الحقيقة، الشريعة، التفكّر، التأمُل، دراسة، سماع، قراءة، طلبُ العِلم على إطلاقِهِ، ثمَّ العمل بشقيّهِ السلبيّ والإيجابي، السلبي الاستقامة والإيجابي التقديم، إنفاق المال، إنفاق الجُهد، إنفاق الخِبرة، ثمَّ الاتصال بالله بِكُلِّ ألوانِهِ؛ من صلاة, إلى صيام, إلى حج, إلى زكاة, إلى ذِكر, إلى دُعاء, إلى إقبال, إلى تلاوة قُرآن، والشيء الرابع: أن تحرصَ على أن تكونَ في مجتمعٍ مُسلم, لأنَّ هذا المُجتمع يُقويّك.
الجماعةُ رحمة والفُرقةُ عذاب ، عليكم بالجماعة, وإياكُم والفُرقة, فإنَّ الشيطانَ مع الواحد وهوَ من الاثنينِ أبعد, وإنما يأكُلُ الذئبُ من الغنمِ القاصية.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور