وضع داكن
20-04-2024
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 050 - العزيمة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

منزلة العزيمة .

الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. 

 

تمهيد .


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الخمسين من دروس مدارج السالكين في منازل: إياك نعبد وإياك نستعين ، والقرآن كله جمع في الفاتحة، والفاتحة جمعت في: 

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5) ﴾

[ سورة الفاتحة ]

فالهدف هو العبادة، والوسيلة هي الاستعانة، ومن عبد الله واستعان به فقد حقق المراد من خلقه، والعباد كما تعلمون أصناف أربعة: 

1- صنف عبدوا الله واستعانوا به، وهؤلاء هم الخيرة من خلقه .

2- وصنف ما عبدوا وما استعانوا، وهؤلاء شرار الخلق .

3- وصنف عبدوه ولضعف توحيدهم ما رأوا أن يد الله تعمل وحدها، وأن الأمر كله بيد الله، وأن الأقوياء عصي بيد الله، فعبدوه وما استعانوا به، فكل ما أصابهم من ضعف بسبب ضعف توحيدهم، وبالتالي ضعف استعانتهم .

4- والصنف الرابع استعان به ولم يعبده .

والله عز وجل يمد كلاً من هؤلاء وهؤلاء من عطائه، وما كان عطاء ربك محظوراً عن أحد. 

أيها الإخوة ؛ بينت في درس سابق أن أخطر مرض يصيب الإنسان هو الغفلة عن الله ، الغفلة عن مصيره الأبدي، الغفلة عن طاعته، الغفلة عن معرفة أمره ونهيه، الغفلة عن معرفة ما ينتظر الإنسان من عقاب أليم إلى أبد الآبدين، إذا خرج عن منهج الله عز وجل، هذه الغفلة علاجها اليقظة، وقد أمضينا درساً في منزلة اليقظة، فاليقظة دواء الغفلة، وبعد اليقظة تبدأ الفكرة، والتفكر طريق إلى الله: 

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191) ﴾

[ سورة آل عمران ]

وحينما تصح الفكرة ينتقل الإنسان بعدها إلى البصيرة، أفكاره والحقائق التي استقرت، تتجمع في بصيرة، في رؤية، لذلك أهل الخبرة أهل بصيرة، كأنهم يرون الحقائق.

أحد أصحاب رسول الله, قال للنبي عليه الصلاة والسلام: كأنني أرى أهل النار يتصايحون، وأهل الجنة يتنعمون.

أي أنك لو وجدت إنساناً ينغمس في المعاصي والآثام، وفي أكل المال الحرام، وفي المتع المحرمة، ويأخذ من المخدرات, ويشرب، ويرتكب الفواحش، لرؤية تملكها تقول: هذا له مصير وخيم، هذا سيدمر، أنت لا تعلم الغيب، ولكنك ترى الأسباب، وتعلم أن هذه الأسباب تؤدي إلى نتائج.

فالبصيرة كما قلنا في درس سابق: بصيرة في أسماء الله الحسنى، وفي الوعد والوعيد، وفي الجنة والنار. 

 

العزيمة :


اليوم المقام الذي يلي البصيرة: اليقظة, فالفكرة، فالبصيرة ، اليوم: العزيمة، كل شيء أصبح واضحاً، كل شيء أصبح جلياً، الأمور واضحة جداً, ما بقي إلا أن تتحرك, أن تقوم, أن تشمر, ففروا إلى الله.

إني ذاهب إلى ربي، شمروا فإن الأمر جد، وتأهبوا فإن السفر قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد، وخففوا أثقالكم فإن في الطريق عقبة كؤود، يا أبا ذر جدد السفينة فإن البحر عميق ، وأخلص النية فإن الناقد بصير، وأكثر الزاد فإن السفر طويل.

أيها الإخوة؛ ما من إنسان يدرك أن بيته يحترق ويبقى جالساً، ينتفض من فراشه ليطفئ الحريق، أرأيت إلى هذه الحركة؟ ينتفض من فراشه ليطفئ الحريق، ما من إنسان يكتشف أن ابنه مصاب بمرض يمكن شفاؤه، ولكنه خطير، إلا ويلغي كل مواعيده، يلغي كل أعماله، ويهب من رقدته ليعالج ابنه. 

رأيت شيئاً في المطار تعلمت منه شيئاً آخر، الطائرة بعد أن يتم ركابها, وتغلق أبوابها ، تتحرك ببطء، ببطء شديد، تسير وتقف، تقف وتسير، إلى أن تقف على أول المدرج، فإذا أخذت الإذن بالطيران, اندفعت بسرعة عجيبة، تزيد عن ثلاثمائة كيلو متر في الساعة، هذا الإقلاع، المؤمن يشبه الطائرة، يسمع، يناقش، يعترض، يقنع أو لا يقنع، يغير المسجد، يقرأ كتاباً، إلى أن تستقر عنده الحقائق، إلى أن تتضح عنده الأمور، إلى أن يرى الطريق واضحاً، إلى أن يرى أن المغنم كبيراً، إلى أن يرى أن الخطر جاثماً، لذلك يقلع، هذا الإقلاع، فإذا أقلع وحلق في الجو, حقق الهدف الأكبر، إلى متى؟ قال تعالى: 

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) ﴾

[ سورة الحديد ]

إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول؟

متى الإقلاع؟ متى تترجم القناعات إلى سلوك؟ متى تترجم القناعات إلى حركة؟ إلى عطاء؟ . 

قال بعضهم: ما إن يستقر الإيمان في قلب الإنسان, حتى يعبر عن ذاته بذاته بحركة نحو الخلق.

أي لا يوجد مؤمن سكوني، المؤمن حركي، المؤمن فاعل، حالة الانفعال الدائمة لا تليق بالمؤمن، هو يغير, يبدل، يتدخل، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يقنع أهله، يقنع أولاده، يقنع زملاءه، يقنع جيرانه، هذا حال المؤمن، حالة حركة, قال تعالى: 

﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) ﴾

[ سورة الذاريات ]

إني ذاهب إلى ربي، هل قالها أحدنا؟ قال تعالى: 

﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ(26) ﴾

[ سورة التكوير ]

هذا يذهب ليحقق مكسباً دنيوياً، وهذا يذهب ليسهر سهرة لا ترضي الله، وهذا يذهب ليقيم دعوة على فلان، وهذا يذهب ليبحث عن رزق، أما هل رأيت إنساناً يذهب إلى الله؟ يرتاد بيوت الله؟ يقرأ القرآن؟ يتفهم كلام الله؟ يبحث عن سنة رسول الله؟ الحركة الجادة، اليقظة، الفكرة، البصيرة، العزيمة، هؤلاء الذين يتسابقون، حينما يصلون إلى المنطلق, كيف ينطلقون ؟ بسرعة مذهلة، فنحن في سباق، قال تعالى: 

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾

[ سورة البقرة ]

قال تعالى: 

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) ﴾

[ سورة آل عمران ]

أخ قال لي: أمضيت جل عمري شارداً عن الله، ولقد ارتكبت معاصي كبيرة، فجأة أصبت بمرض، والمرض مميت، وأنا في غرفة العمليات, قلت له: يا رب، أتريد أن ألقاك عارياً؟ أتسمح لي أن أبقى أياماً معدودات ألقاك بقميص؛ أي بعمل صالح أستر به عورتي؟ ناجاه وبكى، الله عز وجل أعطاه فرصة، وخرج من المستشفى، أصبح يحضر درس الفجر، والظهر، والمساء، والجمعة، والسبت، والأحد، والاثنين، قال لي: يوجد ثلاثة أيام لا أحتمل من دون دروس, قال لي: في مرة وأنا أناجي ربي، قال: ناجاه, فقال له: يا رب، كل هذه السعادة بالقرب منك، لِمَ لَم ترسل لي هذا المرض قبل عشر سنوات؟ هذا المرض هو السبب. 

الآن الحديث عن الحج : الحاج يقول: لبيك اللهم لبيك، ما معنى لبيك؟ لبيك تعني: أنه قد سبقها نداء أن تعال, تعال إلى بيتي الحرام، تعال إلى بيتي الحرام لتذوق طعم القرب، لتزيح عن كاهلك هموماً كالجبال، واخرج من حياتك الرتيبة المملة، تعال إلى بيتي الحرام لترى عظيم إكرامي إليك، الجواب: لبيك اللهم لبيك. 

لبيك جواب تعال إلي، تعال إلي حتى أكرمك، هذا الجوهر في الدين، جوهر القرب من الله ضعيف، فيه مظاهر صارخة، جامع رائع جداً، فيه زخرفة رائعة جداً، لكن نحن نريد زخرفة القلوب من الداخل، نريد قلباً مستنيراً، نريد قلباً موصولاً بالله عز وجل، قلباً منيباً، قلباً سليماً، نريد حباً، نريد وداً مع الله، نريد اتصالاً، نريد أن نفتح خطاً ساخناً مع الله، نرفع السماعة إن لم يكن الخط موصولاً, مهما ضغطت الزر فهذا غير مفيد، كتلة لا معنى لها، الهاتف دون خط حامٍ مهما كان أنيقاً يصبح كتلة من البلاستيك لا معنى لها إطلاقاً، لكن قيمة هذا الجهاز: هي أنك لو رفعت السماعة, وسمعت الرنة، فالخط حامٍ، يوجد خط ساخن. 

قال لي رجل: بقي لي خمسة وثلاثون عاماً, ولم أسجد لله، ولم أصم يوماً، ولم أؤد طاعة, قال لي: دعتني أختي إلى زيارة كندا حيث هي، دعتني عشر سنوات متتالية, فلبيتها في السنة العاشرة، وأنا في طريقي إلى نياغارا شلالات جميلة جداً، أسمعتني شريط المهيمن من أسماء الله الحسنى، قال لي: سمعته مرات عديدة، وأخذت كل ما عند أختي من أشرطة عن أسماء الله الحسنى، وعرفت أن الدين شيء عظيم, وصار يجمع هذه الأشرطة حتى بلغت ألف شريط، وقد سمعها كلها، ثم قال لي: فتحت مع الله خطاً ساخناً، وقال لي: أسعد لحظات حياتي حينما آتي إلى البيت لأصلي، لأصلي قيام الليل، قال لي: انقلبت حياتي من الجحيم إلى النعيم، من الشقاء إلى السعادة، من الضياع إلى الوجدان، بعد أن اتصل بالله عز وجل، هذا هو الدين، الدين أن تعرف الله، الدين أن تحبه، الدين أن تتصل به، أن يستنير قلبك بنوره. 

فالذي يعنينا الآن هذه العزيمة، الحركة، ماذا فعلت من أجلي؟ قناعات ممتازة, عاطفة إسلامية، خلفية إسلامية، أرضية إسلامية، اتجاه إسلامي، شعور إسلامي، اهتمامات إسلامية، مكتبة إسلامية، حتى متى إذاً؟ متى سيكون هناك حركة إسلامية؟ متى تستطيع أن تقول: ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) متى تقلع هذه الطائرة؟ حركة بطيئة، نتقدم, ونتأخر، وننتقد، متى تقلع هذه الطائرة؟ 

 

درس اليوم العزيمة. 


قال: فإذا انتبه وأبصر, أخذ في القصد, وصدق الإرادة، وأجمع القصد والنية على سفر إلى الله، وتيقن أنه لا بد له منه، فأخذ في أهبة السفر، وتعبئة الزاد ليوم المعاد، والتجرد عن عوائق السفر، وقطع العلائق التي تمنعه من الخروج.

الإنسان حينما يشتد عزمه, كل عقبة تحول بينه وبين الله يركلها بقدمه، وكل صارف يصرفه عن الله يسده بقدمه، وكل قضية يمكن أن تبعده عن الله يلغيها من حياته، وكل صديق لا يذكره بالله يقطعه، وكل دخل ليس فيه راحة للنفس يستغني عنه، لأن الله مطلبه وقصده في الحياة كلها، فهذا الذي ملك العزم ينبعث إلى السلوك، يتحرك بلا توقف ولا تردد، ولا علة ولا رغبة في رياء ولا سمعة، ولا طلب محمدة، ولا طلب جاه ومنزلة عند الخلق، يستوي عنده المادحون والذامون، يستوي عنده الثناء والتأنيب, صدق القائل: 

فليتك تحلو والحيـاة مريرة         وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر        وبيني وبين العالـمين خراب

وليت شرابي من ودادك سائغ         وشربي من ماء الفرات سراب

هكذا حال المؤمن: إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى .

﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) ﴾

[ سورة الأنعام ]

فالذي ملك العزيمة طبعاً بعد اليقظة والتفكر، بعد البصيرة، ما بقي له إلا العزيمة. 

مثل اقبلوه مني ولكنه مضحك: في أيام الشدة التموينية, لا يوجد مواد أولية، ولا يوجد مواد غذائية، فأنت موظف، داومت ثماني ساعات بعمل شاق، ودخلت إلى البيت وأنت منهك القوى، خلعت ثيابك, وارتديت ثياب البيت, واضطجعت على السرير، جاء ابنك قال لك: يوجد في المؤسسة الاستهلاكية زيت، ولا يوجد ازدحام، والسعر رخيص جداً، والنوعية جيدة، ونحن لا يوجد عندنا زيت، وأنت قد قبضت راتبك اليوم، الصفيحة في المؤسسة ثمنها ثمانمائة ليرة، وخارجها ثمنها ألف ومائتان، راتبك محدود، رغم أنك خلعت ثيابك، وارتديت ثياب البيت، وأنت متعب ومنهك، تجد نفسك قفزت من الفراش وارتديت الثياب ثانية، وذهبت إلى المؤسسة، لتشتري هذه الصفيحة، لأنك ستوفر ستمائة ليرة، وأنت بأمس الحاجة إلى هذا المبلغ ، ولا يوجد ازدحام، ولا يوجد في البيت زيت, وأنت بحاجة إلى الزيت، وقد قبضت راتبك حديثاً، والسعر فيه فرق كبير جداً، انظر: خمس كلمات من ابنه جعلته يتحرك، هل تستطيع أنت أن تقول لنفسك خمس كلمات لتتحرك؟ لتقوم وتمشي وتخرج من البيت إلى الجامع؟ أو تعين إنساناً؟ أو أن تقرأ القرآن؟ هل عندك هذه الحركة؟ .

إن لم يكن هناك حركة فمكانك تحمدي أو تستريحي. 

مرة في الحج، وقد وضعت سلالم للطابق الثاني في الكعبة المشرفة، وللطابق الثالث السطح، ففي منظر للحجاج يثير انطباعاً معيناً، كل شيء واقف والسلم يسير، متحرك، مرتاح, والدرج متحرك، هكذا وضع المسلمين اليوم، يريد من يحركه، يريد من ينهضه، يريد من يعطيه، محمول، أما الصحابة فقد حملوا، مسلمو اليوم يحبون أن يحملوا، أو يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فرق كبير بين أن تَحْمِل وبين أن تُحْمَل، تريد أن تزوجه, وأن تؤمن له البيت، وعمل، وتحل له مشكلته مع زوجته، ومشكلته مع شركائه، وكل يوم سؤال. 

توفي من الأسرة أحدهم، يقول: ألا تريدون أن تذهبوا للعزاء؟ وعلى هذه الحال عندي كل أسبوع خمسين تعزية، أقول: ولكني لا أعرفه ولا يعرفني، يقول لك: سيستفيدون من كلمة منكم يا سيدي، يريد أن يأخذ كل شيء ولا يعطي شيئاً, يريد من يحمله ولا يحمل أحداً، نحن نريد من يحمل، نريد من يساهم، يقدم للمسلمين شيئاً، يقدم بين يدي الله عز وجل شيئاً. 

(( يا بشر, لا جهاد ولا صدقة, فبم تلق الله إذاً؟ ))

[ رواه الحاكم في المستدرك ]

سؤال محرج: اسأل نفسك إذا وقفت بين يدي الله يوم القيامة، قال لك: يا عبدي ماذا فعلت من أجلي؟ يا رب آمنت بك، حسناً ماذا فعلت؟ 

رجل مريض بمرض جلدي, وعلاجه الشمس، هذا الإنسان المريض آمن أن الشمس ساطعة، حسناً وماذا لو آمن بهذا؟ إن قلت: ساطعة, ما فعلت شيئاً، وما قدمت شيئاً، إن قلت: ليست ساطعة تتهم بعقلك، حتى لو آمنت ماذا فعلت؟ لم تفعل شيئاً، ماذا قدمت؟ قال تعالى: 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) ﴾

[ سورة الكهف ]

ماذا قدمت؟ الصحابة الكرام فتحوا البلاد. 

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَا لِي وَلا لِبِلالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبِطُ بِلالٍ ))

[ أخرجه الترمذي ]

بالله عليكم، هل من أحد منكم دخل بيته مرة، وسأل أهله: هل عندكم طعام؟ قالوا: لا، ولا كسرة خبز, ولا كأساً من الشاي، ولا قطعة جبن أبداً .

النبي دخل إلى بيته ذات مرة فقال: 

(( عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لا, قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ ))

[ أخرجه الترمذي في سننه ]

(( وصار المال بين يديه، قال له أحدهم: لمن هذا المال؟ قال: هو لك، لمن هذا الوادي ؟ قال: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: لا والله هو لك، قال: أشهد أنك لرسول الله، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر.  ))

الله امتحنه بالفقر فصبر، وامتحنه بالغنى فشكر، وامتحنه بالضعف فكُذِّب، وعوقب، وسُخِرَ منه. 

قال: لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين، قال: لا يا أخي.

عَبْدُ اللَّهِ قال: 

(( كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَوْمـُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح ]

إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك . 

انظر: امتحنه بالفقر فصبر، امتحنه بالغنى فشكر، امتحنه بالضعف والفقر فصبر، امتحنه بالقوة ففتح مكة، عشرة آلاف سيف متوهجة، تنتظر الأمر من شفتيه، أنقضي عليهم؟ قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. 

(( ما تظنون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا:  أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ))

الأمر الذي جعل أبو سفيان يقول: يا بن أخي ما أحكمك، وما أرحمك، وما أعقلك، وما أوصلك!. 

سؤال محرج: ماذا قدمت لله؟ هل تركت علماً؟ هل تركت عملاً خيِّراً؟ هل ربيت إنساناً ؟ هل دعوت إلى الله؟ هل خدمت أهل الحق؟ هل بذلت من وقتك لتعليم الآخرين؟ اسأل نفسك هذا السؤال المحرج: ماذا فعلت بين يدي الله عز وجل؟. 

يا عبدي, ماذا فعلت من أجلي؟ قال: يا ربي زهدت في الدنيا من أجلك، قال: أما زهدك في الدنيا فقد تعجلت فيه الراحة لقلبك، ولكن ماذا فعلت من أجلي؟ قال: يا رب, وماذا أفعل من أجلك؟ قال: هل واليت فيَّ ولياً؟ هل عاديت فيَّ عدواً؟

أي لو رأيت إنساناً متفلتاً يتهجم على الدين، ألم تحاول أن تقنعه بالدين؟ أو تقف موقفاً حازماً يرضي الله؟ لا يستطيع، لا خير فيه، ولا رغبة في إعانة إنسان على الحق، تأتي ابنة أخيك إلى المنزل, تلبس الثياب الفاضحة، أهلاً بابنة أخي، كيف حالك؟ لقد اشتقنا لكِ، لم نعد نراك، ألم يخطر في بالك أن تنبهها إلى هذا اللباس الفاضح؟ يقول لك: دع الناس وشأنهم، هذا هو حال المسلمين اليوم. 

حال المسلمين اليوم: حي فيه بيت قد احترق، كل واحد منهم قال: لا دخل لي، إن لم ينهض كل سكان الحي في إطفاء الحريق، سوف يصل إليهم جميعاً بيتاً بيتاً, قال تعالى: 

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) ﴾

[ سورة الأنفال ]

 

علامة العزيمة الحركة بلا توقف ولا تردد :


قال لهم: أول قائد سيدنا أسامة بن زيد بن حارثة، ثاني قائد سيدنا جعفر، الثالث سيدنا عبد الله بن رواحة، أول قائد أخذ الراية وقاتل حتى قتل، أخذها سيدنا جعفر فقاتل حتى قتل سريعاً، جاء دور سيدنا ابن رواحة، فأخذ الراية وتردد ثلاثين ثانية, قال: 

يا نفس إلا تقتلي تموتي               هذا حمام الموت قد صليتِ

إن تفعلي فعلهما رضيتِ           وإن تولـيت فقد شقيـتِ

وأخذ الراية وقاتل بها حتى قتل، النبي عليه الصلاة والسلام قال:

أخذ الراية أخوكم زيد فقاتل بها حتى قتل، وإني أرى مقامه في الجنة، ثم أخذ الراية أخوكم جعفر فقاتل بها حتى قتل، وإني أرى له جناحين يطير بهما في الجنة، ثم سكت، فقلق أصحاب النبي على أخيهم عبد الله, قالوا: ما فعل عبد الله؟ قال: ثم أخذ الراية أخوكم عبد الله، فقاتل بها حتى قتل، وإني لأرى في مقامه ازوراراً عن صاحبيه

هبط مقامه لأنه تردد، يجب أن لا يكون هناك تردد ولا توقف، ولا رياء ولا سمعة، ولا طلب محمدة، ولا جاه ولا منزلة، بل على العكس أي عائق يزيله، وأي صارف يغلقه، وأي موضوع جانبي ينصرف عنه، فهو ينقاد إلى العلم ليتهذب به، ويصلح شأنه، ويقصد إجابة داعي العلم كلما دعاه، يسأل ما الحكم الشرعي في هذا؟ إن كان حراماً تركه فوراً بلا تردد، لا يعلق تطبيق الأمر على معرفة حكمته، لأنه يعتقد أن علة كل أمرٍ أنه أمر، هو يقبل على تنفيذ الأمر إقبال العابد، فإذا أقبل على هذا التنفيذ, كشف الله له حكمته، فجمع بين العلم والعبادة، هذا لما يتحرك وينهض من فراشه، ويتوجه إلى بيت الله، ينهض من فراش وثير ليصلي الفجر في جماعة، يغلق محله ليحضر درس علم، يتعلم به، يذهب لعيادة مريض، حينما يتحرك هذه الحركة، صار قصده عزماً جازماً، قال تعالى: 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾

[ سورة آل عمران ]

باللغة الدارجة: قوموا يا شباب، هيا لا يوجد وقت، هذا النهوض، هو الدرس اليوم ، طبعاً: تنطلق إلى البيت, إلى المسجد, إلى عملك، إلى جامعتك، إلى دكانك، من أجل أن تكسب عملاً صالحاً ترضي الله به.

 

تعريف العزم :


هو القصد الجازم المتصل بالفعل، ولهذا قيل: إنه أول الشروع بالحركة لطلب المقصود.

مثلاً: رجل أراد أن يحج، ينهض الساعة الثامنة، يذهب إلى مديرية الحج، مطلوب قيد نفوس، لا حكم عليه، موافقة الجندية، دفع مبلغ، ذهب الساعة الثامنة إلى التجنيد, وأخذ موافقة، هذا الذي ينوي الحج.

إنسان أخذ شهادة ثانوية، ويرغب في الجامعة، يتتبع الصحف، علامات القبول، يشتري إضبارة، يقدم الوثائق، يحضر المصدقة ويصدقها، حركة، اليوم درسنا حركة, إذا لم توجد الحركة, لا يوجد شيء، في الحركة بركة، تدعو الرجل فيقول لك: إني مشغول، لا يوجد رغبة، لا تحرجني، أميل إلى الاسترخاء والنوم والاعتذار، أما بموضوع دنيوي للساعة الواحدة يسهر، موضوع متعلق بالدنيا يسهر إلى الساعة الثانية صباحاً، استوقف أحد ما في الطريق, قل له: مشروع, تجده يقف, نسي نفسه واقفاً، مضت ساعة ونصف وهو واقف، إذا موضوع مشروع، تكلمه عن الله تراه يتثاءب، يقول لك: لا تؤاخذني، إني قد سهرت البارحة حتى الساعة الثانية، وعندي موعد, وعندما تكلمه عن الله تجده يريد أن يغير الحديث.

فالعزم هو القصد الجازم المتصل بالفعل، لذلك قالوا: هو أول الشروع في الحركة لطلب المقصود.

والشروع في الحركة ناشئ عن العزم، أكثرنا دخل الجامعة، حسناً: كيف درست؟ حتى الساعة الثانية عشرة أو الواحدة.

أنا أذكر عندما دخلت كلية الآداب، وطنت نفسي لأعرب كل يوم صفحة بكاملها، صفحة كان علي أن أعرف كل كلماتها، صرفاً, ونحواً، وبلاغة، وعروضاً، ومعنى، وتقطيعاً ، أحياناً كانت تأخذ الصفحة من وقتي عشر ساعات، كل الكتب أمامي، وكل المراجع، ما من إنسان يصل لشيء بلا ثمن، تجد الطبيب قد درس ثلاثاً وثلاثين سنة، ما من إنسان وصل إلى شيء دون جهد بالغ، هذه الدنيا تجد الإعداد لها أربعين سنة والاستمتاع عشر سنوات.

كثير من الناس يموتون في الخمسين، حتى استقر أربعين عاماً، حتى اشترى بيتاً وركب مركبة صغيرة، معترك المنايا بين الستين والسبعين، تجده في الثماني والأربعين، والسبع والأربعين، في الاثنين والخمسين تجده انتهى، انتهت الحياة، معقول أن تعد أربعين سنة لِعشر سنوات؟ والله هذه خسارة كبيرة، أما أن تعد للأبد فهذه سهلة جداً، شيء منطقي أن تعيش خمسين سنة تعد فيها لحياة أبدية تمام، أما لعشر سنوات فهذه مغامرة كبيرة. 

 

العزم نوعان :


1- عزم على الدخول في طريق الإيمان .

2- وعزم على متابعة السير في طريق الإيمان.

كل شيء أوله له بريق، أول شهر وحتى أول شهرين, من الدخول إلى المسجد، حينما يلتقي بأهل الحق, يقول لك المرء: أنا أعيش في جنة، لأنه منقول نقلة مفاجئة، من جو بارد، من صقيع إلى جو دافئ أو بالعكس، من جو حار لا يحتمل إلى جو مكيف، نقلة مفاجئة، هذا الإنسان كان في مكان حرارته 56ْ, ودخل إلى غرفة مكيفة، يقول لك: ما شاء الله، التكييف نعيم, لكن بعد ساعة لم يعد يشعر بالتكييف، لأنه استمر، وإذا دخل أحدهم من صقيع إلى غرفة دافئة، أول الدخول رائع، لكن بعد فترة ألفه، فبالإيمان يوجد في البدايات مرغبات، لكن بعد فترة يألف الحق، يألف المنطق الإسلامي، يألف الاستقامة، فتضعف همته، الآن أنت تريد عزيمة من نوع ثانٍ للمتابعة، تريد عزيمة دخول، وعزيمة متابعة.

العزم نوعان : عزم في البدايات، وعزم في المتابعة.

يوجد نقطة مهمة جداً: أن مقامات الدين ليست كمقامات الطريق، كرجل سافر إلى حلب، انتقل من دمشق إلى القطيفة، ثم غادرها إلى حمص، ثم غادرها إلى حماه، ثم غادرها إلى المعرة، ثم غادرها إلى حلب، أول منزلة ترافقك دائماً، تضاف لها الثانية، تضاف لها الثالثة، تضاف لها الرابعة، منازل ثابتة تتنامى لا تنقطع، هذا حال أهل الجنة، بدأ باليقظة فاليقظة مستمرة معه، انتقل إلى البصيرة فالبصيرة مستمرة، انتقل إلى العزم فالعزم مستمر، الله عز وجل قال: 

﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) ﴾

[ سورة التوبة ]

التوبة مستمرة، واليقظة مستمرة، والبصيرة مستمرة، والفكرة مستمرة. 

عَنْ عَائِشَةَ رَضِـي اللَّهم عَنْهَا قَالَتْ: مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ ـ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ـ إِلا يَقُولُ فِيهَا: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي

أليس فيها قوله تعالى: 

﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً(3) ﴾

[ سورة النصر ]

 

الصبر من مقامات العزم :


الإنسان لعمل دنيوي يصبر، يقول لك: عملي شاق.

أحياناً الإنسان يضطر أن يصـب سقفاً في أيام الصقيع، يخرج من بيته الساعة السادسة، ويقف في الهواء, يتحمل الرياح الباردة، من أجل أجرة مفترضة، فالإنسان يصبر أحياناً على عمل شاق من أجل الدنيا، فكيف إذا صبر من أجل الله؟ فالصبر من لوازم العزيمة: 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً(73) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

 

الخلاصة :


أيها الإخوة؛ محور هذا الدرس: الأمور واضحة ليس إلا الله، لا إله إلا الله، وأنت مخلوق للجنة، والجنة تحتاج إلى عمل, قال تعالى: 

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) ﴾

[ سورة النحل ]

وكل معصية لها عقاب, وكل حسنة لها ثواب، ومستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل أن تطيعه وتذل، ومستحيل أن تعصيه وتعز، هو الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وكلنا إلى الموت سائرون.

كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل البقيع يقول: 

(( أنتم السابقون ونحن اللاحقون ))

وكل إنسان كذلك الأمر، أمير البحرين قابل وزير الدفاع الأمريكي، وبعد دقائق مات، الأمير يموت, الملك يموت، الغني يموت، الفقير يموت، القوي يموت، والضعيف يموت، الذكي يموت، والغبي يموت، الصحيح يموت، والمريض يموت، الشاب يموت, والكبير في السن يموت، وكل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت، لو يعرف الإنسان دقائق جسمه، الموت أقرب إليه من شرك نعليه، يقول لك: سكتة ومات، ما هذا القلب؟ فيه كهرباء ونبض، إذا جاءت خارجة انقباض واحدة أطول مما ينبغي يتوقف القلب، كان شخصاً صار خبراً، ما الإنسان؟ كل حياتك, وفاعليتك، ونشاطك، ومكانتك، وهيمنتك، وشخصيتك، وأموالك كلها المنقولة وغير المنقولة، وأسرتك, وبيتك, ومكتبك, وسيارتك، وكل مكانتك مربوطة بواحد ميلي وربع, هو الشريان التاجي، مربوطة بنمو الخلايا، مربوطة بسيولة الدم، إذا الدم جمد جلطة، وإذا الخلايا تفلتت سرطان، وإذا الشريان ضاق, يقول: لك خناق صدري، وكل واحد منا تحت هذا الخطر، تحت رحمة الله، ما من أحد يعرف متى؟ .

شخص بأعلى درجة من النشاط, فجأة فقد حركته وكلامه، صار طريح الفراش، كان له محل تجاري، له حركة، ولكنها انتهت, صار عبئاً، هكذا الدنيا، لذلك:

الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.

اعمل عملاً صالحاً, ثم متى يأتي أجل الله أهلاً وسهلاً, قال تعالى: 

﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ(158) ﴾

[ سورة آل عمران ]

﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) ﴾

[ سورة الزخرف ]

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26) ﴾

[ سورة يس ]

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور