وضع داكن
19-04-2024
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 094 - عبادتي النظر والذوق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

ملخص الدين :


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الرابع والتسعين من دروس مدارج السالكين, في منازل إياك نعبد وإياك نستعين, العبادات تشمل كل الحياة، وكل الأوقات، وكل الأماكن، وكل النشاطات، وكل النواحي, فكيان الإنسان مرتبطٌ بالعبادة، لأن علة وجود الإنسان على وجه الأرض عبادة الله عز وجل، والعبادة معرفة وطاعة، أنت إن فكرت في خلــق السموات والأرض عرفته، وإن عرفت منهجه أطعته,  فيمكن أن يلخَّص الدين كله في كلمتين: 

معرفته وطاعته، توحيده وعبادته، أن تؤمن به, وأن تتقرَّب منه.

 

عبادة النظر :


الحديث الآن عن النظر، قلت النظر الواجب: النظر في المصحف, وفي كُتُب العلم، فهذه العين سُمِّيَت كريمة, لعلها أكرم عضوٍ في الإنسان، وأية عينٍ تغضُّ عن محارم الله، أو تنظر إلى آيات الله، ففي الأعم الأغلب: أن الله يحفظها لك، وترثك ولا ترثها.

ومن أدعية النبي عليه الصلاة والسلام : 

(( اللَّهمَّ أَمتِعنا بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقُوَّتنا ما أَحيَيتنا ، واجعَلُه الوارثَ منا ))

[ أخرجه الترمذي ]

ترثنا ولا نرثها، عين غضت عن محارم الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، هذه العين في الأعم الأغلب الله جل جلاله يحفظها للمؤمن.

 

هذه العبادة أو هذه الجارحة الثمينة أحد أنواع شكرها:


أن تستخدمها في طاعة الله, لو وسَّعنا هذه الحقيقة: اليد ينبغي أن تستخدمها في طاعة الله, فلا تصافح بها امرأةً لا تحل لك، ولا تمسك بها شيئاً محرماً، ولا تعتدي بها على الآخرين، فالمؤمن يستخدم رجله في طاعة الله ؛ يمشي بها إلى المساجد، وإلى الطاعات، وإلى إصلاح ذات البيـن، وإلى صلة الرحــم، وإلى كل عملٍ طيب, المؤمن يستخدم كل أعضائه، بل إن المؤمن يستخدم تفكيره في الخير، لا يفكِّر في معصية، لا يفكر في عدوان، فالمؤمن يستخدم فكره، وعينه، وسمعه، وبصره، ولسانه، ويده، ورجله في الحق.

إذاً أحد أنواع الشكر: أن تستخدم هذه الجارحة في طاعة الله تعالى، بل إنه حينما تستخدم الجارحة في معصية الله تعالى، فهذا نوعٌ من كفر النعمة، تستعين بنعمه على معصيته.

 

قصة :


قصة رويتها لكم من قبل: أن إنساناً سأل شيخه أن يأذن لي أن يعصي الله, -سؤال غريب جداً, يبدو أن شهوته عارمة وأنه أضعف من أن يقف في وجه شهوته-, فسأل هذا الشيخ, فقال له: خمسة أشياء إن فعلتها لا تضرك معصية.

قال: وما هي؟.

قال: إن أردته أن تعصيه فلا تسكن أرضه.

قال له: وأين أسكن إذاً؟!.

قال له: تسكن أرضه وتعصيه؟!!.

فهل من المعقول: أن تزور إنساناً يقدم لك كل ما يملك من حق الضيافة, فتقابل عمله بضرب ابنه، في بيت المضيف، في البيت الذي استقبلك, وأكرمك، وقدم لك الطعام والشراب، وتضرب ابنه؟!. 

قال: هاتِ الثانية. 

قال له: إن أردت أن تعصيه فلا تأكل من رزقه.

قال: وماذا آكل إذاً؟.

قال: تسكن أرضه، وتأكل رزقه، وتعصيه؟!.

فأحياناً: إنسان أعطاه الله المال يشرب الخمر، يشتري الخمر، يعصي الله بالمال الذي أكرمه الله به.

قال له: هاتِ الثالثة. 

قال: إن أردت أن تعصيه فابحث عن مكانٍ لا يراك فيه.

قال له: وكيف وهو مع الخلق كلهم؟.

قال له: تسكن أرضه، وتأكل رزقه، وتعصيه, وهو يراك؟.

قال له: هاتِ الرابعة.

قال له: إن جاءك مَلَك الموت فلا تذهب معه.

قال له: لا أستطيع.

أعاد له الأربعة: تسكن أرضه، وتأكل رزقه، وتعصيه، ولا تستطيع أن تتفلت من مَلَك الموت؟!!.

قال له: هات الخامسة.

قال له: إن جاءك الزبانية إلى النار فلا تذهب معهم.

فالإنسان في قبضة الله عز وجل فكيف يعصيه؟. 


الأمانة بالمفهوم العام :


قال: يمكن أن تنظر إلى الشيء كي تميِّزه حلالٌ أو حرام, والعلماء يبينون تفاصيل عبادة هذه الجارحة الثمينة، الآية الكريمة المتعلقة بالأمانات:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58)﴾

[ سورة النساء ]

والآية واسعة جداً، فالأمانة شيءٌ أودع عندك، شيءٌ جُعِلَ تحت سيطرتك، شيءٌ جعل في تصرُّفك، ينبغي أن تؤديه إلى صاحبه كاملاً مُكَملاً، لو وسعنا هذه الآية:

فجسمك أمانةٌ بين يديك، عليك أن تعتني به، كي يعينك على طاعة الله، وكي تصل به إلى دار السلام بسلام، أما الذي لا يعتني بجسمه، أو يحمِّله ما لا يطيــق، ويصاب بالعطب والعطل, عندئذٍ يكون قد خان الأمانة.

زوجتك أمانةٌ ينبغي أن تأخذ بيدها إلى الله عز وجل، أولادك أمانة ينبغي أن تدلّهم على الله.

أنت مُعَلِّم، طلابك الذين هم في الصف أمانةٌ في عنقك، ينبغي أن تعلمهم علماً صحيحاً ، وأن تربِّيهم تربية صالحة، أنت طبيب، فالمريض أمانة، سلَّمك نفسه، ووثق بك، ويأتمر بأمرك: كل هذا الطعام تأكل، اشرب هذا الدواء تشرب، ابتعد عن هذا تبتعد، إن لم تقدم له التعليمات الدقيقة, ولم تتأكد من حالته الدقيقة، وكان وصفك للدواء غير دقيق، فإذا أصاب جسمه العطب فأنت مسؤول, أنت حينما تشعر أن الله سيسألك عن كل شيء، تنجح في علاقتك مع الله، فالمريض أمانة.

أنت محامٍ، الموكِّل أمانة لأنه لا يعرف القوانين، أنت قلت له: الدعوى رابحة، وهو قد صَدَّقَك، قلت له: القضية سهلة، الحق معك، والاجتهاد القانوني معك، ومحكمة النقض معك  فصدقك الموكِّل، وتعلم أنت أنك لن تستطيع أن تأخذ له حقَّه، أو هذه الدعوى ليست رابحة، وجعلته يعيش سنوات وسنوات في طمأنينة، ثم فوجئ بأن القاضي حكم عليه، وخسر الدعوى، فأنت خنت الأمانة، إذا فهمنا الأمانة بهذا المعنى، كنا في حال غير هذا الحال.

صانع المواد الغذائية محاسب عن كل مادة ضارة تؤذي المسلمين، فكثير من الأشياء مربحة ولكنها مؤذية، تحقق لك ربحاً كبيراً، ولكنها تؤذي صحة المسلمين، فهؤلاء المسلمون الذين يشترون من عندك الخبز، هم أمانةٌ في أعناقك.

