وضع داكن
24-08-2025
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 085 - الوقت
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

  منزلة الوقت:


 أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الخامس والثمانين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، والمنزلة اليوم هي منزلة الوقت، ولا أُبالغ إذا قلتُ: إنّ الوقت أخطرُ شيءٍ في حياة الإنسان، لأنّه رأسُ ماله الوحيد، ولأنّه أثمنُ ما يملكه، بل لأن الإنسان هو وقت، هو بضعةُ أيّام، كلّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه، مفهوم الزّمن مفهوم دقيق ومعقّد، الله سبحانه وتعالى خلق الكون، وجعلهُ متحرِّكًا، قال تعالى:

﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)﴾

[ سورة يس ]

والزمن هو البعد الحركي الرابع للأشياء، فالنقطة إذا تحرّكت رسمت خطاً، والخطّ إذا تحرّك رسمَ سطحًا، والسّطح إذا تحرّك رسم حجمًا، والحجم إذا تحرّك شكَّل وقتًا، فكلّ شيءٍ متحرّك يتحرّك ضمن زمن.
يوجد مَعنى آخر هو أنّ الحدث الشيء الذي يقع لابدّ له من مكان يحويه، لابد له من ظرف مكان يحتويه، الإنسان لا يمكن أن يتصوّر حدثًا بلا مكان، يقول لك: فلان هدم بيته، أين بيته؟ فلان مرض ابنه، أين يُقيم ابنه؟ فكلّ حدثٍ يحتاج إلى مكان، كما أنّ كلّ حدثٍ يحتاج إلى زمان، مكان يحويه، وزمان يُظلّه، وكلّ حدثٍ يحتاج إلى مُحدِث، سبب، وكلّ حدَثٍ يحتاج إلى غاية، فالإنسان لا يفهمُ حدثًا بلا غاية، الحدَث له مكان وزمان ومُحْدِث وغاية.
 

العاقل يُرَشِّد استهلاك الوقت:


أيها الإخوة؛ الزّمن أخطر شيءٍ في حياة الإنسان لأنّه وعاء عمله.
انظر إلى إنسانٍ يملك ملايين مملينة، يوجد بأوربا وأمريكا أغنياء عندهم أرقام فلكيّة، أي تسعون مليار، سبعةٌ وتسعون مليار دولار يملكها شابّ في الثانية والأربعين، هذا لو جاءتْهُ المنيّةُ فجأةً ما قيمة هذا المال؟ الوقت أهمّ من المال، والدليل أنّ إنسانًا أُصيب بِمَرضٍ عُضال، وهناك جهة في بعض البلاد الغنيّة يمكن أن تُجرى له عملية في هذا البلد، لكنّ كُلفة العمليّة ثَمن بيتِهِ، لا يتردَّد ثانيةً واحدة في بيع البيت، وإجراء العمليّة، ذلك لأنّه مُرَكَّبٌ في أعماقه أنّ الوقت أثْمن من المال، يبيعُ بيته الوحيد الذي لا يملك غيره ليُجريَ هذه العمليّة التي يتوهَّم أنَّها تُمِدُّ في أَجَله بضْع سنين، هكذا الإنسان.
وكلّنا نعلم أنّ الإنسان إذا أمْسكَ مئة ألف ليرة وأحرقها أمامك، تحكمُ عليه بالسَّفه والجنون والخلل العقلي قطعًا، لأنّ إتلاف المال يُعدّ سفاهةً، وقد قال الله عز وجل:

﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)﴾

[ سورة النساء ]

وبما أنّ الإنسان إذا أتلف مالهُ يُعدُّ سفيهًا، فإذا أتلف وقتهُ يُعدّ أشدّ سفاهةً، فالعاقل يُرَشِّد استهلاك الوقت، العاقل كما قال الله عز وجل:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)﴾

[ سورة المؤمنون ]

عن عملٍ لا قيمة له، عن حديث فارغٍ، عن متعةٍ رخيصةٍ، عن مناقشةٍ لا جدوى منها، عن خصومةٍ لا يُعَدّ المنتصر فيها منتصرًا، ولا المنهزم منهزمًا، وكم من قضيّة تافهةٍ جداً تستهلك أوقات الناس؟
 

الوقت أثمن شيء في حياة المؤمن:


وقد مرَّ بعض الصالحين بِمَقهى، ورأى فيه أُناسًا يلعبون النَّرْد، فقال: يا سبحان الله! لو أنّ الوقت يُشترى من هؤلاء لاشتريناهُ منهم.
صدقوني ايها الإخوة؛ إنّ المؤمن الصادق الذي عرف ربه، وعرف سرّ وُجوده، وغاية وُجوده، لا يجدُ أثمن في حياته من الوقت، ينفقهُ بِتَخطيط دقيق، وبحِرْصٍ شديد، وبمُتابعةٍ دائمة، لأنّ الإنسان بضعة أيّام، كلّما انقضى يوم انقضى بضعٌ منه.
 

معنى الوقت في القرآن الكريم:


لكن أين نجد معنى الوقت في القرآن الكريم؟ أليْسَت هذه منزلة من منازل مدارج السالكين؟ أين نجدُ معنى الوقت؟ في سورة العصر، يقول الله تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾

[ سورة العصر ]

كيف يخسر؟ مُضيّ الزّمن وحدهُ يستهلكهُ، أبداً، نحن جميعًا من دون استثناء من وقت بدر الدرس وحتى الآن نَقَص عُمرنا ربع ساعة جميعاً، كلّ واحدٍ منَّا له نهاية ثابتة، ونحن متحرّكون نحو نهايةٍ ثابتة، فكلّ ثانية، وكلّ دقيقة تُقَرّبنا من هذه النهاية الثابتة، إذًا نحن في خسارة، مُضِيّ الزّمن يستهلكنا، هذا الشيء يتّضح فيمن يستأجر بيتًا سياحيًّا، الأيّام تمضي سريعًا، أوَّل الشّهر آخر الشّهر، الشّهر الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، تفضّل انتقل إلى بيت آخر، يقول لك: مَضَتْ عليّ هذه الشّهور كلمْح البصَر.
لو أنّ إنسانًا استأجر سيّارة، يمرّ الوقت سريعًا، فالوقت شيءٌ دقيق جدًّا هو أنت، هو رأسُ مالك، هو وِعاءُ عملك، العاقل هو الذي ينفق وقتهُ إنفاقًا مُرَشَّدًا، إنفاقًا استثماريًّا لا إنفاقًا استهلاكيًّا، قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

[ سورة العصر ]

أي وقتٌ تُمضيه في معرفة الله هذا وقتٌ مُستثْمَر، وقت ليس ضائعاً، وقتٌ تُمضيه في معرفة منهجه، هذا وقتٌ مُستثمَر ليس ضائعًا، وقتٌ تُمضيه في العمل الصالح، وبِخِدمة الخلق، وفي رعاية الضعيف، وفي إكرام اليتيم، وفي إطعام الفقبر، وفي عيادة المريض، وفي تعليم العلم، وفي الدعوة إلى الله، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتفقّد الفقراء والبائسين، وإقامة بيوت الله، كلُّ عملٍ يفضي بك إلى الجنّة فعلهُ استثمارٌ للوقت، ثمّ كلُّ وقتٍ تتواصى بالحق به مع الناس ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ ثم كل مصيبة تأتي وأنت صابرٌ عليها تتحمّلها، فوقتَ هذا التَّحمّل وقت مستثمر وليس ضائعًا، هذه السورة تُعَدّ أصلاً في موضوع الوقت الذي ورد ذكرهُ في القرآن الكريم.
 

آية أخرى تشير إلى معنى الوقت:


هل هناك من آية أخرى تُشير إلى معنى الوقت؟ قال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾

[ سورة البقرة ]

الإنسان مخيّر، وهو يُوَلِّي وِجهته نحو الخير أو نحو الشرّ، نحو الحقّ أو الباطل، نحو المبدأ أو الشّهوة، نحو خدمة الناس أو استهلاك جُهودهم، خدمتهم أو استخدامهم، نحو إكرام الناس أو نحو ابتزاز أموالهم ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا﴾ أي الوقت يجري استبقوا الخيرات، أي أنت في فرصةٍ ذهبيّة محدودة.
تصوّر إنسانًا يؤدّي امتحان مادّة أساسيّة جداً في سنة التخرّج، معه ثلاث ساعات وأسئلة كثيفة جداً، وهو دارس، هل يمكن أن يُنَظِّف ساعته في هذا الوقت؟ هل رأيتم طالباً في الأرض وهو على منضدة الامتحان يعبثُ بِساعته؟ أو يَعِدّ ما في جيْبِهِ من مال؟ أو يصحح حاسوبه مثلاً؟ مستحيل، هو في الامتحان، كلّ دقيقة متعلّقة بِمَصيره، كلّ دقيقة متعلّقة بعلامة من علامات النجاح.
أحياناً طلاب الشهادة الثانوية يُقدمون امتحانات، مئتان وإحدى وثلاثون يدخل كلية الطب، مئتان وثلاثون طَب، بالفتح أي وقع لم لم يستطع أن يدخل كلية الطب، مئتان وخمس عشرة درجة يدخل صيدلة مثلاً، مئتان وخمس صار صيدلة بحلب ليس في دمشق، أهله بالشام، وبيته بالشام، صار بحلب، أقل من مئتين صار هندسة، مئة وسبعون علوم فرضاً، أي ممكن طالب يؤدي امتحان الشهادة الثانوية أن يلهو بشيء لا علاقة له بالامتحان في أثناء الامتحان، أنا أضرب لكم أمثلة في أوقاتٍ حرجةٍ جداً، قضيّة وقت الامتحان، وقت أداء امتحان شفوي أحياناً أيضاً وقت حرج جداً، أي كلمة: وسارعوا، الوقت كالسّيف إن لم تقطعه قطعَكَ، فالآية الكريمة: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً﴾ في أية مكانة أنت، أو في أيّ مكان أنت، قال الشاعر:

لا تَأمَنِ المَوْتَ فِي طَرْفٍ وَلاَ نَفَسٍ         وَإِنْ تَمَنَّعْتَ بِالْحُجَّــــابِ وَالْحَـــــرَسِ

فَمَــــــا تَزَالُ سِهَامُ الْمَوْتِ نَــــافِذَةً         فِـي جَنْبِ مَدَّرِعٍ مِنْهَــــــا وَ مُتَّــــرِسِ

أَرَاكَ لَسْتَ بِـوَقَّـــــافٍ وَلاَ حـَـــذِرٍ         كَالحَاطِبِ الخَابِطِ الأَعْوَادَ فِي الْغَـلَسِ

تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَـــالِكَـهَا          إِنَّ السَّفِينَـــةَ لاَ تَجْـــرِي عَلَى اليـبَسِ

[ أبو العتاهية ]

* * *

 

انقضاء الوقتُ سريعاً كلمح البصر:


إنسانٌ غارقٌ في عملٍ لا يُرضي الله تعالى وافتْهُ المنيّة، هذه مصيبة، إنسانٌ غارق في المال الحرام وافتْهُ المنيّة، إنسانٌ غارقٌ في المباحات وافتْهُ المنيّة، انتقل من كلّ شيء إلى لا شيء، معنى ذلك:

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)﴾

[ سورة آل عمران ]

في سارعوا مَلْمَحٌ للوقت، سابقوا في هذه الآية ملمح للوقت، الشيء الدقيق أيها الإخوة؛ أن الوقت يمضي سريعًا.
أنت قُل ألفين وعشرين، عشرون سنة، يوم، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، أسبوع، اسبوع ثان، ثالث، رابع شهر، ثاني شهر، ثالث شهر، رابع شهر، الشهر الثاني عشر سنة، أول سنة، ثاني سنة، ثالث سنة، عاشر سنة، عَقْد، عشرة ثانية عشرون، كلّ واحد منكم يسترجع ببَعض ذكرياته سنة الثمانين، الآن نحن في سنة ألفين، كيف مضَت هذه السنوات العشرون؟ والله كلمْح البصَر.
أنا كنت مدير ثانويّة في بلدة في إحدى المحافظات، دعاني أخ كريم إلى وليمةٍ في هذا المكان، مضى على عملي التدريسي والإداري في هذه الثانويّة ثلاثون عاماً، أكثر الطلاب أصبحوا بسنٍّ كبيرة، بعضهم أطبّاء، بعضهم في سلك الجيش، وفي سلك الشّرطة، وفي الحقوق، قلت: سبحان الله! ثلاثون عامًا كيف مضَتْ بين كوني في هذه البلدة مديرًا لثانويّة وبين زيارتي الثانية بعد ثلاثين سنة؟ كيف مضَت هذه الأعوام الثلاثون؟ بلَمْح البصَر، الوقتُ يمضي سريعاً، نحن كلّنا جميعاً ما بين غمْضة عينٍ وانتباهها، تُعلّق النعوة على الجدران، رحمه الله تعالى والله كان صالحاً، يقول الناس: سبحان الله! خُطف خطفاً، لم تكن به علّة.
 

تعريف العاقل:


حدّثني أخ قال لي: أنا أُصلّي في أحد مساجد المزّة، هناك أخٌ يصلّي معنا دائماً، لا يغيبُ ولا يوماً، لكنه ذو دعابة، كلّ يوم له طرفة، يُحدثنا إياها في الطريق بعد انتهاء الصلاة، قال لي: البارحة خرجنا معاً من المسجد، وكان في حالة عادية جدًّا، بكامل صحّته، بكامل حيويّته، بكامل نشاطه، بكامل تألّقه، بكامل مرحه، والله ذَكَر بعض الطُّرَف، وذهبَ كلٌّ منَّا إلى بيته، قال لي: لمحته ظهراً في أحد مواقف السيارات في دمشق، أقْسَم لي بالله العظيم أنّه صلى عليه بعد العصر، قال لي: كان معنا في المسجد فجراً، ولمحتهُ ظهراً على أحد مواقف السيارات، وصلَّيْتُ عليه صلاة الجنازة وقْت العصر، هكذا الدّنيا، الموت يأتي فجأةً والقبر صندوق العمل.
والله أيها الإخوة؛ ما رأيتُ أعقلَ من إنسانٍ يعمل لهذه الساعة التي لابدّ منها، كلُّ ما تُجمِّعهُ في الدّنيا تخسرهُ في ثانيةٍ واحدة إلا أن تكون تقيًّا، واكربتاه يا أبتاه، قال: لا كرْب على أبيك بعد اليوم، غدًا نلقى الأحبّة؛ محمَّدًا وصحبهُ. 

كلّ شيء يأتي في الوقت المناسب بتَقدير حكيم عليم:


إذًا المعنى الثاني للوقت: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ الآية الثالثة، قوله تعالى:

﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)﴾

[ سورة الحديد ]

الآية الرابعة:

﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)﴾

[ سورة طه ]

أي جئتَ في الوقت المناسب، أي جئتَ في الوقت الذي أنت في أشدّ الحاجة إلى المناجاة: ﴿على قَدَرَ﴾ أي في الوقت المناسب، لذلك قالوا: كلّ شيءٍ له أوان، ومن تعجَّل الشيء قبل أوانه عوقِبَ بِحِرمانه، كلّ شيء لهُ أوان، قال تعالى:

﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)﴾

[ سورة العنكبوت ]

قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾

[ سورة العنكبوت ]

إذا هناك وقت مناسب للعطاء، اُطلُبْ، واصدُقْ، وأخْلصْ، وألِحَّ في الدعاء، لكنّ الجواب يأتي بِحِكمةِ حكيم في الوقت المناسب، أحياناً الإنسان يضْجر من بقائه عزباً بلا زوجة، لكنّ الله عز وجل قد هيَّأ له إنسانة صالحةً تسرُّه إن نظر إليها، وتحفظه إن غاب عنها، وتطيعهُ إن أمرها، هُيئت له هذه الفتاة في وقتٍ مناسب، فالإنسان صابر، يرضى بقضاء الله وقدره، فمن تعجَّل الشيء قبل أوانه عوقِبَ بِحِرمانه، ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾ أي جئتَ في الوقت المناسب، وقد قال بعض الشعراء:

نَالَ الْخِلاَفةَ إِذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا               كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ

[ جرير ]

* * *

هناك شيء آخر؛ حينما جاء موسى برسالة الله عز وجل كان الناس أحْوَجَ ما يكونون إلى رسالته، وحينما جاءَتْ بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كان الناس أحوَجَ إلى بِعْثته، وكلّ شيء يأتي في الوقت المناسب بتَقدير حكيم عليم، آن الأوان.
 

من تعاريف الوقت:


بعض التعاريف للوقت، قال: ظرف الكون، أي ظرف الفعل، وِعاء العمل، العمل يحتاج إلى مِظلّة من وقت، وأرضيّة من مكان، هذا باللّغة العربيّة ظرف مكان وظرف زمان، تقول: جلسْتُ جنْب النَّهر، إعراب جنب: ظرف مكان، سافرت صباحاً، إعراب صباحاً: ظرف زمان، عندنا ظرف مكان وظرف زمان، لكن إيّاك أن تقول: متى كان الله تعالى؟! لأنّ الله خلق الزمان، لا يُقال متى كان الله؟ ومتى لم يكن؟ الزمان من خلْق الله عز وجل، فأن تقول: متى كان الله؟ كلامٌ لا معنى له، الزمان من خلقه.
أحيانًا الإنسان يتورّط بتَساؤلاتٍ غير صحيحة، يقول لك: الله يعلم ما سيكون؟! اليوم الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، أي الله يعلم ما سيكون يوم الخميس؟ ماذا فعل؟ جعل الله قد احتواه الزمان، الزمان من خلْق الله عز وجل، لا يمكن أن يحْتويَ اللهَ شيءٌ، لا مكان ولا زمان، لذلك قالوا القول منسوب إلى سيّدنا عليّ كرَّم الله وجهه: عَلِم ما كان، وعَلِم ما يكون، وعَلِم ما سيكون، وعَلِم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
 

أقسام الزمن:


بالمناسبة شيءٌ بديهي أنّ الزَّمَن أقسامٌ ثلاث: اللّحظة الراهنة، الساعة التي أنت فيها الآن، وزمنٌ مضى، وزمنٌ لم يأت، الحقيقة الخطيرة أنّه ما مضى فات، لا يمكن أن يُستردّ، ولا أن يُستعاد، والعقلاء دائماً لا يفكّرون بالماضي إطلاقًا، كان البيت ثمنه ستة آلاف ليرة، الآن ثمنه ستّة ملايين، ليتني أخذتُ بيتاً في ذلك الوقت، هذا كلام فارغ، هذا الكلام سابق، شيءٌ كان ولن يعود، ما مضى فات.
يقول لك: أيام زمان البعثات سهلة جداً، لو ذهبتُ لرجعْتُ بدكتوراه، وصرت في الجامعة، ما رضيتُ أنا حينها، يندم، الأغبياء دائمًا يتحسّرون، ويندمون، ويجترّون همومهم، وآلامهم، ليس من صفة العاقل أن يبحث فيما مضى، ما مضى فات، انتهى بِخَيره وشرّه، بقضه وقضيضه، جملةً وتفصيلاً، ما مضى فات، والمؤمّل غيب. 
يقول لك: غدًا أبيع هذا القدر من العسل فأشتري به قطيعًا من الغنم، أُربّي هذا الغنم، ويتوالد الغنم، ويكثر الغنم، وأبيع الغنم، فأُصبح غنياً، ثم أشتري بيتًا، وأخطب فتاةً جميلةً وأتزوّجها، وأُنجبُ أولادًا وسأؤدِّبهم تأديباً دقيقاً، فأمسك بالعصا وضرب القدر فسال العسل عليه، وطارَتْ كلّ أحلامه، هذا المستقبل، ما مضى فات، والمؤمّل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، لا نملك إلا هذه الساعة، لذلك ورد في الأثر أنّه هلك المسوّفون.
المتخلّفون في الحياة دائماً يربط هممهُ العاليَة بِحَدَث مستقبلي لن يصل إليه، يقول لك: بعد أن أُنهي دراستي أُصلّي، علق بالجامعة اثنتي عشرة سنة، كلّ سنة بثلاث سنوات، يقول لك: حتى أتزوّج أوّل الصّيف، بِمَجيء رمضان، هلك المسوّفون، كلّ إنسان يربط توبته إلى الله بِزَمن مستقبلي إنسان ضعيف الإرادة والشّخصيّة، الآن يجبُ أن تتوب في لحظتك الراهنة، أما أن تقول غدًا فالهمّة تبرد.

  الدنيا ساعة اجعلها طاعة:


قال لي أحدهم: خدمْتُ إنسانًا لِوَجْه الله تعالى، جاءني مساءً، وضَعَ لي مبلغًا ضخمًا في ظرف، وقال لزوجتي: هذا لفلان نظير هذه الخدمة، قال لي: أنا أرعدت، وغضبتُ، وزمْجَرْتُ، وسأوبخه، وسأعنفه، وسأُلقي هذا المبلغ في وجهه لأنّه يحتقرني، أنا خدمْتُه لوجه الله، يُعطيني هذا المبلغ نظير خدمتي له، ألا يعرف نزاهتي ولا إخلاصي؟ في اليوم الثاني وجد نفسه أنّه قد برد، ثالث يوم، قلت: ربّما هذه طيبة نفس، رابع يوم قلت: دعهم لي، قال لي: جاء لصّ فسرقَ كلّ ما في البيت، فعرفْتُ الذَّنْب، هلك المسوّفون، لا تُسوّف، نوَيْت أن تفعل الخير افْعَلْهُ فورًا، ما مضى فات، والمؤمّل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، لا نملك إلا هذه الساعة، الدنيا ساعة اجعلها طاعة، والنفس طمّاعة عوّدها القناعة.
الإمام الشافعي رضي الله عنه قال: صَحِبْتُ علماء القلوب، وانتفعتُ منهم بِكَلِمَتَين، سمعتهم يقولون: الوقت سيف إن قطعتهُ وإلا قطَعَك، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

(( عن عبد الله بن عباس قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه: اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك.  ))

[ المنذري الترغيب والترهيب إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما  ]

والله في أثناء الحجّ ما غبِطْتُ أناساً كما غبطْت الشباب في الحجّ، الطواف والسعي يحتاجان إلى جهد، لكن المتقدّم في السنّ يطوف ويسعى بشكلٍ صعب، ((اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك))
 

ريح الجنة في الشباب:


إنّ زوجي تزوَّجني وأنا شابة، ذات أهلٍ ومالٍ وجمالٍ وأولاد، فلمّا كبِرَت سنِّي، ونثر بطني، وتفرّق أهلي، وذهب مالي، معنى هذا كلّ إنسان لابدّ من أن يتغيّر، هو شابّ، طاقة وحيويّة ونشاط، انظر الشاب يصعد الدّرج خمس درجات خمس درجات، وينزل خمس درجات خمس درجات، انظر إلى المتقدّم في السنّ يصعد درجة ويحضر القدم الثانية لها، ويرتاح عند الميدة دقيقتين، أين عندما كان شاباً؟
سمعتُ عن رجلٍ نادر جداً، كان شرسًا مع والده، يحملُ بغْلاً ويصعد به في الدرج ويضعه عند أبيه، ويقول له: أعطني نقوداً حتى أنزله، قال لي أحدهم: رأيتهُ في آخر حياته يرجو سائق الحافلة أن ينزلهُ قبل الموقف بأمتار، لأنّه لا يستطيع المشي، هو نفس الشخص، فالإنسان يتغيّر: ((اغتنم شبابك قبل هرمك)) هناك أشخاص يأتون إلى بيوت الله، لكن في الثمانينات، على العين والرأس، ونرحب بهم أشدّ الترحيب، لكن ليتهم جاؤوا في سنّ مبكرة، ليتهم جاؤوا وهم شباب، ما من شيءٍ يحبّه الله كشابّ مؤمن، ما من شيءٍ أكرم على الله من شاب تائب، عجب ربكم من شاب ليست له صبوة، شابّ في مقتبل الحياة، يغضّ بصره، يضبط لسانه، يصلّي وقته، ينفق مالهُ، ريحُ الجنّة في الشباب، تجد أحدهم أمضى كل حياته في المعاصي والآثام والغفلة والتّرَف والفجور، لمّا دنا منه الموت جاء، أهلاً وسهلاً، ولكن جاء عجزاً، لم يعد له شيءٌ، لم يعد هناك رمق أساساً لشيء ثان، جاء إلى المسجد، أهلاً وسهلاً، لكن أنا أتمنّى أن أرى الشباب في المساجد، أن أرى الإنسان في مقتبل الحياة يصطلح مع الله تعالى، ويُطيع الله عز وجل، فمَا مَضَى فَاتَ وَالْمُؤَمَّلُ غَيْبٌ وَلَكَ السَّاعَةُ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا.
 

الإنسان بين خمسة أيام:


هناك كلام لطيف؛ قال: أنت بين خمسة أيّام: يومٌ مفقود، ما مضى، ويومٌ مشهود، ما أنت فيه، ويومٌ مورود، ساعة الموت، ويومٌ موعود، يوم القيامة، ويومٌ ممدود، إما في جنّة يدوم نعيمها أو في نارٍ لا ينفذ عذابها، أخطر هذه الأيّام الخمس اليوم المشهود، ما أنت فيه.
الشاعر أحمد شوقي له بيت مشهور: 

دَقَّاتُ قَلِبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ                     إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقُ وَثَوَانِ

[ أحمد شوقي ]

* * *

القلب يدقّ، دائماً؟ لا، يوجد وقت توقف، اصفرّ، جمد بصره، انقطع بنفسه، جاء الطبيب ووضع المصباح في عينه فما تأثّرت، جاء بمرآة وضعها على أنفه، لا يوجد بخار ماء، أمسك بيدِه فلم يجد نبْضًا، حينها يقول: عظَّم الله أجركم، هل يوجد واحد منّا لن يصير إلى هذا الحال؟! لا، القلب دائماً يدق؟ لا، دقاته معدودة، القلب يضخّ في الساعة ثمانية أمتار مكعبة من الدمّ، إنسان عاش ستّين سنة تقريباً، يضخّ من الدمّ ما يملأ أكبر ناطحة سحاب في العالم، لكن يوجد وقت يتوقف القلب، عندئذ صار من أهل الآخرة، وانتهى الأمر.
 

الوقت نسبي يطول ويقصر:


أيها الإخوة الكرام؛ رأى بعضهم الصدّيق رضي الله عنه في منامه، فقال له: أوْصني؟ فقال له: كُنْ ابن وقْتِك. وقت الفجر بالصّلاة، أما في النهار فهناك عمل صالح، في الليل في بيتك، كُنْ ابن وقْتِ.
بالمناسبة هناك موضوع فرعي، الوقت نسْبي يطول ويقصُرُ، قال بعض الشّعراء الأندلسيّين:

إِنْ يَطُلْ بَعْدَكَ لَيْلِي فَلَـكَمْ           بِتُّ أَشْكُو قِصَرَ اللَّيْلِ مَعَكْ

[ ابن زيدون ]

* * *

دَقِيقَةُ الأَلَــــــمِ سَـــــــــــاعَة وَسـَاعَـــــــةُ اللَّذَّةِ دَقِيقَــــــــــة، قد يسهر مع شخصٍ يحبّه حباً جماً، يبدأ اللّقاء الساعة السابعة، وينتهي الساعة الواحدة والنصف ليلاً، كيف مضَت هذه الساعات الخمسة أو الستّة؟ كلمْح البصَر، إذا كان هناك انتظار لسؤال وجواب، وسؤال من إنسان مخيف يمكن خمس دقائق تمرُّ كساعة، العشر دقائق تمر كسنة، فالوقت يخِفّ على المؤمنين، ويثقل على الكافرين، قال تعالى:

﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾

[ سورة غافر ]

آل فرعون، من ستّة آلاف سنة، كلّ سنة ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً، وكلّ يوم مرّتان صباحاً ومساء: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ فالإنسان المؤمن ينوِّرُ اللهُ عز وجل له قبرَهُ، والقبرُ إما حفرة من حفرِ النيران، أو روضة من رياض الجِنان، فَوَقْت العذاب يطول كثيراً، وقت السرور يمضي سريعاً، إذا كان أحدُنا عند طبيب الأسنان ولا يتحمَّل قلبهُ البنج، وقال له الطبيب: يجب أن تتحمل، في أثناء حفر السنّ وصل إلى العصب، والبنج ممنوع، لو استمرّ الحفر دقيقة أؤكد لكم أنها عنده ساعة، الدقيقة ساعة، دقيقة الألم ساعة، وساعة اللذّة دقيقة، فالوقت يطول ويقْصُر.

  من سير الصالحين:


كان أحد علماء دمشق الأجلاء عنده معهد شرعي، والله عز وجل أمدَّ بعُمُرِه، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث:

(( عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ. ))

[ الترمذي في سننه: صحيح ]

كان يرى شابَّاً في الطريق فيقول له: يا بنيّ، أنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدّك تلميذي، عاشَ سِتّةً وتسعين عاماً، بدأ بالتدريس في الثامنة عشرة، وتوفّي في الثامنة والتّسعين، ثمانون سنة في تدريس أجيال تلو الأجيال، وكان منتصب القامة، وكان حادّ البصر، وكان مرهف السّمع، وكانت أسنانه في فمه، وكان حيويًّا ونشيطًا، وكان إذا سئِلَ: يا سيدي ما هذه الصحّة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بنيّ حفظناها في الصّغَر فحفِظَها الله علينا في الكِبَر، من عاش تقيًّا عاش قويًّا.
وكلٌّ  واحد منّا يطمح أن يجعله الله في صحّة تامّة في خريف عمره، هذا يحتاج إلى تقوى لله عز وجل، وإلى استقامة، هذه الجارحة إن حفظتها حفظها الله لك، العين إذا بكَتْ من خشْية الله كإنّ الله عز وجل يضْمنها لك أن تبقى تستعملها حتى نهاية الحياة، السّمع والأُذن واللّسان والبصر، الدعاء الشريف:

(( عَنِ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ، حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا.  ))

[ الجامع الصغير: خلاصة حكم المحدث: صحيح ]

 

الوقت رأسُ مالك الوحيد:


أيها الإخوة؛ الوقت كالسّيف إن لم تقطعهُ قطَعَك، الوقت هو أنت، أنت بضعة أيام، كلّما انقضى يوم انقضى بضْعٌ منك، الوقت رأسُ مالك الوحيد، الوقت أثْمَنُ شيءٍ تملكهُ، الوقت وِعاءُ عملك، والمؤمن يُرَشّد استهلاك وقته، لا يستهلك وقته إلا فيما هو مُجد، بل إنّ النبي عليه الصلاة والسلام بهذا العمر القصير، ثلاث وستون سنة قلبَ وجْه الأرض، نشر الحقَّ في المشرقين وفي الخافِقَيْن، وفي أطراف الدنيا، لذلك أقسم الله بعُمُرِهِ فقال تعالى:

﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)﴾

[ سورة الحجر ]


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور