- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صلِ وسلم ، وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام في مجلس العلم والإيمان ، مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله يا دكتور .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
أهلاً وسهلاً شيخنا وأستاذنا الكريم ، يقول ربنا سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
في محبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده عليه الصلاة والسلام يكون هذا اللقاء بين مسامعكم مستمعينا . دكتورنا الكريم ، نتحدث عن محبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
الإنسان حينما يصطبغ بكمالات الله يعرف قدر رسول الله :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين .
بادئ ذي بدء : لابد من منطلق علمي للحب ، ما الحب ؟ هو الميل ، فنحن من خلال علم النفس نرسم للإنسان خارطة ، نسأله خمسمئة سؤال ، يجيب ، نضع الإجابة الفلانية رقم واحد ، الثانية ، الثالثة ، الرابعة ، نعمل له خطاً عمودياً ، ونضع الإجابات بحسب موضوعات محددة ، قد تصل إلى مئة موضوع .
الآن ، ما هو الحب سألنا شخصاً آخر ؟ عملنا له خارطة لكيانه النفسي ، في حب الكليات ، الجزئيات ، حب الإقامة في البيت ، النزهات ، حب التفاصيل ، أن يكون له مركزاً قيادياً ، هذه كلها أشياء في علم النفس ، نرسم له خارطة ثانية .
الآن بدأنا ، أنا معي خارطتان ، هنا يحب اللقاءات ، هنا يحب العزلة ، كلما أجد نقطتين متشابهتين أعمل خطاً عرضياً ، الحب يتناسب مع هذه الخطوط العرضية ، كلما كثرت كلما اشتد الحب .
هناك إنسان طبيعته مسالم وإنسان آخر عدواني ، إنسان تفصيلي وآخر كلي ، إنسان يحب أن يضخم ذاته وإنسان يحب أن يتواضع ، فكلما تقاربت الصفات بين اثنين ، كان الحب بينهما ، فالشيء الطبيعي جداً أن النبي الكريم كماله أكمل خلق الله قاطبةً ، صادق ، أمين ، عفو ، محسن ، لطيف ، مؤنس ، وصفات أخرى كثيرة ، فنحن حينما نقبل على الله من خلال معرفة واستقامة وعمل صالح ، معرفة الأيديولوجيا ، المنطلق النظري ، الخلفية الفكرية ، والاستقامة سلبية ، ما كذبت ، ما غشيت ، ما أكلت مالاً حراماً ، ما اغتبت ، والعمل الصالح إيجابي ، بذلت من وقتي ، من مالي ، من علمي ، من خبرتي ، فنحن منطلق نظري ، ايديولوجيا ، فلسفة ، والتزام بالإستقامة سلباً ، والعمل الصالح إيجاباً ، عملنا للإنسان في هذه الثلات معطيات خارطة ، أي إنسان آخر يتشابه معه في هذه الخصائص الحب بينهما قولاً واحداً قوي جداً ، الحب أن تقبل على الله ، فتشتق منه الكمال الذي به تتقرب إلى رسول الله ، النقطة الدقيقة؛ لن تستطيع أن تقبل عليه ولا أن تقدره إلا من خلال قواسم مشتركة ، القاسم الذي معه من إقباله على الله بأعلى مستوى وكماله نتيجة إقباله ، وأنت عندما تتعرف إلى الله عز وجل ، وتقبل عليه أصبح هناك خصائص مشتركة ، هذه الخصائص أصل الحب .
لو فرضنا شاباً يستمتع بالمزاح الفاحش ، لا يمكن أن يصادق شاباً يترفع عن هذا المزاح ، لا يقدر إطلاقاً ، شاب يحب أن يعظم نفسه ، والثاني يحب التواضع لا يجتمعون ، لا يجتمع إلا المتشابهان ، فأنت حينما تصطبغ بكمالات الله ، تعرف قدر رسول الله .
المذيع :
صلى الله عليه وسلم ، كلام طيب وجميل .
الكمال الذي اشتقه الإنسان من الله بعض ما عند النبي :
الدكتور راتب :
هذا المنطلق النظري للحب ، فشيء طبيعي جداً أن يكون بين المؤمنين حب متواضع متواضع ، صادق صادق ، أمين أمين ، عفيف عفيف ، الصفات كلها مشتركة ، فالعلاقات الإيمانية هي دليل أن كلا الشخصين أقبل على الله واستمد منه الكمال ، فأصبح بينهما كمال مشترك .
المذيع :
كما تفضلت هذا المفهوم النظري لمحبة النبي عليه الصلاة والسلام ، وكيف يكون التطبيق العملي لهذه المحبة ؟
الدكتور راتب :
لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ، الإيمان مرتبط .