سمعت عن خبز معيَّن, يحتاج إلى مادة ثمن الكيلو منها خمسة آلاف ليرة، وهناك مادة مسرطنة وسامة، وهي رخيصة جداً, تستخرج من النشاء، وثمن الكيلوغرام منها أقل من خمس ليرات، فبعض الأفران في دمشق تستعملها لأنها مادة رخيصة، لكن من أجل أن يحقق ربح كبير، وأن يوفر هذا المبلغ الكبير، لم يعبأ بصحــة الناس، إذاً: هؤلاء الذين يشترون عندك أمانة, فالمرضى أمانة بعنق الطبيب، والموكِّلون أمانة بعنق المحامي، والطلاَّب أمانة بعنق المدرس, وهذا المشتري أمانة بعنق هذا البائع، قد يكون الدواء قد انتهى مفعوله، وثمنه غالٍ، ولم تنبِّه هذا المشتري الجاهل البسيط الساذج، فبعت له الدواء، وتناوله، وقد انتهى مفعوله، فالحقيقة: الدين هنا يظهر: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) والعلماء قالوا: الأمانات جاءت جمعاً، ليفيد الجمع: أن الإنسان في عنقه مئات الأمانات وآلاف الأمانات.

(( سئل عليه الصلاة والسلام: ما الدين؟ قال : الدين النصيحة, فقالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم . ))

[ الحديث  ]

(( عن تميم الداري رضي الله عنه : أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال  : إِنَّ الدِّينَ النصيحة . قلنا  :  لِمَنْ يا رسول الله ؟ قال  :  لله ، ولكتابه ولرسوله ، ولأَئمة المسلمين وعامتهم  ))

[ أخرجه مسلم  ]

فمن التعريفات الجامعة المانعة: الدين هو النصيحة، أن تنصح إنساناً، أن تنصح عامَّة المسلمين, أن تنصح أئمَّتهم، أن تنصح لكتاب الله، أن تنصح لسُنَّة رسول الله، أن تنصح لله عز وجل.

 

النظر المباح :


النظر المباح هو أن تنظر في آيات الله الدالة على عظمته، قد تنظر إلى وردةٍ فتسبِّح الله, وقد تنظر إلى جبلٍ شامخ فتعظِّم الله، وقد تنظر إلى بحرٍ هادئ فتسبح الله، فالنظر إلى الآيات الكونية أحد أسباب تعظيم الله عز وجل، والنظر إلى نباتٍ يسبح الله، تسبح الله معه أنت ، النظر إلى من يحل لك أيضاً مباح، وبالعكس هذا شيء أباحه الله لك، النظر إلى المصحف هذه عبادة، النظر في كتب العلم.

 

النظر المكروه :


قال هناك نظـر مكروه: وهو فضول النظر, كأن يرى إنسان مركبة فخمة جداً حديثة، واقفـة بمكان ما، فيتأمل فيها، وتنظر إلى مكان السائق، وإلى أجهزتها، تنظر ملياً، هذا اسمه فضول النظر، وقد ورد في بعض الأثر: أنه يبذر الهوى.

فالتأمُّل والمبالغة في التأمل، استيعاب الشيء والتدقيق به، هذا يبذر في قلبك محبَّته، والإنسان يعيش في حياته أياماً معدودات.

الإنسان بعضة أيام كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه. 

لذلك فضول النظر الذي لا مصلحة لك فيه.

انظر إلى شيءٍ تنتفع بـه، هذا سمَّاه العلماء: فضول النظر، كما أن هناك فضول للكلام, وهناك فضول للسماع، فهناك فضول للنظر، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ))

[ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

و:

(( طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ))

[ أخرجه البزار في مسنده ]

وفضول النظر طبع سيء.

 

من فضول النظر :


ذات مرة زار شخص مكاناً، فوجد كتاباً ففتحـه، وجد أوراقاً داخل الكتاب فقلَّبَها، شعرت أن هذا الإنسان بعيد عن أدب النبي عليه الصلاة والسلام, الإنسان لا ينظر لشيء ليس له بهذا الفضول.

تمسك ورقة، فتجد رجلاً بجوارك يقرأ معك، تفتح أحياناً دفتراً وأنت راكب في سيارة، جارك يمعن النظر في دفترك، الكمبيوترات الحديثة فيها مستوى أعلى، إذا كنت في طائرة، وتستخدم هذا الكمبيوتر، لا يقدر جارك في المقعد أن ينظر، لأن الشاشة لا تظهر إلا بالنظرة القائمة على سطحها، فإذا كانت الشاشة أمامك مباشرةً تقرؤها، أما إن نظرت إليها جانبياً لا تقرؤها، هذا من أجل فضول النظر. 

وهناك فضول نظـر من نوع آخر: أنت ببيت قاعد, وسمعت مشية، والنافذة مفتوحة قليلاً, نظرت ماداً رأسك لترى, فإذا بامرأة تمر كان عليك أن تغض بصرك، ما دام في الخارج حركة.

حتى النبي علمنا إن وقفنا أمام الباب أن نعطي ظهرنا للباب، تجد إنساناً لم يتأدب بأدب رسول الله، يطـرق الباب، ويقف أمام الباب مواجهةً، فإذا امرأة فتحت، رآها كما هي، أما المؤمن يقف ويعطي ظهره للباب، هذا من أدب رسول الله، وقد علَّمنا هذا صلى الله عليه وسلم, قال:

كان بعض السلف يكره فضول النظر، كما يكره فضول الكلام.

 

من أحكام الدين :


في الدين الفرض والواجب والمستحب والمكروه والمحرم، وما من حركة ولا سكنة إلا ويجب أن تندرج تحت أحد هذه الأحكام، عوِّد نفسك أن كل شيءٍ تفعله لا بد من أن يندرج تحت أحد هذه الأبواب.

فالعين لها أن تنظر إلى سجادة وهذا مباح، فلا هناك أذى ولا نفع، إن نظرت إلى شيءٍ خلقه الله عز وجل، وكانت هذه النظرة سبباً لمعرفة الله، فصار هذا نظر واجب:

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾

[ سورة يونس  ]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)  ﴾

[ سورة عبس  ]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) ﴾

[ سورة الطارق  ]

ففي أمر.

النظر إلى آيات الله فيها أمرها، النظر إلى شيءٍ أباحه الله لك وفيه سرور، قد يكون سُنَّة, النظر إلى شيء عادي لا تنتفع من النظر إليه، ولا تتأذَّى من عدم النظر إليه هذا مباح, أما النظر إلى شيء جميل، وهذا الشيء لا تملك ثمنه، واستغرقت فيه، وتمنيت أن تملكه، هذا شيء مكروه، فضول النظر مكروه.

 

ما يحرم النظر إليه :


أما الشيء المحرَّم النظر إلى العورات ، العلماء قالوا العورات نوعان : 

1- عورةٌ وراء الثياب .

2- وعورةٌ وراء الأبواب.

الآية الكريمة:

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ﴾

[ سورة النور ]

من هنا للتبعيض، فأنت مكلف أن تغض البصــر، ولكن أحياناً تنظر فجأة إلى امرأة  النظرة الأولى ولا حد لأقلها فهي كلمح البصر، هذه لك، والثانية عليك: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) وهناك نوع ثانٍ: 

فالإنسان لو نظر إلى ابنته، أو إلى أخته، أو إلى عمته، أو خالته، أو إلى أمه، يجب أن يغض بصره، كيف؟ 

يجب أن ينظر دون تدقيق ولا يتتبع التفاصيل، مع تتبع خطوط الجسم، هذا منهي عنه للمحارم، لك أن تنظر إلى ابنتك نظرةً عامة، أما خطوط جسمها بالضبط, هي مضجعة، هي جالسة، هي تصعد إلى درج، هذا لا يجـوز، فمن أدب النظر إلى المحارم أن تنظر نظرةً إجمالية، ولا شيء عليك بها إطلاقاً بالعكس مباحة، أما التدقيق في النظر، وفي تتبُّع خطوط الجسم، وفي تتبع حالات الجسم في كل حركاته وسكناته، هذا منهي عنه، وينطوي تحت قوله تعالى: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) لو إحدى محارمك تصعد درجاً، لا ينبغي أن تنظر إليها من ورائها، لو نظرت وهي منحنية, قد تنظر إلى صدرها، فالمؤمن لا ينظر إلى محارمه إلا نظرةً إجمالية، لا يتتبع ما ينبغي ألا تكشفه, لا يدخل على إحدى محارمه فجأة من غير استئذان، ولو أنها أمه، قال: إنها أمي يا رسول الله!! قال له: أتحب أن تراها عريانة؟.

فهذا معنى آخر للغض من البصر، ينبغي ألا تنظر إلى محارمك إلا بثياب الخدمة، أما الآن ما يجري في البيوت -والعياذ بالله-, الأخت تبدو أمام أخيها بثياب شفافة، قد تبدو الأم أمام ابنها بثياب غير منضبطة، والأخت أمام أخيها، والبنت أمام أبيها.

فهنا المعنى الثاني للآية: الغض، هو غض البصر عن المحارم, بحيث لا يتبع خطوط الجسم ولا بعض ما ينبغي أن يكون مستوراً.

غض بصر عن بعض النساء اللواتي لا يحللن لك، لا يحل لك أن تنظر إليهن وهنّ الأجنبيات, بالمقابل: لك أن تنظر إلى محارمك، وعندنا غض بصر نوعي: لو نظرت إلى محارمك ينبغي ألا تدقق في التفصيل، وغض بصر زمني: فجأةً وجدت نفسك أمام امرأة، النظرة الأولى لك والثانية عليك، فهذه مراتب غض البصر، غض بصر زمني، وغض نوعي ، وغض جنسي.

قال النظر المحرم: النظر إلى العورات, وهي قسمان : 

1- عورةٌ وراء الثياب .

2- وعورةٌ وراء الأبواب .

كالنظر إلى باب مفتوح، أو إلى نافذة مفتوحة، هذا أيضاً فيه تحريم.

والنبي عليه الصلاة والسلام قال: لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن, فحذفته بحصاة ففقأت عينه, ما كان عليك من جناح.

هكذا ورد بالحديث، والعلماء لهم في هذا الحديث شروحات لطيفة: فهو لو فقأ عينه يحاسب, ولكن لبيان عِظَمِ حق الجار، فلا يحق له أن ينظر إلى جاره من ثقب الباب، وهذا يقابله المنظار.

أحياناً يكون في البيت منظار، الابن يستخدمه ليرى الجار البعيد من نافذة مفتوحة، لعل بها امرأةً تخلع ثيابها مثلاً، هذا محرم تحريماً شديداً، لأن آداب الإسلام تمنع اختلاس النظر إلى الجار.

فقال العورات نوعان : 

1- عورة وراء الثياب .

2- وعورة وراء الأبواب .

يقاس على عورة وراء الأبواب استخدام المناظير، لذلك في بعض الحِرَف تكاد تكــون محرَّمة، فالذي يربي الحمام أين يجلس؟ على السطوح، ومن كان على السطوح كشف عورات المسلمين.

 

عبادة الذوق :


قال عبادة الذوق: تناول الطعام والشراب عند الاضطرار إليه وخوف الموت، فمن ترك الطعام والشراب حتى مات، مات عاصياً، قاتلاً لنفسه.

وقد قال بعض العلماء: مَن اضطر إلى أكل ميتةٍ، فلم يأكل حتى مات دخل النار.

الميتة محرمة، ولكن أنت حياتك مقدمة على هذا التحريم، فمن اضطر إلى أكل ميتة ولم يأكل، دخل النار كأنه قتل نفسه، والنبي عليه الصلاة والسلام في بعض أحاديثه يقول: 

(( من ركب ناقةً حرون ومات مات عاصياً ))

[ ورد بالأثر ]

من نام على سطحٍ غير مسوَّر، ووقع فمات، مات عاصياً، الإنسان لو نزل من سيارةٍ عامة, وهي تمشي ومات، مات عاصياً، فإن ركبت مركبةً ولم تراجع مكابحها قبل أن تسافر، ومت مت عاصياً.

 

الإسلام دقيق :


حياتك ليست ملكك، حياتك ملك أهلك، وملك زوجتك، وملك أولادك، وملك المسلمين، وجسمك أمانةٌ في عنقك.

تجد مأخذاً كهربائياً بالحمام, شدة تياره مئتين وعشرين، وابنتك تدخل الحمام حافية القدمين، وفي الأرض ماء، هذا التيار قاتل، نَبِّه ابنتك أن هذا التيار مميت، نبه أهلك, فأخذ الاحتياطات، أخذ وسائل الأمان, هذا من الدين.

سمعت عن امرأة قبل أشهر, ذهبت إلى سهرةٍ، وتركت ابنتها تدرس على ضوء شمعة, نامت البنت، فلما ذابت الشمعة, أحرقت ما على الطاولة من قماش، القماش احترق وأحرق البيت كله، جاءت من سهرتها رأت ابنتها ميتة، والبيت كله محروق، الإنسان حينما يهمل يحاسب حساباً شديداً.

هذا الدين منهج كامل، منهج تفصيلي طوال حياتنا، إذا الإنسان تيقَّن أن هذا الدواء فيه شفاء ولم يأخذه، مات عاصياً، تناول الدواء الذي يغلب على ظَنِّك أن فيه الشفاء، أخذه واجب ، إذا ظن الشفاء به فهو مستحب.

أما الشيء المحرَّم: أن يشرب الإنسان ما نهى الله عنه كالخمرة والسموم القاتلة, هذا فيما يتعلق بالذوق أو الطعام والشراب.

أما المكروه قال: ذوق المشتبهات، كطعام ليس حلالاً، إنسان دخله كله حرام، الأكل فوق الحاجة، ذوق الطعام دون أن تريد أن تشتري من عنده شيئاً، كأن تقول للبائع: أذقني إياه  وليس في نيتك أن تشتري.

فالعلماء قالوا: هناك أشياء تجرح العدالة .

منها أكل لقمةٍ من حرام، منها تطفيفٌ بتمرة ، وهي أشياء لطيفة جداً، منها أن تمشي حافياً، منها أن تبول في الطريق، منها أن تأكل في الطريق، منها أن تتنزَّه في الطريق، طريق فيه نساء كاسيات عاريات ممنوع التنزُّه في هذه الطُرُقات، منها صحبة الأراذل، منها مَن أطلق لفرسه العنان، الذي يقود مركبته بسرعة عالية هذا يجرح عدالته، منها مَن قاد برذوناً، منها مَن كان حديثه عن النساء تجرح العدالة، منها مَن علا صياحه في البيت فسمعه الجيران, منها أن تأكل طعاماً فيه شبهة . 

يقول لك: كنا بالحج وجدنا بيرة بلا كحول، هذه العملية تحتاج إلى تحقيق، بيـرة بلا كحول، كلمة بيرة تكفي، فالمؤمـن يتقي الشبهات.

نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تلبية دعوة المتبارِيَين، كعزيمة لغير وجه الله، عملية استعراض، استعلاء، أحب أن يطلع الناس على بيته وعلى إمكانياته وعلى غناه، وجاء من الطعام ما لذ وطاب, فهذا الذي يتبارى مع أنداده ينبغي ألا تلبّى دعوته.

أحياناً: تدخل على جماعة يتناولون الطعام، والأكل قليل, ويكفيهم فقط, فإذا دعوك حياء فيجب ألا تأكل ولو كنت جائعاً، أما إنسان دعاك إلى طعام قبل يوم أو يومين، هذا شيء طيب.

الأكل مع الضيف أكل مستحب، أن تأكل مع الضيف، وأن تأكل أكلاً يعينك على طاعة الله, لذا يُمنع صوم يوم عرفة، من أجل أن تستعين بالطعام على كثرة العبادة والذِكر.

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور