الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الثامن والثمانين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، والدرس اليوم منزلة الأمل، الأمل في الدنيا مهلكة، والأمل في الآخرة رحمة، يقول الله عز وجل:
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
شتَّان بين مَنْ يعِده اللهُ وعدًا حسناً وبين من ينطبق عليه قول الله عز وجل:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾
الأمل في الدنيا مهلكة، الإنسان يفكر أن يعيش عمرًا مديدًا، وأن يبني بيوتًا، وأن يُمتِّع نفَسه بمباهِج الحياة، وأن يكون كزيد أو عُبيد، وأن يشتري مركبة، وأن يؤسس عملاً، وأن يعيش في مكان جميل، الأمل في الدنيا مُهلك، لكن الأمل نفسه إذا كان في الآخرة فهو مسعد، لأن الأمل في الآخرة يمتص كل متاعب الدنيا.
الأمل مُسعد:
مرة إنسانٌ أراد أن يُجري مداخلة في موضوع ذكرته، كلمة مداخلة كلمة حيادية، قلت: المؤمن سعيد، قال لي: لا واللهِ ليس سعيداً، هو مثل الناس تماماً، يصيبه ما يصيبهم، يقلقه ما يقلقهم، يتعبه ما يتعبهم، خرجت من مداخلته بمثل، قلت له: تصور إنسانًا عنده ثمانيةُ أولاد، وله دخل محدود جداً، أربعة آلاف، وبيته بالأجرة، وعنده دعوى إخلاء، كيف يعيش هذا الإنسان؟ هذا الدخل ماذا يفعل به؟ لو أن لهذا الإنسان عمًّا لا ينجب أولاداً، يملك خمسمئة مليون، مات بحادث فجأة، لمن هذه الثروة الطائلة؟ لهذا ابن الأخ الرقيق الحال، الفقير، الذي بيته بالأجرة، وعليه دعوى إخلاء، وعنده ثمانية أولاد، ودخله أربعة آلاف، طبعاً بحكم القوانين والأنظمة وبراءات الذمة لا يستطيع أن يأخذ من إرث عمه قرشاً واحداً قبل سنة، لماذا هو في هذه السنة من أسعد الناس؟ مع أنه ما تمكَّن أن يأخذ قرشاً واحداً، ولا أن يأكل لقمة طيبة، ولا أن يرتدي ثوبًا جميلاً، ما الذي أسعده؟ الأمل، كلما رأى بيتاً جميلاً يقول: هذا سأشتريه، وكلما رأى مركبة فارهة قال: هذه سأقتنيها، دخل في الأمل، فالأمل مسعد، الاية الكريمة: ﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ .
الأمل عند المؤمنين بالآخرة بينما أهل الدنيا يتأملون بالدنيا:
ما الذي يُسعد المؤمن؟ ما الذي يجعل كل مشكلات المؤمن تتلاشى؟ ما الذي يمتص كل هموم المؤمن؟ أن الله وعده بالجنة، الجنة وعدٌ حقٌّ من قِبَل الحقِّ، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلبِ بشرٍ، لا همّ ولا حزن، ولا ولد عاق، ولا زوجة سيئة، ولا مرض، ولا التهاب، ولا ورم خبيث، ولا دسام قلب، ولا شريان قلب مسدود، ولا قسطرة، ولا أزمة أكل، طعام وشراب، أزمة وقود، لا يوجد شيء، هناك جنة عرضها السماوات والأرض، لهم ما يشاؤون فيها، الدنيا دار عمل، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)﴾
أما الآخرة فدارُ جزاءٍ، الدنيا دارُ تكليف، الآخرة دارُ تشريف، الدنيا دارُ عمل، الآخرةُ دارُ أملٍ، الدنيا دار التزام، الآخرة دار جزاء، فالأمل منزلة يتمتع بها المؤمنون، ولكن الأمل عند المؤمنين بالآخرة، بينما أهل الدنيا يتأملون بالدنيا، هذا الذي استلقى على ظهره، وفوقه قِدرة عسل، وقال: سوف أبيع هذا العسل، وسوف أشتري غنماً، والغنم سيتوالد، وسوف أغدو إنساناً غنياً، وسوف أتزوج، وسوف أنجب أولادًا، وإذا عصاني ولدٌ ربَّيته، فعلا عصاه القدر فانكسرت وسالت فوقه، هكذا أهل الدنيا يأتيهم ملك الموت في أحرج الأوقات.
من كان أملُه في الدنيا فهو هالك:
قصة لا أدري ما إذا كان من المناسب أن تروى لكم اليوم، إنسان كان ضائق النفس أراد أن ينتحر، من شدة يأسه من الحياة، ومن شدة فقره الشديد-قصة رمزية، ومعنى رمزية ليس لها أصل-قال: جاءه ملك الموت فقال له: أنا أدلك على حرفة تغتني بها، اعمل طبيباً-القصة قديمة جداً، بزمن الجهل، لا يوجد شهادات، ولا يوجد رخص، ولا يوجد شيء-قال له: ماذا أفعل؟ قال له: إن رأيتني أقف إلى رأس المريض فإياك أن تعالجه، لأنه سيموت قطعاً، اهرب، وإن وجدتني أمام رجلي المريض فعالجه، لابدّ من أن يشفى، أي شيء تعطيه إياه سوف يشفى، طبعاً قال الشاعر:
إِنَّ الطَّبِيبَ لَهُ عِلْمٌ يَدُلُّ بِـــــــهِ إِنْ كَانَ لِلنَّاسِ فِي الآجَالِ تَأْخِيرُ
حَتَّى إِذَا مَا انْتَهَتْ أَيَّامُ رِحْلَتِـهِ حَــارَ الطَّبِيبُ وَخَانَتْهُ الْعَقَاقِيــرُ
فهذا نفّذ وصية ملك الموت، عزرائيل، واشترى محفظة، وضع فيها سوائل ملونة، فإذا دُعِي إلى مريض، إن رأى ملك الموت عند رأسه يعود راجعاً، إن رآه عند قدميه يعالجه، هذه نقطتان قبل الطعام، هذه بعد الطعام، يتفنن بالوصفات، أما المريض سوف يُشفى، ذاع صيتُه، وتألق نجمُه، وزاد دخلُه، وعاش في بحبوحة، كيف كان سينتحر؟ صار غنياً، وإذا بِبِنْتِ الملِك تَمرضُ، فاستُدْعِي هذا الطبيب الألمعي المشهور الذي ما مِنْ إنسان عالجه إلا وشُفي على يديه، لأنه هو على اتفاق مع ملك الموت، إن رآه عند رأسه لا يعالجه، لست مختصاً بهذا المرض، إن رآه عند قدميه يعالجه، فهذا الملك لشدة تُّعلقه بابنته قال: من يعالجْ لي ابنتي ويشفِها أجعلْه وليًّا للعهد، صار ملكاً، دخل على هذه البنت المريضة فإذا ملَكُ الموت عند قدميها، فكاد يختلّ توازنه من شدة الفرح، عالجها كما هي العادة وشُفيت شفاءً تامًّا، والملِك نفّذ وعده، وجعله ولي العهد، صار ملكاً، يومَ تَسَلمه هذا المنصب الرفيع، طبعاً وعده أن يزوجه إياها وأن يجعله ولياً للعهد، يوم عرسه وزواجه وتسلّمُه منصب ولي العهد، جاءه ملك الموت، تفضل، قال له: الآن، قال له: الآن؟ قال له: لو أنك أخذتني وقتها كان أيسر لي.
فأهلُ الدنيا يصعدون، ويصعدون، ويصعدون، وهم في أعلى نقطة يسقطون، هذا الأمل في الدنيا، قد تعتني ببيت، يوم انتهاء كسوته يأتيه الأجل، يوم نيله الدكتوراه يأتيه الأجل، يوم زواجه يأتيه الأجل، يوم رواج تجارته يأتيه الأجل، فمن كان أملُه في الدنيا فهو هالك،
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا. ))
مرة والله قصة أنا لا أنساها، كنت أدرس في ثانوية، ونشأ عندي ساعة فراغ، فدخلت على مدير الثانوية أجلس عنده هذه الساعة، طبعاً هو كان صديقي، شكا لي همه وضجره، وقال: أنا سأسافر إلى بلاد شمال إفريقيا لأدرِّس هناك خمس سنوات، كان هناك نظام اسمه نظام الإعارة، يبدو أنه هيّأ موافقة، قال لي: أنا سأمضي هناك خمس سنوات، قلت له: والله جيد، قال لي: لن آتي في أيام الصيف إلى بلدي، أمضي صيفية في فرنسا والثانية في بريطانيا والثالثة في إيطاليا والرابعة في إسبانيا، أنا أحفظهم، أربعة بلاد، قال لي: أريد أتملّى أن أُشاهد معالمها؛ ريفها، متاحفها، طبيعة الحياة فيها، والله شيء جميل، قال لي: بعد خمس سنوات أعود إلى بلدي، أقدِّم طلبا للتقاعد، جيد، صار عندي معاش تقاعدي، وآتي بمبلغ لا بأس به، أفتح به محلاً تجاريًّا، والله شيء جميل، قال لي: أبيع التحف، هذه لا تفسد، ولا علاقة للتموين بها، قال لي: مناسبة جداً، والله أنا أستمع إليه، قطعنا خمس سنوات، طلعنا خمس سنوات، وقضينا أربع صيفيات، واحدة في فرنسا، وواحدة في إنكلترا، وواحدة في إسبانيا، وواحدة في إيطاليا، ورجعنا، قدمنا طلب تقاعد وأُحِلنا على التقاعد، اشترينا محلاً تجارياً، وزيّناه، وجعلنا نبيع فيه التحف، قال لي: عندئذ يكبر أولادي يتسلمون العمل مكاني، قال لي: أنا آتي بعد الظهر ساعة أسمر بها مع أصدقائي، وتابع الحديث، طبعاً الساعة انتهت، حدثني فيها عن عشرين سنة قادمة، الساعة انتهت وودَّعته وذهبت إلى درسي، ثم ذهبت إلى بيتي ظهراً، وعندي عمل في مركز المدينة مساء، ذهبت إلى هذا العمل، وأردت أن أذهب إلي بيتي مشياً، نظرت إلى أحد الأعمدة، أعوذ بالله! نعوته في اليوم نفسه، واللهِ الذي لا إله إلا هو في اليوم نفسه رأيتُ نعوته بعد المغرب تقريباً على الجدران.
هذا هو الأمل المهلك، فالإنسان يحلم، يأتي مَلَكُ الموت فيلغي كل آماله، ويلغي كل شطحاته، ويلغي كل تصوراته، الأمل في الدنيا مُهلك، أما إذا علّق الإنسان أمله بالآخرة، وعمل للآخرة، وقدّم مَاله أمامه فسرّه اللحاق به، وعلّم العلم، وبذل من ماله الشيء الكثير، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وتعلّم القرآن وعلّمه، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، ولزِم دروس العلم، وخدم المؤمنين، واتصل برب العالمين، هذا ماذا يفعل؟ هذا عَقَدَ أمله في الآخرة، هذا موضوع درسنا اليوم؛ الأمل، أن يكون الأمل في الآخرة، المؤمن الصادق ينقل اهتماماته إلى الآخرة.
سؤال؛ إنسان يحج، لا يحج، يسمحون له، لا يسمحون له، يا ترى يذهب على أنه لحام، يشتري الفيزا بخمسة وعشرين ألف، يدفع رشوة، محتار، بعد ذلك قدم طلباً للسفارة فأعطوه فيزا مجانية من دون أن يفعل شيئاً، يوم أخذ الفيزا على الجواز أين صار؟ صار بالحج، هو لايزال في دمشق، لما رُسِمت الفيزا على الجواز، معنى أنه صار في الحج، صار بمكة والمدينة، أين أسكن؟ أذهب إلى المدينة أولاً؟ لا، على مكة أولاً، مع أي فوج أذهب؟ أذهب وحدي؟ أرأيت إلى هذا الإنسان؟ لأنه انعقد أمله بالحج فصار في الحج، لذلك قالوا: المؤمن يعيش في الآخرة وهو في الدنيا.
سألوا مرة طالباً نالَ الدرجة الأولى على مدارس البلد كلها في الشهادة الثانوية، فأجروا معه مقابلة فسألوه: ما سرُّ هذا التفوق؟ فأجاب إجابة رائعة، قال: لأن لحظَة الامتحان لم تفارق مخيلتي أبداً، المؤمن الصادق يعيش في الآخرة، هو من أبناء الآخرة، يعيش في جنة قبل أن يصل إليها، فلذلك قال تعالى:
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾
في الدنيا، هو عاش في الجنة وهو في الدنيا، نفسه هناك.
أمل المؤمن يُنسيه كل متاعب الدنيا بشرط أن يكون متوجِّهًا إلى الآخرة:
مرة حدثني إنسان قال لي: عندي سفرة إلى بلد بعيد، لما أخذت الموافقة صرت هناك فوراً، نفسياً، فالمؤمن له أمل في الآخرة، هذا الأمل أمله أن يرحمه الله، وأمله أن يعفو الله عنه، وأمله أن يُدخله الجنة، وأمله أن يكون:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)﴾
هذا الأمل يُنسيه كل متاعب الدنيا، فهذه مرتبة، ولكن بشرط أن يكون هذا الأملُ متوجِّهًا إلى الآخرة، قال تعالى:
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)﴾
أنت في الدنيا وازن بين بيت وبيت.
الفرق بين مراتب الدنيا ومراتب الآخرة:
حدثني أخ كان بمؤتمر في الهند، قال لي: والله رأيت شيئاً لا يصدق، قال لي: بيت قطعة من النايلون، مع قطعة من قماش مهترئ، مع قطعة من كرتون، مخيطة متراً بمتر، أو مترين بمترين، والأرض تراب، قال لي: هذا بيت، وهناك بيت في القاهرة، ثمنه واحد وعشرون مليون دولار، ألف مليون ليرة سورية، هذا بيت وهذا بيت؟ ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ نحن في أي بلد قد تجد بيتاً، قال لي أحدُهم: هناك صنبور ماء يساوي ثمن بيت، صنبور ماء واحد يساوي ثمن بيت، فإذا بيت مساحته أربعمئة متر كلّف مئات الملايين يشبه بيتاً مساحته خمسون متراً ثمنه مئة وخمسون ألفاً؟ ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ مراتب الدنيا لا تعني شيئاً، وقد تعني العكس، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾
لا تعني شيئاً بحدها الأدنى، وقد تعني العكس، لكن مراتب الآخرة مراتب تعني كل شيء، وهي مراتب ثابتة وأبدية.
الفرق بين اللذة والسعادة:
هناك نقطة، إنسان سألني: ما الفرق بين اللذة والسعادة؟ قلت له: أين الثرى من الثريا؟ اللذة أولاً: طبيعتُها حسية، مصدُرها خارجي، تأثيُرها متناقص، تعقُبها كآبة، تنتهي بقطع، مات الإنسان، انتهت كل اللذائذ، لمَّا يموت الإنسانُ هل يأكل شيئاً؟ لا، قلت له: السعادةُ طبيعتُها نفسيةٌ، مصدرُها ذاتيٌّ، متناميةٌ، تتصل بِنعم الآخرة، فالإيمان يهيئ لك سعادة، بينما الدنيا تقدم لك لذة، وفرق كبير بين اللذة وبين السعادة، الأمل أن تعقد الأمل بالله عز وجل، كن بما في يدي الله أوثقَ منك بما في يديك.
قالوا: إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإن أردت أن تكون أكرمَ الناس فاتق الله، وإن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك.
لذلك هذه السكينة التي يلقيها الله في قلب عبده المؤمن يسعد بها ولو فَقَدَ كلَّ شيء، وإذا حُجِبتْ عنه هذه السكينةُ يشقى بفقدِها ولو ملك كلَّ شيء، هذه السكينةُ إحدى ثمار الإيمان اليانعة، فالمؤمن يُلقِي اللهُ في قلبه السكينةَ، وتحفُّه الملائكةُ، وتغشاه الرحمةُ، ويهديه اللهُ إلى سواء السبيل.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يُلهمنا الخير.
الملف مدقق