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا ﴾
شيء خطير جداً ، ما لم يعتمل في قلبك مشاعر راقية جداً تقترب من مشاعر النبي الكريم ، ولله المثل الأعلى ، لكن لا يوجد صفة اتصف بها النبي إلا ولكل مؤمن منها نصيب ، قد يكون ضئيلاً ، لكن بقدر إيمانه وإخلاصه ، فهذه القواسم المشتركة بينها هو الحب .
لك مثلاً طباع معينة ، وعندك ثقافة عالية إن شاء الله ، وفي مودة ومحبة لله عز وجل ، لو كنت في سهرة وسمعت مزاحاً فاحشاً لا تبقى جالساً ، لا تحتمل .
المذيع :
وهنا يكون صدق محبة الإنسان في مثل هذه اللحظات ، يمتحن بها .
الدكتور راتب :
بإقبالك على الله ، من خلال معرفتك به أولاً ، واستقامتك على أمره ثانياً ، وتقربك له بالعمل الصالح ثالثاً تشتق الكمال من الله ، هذا الكمال الذي اشتققته من الله بعض ما عند النبي فأصبح هناك قاسم مشترك ، أساسه الحب .
المذيع :
كلام جميل ، دكتورنا ، قضية النبي عليه الصلاة والسلام توحد كل الناس ، متدين غير متدين ، يصلي ولا يصلي ، محجبة وغير محجبة ، حينما يذكر النبي ترق قلوب كل الناس، ما هذا السر الجميل الذي يجمع كل القلوب ؟
أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا ما فطر الإنسان عليه :
الدكتور راتب :
هذه فطرتنا ، نحن هكذا فطرنا ، والدليل :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾
أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا ما فطرت عليه ، هذا ما ولفت عليه ، هذا ما جبلت عليه ، هذا ما برمجت عليه ، لو فرضنا لا يوجد رقيب إطلاقاً ، لو أن إنساناً تناول طعاماً نفيساً وحده وأمه جائعة ما أطعمها تجد عنده كآبة ، الكآبة التي يحياها أهل الأرض عقاب الفطرة لذاتها .
المذيع :
الله يفتح عليك دكتور على هذا الكلام الطيب . سننوه لمستمعينا الكرام أننا بعد قليل نسعد بمشاركاتكم الهاتفية معنا في موضوعنا عن محبة النبي عليه الصلاة والسلام .
دكتور في ظلال ذكرى ميلاد النبي عليه الصلاة والسلام هنالك من الناس من يغلو برفض هذه القضية ويعتبرها بدعة ويحاول أن يتذكر ذكرى النبي أو الصلاة عليه حتى في هذه الأيام ، وهناك من الناس من يتخذها مناسبة وكأنه ينشر ديناً جديداً حقيقة ، ما هو الإرشاد الذي يحب الدكتور النابلسي أن يرشدنا إليه في هذه المناسبة ؟
الدكتور راتب :
سيدي ، أولاً كلام الله .
﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
فإذا كان قلب سيد خلق ، وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم يزداد قلبه إيماناً وثبوتاً بسماع قصة نبي دونه ، فلأن يمتلئ قلبنا إيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء والمرسلين من باب أولى ، هذا دليل قرآني :
﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
الآن :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾
يقصد بنبيكم ، أيضاً في آية ثانية تدعونا إلى التفكر في كمالاته ، ومحاسنه ، وأخلاقه العالية ، ومحبته لله ، هذه الثانية . الثالثة :
﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾
أسئلة المستمعين :
إذاً معرفة النبي جزء من الدين ، فنحن إذا أقمنا احتفالاً في الجامع في مكان عام ، في صالة ، وذكرنا شمائل النبي ، وأخلاق النبي ، وكرم النبي ، وفطنة النبي ، وتوحيد النبي ، فتأثرنا بهذا الكمال ، هذا الشيء لا شيء عليه إطلاقاً إلا أنه يندرج تحت الدعوة إلى الله ، أما حينما تسمي هذا الاحتفال ، وهذا التكريم تسمي هذا عبادة فهو بدعة ، فالفاصل بسيط جداً ، سمي هذا النشاط على مدار هذا العام التعريف برسول الله ، بشمائله ، بأخلاقه ، بمعجزاته العلمية من خلال القرآن الكريم ، سمِّه دعوة إلى الله ، لا يوجد أي مشكلة .
المذيع :
إذاً لا حرج من الدعوة حتى في ذكرى يوم المولد ، لا مانع من توزيع الحلويات أو إعطاء الدروس .
المذيع :
يوم المولد وأيام العام كله لا حرج .
الدكتور راتب :
لا نريد أن نعمله ليوم واحد ، لا ، على مدار العام كله .
المذيع :
جزء منه في يوم المولد ، ومنه توزيع الحلويات ، والدروس ، لكن المشكلة أن تخص هذا اليوم أو تعتقد أنه عبادة .
الدكتور راتب :
تظنه عبادة .
المذيع :
الفكرة واضجة يا دكتور . أبو خليل باتصال هاتفي تفضل .
المستمع :
الله يحفظك ، والله يحفظ الدكتور ، أريد أن أسأل الدكتور عن شاب كان غير مسلم وأسلم ، بعد فترة يقول إنكم غارقون في العسل من الأول ، لكن نحن لم نشعر به ، هو قال كلمة، أريد أن أسأل الدكتور عنها ، قال نحن أحسسنا بالعسل ، طلبه إكراماً للرسول صلى الله عليه وسلم ، وإرضاءً لله ، تجنب ما يكره رب العالمين ، وتلذذ بطاعته فتسعد ، وتأمين شامل للأبد ، نريد أن نسأل عنها الدكتور ، أن يعمل لنا محاضرة مثلها إكراماً للرسول .
المذيع :
الله يفتح عليك يا أبو خليل ، الفكرة واضحة تماماً ، بارك الله فيك ، دكتورنا إذا كان لكم تعليق ، هو يتحدث عن إنسان لم يكن مسلماً فدخل الإسلام ، فيقول : أن المسلمين كانوا في عسل ، في محبة النبي عليه الصلاة والسلام ، وحرم العالم منه ، ما تعليق فضيلتكم ؟
حرق المراحل :
الدكتور راتب :
أولاً ، الإسلام يجبُّ ما قبله ، وهناك حالة ثانية اسمها حرق المراحل ، لو انتبهت لهذا الموضوع متأخراً ، لعل الله عز وجل يلهمك أن تحرق المراحل ، وأن تتخطاها بسرعة بالغة والبطولة أنك صحوت وأنت حي ، والقلب ينبض ، وقبل فوات الأوان ، والإنسان :
﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾
المذيع :
ونعم بالله رب العالمين . أم مراد تفضلي بمشاركة هاتفية جديدة ، أهلاً بك .
المستمعة :
السلام عليكم ، وجزى الله الدكتور خيراً ، وأعطاه إن شاء الله الصحة وطول العمر ، ونفع فيه الأمة .
دكتور ، هناك مقولة حفظتها عنك ، إن لم نطبق سنة الرسول فنحن بعيدون عنه ، فهل الاحتفال بيوم المولد مرة بالسنة ، دكتور ، نحن نسينا السُّنة في أفراحنا ، في أتراحنا ، في أي وضع للأسف ، حتى في الصلاة نصلي ونترك السنة ، كيف نربط نحن بين حياتنا العملية وحياتنا الدينية ، أصبح الاحتفال بالمولد النبوي مجرد شعار ، أو أنا أسميه تقليداً للنصارى ، ما رأيك دكتور بهذا ؟
المذيع :
شكراً لك يا أم مراد ولاتصالك ، دكتورنا .
الدكتور راتب :
أولاً ، ممكن أن نحتفل ، وأن نتزين ، وأن نزين بيوتنا ، وأن نأتي بالحلوى ، هذا كله لا شيء فيه ، لكن البطولة في الاتباع .
أضرب مثلاً أب يحمل أربع شهادات دكتوراه ، عالم كبير ، ابنه أميّ ، مهما مدح هذا الابن الأميّ أباه يبقى أمياً ، فلا بد من أن يمشي هذا الابن على طريق أبيه .
المذيع :
هذه وجهة نظر أم مراد وكثير من الناس ، هذا شيء لم يكن موجوداً في السابق ، الآن أصبحنا نشبه بعض الديانات ونحتفل بطريقتهم .
اتباع نبينا سلامة و سعادة لنا في الدنيا والآخرة :
الدكتور راتب :
لا تشابههم ، أي كتاب حديث ، أي كتاب سيرة اقرأه ، وحاول أن تطبق ما جاء فيه .
المذيع :
المشكلة دكتور ، حينما يغيب هذا المنهج طوال العام ، ولا يظهر إلا في يوم المولد .
الدكتور راتب :
هذا خطأ كبير ، هذا المعنى يجب أن يبقى طوال العام ، إذا كنت أقتني كتاباً في الحديث ، كتاباً في السيرة ، أقرأ صفحتين ، وأحاول أن أقلد النبي فيما فعل ، فأنا اتبعته ، عندنا من يمدح ، ومن يتبع .
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
فالاتباع هو الأساس في هذا الموضوع لا الاحتفال .
المذيع :
جميل ، الله يفتح عليكم يا دكتور . إذاً الاحتفال هو شيء هامشي ، جاء لمن يحب أن يتبع السنة ، وهذا مقبول .
الدكتور راتب :
أن نكتفي بالاحتفال هذا مشكلة ، ترى هل البيت إسلامي ؟ الدخل إسلامي ؟ الإنفاق إسلامي ؟ الأولاد إسلاميون ؟ خروج الفتيات في الطريق خروج إسلامي أم غير منضبط ؟ هنا البطولة ، فإذا اتبعنا نبينا الكريم سلمنا وسعدنا في الدنيا والآخرة .
المذيع :
صلى الله عليه وسلم ، الله يفتح عليكم يا دكتور .
دكتور ، لمن يتابعنا خاصة فئة الشباب ، ويحب النبي محبة عميقة في قلبه كيف يترجمها إلى واقع ؟ ماذا تنصحه أن يفعل ؟
الدكتور راتب :
يجب أو يقرأ سيرته ، وأن يقرأ سنته ، النبي له سنة ، ما هي ؟ هي أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، وصفاته ، أربعة ، أقواله هي الأحاديث ، يكفي أن تقتني كتاب حديث صحيح ، يوجد كتب رائعة جداً ، وليكن رياض الصالحين ، كتاب مشهور ، موجود بكل مكان ، والأحاديث معظمها صحيح ، تقريباً بنسبة تسع وتسعون في المئة ، فأنت إذا قرأت حديثاً بعد صلاة الفجر ، وحاولت أن تطبقه ، فقد سرت على طريق محبة النبي .
المذيع :
هذا في أقواله ؟
رسول الله قدوة لنا في أقواله وأفعاله :
الدكتور راتب :
أولاً :
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾
هذا النص أقواله .
﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
هل هناك أوضح من ذلك ؟ سنته أقواله ، دليلها القرآني :
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
الآن سيرته :
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾
مثلاً يدخل أعرابي على مجلس رسول الله ، قال : أيكم محمد ؟ لا يجلس على كرسي ضخم ؟ ليس له مقام كبير ؟ ليس لديه نفائس ؟ لا ، أيكم محمد ؟ إنسان كبقية أصحابه فقط ، هذه سيرته .
كان النبي مع أصحابه في سفر ، واضطروا أن يعالجوا شاة للأكل ، قال أحدهم : عليّ ذبحها ، وقال الثاني : عليّ سلخها ، وقال الثالث : عليّ طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام : وعليّ جمع الحطب ، هذه سيرته ، هذه سنته الفعلية .
كان مع أصحابه في غزو ، أصحابه ألف ، والرواحل ثلاثمئة ، قال : كل ثلاثة على راحلة ، ألف على ثلاثمئة ، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة ، فركب النبي الناقة ، وانتهت نوبته جاء دوره في المشي ، فتوسل صاحباه أن يبقى راكباً ، فقال كلمة لا أنساها حتى الموت : ما أنتما بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر .
المذيع :
وهو رسول الله .
سُنّة النبي هي أقواله وأفعاله وإقراره وصفاته :
الدكتور راتب :
إذاً أقواله سنة ، أفعاله سنة ، الآن شخص فعل شيئاً أمامه فبقي ساكتاً ، هذا يسمى إقراره ، والدليل؛ عندما امرأة قالت عن زوجها المتوفى ، وكان النبي عندهم ، ومن عادة النبي أن يزور صاحبه المتوفى ، قبل دفنه في البيت ، قالت له : هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله ، فلو سكت كان كلامها صحيحاً ، قال لها : ومن أداركِ أن الله أكرمه ؟ قولي : أرجو الله أن يكرمه ، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم ، هذا إقراره .الآن أفعاله؛ كان إذا صافح لا يسحب يده أولاً ، عدنا أقواله ، أفعاله ، إقراره ، صفاته هذه سنة النبي :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
يكفيك كتاب سيرة متواضع ، وكتاب أحاديث متواضع ، حتى تتبع أقواله وأفعاله وإقراره .
المذيع :
صلى الله عليه وسلم ، الله يفتح عليكم يا دكتور لكلامكم الطيب والجميل .
دكتورنا في ظلال حديثنا عن محبة النبي عليه الصلاة والسلام هل لهذه المحبة والاتباع مكافأة يوم القيامة حينما تنتهي هذه الدنيا لمن أحب النبي ، لمن صلى عليه صلى الله عليه وسلم ، ولمن سار على دربه ؟
الدكتور راتب :
مكافأته الجنة ، المكافأة الجنة طبعاً ، لأن هذه المحبة تقودك إلى الكمال ، أنت جعلته أسوة لك ، قلدته في كمالاته ، لذلك المؤمن يوم القيامة ، أو قبل أن يموت على مشارف الموت يرى مقامه في الجنة ، فيقول : لم أرَ شراً قط ، باتباعه سيرة النبي الكريم ، الكافر يرى مكانه في النار يقول : لم أرَ خيراً قط ، لعدم اتباعه .
المذيع :
والعياذ بالله ، ماذا عن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن تحل يا دكتور ؟
شفاعة النبي تحل لمن كان مستقيماً على أمر الله :
الدكتور راتب :
والله ، الحقيقة أن شفاعته تحل لمن كان مستقيماً على أمر الله ، وهناك نقطة دقيقة جداً حينما تحجزه سيرة النبي عن المعاصي يشفع له ، إلا أن هناك معنى دقيقاً جداً : لو فرضنا طالباً ، نجاحه ستون في المئة ، لكن نتيجته كانت تسعاً وخمسين علامة ، يحتاج علامة واحدة لينجح ، لعل النبي يشفع له بهذه العلامة ، أما أن يرتكب الكبائر ، أن يرتكب الموبقات فبعده عن الشفاعة بعد الأرض عن السماء .
المذيع :
الله يصلح حالنا إن شاء الله رب العالمين ، الله يفتح عليكم يا دكتور ، لهذا الكلام الطيب والجميل .
الدكتور راتب :
﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ﴾
حتي يشفع النبي يجب أن يكون الذنب في الأشياء الصغيرة ، أما هو استحق العذاب لا يوجد شفاعة هنا .
المذيع :
والله المستعان . أخي بشار تفضل .
المستمع :
السلام عليكم ، أستاذ نديم الله يعطيك العافية ، أستاذنا الفاضل وعالمنا الله يجزيك عنا كل خير ، أهنئكم بالمولد النبوي إن شاء الله رب العالمين ، ونهنئ أنفسنا بإذن الله .
شيخنا سؤالين ، السؤال الأول : في محبة النبي عليه الصلاة والسلام ، وفي خضم الأمور التي تحصل ، تجدد بعض القيم الإيمانية أكثر من ذي قبل ، وتجدد حبهم لله عز وجل ، وحباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نستمر على هذه الأعمال إن شاء الله رب العالمين ؟ ماذا تنصحنا أن نفعل إذا كنا مبتدئين ، وإذا كنا متوسطين ، وإذا كنا متقدمين ؟ كيف نعمل ونحافظ على نظامنا على حب النبي ، مع تقربنا لله عز وجل ، هذا الأول .
الثاني : ماذا تنصحنا بكتاب للسيرة النبوية نقرأه ، ونفهم السيرة صح ، على ألا يكون كلاماً جامداً ، روتينياً ، أكاديمياً ، لا ، يكون فيه روحانيات ، يقربنا لله عز وجل بحبنا للنبي ، ومعرفتنا للنبي وسيرته .
المذيع :
بارك الله فيك أخي بشار على الأسئلة المهمة التي طرحتها . أبدأ بالنقطة الأولى دكتور ، والتي طرحها بشار ، ما الذي يجب فعله على الإنسان ليبقى في ظل هذه الظروف متماسكاً وقريباً من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ؟
الإسلام من عظمته أنه دين فردي وجماعي :
الدكتور راتب :
أولاً يجب أن تؤمن أيها الأخ السائل الكريم ، أن الإسلام من عظمته دين فردي وجماعي . فالفرد لو طبقه وجده في مملكته ، مملكته نفسه ، وبيته ، وعمله ، استحق كل ثمار العبادة الفردية ، فأنت لو فسد العالم ، وانصرف الناس عن طاعة الله ، طبق هذا الدين وحدك فديننا الإسلامي فردي وجماعي .
الشيء الثاني : أنت حينما تلتقي بأخيك المؤمن أصبحتم جماعة والجماعة قوة ، والجماعة رحمة ، والجماعة حصن ، فأنت حينما تكون مع أخيك المؤمن فأنت في حصن ، فأنا مهمتي أن هناك جانب في الإسلام فردي ، أطبقه كفرد ، أقيمه في نفسي ، في دخلي ، في إنفاقي ، في عملي ، في سمري ، في سهرات لا يكون فيها اختلاط ، ولا مزاح فاحش ، ولا شيء سيء ، إذا أنا أقمته في حياتي الخاصة ، في حياتي الاجتماعية والنفسية ، هذا استحق عندئذٍ محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
المذيع :
السؤال الثاني كان دكتور ماذا تنصح بعنوان كتاب مبسط يتحدث عن السيرة ؟
الدكتور راتب :
والله غير وارد في الإذاعات ذكر اسم كتاب ، حتى لا يصبح دعاية له ، لكني أعتقد أنه يوجد كتاب لأمين دويدار عن السيرة أنا برأيي أنه من أفضل ما قرأنا عن السيرة .
المذيع :
الله يجزيك الخير دكتور . أبو عمر تفضل .
المستمع :
سؤال للدكتور عن نفسياتنا المريضة ، سيدنا إبراهيم عليه السلام طلب من الله سبحانه وتعالى أن يبعث فيهم رسولاً يعلمهم ، لأن القرآن حركة حياة ، عندنا التطفيف ، عندنا الغش ، عندنا الاحتيال ، كل صفات بني إسرائيل التي ذكرت في القرآن موجودة فينا ، عدم المحبة لبعضنا موجودة ، ونهتم بالمظاهر .
المذيع :
الفكرة واضحة أبو عمر ، شكراً لسؤالك . أبو عمر دكتور قد يكون متشائماً قليلاً ويتحدث عن هذه الصفات السلبية ، هي موجودة لدى البعض .
الأحداث الدامية التي تعصف بالأمة الإسلامية :
الدكتور راتب :
من صفات المؤمنين الصادقين إن شاء الله التفاؤل ، الأمر بيد الله عز وجل ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، فدائماً ما من شِدةٍ إلا بعدها شَدةٌ إلى الله ، وما من محنة إلا بعدها منحة من الله ، إن شاء الله .
المذيع :
ونعم بالله رب العالمين .
حلقتنا في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا نستطيع هذا اليوم إلا أن نقف بالأحداث التي تدمي بالأمة الإسلامية ، ما يحصل في سوريا الجريحة ، وتحديداً من القصف على مدينة حلب يستدعي أن نستوقف وأن نتوقف كثيراً في هذا الشأن . الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله معنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
الأحداث التي تعص بالأمة مؤلمة في بورما ما يتعرض له المسلمون ، في فلسطين ، في العراق ، في اليمن ، وخاصة الآن الأحداث دموية بحجم كبير جداً في سوريا ، ما الذي تقوله في هذا دكتور ؟
الدكتور راتب :
والله بادئ ذي بدء؛ أقول كلمة تاريخية قالها ياقوت الحموي : أن حلب مدينة كثيرة الخيرات ، طيبة الهواء ، صحيحة الأديم والماء ، شاهدت من حلب وأعمالها ما دلني على أن الله تعالى خصها بالبركة ، هذه المدينة تتعرض اليوم لحملة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث وإن المرء ليذوب قلبه في جوفه مما يرى من حالها ، وحال أهلها ، ويتساءل المسلم الغيور هنا : ماذا أقدم لحلب ؟ وكيف أساهم في نصرتها ؟ وكيف أخفف عنها ما نزل بها؟ أنا أقول : أيها الأخ المسلم وأنت في أي مكان في العالم أن تقتطع من مالك مبلغاً ترسله في قناة نظيفة آمنة بعد البحث عنها إلى أخوتك ، وقد هدمت بيوتهم ، ودمرت ممتلكاتهم ، وأتلفت أدويتهم ، واستشهد رجالهم ونساؤهم وأطفالهم ، وسيق أبناؤهم إلى السجون والمعتقلات ، وقطعت عنهم الكهرباء ، فتلفت مدخراتهم الغذائية ، وقطعت عنهم المياه ، أتهنأ في حياتك ، وأنت معافىً في أهلك وولدك ، آمناً في بيتك ، عندك قوت يومك ، وأخوتك في سوريا يعانون ما يعانون ؟ تسمع بأذنك أخبارهم ، وترى بعينك أحوالهم ، إنك إن لم تحمل همهم ، ولم تتحرك نحوهم ، فأنت لست منهم ، بدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم))
التوبة إلى الله توبة نصوحة لعل ربنا يستجيب لنا :
أيها الأخ المسلم في شتى بقاع الأرض : ألا يقتضي انتماؤك لهذه الأمة التي حينما استجابت لربها ، جعلها الله :
﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
والتي حينما قصرت في أداء رسالاتها تطبيقاً ودعوة ، ذاقت وبال أمرها ، ولقيت الغي الذي توعدها الله به ، حيث أضاعت الصلاة ، واتبعت الشهوات ، ألا يقتضي انتماؤك لهذه الأمة التي لا يدرى أولها خير أم آخرها أن تشارك أخوانك في سوريا مصابهم ، وتلغي كل ألوان البذخ والترف علماً بأن هذا السلوك يتنافى في الأصل مع منهج المؤمن ، والمسلمون في أحسن حال فكيف إذا كان جيرانك المؤمنون في أسوأ حال ، فهذه الحفلات التي تقام في الفنادق ، وفي أبهى المطاعم ، وفي حدائق المزارع ، والتي تبذر فيها الأموال الطائلة ، في مناسبات وفي غير مناسبات ، فتحول هذه الأموال الطائلة لمن هدمت بيوتهم ، وقتل رجالهم ، واعتقل شبابهم ، وهم قابعون في العراء ، لا يجدون من ينصفهم ، ولا من يرحمهم ، ألم يصلك قول النبي :
((مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم : مثلُ الجسد ، إِذا اشتكى منه عضو : تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
أيها المسلم في شتى بقاع الأرض : بقي باب الالتجاء إلى الله ، والتضرع إليه ، والتذلل على أعتابه ، وقد ورد في صحيح مسلم :
(( إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلى السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ حتى يطلع الفجر))
ألا تملك أخي المسلم أن تتوب توبة نصوحة ، ثم تدعو الله بصدق وتضرع وإخلاص لأخوانك أن ينصرهم على أعدائهم ، وأعداء الله ، أعداء الحق ، أعداء الخير ، أعداء البشرية :
﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
لعل الله عز وجل أن يطلع على حالنا ، فيرانا على قلب واحد فيأذن لنا بالفرج من عنده :
﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾
المذيع :
ونعم بالله رب العالمين ، الله يفتح عليكم ويكرمكم يا دكتور لهذه الكلمات الطيبة .
دكتور في هذه الأحداث العصيبة التي تمر بالأمة الإسلامية ما المطلوب من الناس كي ينصروا أخوانهم كملخص للكلام الطيب الذي تفضلت فيه بالدعاء والدعم المالي وأبواب النصرة جميعاً ؟
ضرورة الصلح مع الله عز وجل :
الدكتور راتب :
والله لابد من الصلح مع الله أولاً ، لأنه ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، هذه الكلمة الحقيقية جداً ، فلابد من الصلح مع الله عز وجل ، والأمر مع الله سهل جداً ، إذا صلح الإنسان مع ربه رفع عنه هذا الغم ، وتلك الغمامة ، لأن الإله العظيم يقول :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
هذا على مستوى الفرد ، على مستوى أمة :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
من الحقيقة المرة التي ينبغي أن تقال في كل مرة : أن هناك أشياء لابد من إدراكها ، بلاء من دون سبب لا يوجد عند الله عز وجل ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة . لكن الذي عنده ابن متفوق جداً في الدراسة وحقق الهدف تركه ، وعنده ابن لا سمح الله منغولي، أيضاً تركه لا يوجد أمل ، أما هذا الابن الثالث ذكي جداً ومقصر ، فلابد من معالجته لذلك :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
هذا الذي يمكن أن نفهمه من عدالة الله عز وجل وحرصه ، فمادام الله عز وجل يتابعك فهذه نعمة كبيرة ، إذا أحب الله عبده ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، فإن شكر اقتناه ، هذا الفهم الصحيح للمصائب ، المصائب للمؤمنين دفع ورفع ، للأنبياء كشف ، لغير المؤمنين ردع وقصم .
المذيع :
يتساءل الناس دكتور وهم يرقبون هذه الأحداث التي تمر بالأمة من اعتقال العلماء ، من أذية الناس ، مسلمون موحدون في مدينة حلب وفي غيرها من المدن الإسلامية التي تتعرض إلى الاضطهاد أين نصر الله عنهم ؟
إذا أحبّ الله عبده عجل له بالعقوبة :
الدكتور راتب :
أنت حينما تجلس عند طبيب هضمي ، جاءه شخص معه ورم خبيث منتشر في كل جسمه ، سأله : ماذا آكل ؟ يقول له : كل ما شئت ، لا مشكلة ، أما إذا أتاه مريض معه التهاب معدة حاد ، وبحمية قاسية يشفى شفاءً تاماً ، هذه نعمة كبيرة . فنحن حينما نفهم على الله حكمته من هذه المصائب ، ونصطلح معه ، ونعود إليه ونقيم منهج الله عز وجل في نفوسنا أولاً ، وفي بيوتنا ، وفي أعمالنا ، هذا الصلح مع الله انتهى كل شيء .
لذلك ما من عبد يدعو الله عز وجل من أعماقه فتصيبه مصيبة إلا وتكون هذه المصيبة دفعاً له إلى طاعة الله .
المذيع :
ونعم بالله ، في هذا أيضاً يتساءل الناس دكتور : هناك أماكن أخرى تعصي الله وهنالك بعض الدول التي فيها من الإلحاد والكفر بالله ما فيها وهي تعيش بنعيم دنيوي ، لماذا البلاء لنا ؟
الدكتور راتب :
قلت قبل قليل : الذي معه مرض خبيث منتشر في كل جسمه هذا لا جدوى من معالجته ، هذا :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
أما إذا أحب الله عبده عجل له بالعقوبة ، فنحن لمجرد أن الله يعالجنا معنى ذلك أن هناك طمع في هدايتنا ، طمع في رقينا ، طمع في عودتنا لله عز وجل ، هذا شأن المؤمن مع الله .
المذيع :
دكتور ، أنتم من علماء سوريا ، وسوريا اليوم تعاني الجراح ، لو كان يسمعك أهلنا في حلب ، وأهلنا الذين يتعرضون للقصف ماهي الرسالة التي ينقلها العالم السوري الدكتور محمد راتب النابلسي ؟
الأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم التوكل على الله وكأنها ليست بشيء :
الدكتور راتب :
والله أنا أقول : ينبغي أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الله قال :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾
أنت حينما تعد للطرف الآخر ما ينبغي أنت تأدبت مع الله ، أخذت بالأسباب ، وقمة الإيمان أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الله قال :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾
نحن حينما ننسحب من الشأن العام ، نهتم بتجارتنا فقط ، وبصناعتنا فقط ، ومدخراتنا فقط ، وننسى الشأن العام دفع ثمنه ، هذه الحقيقة المرة التي أتمنى أن تكون أوضح ألف مرة من الوهم المريح .
المذيع :
ومن خرج عن هذه القاعدة دكتور فقدم الغالي والنفيس في الدفاع عن دينه ، وعن وطنه ، وعن أبنائه ، وعن عرضه ، ما جزاؤه عند الله ؟
الدكتور راتب :
الجنة ، ما الجنة ؟ لو فرضنا واحداً في الأرض وأصفار إلى الشمس ، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، كل ميلي صفر هذا الرقم إذا نسب للانهاية صفر ، فنحن أمام ما وعدنا به من جنة ، الدنيا بأكلمها ، بأموالها ، بمناصبها ، بنسائها ، بملذاتها ، بشهواتها ، هذه لا شيء عند الله ، والدليل ، اسأل أي أخ له إلمام بالرياضيات أكبر رقم تتصوره الواحد بالأرض والأصفار للشمس ، إذا وضع صورة لكسر عشري والمخرج لا نهاية قيمته صفر ، فنحن خلقنا للجنة ، فإذا جاءت بعض المتاعب والشدائد لما في الدنيا ، وانتهت بنا إلى التوبة إلى الله ، والعودة إليه نحن الرابحون .
المذيع :
والله المستعان ، نختم لقاءنا مع فضيلتكم دكتور ، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يفرج الهم عن هذه الأمة ، نختم هذا اللقاء بدعاء ونسأل الله الإجابة .
الدعاء :
الدكتور راتب :
أنا أدعو دعاء منسجماً مع ما قلت قبل قليل : اللهم فرجاً عاجلاً لأهلنا في حلب ، فرجاً عاجلاً عن أهلنا في الموصل ، فرجاً عاجلاً عن كل مستضعف في الأرض يُسام سوء العذاب ، اللهم من أراد بأهلنا خيراً وفقه لكل خير ، من أراد بهم غير ذلك فخذه أخذ عزيز مقتدر، اللهم انصرنا على أنفسنا ، وعلى شهواتنا حتى ننتصر وعندئذٍ نستحق أن تنصرنا على أعدائنا .
خاتمة و توديع :
المذيع :
اللهم آمين يا رب العالمين ، جزاكم الله عنا شيخنا الجليل بارك الله بكم لهذه الكلمات الطيبة .
إلى هنا مستمعينا الكرام نصل معكم إلى ختام هذه الحلقة المباشرة مع الدكتور محمد راتب النابلسي ، بدأنا الحديث فيها عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأتبعناها بالحديث عن أهلنا وما يحصل لهم في مدينة الموصل ، وفي مدينة حلب ، كان الله عوناً وغوثاً لهم .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته