الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الطائع لله عز وجل هو الكريم عند الله:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث والسبعين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، والمنزلة التي نحن فيها منزلة السّرّ، وقد مضى فيها درسان، ونصل إلى الموضوع الثالث في هذه المنزلة.
في الدرس الأول بيَّنت أن الله سبحانه لا تخفى عليه خافية، يعلم سرّ العبد، فإذا كان سرُّه ينطوي على حبٍّ لله عز وجل، وعلى إخلاص له، وعلى شوق إليه، وضعه في منزلة تليق بسرّه، فهو من أصحاب السّر، وقد يكون من عامة الناس، لا يُشار إليه بالبنان، إذا حضر لم يُعرف وإذا غاب لم يُفتقد، ولعل هذه المنزلة تغطِّي كل هؤلاء الذين أخلصوا لله عز وجل، لكن شاءت حكمة الله أن يكونوا في مرتبة دنيا في السُّلَّم الاجتماعي،
(( عَنْ أبي هريرةٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُبَّ أشعثَ مدفوعٍ على الأبوابِ، تنبُو عنه أعينُ الناسِ لو أقسمَ على اللهِ لأَبرَّهُ. ))
أيها الإخوة؛ هنا مكان الإشارة إلى موضوع دقيق، يقول الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾
فالطائع لله عز وجل هو الكريم عند الله وقد يكون فقيراً، وقد جُعل بعض الأنبياء فقراء، فنبيُّنا عليه الصلاة والسلام كان يرعى شياها على قراريط، أجير راع، وهل في الحياة الاجتماعية مرتبة أدنى من هذه المرتبة وهو سيد الخلق وحبيب الحق؟ أحد الأنبياء الكرام دخل السجن، فإذا دخل مؤمن السجن مظلوماً فله في هذا النبي أسوة حسنة، أحد الأنبياء الكرام كان عقيماً، سيدنا زكريا، فإذا لم ينجب الإنسان له في هذا النبي أسوة حسنة، أحد الأنبياء كانت زوجته سيئة سيدنا نوح وسيدنا لوط، فمن كانت له زوجة سيئة وصبر عليها، فله بهذين النبيين أسوة حسنة، أحد الأنبياء كان أبوه كافراً، من كان شاباً وله أبٌ منحرف انحرافاً شديداً، ويقسو عليه، ويضطهده لأنه مسلم أو لأنه متديِّن فله في هذا النبي الكريم أسوة حسنة، نبي كريم كان يعمل بيده،
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ لا يَأْكُلُ إِلا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ. ))
أصحاب الحِرَف المتعبة، الذين يحفرون الطرقات، يصنعون الحديد، يُشيدون الأبنية، يقول:
(( عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ. ))
فإن كنت فقيراً فعلى العين والرأس، وإن كنت ذميماً فعلى العين والرأس، وإن كنت وسيماً، وإن كنت غنياً، وإن كنت قوياً، وإن كنت ضعيفاً، وإن كان لك أولاد أبرار، وإن كان لك أولاد ليسوا أبراراً، ولم تُقَصِّر أنت في تربيتهم، فهذا من شأن الله عز وجل، لك زوجة صالحة، جيد، لك زوجة سيئة.
العبرة أن يكون الإنسان محباً لله:
العبرة أن تكون مطيعاً لله، العبرة أن تكون محباً لله، ولا تعبأ بأيِّ شيء آخر، وقد تكون فقيراً فقراً مدقعاً، وقد مرَّ على النبي أيامٌ يدخل بيته فيسأل: هل عندكم شيء؟ يقولون: لا.
(( عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا، قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: حَيْسٌ، قَالَ: هَاتِيهِ، فَجِئْتُ بِهِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا، قَالَ طَلْحَةُ: فَحَدَّثْتُ مُجَاهِدًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ، يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا. ))
وقد آتاه الله المال، فسأله أحدهم: لمن هذا الوادي؟ فقال: هو لك، قال: أتهزأ بي يا رسول الله؟ قال: والله هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وقد انتصر على قريش التي ناصبته العداء عشرين عاماً، ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، امتُحن بالنصر، وامتُحن بالقهر في الطائف، ربي إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى، امتحن بالفقر وبالغنى، وبالنصر وبالقهر، وبالصحة وبالمرض، وموت الولد، وزوجة متعبة، جاءت هدية طعام إلى النبي الكريم من زوجته صفية، فلما رأتها عائشة رضي الله عنها أصابتها الغيرةُ، فكسرت الطبق، فما كان من النبي عليه الصلاة والسلام إلا أن قال:
(( عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ، حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ. ))
كان من الممكن أن يكون له زوجات كالدمى، لكن له زوجات متعبات أحياناً ليكون أسوة لنا، هذا الحديث يطول، لكن أردت منه شيئاً واحداً: كن بأي وضع شئت، بأي مستوى؛ اجتماعي، اقتصادي، علمي، جمالي، كن بأي شكل، العبرة أن تطيع الله عز وجل، وانتهى الأمر، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ولا تنسوا: ((رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ)) .
لا أبالغ أيها الإخوة؛ قد يكون إنسان له شأن كبير، ولا تستطيع أن تصل إليه إلا بصعوبة بالغة، وعنده حاجب، وقد تكون قُلامة ظفر هذا الحاجب أكرم على الله منه، فالدنيا لها مقاييس، والله عز وجل عنده مراتب، قال تعالى:
﴿ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)﴾
فالعبرة بمراتب الآخرة، وأنت في الدنيا ماذا تجد؟ تجد إنساناً يملك ملايين مملينة، هذا بيل غيتس يملك تسعين مليار دولار، وقد تجد إنساناً لا يملك أجرة طريق، يذهب إلى بيته ماشياً في أيام البرد والمطر، وقد تجد إنساناً قوياً ليس فيمن حوله من يسأله، وقد تجد إنساناً لو تكلم كلمة واحدة لحوسب عليها، قوي وضعيف، وغني وفقير، وصحيح ومريض، قال تعالى:
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)﴾
العبرة بمراتب الآخرة، لأن مراتب الآخرة أبدية، قال تعالى:
﴿ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)﴾
بمراتب الدنيا هناك قلق عميق، القلق العميق أن يذهب الذي بين يديك، أو أن تذهب أنت عنه، يكون الإنسان في أوج تألقه المالي والاجتماعي والصحي، يأتيه ملك الموت فيجعله خبراً في طرفة عين، هو ذهب عن هذه النعمة، وقد تذهب عنه، أكبر قلق يصيب الإنسان في الدنيا أنه في نعمة، فإما أن تذهب عنه، وإما أن يذهب عنها، أما إذا كان في الجنة لا يذهب عنها ولا تذهب عنه، فهم في عيشة راضية، راضية عنهم فلا تغادرهم، هي راضية عنهم: ﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ .
العبرة من أن النبي الكريم ضرب لنا المثل بأويس القرني:
أيها الإخوة؛ هذه المنزلة منزلة السر يتولى اللهُ عز وجل حِفظ هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين هم في الدرجات الدنيا الاجتماعية، هناك إنسان له حجم، له مكانة، له هيمنة، له أتباع، وهناك إنسان لا أحد يعرفه، وقد ضرب النبي-عليه الصلاة والسلام-لنا المثل في أويس القرني،
(( عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ، إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. ))
مرتبته الاجتماعية أجير قوم وراعي إبل، سأل سيدنا عمر أهل اليمن: هل بقي منكم أحد؟ قال: لا، كلنا جئنا، أبداً؟ لا، هناك رجل أجير قوم وراعي إبل، لا شأن له، هو من ضعف المكانة أنه لم يُذكر، وكان من كبار التابعين ولا أحد يدري.
قضية أن يكون لك مقام عند الله هذا تُحصِّله باجتهادك:
أيها الإخوة؛ قضية أن يكون لك مقام عند الله هذا تُحصِّله باجتهادك:
كن ابن من شئت واكتسب أدباً يغنيك محموده عن النسب
إن كنت فقيراً ومستقيماً على أمر الله لك عند الله مقام عليّ، وإن كنت ضعيفاً وكنت على أمر الله مستقيماً لك عند الله مقام عليّ، العبرة بالطاعة، والآية الكريمة: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ وكفاك عن عدوك نصراً أنه في معصية الله، هذا ملخص الدرس الأول.
الدرس الثاني قلت: هناك عشرة حجُب تحجبنا عن الله عز وجل، ذكرت منها حجاب الجهل، وحجاب الشرك، وحجاب البدع القولية، وحجاب البدع العملية، وحجاب أهل الكبائر الباطنة، وحجاب أهل الكبائر الظاهرة، وحجاب أهل الصغائر، وحجاب أهل المباحات، وحجاب أهل الغفلة، وحجاب المجتهدين السالكين في السير عن المقصود.
وأما اليوم وهو الدرس الأخير فالحديث عن عناصر هذه الحجب من أين تنشأ؟ أحد العلماء يقول: إنها تنشأ من عنصر النفس وعنصر الشيطان وعنصر الدنيا وعنصر الهوى، النفس والشيطان والدنيا والهوى، ورد هكذا سمعت ولم أقرأ، سمعت هذا من عالم توفي رحمه الله، قال: لابد لك من كافر يقاتلك، ومن منافق يحسدك، ومن شيطان يغويك، ومن نفس ترديك، أربعة أعداء؛ الشيطان والنفس والمنافق والكافر، قال: هذه العناصر الأربع؛ النفس، العوام يقولون: ستة نفوس، الإنسان أحياناً ينتصر لنفسه، ولو جانب الحق، ولو أدلى بشهادة كاذبة، ولو فعل شيئاً لا يرضي الله عز وجل، قال البوصيري:
وخالف النفس والشيطان واعصِهما وإن هما محَّضاك النصحَ فاتَّهمِ
والشيطان مهمَّته إغواء الإنسان، وإبعاده عن الرحمن، والتفريق بينه وبين أهله، وتخويفه من أعداء الله عز وجل، وتخويفه من الفقر، قال تعالى:
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)﴾
ويُخوِّفهم من أعداء الله، ويُفرِّق بينهم وبين أزواجهم، تجد الآن الإنسان أي امرأة أخرى يودها أعلى مودة، زوجته لا يودها، شيطان، وعنصر الدنيا بشهواتها، بلذائذها، بمالها، بنسائها، بمكانتها، بما فيها، وعنصر الهوى، قال: هذه العناصر؛ النفس والشيطان والدنيا والهوى تُفسِد القول، وتُفسِد العمل، وتُفسِد القصد، وتُفسِد الطريق، أي هناك قول، والقول عمل، وهناك عمل حقيقي مادي، وهناك قصد، وهناك طريق، فإذا دخلت النفس أو الشيطان أو الدنيا أو الهوى صار القول فاسداً، صار هناك كذب.
ما وصف الله به النبي وما يصنعه أتباعه:
اللهم صلِّ عليه بماذا وُصف قوله؟ بأنه:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)﴾
أبداً، لكن أشخاص كثيرون وما أكثر الناس! لا يتكلمون إلا بالهوى، حتى في بيعهم وشرائهم، هذا كلام غير موضوعي، صادر عن الهوى، إذا كان وكيل الشركة، كل البضاعة التي تأتي من هذه الشركة يمدحها مديحاً غير معقول، فإن سُحبت منه هذه الوكالة تكلم العكس، هذا نفاق، معنى هذا أن مديحك لا قيمة له، وذمك لا قيمة له، أحياناً تلاحظ معصية لا تتكلم، نشأ خلاف بينك وبينه تتكلم عن معاصيه، لماذا لم تتكلم بها حينما لم يكن بينك وبينه شيء؟ لماذا لم تنصحه؟ هذا موقف شيطاني، وجدت أخاك متلبساً بمعصية، ولا كلمة، فلما اختلفت معه بقضية مادية، صار لا يصلي، لماذا حينما لاحظته أنه لا يصلي لم تعاتبه فلما اختلفت معه أصبحت الصلاة عنصراً في الخصومة؟ هذا ينطق عن الهوى، والله أحياناً تجد إنساناً ينطق ولكنه ينطق بلسان الشيطان، يصغِّر الإنسان، يُفرِّق بين الإنسان وأهله، يطعن بعمله، يُضعِّف له همَّته، يثبَّط له عزيمته، شيطان، شيطان ينطق.
حدَّثني أخٌ، قال لي: كنت في مؤتمر، رجل محسوب على المسلمين، سمع الكفر البواح فلم ينبس ببنت شفة، فلما تكلم مسلم، ودافع عن الدين، أي اعترض، لكن أنت محسوب على الدين يجب أن تؤيد، يجب أن تسكت، بدأ يعترض، ماذا تُفسِّر هذا؟ شيطان ينطق باسمه، أحياناً تجدون الحلاق يمسك المقص، يقص عشر قصات على الهواء وواحدة على الشعر، أنا أعتقد أن نسبة كلام الناس الذي على الهوى تسعة أضعاف، تسعة أمثال، والكلام الصحيح واحد، وقد تقول واحد بالمئة، والله عز وجل قال: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ فإذا دخل الهوى صار الكلام غير صحيح.
النفس والشيطان والدنيا والهوى تُفسد القول:
أروي قصة يمكن أني ذكرتها مرة أو مرتين، أريد أن أشتري ستائر، فعمل البائع لي محاضرة، قال لي: أستاذ، إذا أردت ستائر جميلة جداً، يجب أن تقيس عرض الحائط، وتأخذ قماشاً بما يعادل ضعف العرض زائد متر، الكلام دقيق، تكون أجمل، وصف وصفاً، ضعف العرض زائد متر، أنا اخترت توباً أعجبني، قلت له: اقطع من هذا التوب، قاسه فكان ضعف العرض ناقص متر، قال لي: هذا المطرَّز على الفرد يكون أحلى، عكس الآية، الآن أقنعني بقاعدة قبل دقيقة وجاء بأدلة، فلما تضاربت مصلحته مع هذه القاعدة، يجب أن يبيع هذا التوب، وأنا أعجبني هذا التوب، قال لي: هذا المطرز يا أستاذ على الفرد يأتي أحلى، هو ينطق عن الهوى، لا ينطق عن الحقيقة.
لو لاحظت نفسك تجد نصف كلام الناس عن الهوى، يأتي الخاطب يصبح ولياً من أولياء الله، وإذا لم تتم الخطبة يصبح شيطاناً، قبل شهر قلتم: لا يوجد مثله، ما الذي حدث؟ لا المديح له قيمة، ولا الذم له قيمة، يكون شريكاً، يقول لك: ملك من السماء بعثه الله لي، اختلف الشريكان أصبح شيطاناً قال: أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَاعَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَـكَ يَوْمًا مَا ، دائماً اترك شعرة معاوية.
إذاً النفس والشيطان والدنيا والهوى تُفسد القول، صار القول غير موضوعي، المديح غير صحيح، الذم غير صحيح، أي هوى هذه الأم مع ابنتها، وهي ضد زوجة ابنها لأنها غريبة، فلما أحضر ابنها غسَّالة أوتوماتيك لزوجته أقامت عليه النكير، فلما جاء صهرها في اليوم نفسه بغسالة أوتوماتيك لزوجته التي هي ابنتها، كانت راضية عنه، معقول في دقيقة واحدة توبِّخين إنساناً وترضين على إنسان، والعمل واحد، هي تنطق عن الهوى.
معقول أن يكون للإنسان صانع في المحل، وعنده ابن في سن واحدة، يُحمِّل الصانع أول توب والثاني والثالث والرابع، لم يعد يستطيع أن يحمل، قال له: أنت شاب، فإذا حمل ابنه توباً واحداً، قال له: احذر ظهرك، معقول!! هو ينطق عن الهوى، والإنسان الذي ينطق عن الهوى يسقط من عين الله، ولئن تسقط من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعُك أهون من أن تسقط من عين الله.
تجد نمدح ونذم وننتقد، أحياناً ننتقد فقط حسداً، إنسان تفوَّق لابدّ أن ننزله، لماذا تفوَّق؟ هو كان يعمل ليلاً ونهاراً أنت كنت نائماً، هناك شخص تجده نائماً، ليس عنده أي رغبة أن يخدم الناس، هناك إنسان شمَّر وقال: يا رب، الله وفَّقه وتألق، يقول لك: زعبرة، هذا شيطان يتكلم، لِم لم تعمل مثله؟ لِم لمْ تجتهد كما اجتهد؟ لِم لم تشمِّر كما شمَّر؟ لِم لم تفرَّ إلى الله كما فرَّ إلى الله؟ لِم لم تجاهد نفسك وهواك كما جاهد هو؟ لكن أنا أنتقده، وأطعن فيه، وأحطِّمه، حتى انتصر لنفسي، والله أيها الإخوة؛ والله الذي لا إله إلا هو لو برئت نفوسنا من الحسد لكنا في حال غير هذا الحال، أي تسعة أعشار تقييم الناس لبعضها حسد، حتى في حقل الدعوة إلى الله، حتى في حقل الجماعات الإسلامية حسد، إذا تألَّق إنسان، من أين صعد هذا؟ لا يتحمَّل هؤلاء أصحاب الوجاهة، وأصحاب الاحتكار لا يتحملون.
علة الاختلاف بين العلماء:
قال: هناك عالم تألق جداً في العصر العباسي، أحد كبار العلماء المحسوبين على أنه هو من أساطين العلم، ووحيد عصره، وفريد زمانه، وقُدِّس سرُّه، أراد أن يحضر درس هذا الشاب ليُصغِّره حسداً فقط، والآية تؤكِّد ذلك، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)﴾
علة الاختلاف هو البغي فقط، قال له أمام الناس: يا هذا! هذا الكلام الذي قلته ما سمعناه، من أين جئت به؟ فقال له الشاب: يا سيدي وهل حصَّلت كل العلم؟ قال: لا، قال: هذا من الذي لم تُحَصِّله.
أيضاً عالم آخر شاب تألق نجمه، وذاع صيتُه، وانتشر ذِكره في الآفاق، جاءه شخص قال له: والله إني أشفق عليك مما يقوله الناس عنك، قال له: وهل سمعت مني عنهم شيئاً؟ قال: لا، قال: عليهم فأشفق.
أنت راقب نفسك، تسعة أعشار كلام الناس عن هوى، ليس هناك موضوعية، يمدح بلا سبب، يمدح لمصلحة، يذم لمصلحة، يُظهر العيوب عند الضرورة لمصلحة، يُخفي العيوب لمصلحة، فالنفس والشيطان والدنيا والهوى، هذه تُفسِد القول كما أنها تُفسِد العمل، أي يغش الناس، الآن دخلنا بالعمل، يقول لك: أنا عندي أولاد، اللهُ لا يؤاخذني إن شاء الله، ثم إن هؤلاء الناس مالهم حرام ليس مشكلة، فيخترع أدلة، يخترع تعليلات مضحكة شيطانية.
قال لي: والله يا أستاذ أنا لي مطعم خمس نجوم يقدمون فيه الخمر، إن شاء الله في رقبة شريكي، أنا لا دخل لي، كيف لا دخل لك؟ يصلي في أول صف في المسجد، والمطعم يبيع الخمر، قال: إن شاء الله في رقبته، هو هكذا، ماذا أفعل له؟ أنا عليَّ أن آخذ ربحي فقط، الله يؤاخذه له، لماذا مددت يدك لأخذ الربح؟ فغير الكلام العمل، العمل فسد، صار هناك كذب، صار هناك غش، صار هناك إساءة، صار هناك حسد، والقصد كان قصدُه الله عز وجل، صار قصده الدنيا.
متى يكون الطريق إلى الله غير سالك؟
قال: شخص لزم صلاة الفجر أربعين عاماً، يُكبِّر مع الإمام، ففي يوم تَغَيَّب، تألم ألما غير معقول، قال: ماذا يقول الناس عني اليوم؟ معنى هذا أن الأربعين سنة ليست لله، انتبه القصد، صحِّحوا قصدكم، صحِّحوا نواياكم، ماذا يقول الناس عني اليوم؟ أنت فاتتك هذه الصلاة، ولم تخش من الله شيئاً، لكنك خشيت الناس، والطريق إلى الله عز وجل صار غير سالك، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾
صار الطريق مغلقاً.
الاستقامة يجب أن تكون خالصة لله:
هذه الأربعة؛ النفس والشيطان والهوى والدنيا تُفسد القول والعمل، وتفسد القصد، وتفسد الطريق بحسب غَلَبتها وقلَّتها، تقطع طريق القول والعمل والقصد أن يصل إلى القلب، وما وصل منه إلى القلب قطعت عليه الطريق إلى أن يصل إلى الرب، تُقطع الطريق إلى القلب، فإن وصلت إلى القلب قطعت الطريق إلى الرب، قال تعالى:
﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)﴾
قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾
قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)﴾
يجب أن تكون الاستقامة خالصة له، يجب أن توصلك استقامتك إليه، لا إلى سمعة، لا إلى مكانة، لا إلى مديح، لا إلى ثناء.
يا إخوان؛ الآن كيف تُحارَب الدنيا؟ قال: بالزهد فيها، ما دام يوجد عندنا أربعة عناصر مخيفة؛ الدنيا والنفس والشيطان والهوى، كيف نحارب هذه العناصر الهدَّامة؟ هذه القواطع التي تقطعنا عن الله، تقطع علينا صوابَ القول والعمل والقصد والطريق، قال: الدنيا تُحارَب بالزهد فيها، قال سيدنا عمر لأويس القرني: أآمر لك بصلة؟ قال: معي أربعة دراهم متى تُراني أنفقتها؟ وعليّ إزار وثوب متى تُراني خرقتهما؟ الزهد، الإنسان حينما يغتني بالله يزهد في الدنيا، ومن عرف الله زهد فيما سواه، إذًا يجب أن يزهد فيها، والحد الأدنى أن يخرجها من قلبه، ولا يضرُّه أن تكون في يديه، لا يوجد مشكلة، الضابط لذلك إنسان غني بيده أموال طائلة، وإنسان فقير، هل تصدِّقون-طبعاً هذه من المفارقات الحادة-أن هذا الفقير الذي لا يملك ثمن طعام قد يكون متعلقاً بالدنيا أضعافاً مضاعفة عن هذا الغني الذي بيده كل شيء؟ المؤمنون يبيعون ويشترون، لكن تجارتهم لا تلهيهم عن ذكر الله؛ صلواته، عباداته، دروسه، إقباله، حرصه، أعماله الصالحة فوق كل شيء، لذلك أنا أتمنى على كل أخ أن ينظِّم وقته.
الدنيا ينبغي أن تكون في يديك لا في قلبك:
الذي أراه أن المؤمن القوي كما قال النبي الكريم،
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. ))
والقوة تحتاج إلى أسباب، من أجل أن تكون حاملاً للدكتوراه لابد لك من دراسة، أن تكون تاجراً كبيراً لابد أن تهتمَّ اهتماماً شديداً، فإذا اهتممت أنت وحصَّلت مرتبة عالية ووظَّفتها في الحق، هذا عمل عظيم، لكن ينبغي أن تكون الدنيا بيديك لا في قلبك، فتُحارب الدنيا بالزهد فيها وإخراجها من القلب، ولا يضرّ الإنسان أن تكون في يديه وبيته، ولا يُقَلِّل ذلك من قوة يقينه بالآخرة.
تُحَارب الدنيا بالزهد ويُحَارب الشيطان بعدم الاستجابة له:
سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان يقول: ماذا أفعل إذا كنت أُنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء؟ ماذا أفعل؟ هناك إنسان رزقه الله، ويوظِّف هذا المال في خدمة هذا الحق، قال سيدنا عبد الرحمن: واللهِ-من باب التفاؤل والاعتماد على رحمة الله- لأدخلن الجنة خبباً، وهو غني كبير، ويحارب الشيطان بترك الاستجابة لداعي الهوى، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)﴾
الذي يستجيب للهوى:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾
تُحَارب الدنيا بالزهد، ونقلها من القلب إلى اليدين، ويُحَارب الشيطان بعدم الاستجابة له.
حدَّثنا أخٌ بكلام طيِّب، قال: والدي-المتكلم أحد علماء دمشق- والدي قال لي مرة: يا بني! إذا وسوس لك الشيطان فعاقبه، قال له: كيف؟ قال: إذا أردت أن تدفع ألف ليرة، وجاءك الشيطان، وقال لك: لا تدفعها، أولادك أولى، عاقِبه وادفع ألفي ليرة، ضاعف المبلغ، لا تصلِّ، صلِّ ضعفاً، أيُّ وسوسة وسوس لك بها افعل عكسها وزيادة، هذه معاقبة الشيطان، لا تستجب له، يقول لك: حارب فلاناً، أذهب إليه، وأستسمح منه، وأصله، الإنسان عليه أن يُعَاقِب الشيطان، والشيطان يستعين بالدوافع الأساسية، أهانك فلان.
أتى رجل إلى الرسول قال: يا رسول الله إنني نؤوم، فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم أذهِب عنه النوم، فقال سيدنا عمر: ويحك يا رجل، لقد فضحت نفسك! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: دعهُ يا عمر، فإن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة.
ويُحارب الهوى بتحكيم الأمر المطلق، كل واحد منا عنده أهواء وشهوات، لكن الله سمح لكل شهوة بقناة نظيفة، أنا أسمح لنفسي ما سمح الله لي فقط، من النساء زوجتي، من المال ما كان حلالاً، من النزهات ما خلا من معصية، أنا أمارس الذي سمح الله لي به، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)﴾
لذلك ورد: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به، ويحارب النفس بقوة الإخلاص، إذا استيقظ الإنسان في الليل وصلى ولم يقل كلمة للآخرين، هل تستطيع نفسه أن تقول له: لقد نافقت بهذه الصلاة؟ ما تكلم، الإنفاق دون الذكر دليل إخلاص، غضّ البصر دليل إخلاص، النوافل دليل إخلاص، الصلاة في الليل دليل إخلاص، فأنت تحارب نفسك بقوة إخلاص، وتحارب الهوى بتحكيم الشرع، وتحارب الشيطان بعدم الاستجابة له، وتحارب الدنيا بالزهد فيها، ونقلها من القلب إلى اليدين، هذه الموانع والقواطع.
منزلق قد يقع فيه خاصة المؤمنين:
الآن يوجد عندنا مطب، لكن هذا قليل، أعتقد يجب أن يقال لخاصة المؤمنين، يوجد مطب كبير جداً، زهِد في الدنيا، وأخلص لله، وحكَّم الشرع، ولم يُحَكِّم الهوى، ولم يستجب للشيطان، فنال مكانة عند الله، هنا المنزلق، فظنَّ أن هذه المكانة حصَّلها بقوة إرادته فاستكبر بها، حتى في الاستقامة، وحتى في الإخلاص، هناك مطب الكِبر والعُجب، أنا قرأت عن عالم بالهند صار أتباعه قريباً من مئة ألف، أي ذاع صيتُه واشتهر وتقلَّب في مراتب الدين العليا ثم ادَّعى الألوهية.
إخواننا الكرام؛ حتى النجاح فيه مخاطر، فيه مخاطر الانزلاق بالعُجب والغرور والكِبر، لذلك ابن عطاء الله السكندري يقول: رُبَّ معصية أورثتْ ذلاً وانكساراً خيرٌ من طاعة أورثت عزًّا واستكباراً، قال: وانظر إلى الشرِّيد السكِّير، الآن بالمقابل الذي كان كثيراً ما يُؤتى به إلى النبي مخموراً، فيحدّه على الشراب، كيف قامت به قوةُ إيمانه ويقينه ومحبَّته لله ورسوله وتواضعه وانكساره، حتى نهى النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن لعنِه، وهو عياض بن حمار رضي الله عنه وتاب،
(( عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَلْعَنُوهُ، فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. ))
هذا السكِّير، هذا الخمِّير انتهت حياتُه بتوبة نصوح، وهذا الذي أخذه الغرورُ والعُجبُ حتى لو نجوتَ من هذه المُعَوِّقات: لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر؛ العجب، وأنا ذكرت مرة مثلاً لطيفاً أنه جاءك عشرون ضيفاً، ليس عندك شيء، عندك في البيت كيلو لبن، أضفت له خمسة أمثاله ماءً، ووضعت ثلجاً وملحاً، وقدَّمته شراباً عيران، تَحمّل الكيلو من اللبن خمسة أمثال ماء، لو وضعت فيه نقطة كاز واحدة لرميته، خمسة أضعافه ماءً يُشرَب، الكِبر كنقطة الكاز تُفسد العمل، فانتبهوا يا إخوان،
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ. ))
طبعاً هذه الفكرة الأخيرة لخاصة الخاصة، الآن أنتم اعملوا، عندما تبلغون قمة النجاح في جلسة ثانية، أما الآن اعملوا، هذا الكلام موجَّه لشخص نجح نجاحاً كبيراً.
خذ ابن المبارك قدوة لك:
دخل ابن المبارك على طلابه، لقي عشرة آلاف أمامه، قال: يا رب لا تحجبني عنك بهم، ولا تحجبهم عنك بي، الم يقل الله:
﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)﴾
الإخلاص، أنت مع الله، أديب، محبٌّ، متواضع، تخدم، لكن مقصودك هو الله، أحياناً ينسى الإنسانُ اللهَ، يعبد مما سوى الله وهو لا يشعر، وقع بشرك، لا تحجبني عنك بهم، ولا تحجبهم عنك بي،
(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي. ))
هكذا.
صفات أصحاب السّرّ:
1- صاحب السر يعمل بلا ضجيج:
هؤلاء أصحاب السرّ قال: لهم صفات، صفاتهم الإيجابية أنهم سبقوا، ولم يوقف لهم على رسم، أي سبقوا بلا ضجيج، هناك إنسان بدهره صلى قيام ليل، يتكلم القصة مئة مرة، والله الأمس صار تجلّ كبير يا أخي، هذه الليلة يريد أن يعرفها كل الناس، هذا الإنسان سبق من دون ضجيج، لأنه مخلص، يصوم فلان يوماً نفلاً، يقول: أنتم لستم صائمين اليوم؟ يباهي بصيامه، وجد أحدهم لوزةً أثناء الطواف صاح: من صاحب هذه اللوزة؟ من صاحب هذه اللوزة؟ قال له سيدنا عمر: كُلْها يا صاحب الورع الكاذب، كُلْها وخلِّصنا، هناك عمل مع ضجيج، قال: هذا الإنسان صاحب السر يعمل بلا ضجيج، من دون تبجُّح، من دون تعليقات، من دون لفت نظر.
2- أصحاب السر لا يهتمون بالألقاب ولا بالمراتب:
العلامة الثانية، أنهم لم يُنسبوا إلى اسم، ولم يشتهروا به، أي هناك إنسان يضعُ أول لقب، ثاني لقب، ثالث لقب، عضو مثلاً المجْمَع الفلاني، دكتوراه في كذا، قديماً كانوا: الفقير إليه تعالى، يكون عالماً من كبار علماء الأرض، الفقير إلى الله تعالى، الآن أول مرتبة، الثانية، الثالثة، الرابعة، الخامسة، هم لا يهتمُّون بالأسماء والألقاب والمراتب، احذر أن تقول لدكتور: أستاذ، لا يتكلم معك، أخطأت معه، هذه الغلطة بكفرة، لم تقل له: دكتور، الدكتور؛ لها نبرة خاصة، لها رنين خاص، لا يهتمون بالألقاب ولا بالمراتب.
3- عبادتهم مطلقة وليست مقيدة:
أما ألطف شيء بمقام هؤلاء أصحاب السر أن عبادتهم مطلقة وليست مقيَّدة، هناك شخص ليس له عمل غير الفقه فقط، أم هذا صاحب السر يخدم بجامع، ينظِّف، يمشي مع إنسان، يتفقَّد إخوانه، يفعل كلَّ شيء، ليس له عمل واحد، عالم فقط، فقط مؤلِّف، فقط مفكِّر، يمكن أن يدخل وساطة بين اثنين، يمكن أن يساعد إنساناً، يمكن أن ينظِّف مسجداً، تجد نفسه هيِّنةً، هذه العبادة المطلقة يا إخوان شيء كبيرٌ جداً، أن تعبد اللهَ فيما أقامك، أقامك غنيًّا أول عبادة إنفاق المال، أقامك عالماً أول عبادة تعليم العلم، أقامك قويًّا أول عبادة إنصاف الضعيف، أقامها امرأة أول عبادة رعاية زوجها وأولادها، هذه فيما أقامك، الآن يوجد ظرف وضعك فيه، الأب مريض أول عبادة تمريض الأب، الابن عنده امتحان أول عبادة معاونة الابن، الزوجة مريضة أول عبادة مراعاة الزوجة، عندك ضيف أول عبادة إكرام الضيف، الآن في الوقت الذي أظلّك وقت فجر وقت صلاة، ليس لغسيل سيارات، كل وقت له ترتيبه، فهذا صاحب السر كل الأعمال يفعلها، تريدون دليلاً من السنة؟ هل هناك مقام أعلى من مقام رسول الله؟ مقامه مقام الدعوة والإرشاد، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)﴾
ببدر، هناك ثلاثمئة راحلة وألف صحابي، قال النبي: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعليٌّ وأبو لبابة على راحلة، النتيجة ركب النبي الكريم وانتهت نوبته، جاء دوره في المشي، فصاحباه توسَّلا إليه، قالوا: يا رسول الله! ابقَ راكبا أي أكرمنا، ماذا قال؟ قال: ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر، أي أنا أريد أجر المشي، هو داعية إلى الله كبير، إن كنت أنت داعية ودُعيتَ لفض نزاع، لا تقل: أخي أنا ليس لدي وقت، لماذا لا يوجد عندك وقت؟ دُعيت إلى وساطة، اذهب معي إلى فلان.
اقتداء ابن عباس برسول الله صلى الله عليه وسلم:
مرة قرأت أن سيدنا ابن عباس كان معتكفاً، فجاءه رجل رآه كئيباً، قال له: ما لي أراك كئيباً؟ قال له: ديون لزمتني لا أطيق سدادها، قال: لمن؟ قال: لفلان، قال سيدنا ابن عباس: أتحبُّ أن أكلِّمه لك؟ قال له: إذا شئت، فقام ليُكلِّمه، شخص قال له: يا بن عباس أنسيتَ أنك معتكف؟ أنت لك اعتكافك ومقامك وإقبالك وبكاؤك، أين ذاهب؟ قال له: سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب: لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا، انظر كيف فهم العبادة؟ خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا، أحياناً يقتضي أن تمشي مع أخيك، يقتضي أن تعينه، تأخذه إلى مستشفى، تُمرِّضه، تقرضه، تشتري له حاجاته من السوق، أنت عندك خبرة، هو ليس له خبرة، أنت منته، متزوج ومنته، وأمورك منتظمة، لابد من أن تأخذ له غرفة نوم، تعرف كيف تشتريها، تعينه.
والله قال لنا أخٌ من إخواننا، وأنا والله أثق ببراءته ثقةً مطلقة، هو فعلاً بريء، هناك خطأ إداري، دخل السجن، ذهبت إلى زيارته بالسجن، استغرب مدير السجن كثيراً، احتفى احتفاء غير طبيعي، لما دخل الأخ، طبعاً استدعاه لعنده، قلت له: نبيٌّ كريم دخل السجن، جبراً لخاطر أي مؤمن دخل السجن بسبب أو بآخر، يقول: هذه الزيارة لن ينساها إلى الموت، طبعاً كلَّفتني وقتاً وجهداً، أي هناك إجراءات صعبة للدخول إلى هناك، تريد أن تعمل أعمالاً صالحة يوجد أنواع كثيرة، ممكن أن تعاون أخاً، ممكن تنصح أخاً، ممكن تعود مريضاً، ممكن تسعف هرة أحياناً، قال لي: وجدت هرة وقد دهست، أخذتها على مستشفى، هناك مستشفى خاص بيطري، قالوا: تعال غداً، وكلفوه بأعمال يعملها لهذه القطة، يمكن تحليل، ما علاقته بالموضوع؟ هذا عمل صالح، هؤلاء أصحاب السر أعمالهم منوَّعة؛ من دعوة، إلى خدمة، إلى تنظيف مسجد، إلى اجتماع، إلى وساطة، إلى مساعدة، إلى كتابة استدعاء أحياناً وشكل.
4- ليس عندهم كهنوت وزي خاص:
شيء آخر لهؤلاء أصحاب السر؛ ليس عندهم كهنوت، زيّ خاص، لباس خاص فخم جدًّا، يكلِّف مئات الألوف، لا، ليس لهم رسم خاص، وأختام خاصة، وهيئة خاصة، وكرسي خاص، لا يوجد شيء من هذه، دخل أعرابيٌّ: أيكم محمد؟ لم يعرفه، أين كان النبي جالساً؟ مع أصحابه على الأرض، أيكم محمد؟ قال: هؤلاء لا يتقيَّدون برسم، ولا بإشارة، ولا باسم، ولا بزيٍّ، ولا بطريق وضعي اصطلاحي، من شيخك؟ قال له: رسول الله شيخي، طريقك؟ قال له: أي طريق أنت؟ قال له: أنا الاتِّباع، اتباع النبي، مَن أنت؟ أنا مُتَّبع لرسول الله فقط، مذهبك؟ السنة، هذا مذهبي.
هناك صفات كثيرة جداً لهؤلاء، اللهم اجعلنا من هؤلاء، يجعلنا من أصحاب السر الذين أخلصوا لله عز وجل، ولو كنا في الدرحة العادية في المجتمع، قال: أهلاً بمن خبَّرني جبريلُ بقدومه، قال: أومثلي؟ قال: نعم يا أخي، خامل في الأرض علَم في السماء.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق