وضع داكن
23-08-2025
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 089 - الرياضة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

منزلة الرياضة:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس التاسع والثمانين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، والمنزلة اليوم منزلة الرياضة.
 

الفرق بين الرياضة والترويض:


طبعاً كتوضيح في الفرق بين الرياضة والترويض فرق كبير جداً؛ الوحوش تُروّض بينما الإنسان يتريّض، الترويض غير الترييض، فالرياضة من الترييض؛ أي التدريب، أما الوحوش تُروَّض، أي تُدرَّب بحسب طريقتها، قد تقول: فلان يده ملطّخة بدماء الجريمة، وقد تقول: جسمه مُضرّج بدماء الشهادة، فالتضريج غير التلطيخ، الدم الذي يُسفَك في حرام أو في جريمة نقول: مُلطّخ بدم الجريمة، أما الدم الذي يُبذل في سبيل عقيدة أو هدف نبيل نقول: مضرّج، فهذه المنزلة أساسها قول النبي عليه الصلاة والسلام:

((  إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، و إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، و مَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، و مَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ ))

[ الألباني السلسلة الصحيحة ]

الإنسان في البدايات ليس حليماً لكن يتصنع الحلم، بعد التصنع المستمر يصبح الحلم عنده طبعاً، كان تكلفاً فصار طبعاً، الإنسان في الأصل ليس كريماً، يتصنّع الكرم إلى أن ينقلب التصنّع إلى طبع، الإنسان ليس عليماً، يتعلم إلى أن يصبح العلم عنده ثابتاً، فهذا الحديث: ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم)) كتعليق سريع على قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنما العلم بالتعلم)) ليس هناك علم من دون تعلُّم، كما يدّعي بعض الناس أن هناك علماً يأتي من قِبل الله مباشرة، هناك وحي يأتي الأنبياء، وهناك علم يتأتى من التعلُّم، وهناك فهم دقيق لكتاب الله عز وجل، هذه خصيصة يمنحها الله لبعض عباده الصادقين، قال تعالى:

﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)﴾

[ سورة الأنبياء ]

إلا أن يُؤتى فهماً في القرآن، فهناك وحي هذا متعلق بالأنبياء والمرسلين، وهناك فهم لكتاب الله فضلٌ من الله عز وجل، وهناك تعلُّم، وقد ورد في الأثر: من عمل بما عَلِم أورثه الله علم ما لم يعلم، إذا كان هناك شيء اسمه: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ إذا كان هناك شيء اسمه: الوميض، الكشف، الإشراق، هذا ثمنه تطبيق ما تعلَم، إن طبّقت ما تعلم كشف الله لك عن شيء لا تعلمه، لكن هذا الإشراق وذاك الكشف-إن صح التعبير-مربوطان بالكتاب والسنة.
أيُّ ادِّعاء لإدراك حقيقة إدراكاً مباشراً من دون وساطة، هذه الحقيقة تُعرَض على كتاب الله وسنة رسوله، فإن توافقت مع الكتاب والسنة على العين والرأس، أما إن خالفت لا نقبلها. 
 

الفرق بين الفطرة والصبغة:


ثم إن هناك في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم)) هناك حقيقة هي الفطرة والصبغة، الفطرة أن تحب الكرم ولست كريماً،  والفطرة أن تحب العدل ولست عادلاً، والفطرة أن تحب الرحمة ولست رحيماً، لكن الصبغة أن تصطبغ بالرحمة،  وأن تصطبغ بالعدل، وأن تصطبغ بالكرم، فالتكرّم فطرة أما الكرم صِبغة، التحلُّم فطرة أما الحلم صِبغة، أي كل مولود من دون استثناء يولد على الفطرة، يحب مكارم الأخلاق ولا يصطبغ بها، فإذا اتصل الإنسان بالله عز وجل اصطبغ بهذه المكارم، فغدا متواضعاً منصفاً، عدلاً رحيماً، وقوراً حليماً. 
 

الرياضة تمرين النفس على الصدق والإخلاص:


أيها الإخوة المؤمنون؛ هذه المنزلة منزلة الرياضة هي تمرين النفس على الصدق والإخلاص، فالإنسان، أحد علماء الأزهر الكبار، الذي صار شيخ الأزهر، طلب العلم فلم يفلح ثم عزف عن العلم، وهو جالس يوماً في مكان، فإذا بنملة تصعد إلى جدار، فلما وصلت إلى مكان ما وقعت، أعادت الكرة فوقعت، أعادت الكرة فوقعت، فعدّ محاولاتها فكانت ثلاثاً وثمانين محاولة، فهذه النملة علّمته درساً لا يُنسى، الإنسان ينبغي أن يُصمِّم.
لي قريب أمه حريصة على أن ينال أعلى درجة، ففي الشهادة الثانوية لم ينجح، أي أصرّت على أن يعيد السنة، أعادها لم ينجح، أعادها لم ينجح، أعادها لم ينجح، نجح في المرة الخامسة، ولا زالت أمه وراءه إلى أن أصبح طبيباً، مع أنه رسب في الشهادة الثانوية أربع سنوات، أي:

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته           ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

[ قيس بن زهير العبسي ]

* * *

العبرة أن الإنسان يحتاج إلى تصميم، وإلى صدق، وإلى صدق في الطلب، فالرياضة تمرين النفس على الصدق والإخلاص.
 

معاني الصدق:

 

1 ـ أن يأتي كلامك وعملك مطابقاً للواقع:

طبعاً الصدق له معان عديدة، من معاني الصدق أن يأتي كلامك مطابقاً للواقع، هذا الصدق الإخباري، والمعنى الأخطر أن يكون واقعك مُطابقاً لقولك، أن يأتي القول مطابقاً للواقع هذا صدق الإخبار، أما أن يأتي العمل مطابقاً للقول هذا صدق التطبيق، لذلك قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾

[ سورة التوبة ]

هنا ليس معنى الصادقين الذين يصدقون إذا حدّثوا، الذين تأتي أعمالهم مطابقة لأقوالهم، كلٌّ يدّعي أنه مؤمن، كل يدّعي أنه مؤمن بالآخرة، لكن لو تفحصت أعمال الناس لا تجد أثراً لهذا الادّعاء إطلاقاً، فهؤلاء يكذبون بأعمالهم لا بأقوالهم، هم يتكلمون كلاماً طيباً، وإذا أخبروك أخبروك صادقين، ولكن أعمالهم لا تؤكد صدق كلامهم، فمنزلة الرياضة التمرين على الصدق والإخلاص، يأتي عملك مطابقاً لادعائك أو لقولك، ويأتي الإخلاص ليبيِّن نزاهتك عن مطلب سوى الله عز وجل.
 

علامات الإخلاص:


سألني أخ منذ يومين، ما علامة الإخلاص؟ قلت له: علامة الإخلاص أن يستوي ظاهرك مع باطنك، وأن تستوي علانيتك مع سريرتك، وأن تستوي خلوتك مع جلوتك، أي أنت إنسان واحد في خلوتك وفي جلوتك، في بيتك وأمام الناس، في سرك وعلانيتك، أي أروع ما في الإنسان هذا التوحُّد، لا يوجد ازدواجية أبداً، للمنافق موقفان، موقف معلَن وموقف حقيقي، قال تعالى: 

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)﴾

[ سورة البقرة ]

إذًا التدريب على أن تأتي أعمالك مطابقة لأقوالك، تقول: أنا مؤمن بالآخرة، إن كنت مؤمناً كذلك ينبغي ألا تقبل درهماً واحداً من حرام، النبي عليه الصلاة و السلام رأى على سريره تمرة، فقال: يا عائشة، لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها،

(( عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ: إنِّي لأنقَلِبُ إلى أَهلي فأجدُ التَّمرةَ ساقطةً على فِراشي فلا أدري أمِن تمرِ الصَّدقةِ أم مِن تمرِ أَهلي فَلا آكلُها. ))

[ متفق عليه ]

تمر في بيته وعلى السرير، لكن دَاخَلَه الشك، لعلها من تمر الصدقة، لذلك قالوا: ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط، وقالوا أيضاً: من لم يصده ورع عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله.
الآن أعمالك تأتي مطابقة لأقوالك فأنت صادق، الشيء الثاني يستوي سرك مع علانيتك، وظاهرك مع باطنك، وخلوتك مع جلوتك، فأنت مخلص.
هناك علامة أخرى للإخلاص، أنك إذا فعلت عملاً طيباً، تبتغي به وجه الله وحده، لا تعبأ كثيراً بمدح الناس لك، بل لا تستجدي منهم المديح، يستوي عندك أنهم ذكروا أو لم يذكروا، شكروا أو لم يشكروا، قدّروا أو لم يُقدِّروا، هذه علامة ثانية للإخلاص، أي لا تُعلِّق أهمية على ردود الفعل، عملت عمل لوجه الله أسيء فهمه، خير إن شاء الله، لكن ليس معنى هذا ألا تبالي بسمعتك، النبي عليه الصلاة والسلام كان يمشي مع زوجته صفية الطاهرة مرّ صحابيان،

(( عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا، أَوْ قَالَ شَيْئًا. ))

[ صحيح البخاري ]

وهذا درس بليغ لنا، عوِّد نفسك أن توضِّح، تبيِّن، أي أنا أذكر إنساناً جاء إلى محله التجاري امرأة رحّب بها ترحيباً غير طبيعي، عنده ضيف بالمكتب، وأنا كنت عنده، قال لي: غريب، ليس هذا من أخلاق فلان، قلت له: هذه أخته يقيناً، أنا لا أعرفها، لكن لأني أعرفه ورعاً، قلت: هذه أخته، لكن كان الأولى أن يدخل إلينا، ويقول: جاءت أختي، حتى لا يستغرب الضيف هذا الترحيب، لأن المؤمن يتكلم مع المرأة كلاماً عادياً جداً، من دون زيادة، من دون إلانة قول، من دون لين بالكلام.
من مراتب هذه المنزلة أن تقبل الحق من الآخرين، هناك إنسان صادق، صادق بالمعنى العملي، بالمناسبة وضحوا، إذا تكلمت كلاماً أخبرت عن شيء، وكان هذا الكلام مطابقاً للشيء، فأنت صادق في أقوالك، أما إذا قلت شيئاً، قلت: أنا ورع، ولم تكون ورعاً في التعامل اليومي، كنت كاذباً في أعمالك، فهناك صدق الأقوال وصدق الأعمال، وحيثما وردت كلمة الصادقين في القرآن الكريم، في الأعمّ الأغلب تعني صدق الأعمال، نقطة دقيقة جداً، قلّما تجد إنساناً تأتي أفعاله مطابقة لأقواله. 

2 ـ ألا تردّ الحق: 

الآن يوجد مستوى آخر من الصدق، ألا تردّ الحق، قد يأتي إنسان يقول لك: هذا الذي قلته غير صحيح، والصواب هو كذا، والدليل هو الآية والحديث، فإن لم تقل له: جزاك الله خيراً، لقد أكرمتني بهذه النصيحة، فأنت لست صادقاً، إذا كان في الإمكان أن تردّ الحقّ، وأن تستنكف عن قبوله، وأن تستعلي عن أن تأخذه من إنسان تظنه دونك، المؤمن الصادق يتعلم ولو من غلام، أبو حنيفة النعمان كان يمشي في الطريق، فرأى غلاماً أمامه حفرة، هكذا قرأت، قال له: يا غلام إياك أن تسقط، قال له الغلام: بل أنت يا إمام إياك أن تسقط، إني إن سقطت سقطتُ وحدي، وإنّك إن سقطتَ سقط معك العالَم.
إذا كان الإنسان قدوة وأخطأ يكون قد ارتكب عملاً خطيراً جداً، لأن هز، هذا المثل الأعلى اهتز، أن تتعامل مع ألف إنسان، الألف إنسان أشخاص عاديون يصيبون ويخطئون، لكن إذا كان في ذهنك مثل أعلى، شخص، تُعلق عليه أملاً كبيراً، وتراه إنساناً مستقيماً، إذا أخطأ هذا الإنسان مشكلة كبيرة جداً، أنت ترضى أن يُخطئ الناس جميعاً، أما هذا تأخذ عنه، وتقتدي به، وتراه في موطن منزّه عن كل خطأ، فإن رأيته يُخطئ عمداً، طبعاً لا أحد معصوم إلا النبي، لكن إذا قلنا: المؤمن غير معصوم، ليس معنى هذا أنه يرتكب الكبائر، وليس معنى هذا أنه يُصِرّ على الصغائر، إذا قلنا: المؤمن غير معصوم، لا يمكن أن يُصِرّ على صغيرة، مهما بدت صغيرة، وقّافاً عند كتاب الله، سريعاً ما يتراجع ويستغفر ويشكر الذي نصحه، لذلك قالوا: النبي معصوم والولي محفوظ، النبي لا يفعل خطأ، بينما الولي لا يضره خطؤه، لأنه سريعاً ما يتوب منه ويستغفر، والقاعدة: ما من أحد أكبر من أن يُنقَد، وما من أحد أصغر من أن يَنقُد، قال تعالى: 

﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)﴾

[ سورة الزمر ]

جاء بالصدق؛ أي أفعاله تؤكد أقواله، كان صادقاً، أساساً عظمة الأنبياء في صدقهم، الأنبياء فعلوا المعجزات، لا لأنهم فوق البشر، هم بشر، ولولا أنه تجري عليهم كل خصائص البشر لما كانوا سادة البشر، ولكن الأنبياء فعلوا ما قالوا، وأيُّ إنسان يفعل ما يقول له تأثير يشبه السحر، يفعل ما يقول.
كان مع أصحابه في سفر، أرادوا أن يعالجوا شاة، قال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، وقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمعُ الحطب، فقالوا: نكفيك ذلك، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه، شيء لا يصدق، نبي هذه الأمة يعمل كأحد أصحابه، في معركة بدر كانت الرواحل قليلة، والعدد قريب من ألف، والرواحل ثلاثمئة، فالنبي أعطى توجيهاً: كل ثلاثة على راحلة، قال: وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، القائد العام للجيش يُعَامِل نفسه كما يُعَامَل الجندي، فركب الناقة وانتهت نوبته في الركوب، وجاء دور عليّ وأبي لبابة، فتوسلا إليه أن يبقى راكباً، فقال عليه الصلاة والسلام قولة تكتب بماء الذهب: ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر، أي أنا مفتقر إلى أجر المشي، وأنا قوي البنية، قادر على المسير، لست ضعيفاً حتى أركب دائماً، أنا أمشي، لو تَخَلق الناس بهذه الأخلاق لكنا في حياة غير هذه الحياة. 
 

أنواع الرياضة:


العلماء قالوا: الرياضة على ثلاث درجات؛ رياضة عامة وهي تهذيب الأخلاق بالعلم، وتصفية الأعمال بالإخلاص، وتوفير الحقوق في المعاملة، أخلاقه يوجهها العلم، وأعماله يتوجها الإخلاص، ومعاملاته يضبطها أداء الحقوق، إن تكلم فهو صادق، وإن تعامل مع الناس تعامل بخُلق كريم، قال عليه الصلاة والسلام: من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحَرُمت غيبته. تهذيب الأخلاق بالعلم، وتصفية الأعمال بالإخلاص، وتوفير الحقوق في المعاملة.
 

تعريف الأخلاق:


الأخلاق حركة الإنسان، تحرك، تاجَرَ، باع، اشترى، عزّى، هنّأ، تنزّه، سافر، نام،  تزوّج، طلق، الحركة ما الذي ينظِمُها عند المؤمن؟ الأخلاق التي جاء بها النبي، كنت أقول دائماً: القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي،

(( عن عائشة أم المؤمنين: أتَيْتُ عائشةَ، فقُلْتُ: يا أُمَّ المُؤمِنينَ، أخْبِريني بخُلُقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالت: كان خُلُقُه القُرآنَ، أمَا تَقرَأُ القُرآنَ، قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، قُلْتُ: فإنِّي أُريدُ أنْ أتبَتَّلَ، قالت: لا تَفعَلْ، أمَا تَقرَأُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]؟ فقد تزوَّجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد وُلِدَ له. ))

[ شعيب الأرناؤوط  :تخريج المسند لشعيب : خلاصة حكم المحدث : صحيح ]

المؤمن الصادق يضبط أموره، أنا ليس بيدي، إذاً بيد من؟ أنت إنسان مكلف، إذا الإنسان قال: ليس بيدي الأمر، أنا هكذا طبعي، هذا إنسان فج، وليس في مستوى التعلُّم، إنما العلم بالتعلم، وإنما الكرم بالتكرم، وإنما الحلم بالتحلم، هذه المرة غَضِبت، في المرة الثانية كن حليماً، هذه المرة تسرعت، في المرة الثانية كن متأنياً، يوجد قصص كثيرة جداً لو الإنسان تسرّع ندِم ندماً لا حدود له، قبل أن تتهم، قبل أن تأخذ أقوالاً مضادة، ولم تلتق مع صاحب الحق حقِّق، سيدنا سليمان:

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)﴾

[ سورة النمل ]

قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾

[ سورة الحجرات ]

حركة الحياة يضبطها العلم، الإنسان أحياناً يكون بدعوة، أكل، هناك عشرون آخرون يأكلون، شبِع، أين أغسل يدي؟ انسحابك من المائدة يُحرج الباقين، أنت شبعت ابق في مكانك ولا تأكل، أما أنا أكثر من مئات الولائم حضرتها، ينتهي أحد المدعويين للطعام يقف عن الأكل يبتعد، هناك إنسان جاء متأخراً، هناك إنسان جائع، هناك إنسان يأكل ببطء، أنت أحرجته، فالسنة ألا تقوم عن الطعام إلا بعد أن ينتهي آخر إنسان، لست مكلفاً أن تتابع الطعام، ولكن ينبغي ألا تقوم عن الطعام حتى ينتهي آخر إنسان، هذا من السنة، فما الذي يضبط لك سلوكك؟ السُّنة.
أحياناً تجد شخصاً جالساً مع عمه، والد زوجته، يدخل بموضوع بالعلاقات الحميمة بينه وبين زوجته، هذه ابنته، لما صهره يتكلم كلاماً متعلقاً بالعلاقة الزوجية، الأب يخجل، لأن هذه ابنته امامه، قد يذهب به التخيل إلى شيء غير جيد، فقال: فمن السُّنة ألا تتحدث أمام والد الفتاة أو إخوتها عن موضوعات في العلاقة الزوجية، هكذا من السنة، فكلما تعلمت عن سنة النبي العملية شيئاً وطبقته، جاء علمك ضابطاً لسلوكك، ما هو الخُلُق؟ هو ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.
 

الأخلاق تُهذَّب بالعلم:


ورد: أتدرون ما حقّ الجار؟ إذا استعان بك أعنته، وإذا استنصـرك نصرته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا أصابه خير هنّأته، وإذا أصابته مصيبة عزّيته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فأهدِ له منها، فإن لم تفعل فأدخلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدُك ليغيظ ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك، إلا أن تغرف له منها، إذا شخص أعطى ابنه في المدرسة مبلغاً كبيراً أو طعاماً باهظ الثمن، هذا مُخالِف للسنة، أطعمه هذا الطعام في البيت، أما أعطه إلى المدرسة الطعام العادي الذي يأكله جميع الطلاب، هناك آباء بعيدون عن السنة، قطعة ثمنها ثمانون ليرة، وخمسمئة وبالحضانة، هذا لا يصح، شيء يُثير التقزز، اجعل ابنك كالباقين، من أجل أخلاقه، الطفل الصغير قد يفتخر، قد يغيظ أصدقاءه، أطعمه الطعام الطبيعي، الشطائر الطبيعية، الأكلات المألوفة، إن أردت أن تطعمه طعاماً أعلى أطعمه في البيت، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها.
فالأخلاق تُهذَّب بالعلم، النبي عليه الصلاة والسلام كان أديباً إلى درجة غير معقولة، قيل: ما رُئي مادًّا رجليه قط، ولا بين أصحابه مع أنه سيد الخلق، طبعاً إلا إذا كان الإنسان معذوراً، معه التهاب مفاصل، المعذور لا علاقة له بهذا الحديث، لكن من غير عذر ليس من السنة، أحياناً إنسان يجلس بشكل غير جيد، أحياناً في المركبة العامة يوجد مقعدان، يجلس إنسان ولا يترك لجاره إلا قدراً يسيراً، لا ينتبه، يجب أن نجلس بأدب، وأن تتطامن، يكون حجمك معقولاً وليس مفتوحاً، مغلق، هذا الأدب، سبحان الله! كلما ارتقى مقام الإنسان تجده أديباً جداً، أديب في حركاته، وسكناته، في تناول طعامه، في كل حاجاته،

(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ، أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، أَوْ قَالَ قَبْرِهَا، فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا. ))

[ صحيح البخاري ]

وهو نبي هذه الأمة، يُعلّمك التواضع، أنت قد تكون مدير شركة وعندك مستخدَم، لكن هذا المستخدم بالدنيا مستخدم، أما بالآخرة فقد يكون أعلى منك درجة عند الله عز وجل، فالإسلام يعلمك التواضع، يعلمك الإنصاف.
 

توفير الحقوق من الرياضة أيضاً:


توفير الحقوق أيضاً من الرياضة، الأخلاق تُهذَّب بالعلم، والأعمال تُتوج بالإخلاص، وعلامة الإخلاص ذكرتها قبل قليل، والحقوق تتوافر في المعاملة، أو تعطي ما أُمرت به من حقق الله وحقوق العباد كاملة موفورة. 
الآن كم إنسان يموت والده، يُوزِّع التركة بالعدل التام؟ قلائل جداً، له أختان متزوجتان لا ترثان، البيت الذي يسكنه الأخ ثمنه اثنا عشر مليوناً، يقول لأخته: تعالي اجلسي، من منعكِ؟ هذا بيت العائلة، انظر إلى هذا الكلام، لما الأب مات لم يَعُد بيت العائلة، صار بيت الورثة، فهذه الأخت لها حق في هذا البيت، عملياً لا تُعطى شيئاً، قاعد الابن، متزوج فيه، مرتاح، بيت أربعمئة متر، كان بيت والده وعنده أربع أخوات بنات، هذا بيت العائلة، تعالوا، يوجد سجادة غالية هذه من رائحة أبي، شيء جيد والله، هذه من رائحة أمي، وهذه من رائحة كذا، ما وزعوا شيئاً، كل واحد أخذ مقتنيات غالية جداً وادّعى أنه يتبرك بها، فالبطولة أن تؤدِّي الحقوق.
أعرف أخاً من إخواننا، أنا كلما يُسَلّم عليّ أُكبِره، له أخت فقط، توفي والده عن ابن وبنت فقط، أخته متزوجة، وزوجها له بيت، ودخله جيد، وليست بحاجة أبداً، بيت الأب يسكنه الابن مع والدته، قال لي: واللهِ قيّمت البيت على أنه فارغ، لا على أنه مُستأجر، وأعطيت أختي حصتها بالكمال والتمام، هذه بطولة.
لي قريبة تزوجت في سنّ متأخرة، الذي تزوجته كان عنده امرأة فتوفيت، فتزوج هذه القريبة ثم توفي، له أولاد صالحون، أنا أستمع إلى قصتها أتغذى بها، قالت لأولاد زوجها: واللهِ والدكم قبل أن يموت وهب لي شفهياً مبلغ خمسمئة ألف يستثمرها عند فلان، قال لي: هذه لكِ، فقالوا: سمعاً وطاعة، نزلوا معها إلى صاحب المحل قالوا له: أعطها إيصالاً باسمها بدل إيصال والدي، والله شيء جميل، ببساطة، هي صادقة لكن من دون دليل مادي، من دون دليل، لأنها قالت: وعدني زوجي أن هذا المبلغ لي، قالوا: سمعاً وطاعا، الآن مهرها خمسة عشر ألفاً، أعطوها إياه بالتمام والكمال قبل توزيع الإرث، بعد أيام جاؤوا، قالوا: أعطينا إياه، لماذا؟ قالوا سألنا عالمــاً فقال: لابد من أن يُعطى المهر على السعر المعاصر، أعطوها مقابله مئة وثمانين ألف ليرة، حسبوها على الليرة الذهب، وحسبوه على السعر الجديد فكان مئة وثمانين ألفاً، أنا والله مدهوش، ثم أغراضها تصل إلى البيت، كل حاجاتها مُؤمّنة بعد وفاة والدهم، ثم اشتروا لها بيتاً بما تملك، وأسّسوه لتسكنه، هم لم يفعلوا إلا الصح، لكن لأن العمل نادر صار يلفت النظر، هذا الشيء الطبيعي، حقوق، فالإنسان إذا لم يؤد الحقوق مقطوع عن الله عز وجل.
توفير الحقوق في المعاملة فهو أن تعطي به من حقّ الله وحقوق العباد كاملاً موفوراً، قال رجل لسيدنا عمر: أتحبُّني؟ قال له: واللهِ لا أحبك، قال له: هل يمنعك بُغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال له: لا واللهِ، قال له: إذًا إنما يأسف على الحب النساء، ليس هناك مشكلة، فأن تصحح العمل بالعلم، وأن تصحح النية بالإخلاص، وأن تؤدي الحقوق لأصحابها بالتمام والكمال، هذه هي الرياضة، هذه المنزلة التي أدخلها صاحب المدارج، في مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين.
 

الرياضة خاصة وعامة:


عندنا رياضة بمستوى أعلى؛ هذه رياضة المؤمنين، قالوا: هناك رياضة الخاصة، هناك إنسان متفوق، قالوا: من خصائص هذه الرياضة قطع ما يُفرق قلبك عن الله، كل شيء يصرفك عن الله تقطعه، هذه رياضة، حتى المباحات، شيء مباح، لكن قلبك تعلّق به، دعه، لأن الله عز وجل هو المقصود، قال: قَطْع ما يفرق قلبك عن الله بالجمع عليه، والإقبال بكليتك إليه، حاضراً معه بقلبك كله، لا تلتفت إلى غيره، هذه مرتبة أعلى.
هناك شيء آخر؛ الإنسان أحياناً يتعلق برأي ويبحث له عن أدلة، هذا موقف خطأ، الأصل أن تتعلق بالحق وأن تسعى لتطبيقه أينما كان الحق.
أيها الإخوة؛ رياضة الخاصة أن تقطع كل ما يُبعدك عن الله، قطع ما يُفرق قلبك عن الله بالجمع عليه، والإقبال بكليتك عليه.
 

أن تُحَكِّم العلم لا أن تُحكِّم الحال:


هناك نقطة ثانية: أن تُحَكِّم العلم لا أن تُحكِّم الحال، الإنسان أحياناً يكون له إقبال على الله شديد، يعيش في غمرة من الحال المسعد، هذه الغمرة من الحال المسعد قد تحمله على أن يقول شيئاً غير صحيح، فهو دائماً يُحَكِّم العلم بالحال، ولا يُحَكّم الحال بالعلم، الحال خطير، سمِّي حالاً لأنه يحول، مثلاً هذا الذي فَقَدَ ناقته وهو في الصحراء فأيقن بالهلاك وبكى، فلما رأها من شدة فرحه قال: يا رب أنا ربك وأنت عبدي، حاله الشديد بالعثور على ناقته أخلّ توازنه فقال كلاماً كفراً، هناك من يلتفت إلى قلبه ويتصل بربه فيشعر بنشوة كبيرة جداً، هذه تبعده عن العلم، فيُحَكِّم حاله بعلمه، والأولى أن يُحكِّم علمه بحاله.
 

أنواع الحال:


الحال أنواع، هناك حال شيطاني، إذا دخل أحدهم بيتاً مثلاً، واستطاع أن يأخذ منه مليون ليرة، وبطريقة سهلة، ولم ينتبه أحد، وخرج، لو قعدت مع هذا السارق تجد إشراقة في وجهه، لأنه حقق هدفه، فهل يُسمى هذا الحال راقياً؟ كل إنسان يحقق هدفاً ولو كان خسيساً يشعر بنشوة، فنحن لا يوجد عندنا حال يتحكم فينا، العلم يتحكم بالحال، العلم حكَم على الحال، وليس الحال حكماً على العلم، هناك أناس كثيرون أحوالهم تتحكم بعلمهم، تأخذه نشوة فيتكلم كلاماً غير صحيح، قد يستعلي، وقد يطعن بالآخرين، كلام أساسه نشوة، فمن لوازم رياضة الخاصة أن علمه متحكم بحاله، وليس العكس.
 

رياضة خاصة الخاصة:


أما في رياضة خاصة الخاصة، هؤلاء المتفوقون، أي يوجد مقبول، يوجد جيد، يوجد جيد جداً، يوجد امتياز، مرتبة الامتياز، قال: هذه المرتبة لا يرى إلا الله، لا يرى عمله، حتى لو الله عز وجل أجرى على يده خيراً كبيراً لا يرى عمله، قال: ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي؟ ما قال: فهديتكم، قال: هداكم الله بي، حتى الإنسان بالمرتبة العالية لا يرى عمله، يرى فضل الله عليه، حتى لو كنت مستقيماً، لو أنك في زمن الفتنة مستقيم، تُجاهد نفسك وهواك، لولا أن الله عز وجل أعانك على الاستقامة لما كنت مستقيماً، والدليل: سيدنا يوسف حينما قال: 

﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)﴾

[ سورة يوسف ]

أي عفّتي بمعونتك يا رب، عفتي واستقامتي وورعي بدعم منك، من أنا لولا دعمك لي؟ هذا مستوى عال جداً، حتى بالتفوق، حتى بالإيجابيات، حتى بالإنجازات، لا ترى إلا فضل الله عليك.
 

كلما تفوقت عند الله عز وجل ترى فضل الله عليك:


مرة كنت في جلسة، هناك إنسان كان عنده روح من الدعابة اللطيفة، أضحك من في المجلس مرتين أو ثلاثاً، قلت لهم: اشكروا الله على هذا الضحك؟ قالوا: ولِم؟ قلت لهم: لأن الذي أضحككم قادر على أن يُبكيكم، لكنه أضحككم، أي لا يوجد مشكلة كبيرة عندكم، لو كان هناك مشكلة كبيرة، لو عامل خزعة وأخذت الجواب وكان ورماً خبيثاً، أعتقد أن الإنسان لا يضحك أبداً، مستحيل يضحك، انتهى الضحك من حياته، دخل في هموم لا يعلمها إلا الله، فإذا ضحك الإنسان معنى ذلك أن الله سمح له أن يضحك، فكلما تفوقت عند الله عز وجل ترى فضل الله عليك:

إذا كنت في كل حال معي            فعن حمل زادي أنا في غنى

فأنتم هو الحق لا غيركــم            فيا ليت شعـري أنــا من أنـا

[ عبد الغني النابلسي ]

* * *

أي تتلاشى ذاتك أمام عظمة الله، عبّر عنها علماء القلوب بالفناء، أنت ليس لك وجود، النبي الكريم حدّثنا عن أعماله العظيمة، قال: هذه جهد مُقِل، فكلما كَبُرت عند الله رأيت فضله ولم تر عملك، وكلما صغرت عند الله رأيت فضلك وعملك، ولم تر فضل الله عليك.

الملف مدقق

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور