وضع داكن
13-08-2025
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 072 - السر - 2 ما الذي يحجب العبد عن ربه؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

قضية الحجاب من أخطر قضايا الإيمان:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني والسبعين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، والمنزلة التي نحن فيها والتي بدأتها في الدرس الماضي هي منزلة السّرّ؛ أي أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما تنطوي عليه نفوس عباده، فيُحلِّهم بالمكان الذي يليق بهم، وقد انتهى الدرس الماضي إلى موضوع الحُجُب التي تحجب الإنسان عن الله عز وجل، ولا تنسوا أن أشدّ عقاب يُعاقب به الإنسان يوم القيامة أن يُحجَب عن الله، والذي يُحجَب عن الله يوم القيامة محجوب عنه في الدنيا، فالمحجوب في الدنيا هو محجوب في الآخرة، ما الذي يحجبك عن الله عز وجل؟

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾

[ سورة المطففين ]

أي من دون أن نقع في المبالغة، ما من مصيبة تصيب الإنسان في الدنيا كأن يكون محجوباً عن الله، لو فقد ماله كله وكان موصولاً هو الرابح الأكبر، لو فقد أعزّ شيء يملكه وكان موصولاً هو الرابح الأكبر، لو فقد شيئاً من صحته أو بعض صحته وكان موصولاً هو الرابح الأكبر، أما إذا ملك الدنيا بحذافيرها وكان محجوباً عن الله فهو الخاسر الأكبر.
أيها الإخوة الكرام؛ بشكل موجز إجمالي المعصية تحجبك عن الله، ومتى حُجِب الإنسان عن الله أصبحت التكاليف عبئاً عليه:

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)﴾

[ سورة النساء ]

حضور الدرس عبء عليه، العمل الصالح عبء عليه، غضّ بصره عبء عليه، ضبط لسانه عبء عليه، التكاليف التي كُلِّفنا بها تصبح على المحجوب أثقل من الجبال، أما حينما تكون موصولاً تصبح الأعمال التي لا يقوى عليها معظم الناس هينة سهلة للمؤمن، الشيء العجيب تقوى همته فتخضع له الجبال، يكبر ولا ترى كِبَره، فيصغر أمامه كل عظيم، وحينما يُحجب عن الله يَصغر الإنسان، ولا ترى صغره فيتعاظم عليه كل حقير، الموصول يكبر ولا ترى كِبَره، فيضؤل أمامه كل عظيم، حتى في التضحيات، حتى في بذل الأموال، حتى في ركوب المخاطر، يصغر أمامه كل عظيم، والإنسان حينما يُحجَب عن الله  يصغر:   

﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)﴾

[ سورة الأنعام ]

ولا ترى صغره، فيتعاظم عليه كل حقير، لذلك قالوا: واحد كألف وألف كأف، واحد يفعل المستحيل، وواحد لا يقوى على بذل القليل، فقضية الحجاب من أخطر قضايا الإيمان.
 

ضرورة الابتعاد عن كل مخالفة تحجبنا عن الله:


يا أيها الإخوة الكرام؛ القضية التي يعاني منها المؤمن كل يوم قضية الحج بالعمر مرة، قضية الصيام من عام إلى عام، قضية الجمعة من أسبوع إلى أسبوع، أما قضية الحجاب كل يوم، كل ساعة، كل لحظـة، يوجد مخالفة؟ محجوب، يوجد طاعة؟ موصول، إذا كان هناك طاعة وأنت موصول يَصغُر أمامك كل عظيم، وإذا كان هناك معصية وأنت محجوب يَعظُم عليك كل حقير، والله حياة المؤمن عجيبة، فبينما هو يطاول السماء رفعة، هو يداني الحضيض ضعةً، إن كان موصولاً أو محجوباً.
يا إخوان؛ يجب أن يكون حرصنا لا حدود له على أن نكون مع الله، ويجب أن نبتعد عن كل مخالفة تحجبنا عن الله، أن نبتعد عنها بُعد الأرض عن السماء، ومن ذاق عرف، الإنسان إذا ذاق طعم القرب يصعب عليه أن يُضيِّع هذا القرب لمخالفة بسيطة.
النقطة الدقيقة التي أحبّ أن تكون واضحة أمامكم هي أن الإنسان إذا كان محجوباً لكبيرة ارتكبها، طبعاً الكبيرة تستدعي الحجاب، أما أن يُحجب عن الله عز وجل، ويخسر كل ثمار الإيمـان لمخالفة بسيطة مُقيم عليها، هذه والله خسارة كبيرة، لو فرضنا أن إنساناً يُشنق لجريمة ارتكبها، والله هذا منطقي، أما أن يشنق لكلمة قالها، وكان بإمكانه ألا يقولها، هو خاسر خسارة كبيرة.
 

الحجب التي تجب العبد عن الله: 

 

1-حجاب التعطيل:

هذه مقدمة أيها الإخوة، أما التفصيل، الحُجب التي تحجب عن الله عشرة، أخطر حجابٍ حجاب التعطيل، ويقصد به المؤلف حجاب الجهل، الجاهل عدو نفسه، الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، الجهل، إذا حُجِبت عنك حقائق الذات الإلهية، حقائق الأسماء والصفات، لا تعرف عن الله شيئاً، شيء طبيعي جداً أن ترتكب كل الموبقات وأنت مرتاح، لا تعلم من هو الله؟ ولماذا خلق الله الإنسان؟ وماذا بعد الموت؟ وماذا قبل الموت؟ وماذا في الحياة؟ وما هي الرسالة؟ وما هو السر؟ وما هو الهدف؟ الإنسان يحجبه عن الله جهله:

﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)﴾

[ سورة الزمر ]

إنسان يحمـل دكتوراه بالرياضيات، وإنسان لا يستطيع أن يجمع اثنين واثنين، هل يستويان؟ لنأخذ الذي يحمل دكتوراه بالرياضيات، قيمته من قيمة علمه، فإن كان علمه متعلقاً بشيء دنيوي وإنسان يعرف الله، ما بين الذي يعرف الله ويعرف الرياضيات كما بين الله وخلقه، ألم يقل الله عز وجل:                                    

﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)﴾

[ سورة الفرقان ]

معنى ها يوجد إنسان خبير بالله عز وجل: ﴿فاسأل به خبيراً﴾ يعلم عن الله شيئاً جيداً جداً، يعلم عن الله صفاته، وأسماءه، وكمالاته، ووحدانيته، ويعلم عن الله عدله ورحمته ولطفه وقدرته وغناه وحكمته، فإذا كان الذي يعلم علماً أرضياً له أعلى مكانة في المجتمع فكيف الذي يعرف الله عز وجل؟ لذلك هذا أول حجاب، من كان جاهلاً بالله، من كان غافلاً عن الله، لا يمكن أن يصل إليه البتة، أكبر حجاب هو الجهل، وأكبر كرامة هي العلم. 

الله عــز وجل تفضّل علينا أن عرّفنا بذاته ومنهجه ورسوله:


والله قرأت مرة آية قرآنية في صدر بيت فاقشعرّ جلدي منها:

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾

[ سورة النساء ]

أي إذا الله عــز وجل تفضّل علينا أن عرّفنا بذاته، وعرّفنا بمنهجه، وعرّفنا برسوله، وعرّفنا بدينه، فهذه نعمة عظمى لا تعدلها نعمة على الإطلاق لقول الله عز وجل: ﴿هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)﴾

[ سورة المجادلة ]

يا ليت أن الذي لا يعرف الله عز وجل يكون حجابه أنه حُرِم الخير الذي يأتيه من الاتصال بالله، إنسان لا يعرف الله، يُتاح له أن يأكل مالاً حراماً، أو يُتاح له أن يغتصب مالاً ليس له، لأيتام، أو يُتاح له أن يأخذ مال شريكه، أو يُتاح له مستخدماً ثقة الناس به أن يغشّ الناس غشاً يُحصّل منه أرباحاً طائلة، فحينما يأتي دور العقاب والتأديب، وحينما يُبطش به، ما الذي سبب البطش به؟ جهله.
 

الجهل أعدى أعداء الإنسان:


يُروى أن غلاماً غمز أمير المؤمنين سيدنا معاوية، وهو يصعد المِنبر، كان حليماً، وكان ذكياً، قال: اذهب وخذ الرهن يا غلام، فالغلام غمز أمير المؤمنين لم يصب بشيء، فغمز أميراً آخر فقطع رأسه، فقالوا: حلم معاوية قتل الغلام، أي الإنسان جهله أحياناً هو الذي يُهلكه:

احفظ لســانك أيها الإنســـــان              لا يلدغـنـــك إنــــــــه ثـعبـان

كم في المقابر من قتيل لسانــه              كانت تهاب لقاءه الشجعـــــان

[ الشافعي ]

* * *

فالجهل أعدى أعداء الإنسان، أي إنسان أراد أن يُظهر براعته في القيادة فداس على يدي كلب فقطعهما-القصة ذكرتها لكم كثيراً-في الأسبوع الثاني قُطِعت يداه الاثنتان معاً من الرسغ، هذا لو كان يعلم أن الله سينتقم منه لأنه قطع يدي كلب ما كان يفعل هذا، ما الذي جعل يداه تُقطعان؟ جهله بالله عز وجل.
إنسان قد يأكل المال الحرام، فالحرام يَذهب ويُذهِب معه أهله، ما الذي جعله يهلك؟ أكله المال الحرام، لماذا أكل المال الحرام؟ لأنه يجهل الواحد الدّيّان، قضية دقيقة جداً؛ حينما لا تعرف الله في الأعمّ الأغلب تعتدي على حقوق الآخرين، والله البلاد الإسلامية فيما أعلم طافحة باعتداءات لا حدود لها، اذهب إلى أي وزارة عدل، إلى أي محكمة، تجد آلاف الدعاوى، كلها احتيال، وكلها اغتصاب أموال، واغتصاب محلات، واغتصاب شركات، وشيء لا ينتهي، هؤلاء جميعاً يجهلون أن الله سينتقم وسيحاسب، ثم يأتي التأديب فيسحقهم، إذاً ما الذي جعلهم يدفعون هذا الثمن الباهظ؟ هو جهلهم بالله عز وجل.
قصص كثيرة جداً، الجهل حجاب، الجهل يحملك على أن تعتدي، والعدوان له من الواحد الديان عقاب شديد، فالعقاب الشديد الذي ينزل بساحة إنسان اعتدى على أخيه هو عقاب عدوانه، والعدوان سبَّبه الجهل بالله عز وجل، هذا أكبر حجاب. 

2-حجاب الشرك:

قال: الحجاب الثاني هو حجاب الشرك، أي أن تعبد الله، وأن تعبد جهة أخرى غير الله، هذا حجاب الشرك، فأنت بين أنك تخاف من الله وتخاف من هذا الإنسان، بين أن ترجو رحمة الله وترجو رحمة الإنسان، فإذا تعارض أمر الله مع أمر هذا الإنسان، الإنسان محسوس، الله لطيف، إذا أمرك جبار قوي بمعصية، بيده السلاح، وأَشْهَرَه عليك، وقال لك: افعل، أنت ماذا ترى؟ ترى إنساناً بيده سلاح يُهَددك، أما قوة الإيمان، سحرة فرعون حينما جاء بهم فرعون ليكيدوا لسيدنا موسى هم سحرة، أما أن يروا عصا تصبح ثعباناً كبيراً يلتهم كل عصيهم:

﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)﴾

[ سورة طه ]

تصـّور فرعون، فرعون الآن قصة، الآن فرعون خبر، أما فرعون في عصر فرعون، في حياة فرعون، يُهدِّد بقطع الأيدي والأرجل:  

﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)﴾

[ سورة طه ]

هذا تهديد من طاغية مخيف، يفعل ما يُهَدّد به، وبين الإيمان بالله، فقَوِيَ إيمانهم، سيدنا موسى مع أصحابه، فرعون وراءهم، والبحر أمامهم:

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾

[ سورة الشعراء ]

فالحجاب الثاني حجاب الشرك، سحرة فرعون لم يروا إلا الله، سيدنا موسى لم يرَ إلا الله، سيدنا إبراهيم لم يرَ إلا الله، سيدنا يوسف: 

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾  

[ سورة يوسف ]

لم يرَ إلا الله، سيدنا محمد: والله يا عم! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهِره الله أو أَهلَك دونه، إذاً الإيمان يعطي قوة كبيرة جداً، الشرك هو حجاب يصرف الإنسان عن وعد الله ووعيده، فيقع ضحية وعد العبيد ووعيدهم، يطمع بوعد عبد، ويخاف من وعيد عبد، وينسى وعد الله ووعيده، هذا الشرك، فالجهل حجاب، والشرك حجاب. 

3-حجاب البدع القولية:

قال: هناك حجاب البِدَع القولية، هناك كلمات يقولها العوام دائماً عند الناس بديهية، مثلاً: نحن عبيد إحسان لسنا عبيد امتحان، إذا قلت هذه الكلمة هل تُحلّ مشكلتك؟ اللهم لا تمتحننا، كلمات، يا رب لا تسألنا عن شيء، هو يقول لك: 

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾

[ سورة الحجر ]

تقول أنت: يا رب لا تسألنا عن شيء، ما هذا الكلام؟ هذه كلها بِدع قولية، أحياناً الإنسان دون أن يشعر يجد شخصاً مُنعماً، وشخصاً محروماً، وقد يكون المُنعَم فاجراً، وقد يكون المحروم مستقيماً، فيقول بدعة قولية: الله عز وجل يُطعم الحلاوة لمن ليس له أسنان، ما هذه البدعة؟ أي الله غير حكيم؟! وهكذا كلمات لا تنتهي، إذا شخص رأى منكراً أمامه، يقول: دعهم، سلامتك يا رأسي، إذا واحد اضطر أن ينافق مثلاً يقول لك: من تزوج أمي هو عمي، هذه كلها بدع قولية، بِدع من عصور الانحطاط، لا تعترض تنطرد، لا، اعترض، كن حرّ التفكير، فكر واسأل، فهناك بدع قولية، تراكمات عصور الانحطاط سببت بدعاً قولية لا أصل لها.
أو أن إنساناً غارق بالمعصية يقولون: قد يكون ولياً، انظر لهذا الكلام؟ إنسان متلبس بمعصية ولي لله عز وجل؟ أو إنسان يُهمل نفسه إهمالاً شديداً شديدَاً، هذا ولي، هذا من أهل الخطوة، هذه كلها بدع قولية، هدفها أن تحدث اختلاف توازن، أو أن تقرأ بكتاب: إن الإمام الغزالي رحمه الله تعالى هذا كان أعلم علماء عصره، وترك الإحياء، و، و، حينما توفاه الله عز وجل لم يدخل الجنة إلا بسبب أن دويدية-أحياناً تجد على الورق نقطة سوداء تمشي، نقطة سوداء حجمها أقل من عشر الميلي تمشي، هذه يسمونها دويدية-فهذه الدويدية وقفت على كلمة كتبها بالحبر، فجعلت تشرب من هذا الحبر، فانتظرها الغزالي حتى ارتوت، فدخل الجنة بهذه، كل أعمال الغزالي مهدورة إلا هذه، غير معقول هذا الكلام، هذه كلها بدع قولية، حجاب.
لازلنا في حجاب البدع القولية، إنسان يشرب الخمر، يقول لك: الله يعلم، طاسات معدودة بأماكن محدودة، مُقدَّر عليه ذلك، أو يقول لك: الله خلقه كافراً، قدّر عليه الكفر، وسوف يُدخله إلى النار إلى أبد الآبدين، أنت بهذا الكلام تُحجب عن الله، غير معقول، ليس له ذنب، الله خلقه كافراً، قدّر عليه الكفر قبل أن يُخلَق، ثم جعل مصيره إلى النار، هذه بِدعة قولية، تَحجب الإنسان عن الله عز وجل، أو يقول لك مثلاً: ممكن أن تعبده طوال حياتك، ثم يجعلك في النار، هل تستطيع أن تعترض؟ لا والله لا أستطيع أن أعترض، يمكن أن تعصيه طوال حياتك ويكون مصيرك إلى الجنة، هذه أشياء؛ أو إنسان أمضى طول حياته في المعاصي والآثام، لكن شخصاً قال له: قل: لا إله إلا الله له على فراش الموت فقالها دخل الجنة، أو صلّ واقرأ خمس مرات قل هو الله أحد يغفر لك كل ذنب، تجد أعمالاً بسيطة، كلمات تقولها تلغي معاصي عمر، أو إنسان قد يعصي الله، وقد قدّر الله له الجنة هكذا، أو يقول لك: الله عز وجل لا يجب عليه الأصلح، يفعل ما يشاء، وقد يتفنون في شرح هذه المعاني، يقول لك: نجار يوجد عنده لوحا خشب، وضع لوحاً كباب للقصر ولوحاً كباب للمرحاض، لك دعوة معه؟ لا ليس لي دعوة معه، الله قال: 

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

الله عز وجل ألزم نفسه بالاستقامة، قال لك: 

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾

[ سورة الزلزلة ]

قال لك: 

﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)﴾

[ سورة سبأ ]

أي يوجد آيات كثيرة جداً واضحة وضوح الشمس، فهذه البدع القولية تُشكّل حجاباً بين العبد وربه، هي كلمات شيطانية، حتى إن هناك أحاديث موضوعة تُيئس الإنسان، كل الناس هلكى إلا العالمون والعالمون هلكى، أعوذ بالله، قال: إلا العاملون، عالم عامل نفد، لا، قال: والعاملون هلكى، معقول! طبعاً إلا المخلصون، جيد، عالم عامل مخلص نفد، قال: لم ينجُ أيضاً، والمخلصون على خطر عظيم، هذا حديث وضعته الزنادقة من أجل التيئيس، لا يوجد أمل، هذه كلها بدع قولية، إن في القضاء والقدر، وإن في بعض الأحاديث الموضوعة، أو كلمات عامية، أو كلمات أساسها القهر والخنوع الذي عاناه المسلمون في عصور الانحطاط، هذه كلها بدع؛ إما أن تنفي عن الله الحكمة أو:

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)﴾

[ سورة الأنفال ]

يقول: البلاء يعم والرحمة خاصة، أعوذ بالله! هكذا أحبّ الله أن يعمل بلاء عاماً، إذاً  هل يوجد شخص طائع؟ لا، كله سواء، هل الكل سواء؟ هذا كلام غير معقول، لأن الله يقول: ﴿وهل نجازي إلا الكفور﴾ الآية معروفة: 

﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)﴾

[ سورة الذاريات ]

الله نجاهم وحدهم: 

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

[ سورة الأنبياء ]

فالبدع القولية كثيرة جداً، بعضها تفسير للقرآن غير صحيح:

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

[ سورة الشمس ]

أخي الله ألهمه الفجور، تفسير ما أنزل الله به من سلطان، الآية الكريمة عن النفس البشرية:

﴿  وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)﴾

[ سورة الإسراء ]

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)﴾

[ سورة السجدة ]

الله لا يريد أن يهدي الناس جميعاً، لكن يريد أن يملأ جهنم من الجِنة والناس أجمعين، إما تأويل خطأ لآيات، أو أحاديث موضوعة، أو كلمات عوام، أو أمثال شعبية، هذه البدع القولية هي حجاب بين العبد وربه. 

4-حجاب البدع العملية:

أو بدع عملية كالاختلاط، يقول: هذه مثل أختي، لا، هذه ليست أختك أبداً، هذه مثل والدتي إن شاء الله، أنا لا أنظر بشهوة، يسهر سهرة للساعة الواحدة، ومزح، وغمز، ولمز، وقال: هو بريء، هذه بدع عملية، اختلاط، أو لا يدفع زكاة ماله، يقول: أنا لا أملك أموالاً طائلة، هذا كلام عام، أو أنا قدّرت، يضع ربع التقدير الحقيقي، يقول لك: قدرت وزدت، يوجد عندنا بدع قولية، وبدع عملية، إما للتهرب من الزكاة، أو أن إنساناً يموت وهو تارك صلاة، يدفعون سقوط صلاة، والله مسألة سهلة، إذا كان ممكن الشخص لا يصلي كل حياته، وغني، معه مئة مليون، دفع مليوناً وارتاح من الصلاة، هذه كلها بدع عملية، بدع عملية كثيرة جداً، بدع قولية كثيرة، هذه البدع حجاب بين العبد وربه، البدع العملية حجاب أو يجب على العريس أن يظهر أمام النساء الكاسيات العاريات في العرس، يجلس مع زوجته أو يتكلمون علينا يا أخي، يتكلموا، هذه كلها بدع عملية، كلها مخالفة للسنة، والآن يوجد بدع جديدة التصوير، تُصور المدعوات بفيلم، والفيلم يتناقله الرجال من بيت لبيت، وكل رجل يرى مجموع النساء في هذا الحفل، وهن بأبهى زينة، هذه بدعة عملية. 

5-حجاب أهل الكبائر الباطنة والظاهرة:

ثم هناك حجاب أهل الكبائر الباطنة، الكِبر هذه كبيرة باطنة، الاعتداد بالنفس كبيرة باطنة، حبّ الذات كبيرة باطنة، التألي على الله كبيرة باطنة، توهم أنك على الحق وحدك كبيرة باطنة، توهم أن الجنة لك وحدك هذه كبيرة باطنة، يوجد كبائر باطنة خطيرة جداً، لأن الظاهرة يتوب الإنسان منها، أما الباطنة تصبح جزءاً من كيانه، فالكبائر الباطنة كحجاب أهل الكِبر والعُجب والرياء والحسد والفخر والخيلاء ونحوها، يوجد مزلة قدم كبيرة، هذا عندي جائز، من أنت؟ هذا عندي جائز، أنت مشرع؟ نبي أنت؟ من أنت؟ ما معنى عندي؟

يقولون هذا عندنا غير جائز           فمن أنتم حتى يكون لكم عند؟

[ ابن دقيق العيد ]

* * *

يقول لك: رأيي كذا، ما معنى رأي؟ لك رأي مع الشرع أنت؟ هذا عندي لا شيء عليه، أنت مشرع؟ أين الدليل؟ لا يوجد إنسان بعد رسول الله يقول كلمة إلا يجب أن يأتي بالدليل، لا يوجد إلا واحد بحياتنا هو سيدنا رسول الله، كلامه دليل فقط، ما سواه يفتقر كلامه إلى الدليل، فحجاب أهل الكبائر الباطنة، وحجاب أهل الكبائر الظاهرة، أي عمل مسبحاً مختلطاً، وعمل مولداً، مسبح يسبح به النساء والرجال، مُقيم على عدة صغائر، اختلاط، وإطلاق بصر، ومصافحة، وغيبة، ونميمة، ويظنها ما عملنا شيئاً، يقول لك: كله كلام بكلام، فهذا حجاب أهل الصغائر. 

6-حجاب أهل المباحات:

يوجد عندنا حجاب أهل المباحات، التوسع في الدنيا، يمضي من حياته سنوات طويلة لإعداد شيء مريح له، لا يستمتع به سنة أحياناً ولا شهر، لنا أخ بنى بيتاً لرجل، قال لي: بقي سنتين يكسوه بهدوء، لم يترك شيئاً لم يدخله لهذا البيت، يوم الخميس سيستقر بهذا البيت، قال لهم: أريد مُنظماً، ركب المُنظّم، الجمعة لم يأت، خبر أهله قالوا له: والله مات، ممكن إنسان مدة سنتين أو ثلاث يعدّ لشيء لا يستمتع به ولا ساعة، ممكن، هذه المباحات، ما ارتكب صغيرة ولا كبيرة، لكن المباحات وحدها هي تُلهي عن ذكر الله عز وجل. 
 

الحجب تحول بين الإنسان وبين أن يقطف ثمار هذا الدين العظيم:


هذه أيها الإخوة؛ حُجُب كثيفة جداً تحول بين الإنسان وبين أن يقطف ثمار هذا الدين العظيم، وإذا الإنسان لم يقطف الثمار، إذا دُعيت أنت إلى طعام، مثلاً صحون فخمة جداً، مع ملاعق، أدوات الطعام جيدة جداً، لكن لا يوجد طعام بالصحون، تلبي الدعوة مرة ثانية؟ لا تلبيها، تمل، مظاهر لكن فارغة لا يوجد شيء، أما إذا هناك طعام نفيس تعيد الدعوة، فإذا كانت العبادات لا ثمرة يانعة منها يملها الإنسان، لذلك يقول لك: نعرف كل شيء، لأنه ما طبق شيئاً صار كله يمل منه، فعلاً إذا لم يطبق الإنسان يمل من أي شيء.
أيها الإخوة، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يُعيننا على هتك هذه الحجب، حجاب الجهل، حجاب الشرك، حجاب البدع القولية، حجاب البدع العملية، حجاب أهل الكبائر الباطنة، حجاب أهل الكبائر الظاهرة، حجاب أهل الصغائر، حجاب الغارقين في التوسع في المباحات. 

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور