وضع داكن
28-03-2024
Logo
العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 10 - الفطرة -2- دقائق المنهج الإلهي في خصائص النفس
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

إيضاحات حول مقومات التكليف:

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس العاشر من دروس العقيدة والإعجاز، تحدثنا في يوم سابق عن الفطرة، ولكن لا بد من بعض الإيضاحات.

1 – الإنسان كائن متحرك:

الإيضاح الأول: الإنسان كائن لكنه متحرك، ما الذي حركه ؟ الطاولة كائن، لكنه جامد، لو وضعت هذا الكأس على الطاولة مئة عام فهو في مكانه، أما الإنسان فكائن متحرك.

2 – حاجة الطعام والشراب والجنس والذِّكر سببُ حركته:

ما الذي يجعله متحركاً ؟ أن الله أودع فيه حاجةً إلى الطعام، يريد أن يأكل، أن يشرب، أن يتنفس، ثم يتزوج، ثم ينجب، لأن الله أودع فيه حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجوده، وأودع فيه حاجة إلى الطرف الآخر على المرأة على بقاء النوع، وأودع فيه حاجة إلى تأكيد ذاته حفاظاً على الذكر، لولا هذه الحاجات الثلاث لكان الإنسان كائناً سكونياً.7
لولا هذه الحاجات الذي أودعها الله في الإنسان لما رأيت شيئاً على وجه الأرض، ما رأيت بيتاً، ولا طريقاً ولا جسراً، ولا مدرسةً ولا جامعة، ولا مستشفى ولا حديقة ولا شيء، الكائن الجامد لا يحتاج إلى شيء، إذاً: لا يتحرك الكائن الجامد، ولا يحتاج إلى شيء، إذاً: لا يتحرك، بينما الإنسان يحتاج إلى أن يأكل فيخرج من بيته ليبحث عن عمل، ويشتري بأجرة العمل الطعام والشراب، ثم صار في سن الزواج فيبحث عن زوجة، فيضاعف جهده يعمل بعد الظهر حتى يتزوج، أنجب الأولاد، ثم يحتاج إلى أن يكون شيئاً مهماً، هذا دافع تأكيد الذات، إذاً: الإنسان كائن متحرك، وليس شيئاً جامداً.

 

3 – الله سمح لنفسِه العلية أن يوازن ذاته مع مخلوقاته:

نحن في درس سابق قلنا: إن الله عز وجل خالق، لكن سمح لذاته العلية أن يوازن ذاته مع مخلوقاته كيف ؟ قال تعالى: 

﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين﴾ 

( سورة المؤمنون)

الله عز وجل سمى الإنسان خالقاً مزاجاً، كي توازن بين صنعة الإنسان وصنعة الواحد الديان، لكن خلق الله يخلق كل شيء من لا شيء، وعلى غير مثال سابق، بينما الإنسان يخلق شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، فالغواصة تقليد للسمكة، والطائرة تقليد للطير، حتى العجلة تقليد لجذع شجرة يدور، فالإنسان يصنع شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، لكن الله عز وجل يصنع كل شيء من لا شيء، ومن دون مثال سابق.
إنّ الإنسان يصنع طاولة، يصنع كأسًا، كرسيًا، يبني بناء، كلها جمادات، لكن الإنسان ما صنع طاولة ذكرا وطاولة أنثى، وقال لها: تزوجوا يأتيكم آلاف الطاولات الصغيرة، أما الله عز وجل فجعل من كل زوجين اثنين، النبات يتوالد، والحيوان يتوالد، فلو اشترى شخصٌ سيارة فليس معقولا بعد سنة يرى سيارة أصغر منها فصارت اثنتين، أما أن يشتري حصانا فإنه يلد حصانا كل سنتين.
التوازن:

﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾

( سورة المؤمنون)

الله سمى الإنسان خالقا مجازاً، وازن بين كُلية طبيعية بحجم البيضة صامتة هادئة، لا تشعر بوجودها، تصفي لك الدم في اليوم خمس مرات، وأنت تعمل، وأنت نائم، وأنت في عملك، وأنت راكب مركبتك، وأنت في الطريق تتنزه، أما الكلية الصناعية فبحجم نصف الطاولة، ولا بد من أن تستلقي على فراش ثماني ساعات في الأسبوع ثلاث مرات، كل مرة ثلاثة آلاف ليرة، تسعة آلاف ليرة كل أسبوع من اجل تصفية الدم، لما قال تعالى:

﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾

( سورة المؤمنون)

من أجل أن توازن بين صنعة الله، صنع الله الذي أتقن كل شيء، وبين صنعة الإنسان.

الفطرة:

1 – معرفة الهدف لرؤية الوسائل إليه:

الآن لازلنا في موضوع الفطرة، حينما تعرف الهدف تبرز أمامك الوسائل، وأخطر شيء في دروس العقيدة أن تعرف لماذا أنت في الدنيا ؟ لماذا خلقت ؟ حينما تعرف الهدف لماذا خلقك الله عز وجل تنبع أمامك الوسائل.
بصراحة إذا أرسل الأب ابنَه إلى باريس لينال الدكتوراه، يحمل إجازة في الطب من بلده، وأراده أن يكون متخصصا من بلد غربي، مدينة طويلة عريضة واسعة، فيها مقاصف، فيها ملاهٍ، فيها نوادٍ ليلية، فيها دور سينما، فيها معاهد، فيها متاحف، فيها حدائق، فيها بيوت سكن، فيها نهر، وفيها جامعة، الطالب الموفق يعلم أن علة وجدوده في هذه المدينة شيء واحد ؛ أن ينال الشهادة، لذلك إذا عرف علة وجوده تنبع أمامه الوسائل، وهذا مثل ضربته كثيراً، فأنت في فرنسا أو باريس من أجل الدكتوراه، أول عمل: تستأجر بيتا قريبا من الجامعة، وتوفر الوقت والجهد والمال، تصاحب صديقا يتقن الفرنسية، لا تصاحب صديقا عربيا تتكلم معه باللغة العامية حتى تضر بك أن تتكلم الفرنسية، تشتري مجلة تتعلق باختصاصك، تأكل أكلا خفيفا يعينك على الدراسة، إذاً: البطولة أن تعرف الهدف لماذا أنت في الدنيا ؟ واقرأ القرآن الكريم:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

( سورة الذاريات)

2 – لا تصح حركة الإنسان إلا إذا عرف هدفه:

لذلك احفظوا هذه القاعدة: لا تصح حركة الإنسان في الأرض إلا إذا عرف هدفه، لذلك أحد الإخوة الكرام درَس في أمريكا إدارة أعمال، قرأ آية والله اقشعر جلده، قال: والله هذه الآية تلخص دراسة عشر سنوات، ما هي الآية ؟

﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

( سورة الملك)

هدفه واضح، المؤمن يعيش حياة متميزة، هدفه الله، لذلك وسائله كلها في خدمة الهدف، يهمه أن يكون ساكنا في بيت فقط، لا يهمه بيت له مساحة معينة، إطلالة معينة، لا يضطر أن يأكل مالا حراما ليقتني مثل هذا البيت، يهمه مأوى، يهمه زوجة تحصنه، يهمه دخل يغطي نفقاته، يهمه أن يحقق رسالته، يهمه أن يحقق هدفه في الحياة، يهمه أن يتعرف على الله، فترى المؤمن واعيا جداً، وهدفه واضح، وسائله واضحة، يمشي قُدُماً في طريق هدفه، فإذا عرف الهدف صحت الحركة، فبالحركة يمتحن الإنسان، فيصدق أو يكذب، يخلص أو يخون، يتقن أو لا يتقن، ينصف أو يجحد، يرحم أو يقسو، هنا المشكلة، وأنت تتحرك من أجل كسب رزقك، وأنت تتحرك بعد زواجك، وأنت تتحرك من أجل تأكيد ذاتك تمتحن.

3 – الإنسان مخيَّرٌ وشهواته حيادية:

الإنسان مخير، ولأنه مخير كل شيء في حياته حيادي، قال تعالى: 

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾ 

( سورة آل عمران)

حب المرأة، وشهوة المرأة حيادية، ومعنى حيادية أنه يمكن أن تتخذ من هذه الشهوة سُلّماً ترقى بها، ويمكن أن تتخذ من هذه الشهوة دركات تهوي بها، تماماً كالوقود السائل في المركبة، هو هُو، ضعه في المستودع المحكَم ليسيل في الأنبوب المحكم، لينفجر في الوقت المناسب، فيولّد حركة نافعة، ضعه فوق المركبة، أعطه شرارة يحرق المركبة ومَن فيها، الوقود هو هُو، الشهوة حيادية يمكن أن ترقى بها.
إنسان شاب تزوج امرأة صالحة، فأنجب منها عشرة أولاد، خمس بنات، وخمسة ذكور، رباهم تربية دينية، الله عز وجل رزقه بأصهار مؤمنين، ترى هذا البيت مباركا، والله البيت مثل الجنة، مع أن الدخل وسط، لكن فيه حب، فيه هدف، فيه تصرف صحيح، فيه عقيدة، فيه عبادة، فيه صلة بالله، فيه هدف كبير.

4 – الإنسان مبرمج برمجة عالية:

أنا أقول: لأن الفطرة تكشف الحق من الباطل، والخير من الشر، وما يصح وما لا يصح، وما ينبغي وما لا ينبغي، فأنت مبرمج برمجة عالية جداً.
الآن حدثني أحد الطيارين عن أحدث الطائرات، ما فيها ولا ساعة، شاشات مغشاة، شاشة حليبية، ما دام لا شيء على الشاشة فكل شيء على ما يرام، إذا كان خلل تظهر رسالة، إذا كان لونها أسود فسهل جداً أن تعالجها، هناك جهاز آخر يعطيك على ورق كيف تعالج هذا الخلل، إذا كان الخلل ليس أسود اللون، لكنه لونه برتقالي، فهذا الخلل معه خطر، لكن ليس خطرَ سقوط، ومعالجته ممكنة، وأحياناً الرسالة على الشاشة باللون الأحمر الداكن، هذا خطر سقوط، فالطائرة مبرمجة، مادام لا خبر فالأمور على ما يرام، أيّ خلل تظهر رسالة، هكذا الفطرة، ما دمت مستقيما مرتاحا تنام نوما عميقا، تتعامل مع الناس تعاملا صحيًّا، لكن لما ترتكب خطأ لو لم يعلم به أحد ينشأ خلل داخلي، عندك ضيق، قلق، كآبة، تسأل، تدقق، تبحث، أنت مبرمج ومولّف على أنك إذا أخطأت عندك مشعر ذاتي، أنك أخطأت، والآن تقريباً حتى السيارات فيها شاشة، الأنواع الحديثة جداً، أيّ خلل في المركبة تظهر رسالة.
قال لي أحد الإخوة، إنه اشترى مركبة حديثة، قال له: قف فوراً، فإن لم تقف أطفأت لك المحرك، هناك نقص زيت حاد، قد يحترق المحرك.
أنت مبرمج أعلى برمجة أنت مبرمج أنك إذا أخطأت شعرت أنك أخطأت، البر ما اطمأنت له النفس، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلعه عليه الناس.

5 – لابد من الامتحان والابتلاء:

إذاً: الحركة من خلالها تمتحن، تكون صالحاً أو طالحاً لا سمح الله، الحركة من خلالها تكون محسناً أو مسيئاً، منصفاً أو جاحداً، مستقيماً أو منحرفاً، صادقاً أو كاذباً، مخلصاً أو خائناً، قال تعالى:

﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾

( سورة المؤمنون)

علة وجودك على وجه الأرض أنك ممتحن، قال تعالى:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

( سورة الجاثية)

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ 

( سورة العنكبوت)

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾

( سورة آل عمران)

اعلم علم اليقين أنك في دار امتحان، 

(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي ))

[ ورد في الأثر ]

الناس قسمان لا ثالث لهما:صالح وطالح:

الآن بشكل مختصر: إذا قلنا: فلان له عمل صالح، ما معنى عمله صالح ؟ يعني أنه منضبط بمنهج الله، وبنى حياته على العطاء، الانضباط صفة سلبية، والعطاء صفة إيجابية، منضبط، ويعطي، منضبط لا يكذب، لا يسرق، لا يغتاب، لا يخون، كلها لاءات أو ماءات، يقول لك: أنا ما أغلط، ما آكل مالا حراما، ما أقصّر، ما أتأخر، ما أغش، هذه الاستقامة، وقدمت من وقتي، من مالي، من علمي، من خبرتي، فكلمة صالح تعني أنك منضبط، ومعطٍ، لذلك يمكن أن يندرج الناس جميعاً على اختلاف مللهم ونحلهم، وانتماءاتهم وأعراقهم، وأنسابهم وطوائفهم، ومذاهبهم في نموذجين، نموذج عرف الله، فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم، وسعد في الدنيا والآخرة، ونموذج وغفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء لخلقه، فشقي، وهلك في الدنيا والآخرة، هذا التقسيم القرآني:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾

( سورة الليل)

حقيقة الدين أن تكون أخلاقياً:

الآن أتمنى عليكم أن تدققوا فيما أقول: حقيقة الدين أن تكون أخلاقياً، لأنك إذا كنت أخلاقياً فأخلاقيتك ثمن الجنة، أنت خلقت لجنة عرضها السماوات والأرض، ثمن هذه الجنة أن تزكي نفسك كي تكون أخلاقياً، أن تحملها على طاعة الله كي تتصل بالله، كي تشتق من الله كمالاً يؤهلك لدخول الجنة، هذا كلام دقيق جداً، تتعرف إليه، تنضبط بمنهجه، تقبل عليه، تشتق منه الكمال، هذا الكمال ثمن الجنة، لذلك قال تعالى:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾

( سورة آل عمران)

لولا الرحمة التي أودعها الله في قلبك لم تكن ليناً لهم، بل كنت فظاً غليظ القلب، قال تعالى:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾

( سورة آل عمران)

الفطرة مرسخة في الإنسان ولو لم يكن له علم:

أيها الإخوة الكرام، الآن بعد أن جاء النبي عليه الصلاة والسلام ومعه القرآن الكريم، ومعه الوحي والأحاديث مئات ألوف، الأمور واضحة جداً، لكن هذه المرأة التي اسمها خديجة رضي الله عنها زوجة النبي عليه الصلاة والسلام قبل نزول الوحي لما جاءه الوحي، وقال: دثريني دَثريني، ماذا قالت له ؟ قالت: والله لا يخزيك الله أبداً، إنك تحمل الكَلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر، هذه فطرتها، كلام فطري ما فيه قرآن ولا في سنة ولا في أحديث، ولا علم، ولا كليات شريعة، على الفطرة، إنسان صادق أمين عفيف، يقري الضيف، يطعم الفقير، يعين الأسير، يحمل الكَلّ، يعين على نوائب الدهر، قالت: والله لا يخزيك الله أبداً، هذه الفطرة.
أنا أذكر أحد أصدقائي سافر إلى هولندا، رأى إعلانا عن هاتف خلوي، رجل دين على رأسه قبعة كهنوتية، والأنوار تشع منه، مرت فتاة متفلتة ملأ عينيه منها، فسقطت هذه القبعة عن رأسه، وقطع عن ربه، هذا الإعلام بمجتمع متفلت ما فيه شيء حرام، لكن هذه الفطرة حتى في المجتمعات المتفلتة، يقول لك: فضيحة ما، الفضيحة جنسية، الزنا غير محرم عندهم، لمَ هو فضيحة ؟ بالفطرة، الفطرة ثابتة، قال تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾

( سورة الأعراف)

أي إنسان على وجه الأرض عنده الخطأ خطأ، والصواب صواب، والانحراف انحراف، والأذى أذى، فلذلك أنت مبرمج ومولّف توليفاً رائعا، لذلك قال الله عز وجل:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

( سورة الجاثية)

الفطرة لا تقبل ذلك إلا أن المحسن محسن، والمسيء مسيء، المحسن مكافَأ عند الله، والمسيء معاقَب.
أحياناً تقع مشكلة فترى الناس على اختلاف مشاربهم يعتقدون أن المسيء ناله عقاب، والمحسن نجاه الله هذه فطرتهم.
والله أيها الإخوة، بحث الفطرة بحث عميق جداً، ودقائق الشرع مركزة في أعماق أعماقك، والعمل الطيب في فطرة.
سمعت عن سائق سيارة بمدينة في أمريكا وجد محفظة فيها عشرة آلاف دولار، بحث عن صاحبها، ثمّ سلمها للشرطة، وأخذ إيصالا فيها، والمبلغ عداً ونقداً، بعد حين حاكم الولاية دعا أكثر المدارس الثانوية لحفل تكريم لهذا السائق، إنسان بحث عن صاحبة هذه المحفظة التي فيها عشرة آلاف دولار، عدّ هذا العمل في بلد كله جرائم، وكله تفلت عد عملاً عظيماً، الحق حق، والخير خير، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت، كما تدين تدان.
بالفطرة أنت مبرمج على الحق، مبرمج على الإحسان، على الصدق، على الأمانة، على العفة، مبرمج على الحلم، فإذا فعلت شيئاً وفق برمجتك ارتحت.

تعب الطاعة ثمنها السعادة والراحة النفسية:

إنّ أكبر راحة يرتاح لها المؤمن حينما تأتي حركته في الحياة موافقة لفطرته، هذا المحل التجاري ما هدفه الأول ؟ أن يبيع، وأن يربح، فصاحب المحل إذا جاء إلى المحل، وعليه ضغط شديد، من يشتري، تحميل بضاعة، شحن بضاعة، تسجيل ثمن بضاعة، تراه اثنتي عشرة ساعة ما ارتاح، هو في قمة السعادة، لأن هذه الحركة تتناسب مع أصل إنشاء هذا المحل، لو أن السوق كاسدة، وهو قاعد، أحضروا له قهوة، ثم الشاي، ثم مجلة، ثم جريدة، تراه مسموم البدن، أنت مرتاح، هذا المحل برمجته أن يبيع ويشتري، فإذا تعب تعباً لا يحتمل من البيع والشراء هو في قمة السعادة.
أيها الإخوة الكرام، النقطة الدقيقة أنت مبرمج على طاعة الله، فإذا أطعته، ولو أن طاعته متعبة، صلاة فجر، وغض بصر، وضبط لسان، وإنفاق مال، لكنك في قمة السعادة، ولو أن الراحة مريحة لتركت الصلاة، ولملأت عينك مما لا ينبغي، ولو فعلت شيئاً لا ينبغي وأنت مرتاح فأنت في حضيض الشقاء.
لذلك أيها الإخوة، القضية دقيقة جداً، أنت حينما تأتي حركتك في الحياة موافقة لهدفك تكون أسعد الناس، لذلك أي إنسان يتوب توبة نصوحا نقول: لقد اصطلح مع فطرته، وهذا الذي ذهب إلى بلد غربي، ودخل إلى فندق ورأى لوحة على السرير كتب عليها: " إن لم تنَمْ فالعلة ليست في فرشنا، إنها وثيرة، ولكن العلة في ذنوبك، إنها كثيرة "، وهناك حالة اسمها الانهيار الداخلي، لما يقترف الإنسان شيئًا لا يجوز يحس بانهيار داخلي، لو لم يعلم أحد بخطئه فهذه الكآبة، والآن أكبر مرض منتشر الكآبة، الكآبة عقاب الفطرة.
إذا كنت ماشيًا في الطريق، وجدت خطًّا عالي التوتر، وعليه لوحة كتب عليها: " ممنوع الاقتراب، خطر الموت "، لما تقرب هل يعاقبك أحد ؟ لا، التيار يعاقبك، لا شرطي، ولا مخالفة، ولا حجز مركبة، ولا توقيف، لكن هذا التيار إذا دخلت إلى ثمانية أمتار قبله يصبح الإنسان كالفحمة.
دقق حينما تخطأ التصور ما أحد يعاقبك، لكن نفسك تعاقبك، تحس بكآبة، بضجر، ترى أمراض الناس الآن من المعاصي، اعتدى على عرض، ألا يا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً.
مرة قال لي أخ: غلطت غلطة، قال: والله من ثلاث وعشرين سنة ما تغادر مخيلتي هذه الغلطة، الخطأ نفسه يعاقبه، الانحراف نفسه يعاقبك، الذي عنده شفافية، الذي عنده نفس شفافة، لو ما أحد بلغه ما فعلت، حسب الإنسان عقاباً له أن ذاته تعاقبه.

الإيمان مضمون أخلاقي:

أريد من هذه المقدمة أن أصل إلى أن جوهر الدين الخلق، الإيمان هو الخلق، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
النبي عليه الصلاة والسلام كان سيد الخطباء، كان سيد العلماء، كان قاضياً، كان فصيحاً، كان قائداً، كان زعيماً، لكن لما أراد الله أن يمدحه بماذا مدحه ؟ قال تعالى:

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عظيم﴾

( سورة القلم)

خلق، منه التزام، انضباط، سمو، إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تفهم الدين شعائر، الدين خلق، الدين استقامة، الدين انضباط، الدين ورع، الدين رحمة، الدين تسامح، الدين عفو، الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان، وأنت ممتحن في الدنيا من أجل أن تكون أخلاقياً، فتستحق الجنة، فإن لم تكن كذلك فلا قيمة لعبادتك.
أيها الإخوة، كلكم يعلم أن في الأحاديث صيغة مشهورة: " ليس منا "، وهي من أشد أنواع الوعيد، أنت لست من المسلمين، شيء مخيف:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا، فَسَأَلَهُ: كَيْفَ تَبِيعُ ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ ))

[ أبو داود ]

لا قيمة لا لصلاته، ولا لصيامه، ولا لحجه، ولا لزكاته.

(( ليس منا من انتهب أو سلب ))

[ الطبراني عن ابن عباس بسند فيه ضعف]

هناك أشياء تخرجك من ملة المسلمين .
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ))

[ أبو داود ]

لو تتبعت الأحاديث الشريفة التي تبدأ بـ: " ليس منا " لرأيتم عجباً عجاباً، أشد أنواع الوعيد أن يأتي الوعيد بعد قول النبي عليه الصلاة والسلام: " ليس منا ".
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ))

[ أبو داود ]

أن تفسد علاقة زوجين، أن تفسد علاقة أخوين، بين أم وابنها، بين أب وابنه، بين شقيقين، بين شقيقتين، ليس منا، نفى عنك أن تكون من المسلمين، وأتمنى عليكم أن تتبعوا الأحاديث ليس منا.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ))

[ البخاري ]

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ))

[ الترمذي ]

لذلك أيها الإخوة، المضمون أخلاقي،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ ))

[ ابن ماجه ]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))

[ البخاري، الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]

ومن حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك، نادى منادٍ: أن لا لبيك، و لا سعديك، وحجك مردود عليك.

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾

( سورة التوبة: الآية 53)

الذي أتمناه أن يكون واضحاً لديكم أن الإيمان مضمون أخلاقي، والآن المسلمون يزيدون على مليار وخمسمئة مليون، وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، ولأعدائهم عليهم ألف سبيل وسبيل، أين وعود الله عز وجل ؟ أين قول الله عز وجل ؟

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾

( سورة الصافات)

أين قول الله عز وجل ؟

﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

(سورة غافر)

أين قول الله عز وجل ؟

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾

(سورة الروم)

أين قول الله عز وجل ؟
 

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

( سورة النور)

 

البناء الأخلاقي متوافق مع الفطرة توافقاً مطلقاً:

دققوا أيها الإخوة، الإسلام بني على خمس، هذه الخمس ليست هي الإسلام، الإسلام هذا البناء الذي بني على خمس دعائم، بني الإسلام على خمس، الإسلام بناء أخلاقي، البناء الأخلاقي متوافق مع الفطرة مئة في المئة، فما من أمر أمرك الله به، وما من نهي نهاك عنه إلا ومركوز في أصل فطرتك لمجرد أن تطيع الله تشعر براحة لا توصف، والله كأن جبال أزيحت عن كاهلك، دخلك حلال، نصحتَ للمسلمين، الطبيب نصوح، المحامي صادق، المهندس أمين، المدرس مخلص، التاجر صدوق، العامل متقن، الموظف خدوم، هذا المؤمن والله أيها الإخوة، لو كان المجتمع كما ينبغي لكنا في جنة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ، فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا )) 

[ الترمذي ]

دينك الإسلامي متوافق مع الفطرة مئة في المئة، ولمجرد أنك أطعت الله، أو خضعت لقوانين فطرتك كانت النتيجة واحدة، تحس بسعادة، براحة نفسية، بتألق، بإقبال، المؤمن يصغي إلى صوت الفطرة، ومن أجمل ما مدح به الإسلام أنه دين الفطرة.
الله عز وجل خلق الذكر والأنثى، فلمَ خلقهما ذكراً وأنثى ؟ من أجل الزواج، الآن أي منهج يحرم الزواج فهو خلاف الفطرة، قال تعالى:

﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾

( سورة الحديد)

ولأنهم خالفوا فطرتهم ما رعوها حق رعايتها.
أحياناً ترى فضائح غير معقولة جداً، لأن هذا ابتدعوه هم، وما كتبه الله عليهم، بل كتبوه هم على أنفسهم، ولأنه خلاف الفطرة ما رعوها حق رعايتها، لذلك صحابي جليل في أعلى درجات القرب من الله أهمل زوجته، جاءت إلى السيدة عائشة بثياب بالية، سألتها عن حالها فقالت: إن زوجها صوام قوّام، في النهار صائم، وفي الليل قائم، كانت أديبة، النبي استدعاه، قال: أليس لك بي أسوة ؟ أنام وأقوم، أصوم وأفطر، وأتزوج النساء، هذه سنتي، إن لجسدك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، الزائر، ولجسمك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه، يبدو أنه انصاع للنبي، والتفت لزوجته، ونالت منه حقها، في اليوم التالي ذهبت إلى السيدة عائشة عطرة نضرة متألقة، فقالت: ما الذي حلّ بكِ ؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس، انظر إلى الأدب الراقي.

الإسلام دين الفطرة:

ديننا دين الفطرة، إنسان لا يتزوج، ليس من الفطرة، إنسان لا يشتغل، ليس من الفطرة، أمسك النبي عليه الصلاة والسلام بيد صحابي وهي خشنة، قال: إن هذه اليد يحبها الله ورسوله، الدين دعم الأسرة، دعم العمل، دعم الترتيب والأناقة والنظافة، قال:

(( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ، حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ ))

[ أبو داود وأحمد عن أبي الدرداء ]

أي شيء تحبه أنت وارد في دينك، أي شيء تكرهه منهي عنه في دينك.
أبلغ مِن ذلك، الله سمى الأعمال الصالحة معروفاً، فلمَ سُمّيت معروفاً ؟ لأن الفطر السليمة تعرفه ابتداءً من دون تعليل، ولمَ سمّيت الأعمال القبيحة منكراً ؟ لأن الفطر السليمة تنكره ابتداءً، لذلك المعروف فطري.
الإنسان البار بوالديه إن كان في مجتمع متدين إسلامي أو غير إسلامي، مجتمع ملحد، مجتمع متفلت، مجتمع إباحي، الإنسان الذي يبر والده محترم في أي مجتمع، لأن هذا من الفطرة.
إذا سافرت إلى بلاد عديدة ترى فطرة سليمة، إنسان يساعدك في المطار، حدثني أخ قال: وصلت إلى المطار ما معي قطع نقدية صغيرة، بحاجة إلى عربة أضع عليها محافظي، جاءت امرأة دفعت عنه، بالفطرة، الخير مركوز في أصل الفطرة، ودقق، اعمل عملا طيبا تشعر براحة لا توصف.
أقسم لي أخ بالله قال: وجدت في الطريق امرأة تضم صبيا، وتبكي، وإلى جانبها زوجها، توقفت، خير، في أثناء أحداث لبنان، الابن حرارته إحدى وأربعين، وامرأة غريبة لا تعرف، ماذا تفعل الساعة الثانية عشرة ليلاً ؟ قال: أخذتهم إلى مستشفى، وانتظرت معهم حوالي خمس ساعات حتى انتهت المعالجة، واشترينا من صيدلية مناوبة الأدوية، ورجعنا إلى المستشفى، وأخذنا الإبر، قال لي: للساعة الخامسة، قال: والله عشرة أيام وأنا في قمة السعادة، كأني أعيش في جنة.
اعمل عملا طيبا.
أحد إخواننا الكرام طبيب أسنان، زارته مريضة معها أسنان تحتاج إلى تقويم، والمبلغ غالٍ جداً، وهي معلِّمة وفقيرة، فإذا ابتسمت ظهر عيب أسنانها، فتخجل بنفسها، والمبلغ فوق طاقتها، فاعتذرت، قال: نويت أن أقوم بهذا العمل لله، قال: أنا أقدم لك هذا العمل هدية، بقيت عندي ستة أشهر، أقسم لي بالله في هذه الأشهر الستة كأنه في قمة السعادة، فطرة.
سعادتك بيدك، تملكها أنت، اخدم الناس، كن صادقا، كن أمينا، كن عفيفا، كن حليما، كن عفوا، كن خير، أعط من وقتك، من جهدك، أنت أسعد إنسان.
والله مرة في مجلة ليدر دايجست المختار، مجلة عالمية، أنا كنت مغرما بهذه المجلة، لها طبعة عربية، معنى مختار أي مختارة من كل مجلات العالم، أجمل مقالة بأي مجلة مجموعة بهذه المجلة، لها طبعة عربية، قديماً كنت أقرأ المجلة في ليلة واحدة، وهناك مقالة انتهت بأول الصفحة، صفحة فارغة، وضعوا حكمة، هذه الحكمة أربع كلمات، أقسم لكم بالله كأن هذه الحكمة حفرت في عظامي، ما الحكمة ؟ قال: إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين، حاول أن تطعم هرة، حاول أن تفرح طفلا، حاول أن تطعم جائعا، حاول أن تدل إنسانا ضالا، تحس براحة لا توصف، دينكم دين الفطرة، وكل سعادتك وراحتك النفسية أساسها أعمالك الصالحة، لذلك العمل الصالح يرفعك عند الله.
الذي أريده في هذا اللقاء الطيب دقائق المنهج الإلهي فيما يقابله في خصائص نفسك، تحب الصدق، تحب الأمانة، تحب الرحمة، تحب الإنصاف، إنسان زوجته صالحة، والأم ضدها، والأب ضدها، إذا وقف موقفا أخلاقيا مع زوجته، موقفا مشرفا، امرأة صالحة، وإنسان يتملق والده ووالدته، يطلقها، يشعر أنه مجرم، ما عملتْ شيئًا، صالحة، مستقيمة، صائمة، مصلية، مطيعة لك، لأن أباك كرهها، ما أطلقها، فالموقف المنصف المخلص صاحبه بطل يصبح.
أيها الإخوة الكرام، أتمنى أن يكون هذا الموضوع واضحاً عندكم، إسلامنا دين الفطرة، أنت إذا أطعت الله وجدت نفسك، اصطلحت مع نفسك، كنت أسعد الناس.

الموضوع العلمي:سرعة الضوء:

1 – نظرية إنشتاين:

الموضوع العملي، من أشهر النظريات في القرن العشرين النظرية النسبية التي جاء بها إنشتاين، هذه النظرية اكتشفت السرعة المطلقة في الكون، هذه سرعة الضوء ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية

  وأن أي جسم سار بهذه السرعة يصبح ضوءاً، هل ممكن لإنسان من لحم ودم وزنك سبعون كيلوا، لو ـ فرضاً علمياً ـ أتيح لك أن تمشي في الفضاء بسرعة الضوء تختفي

  تصبح ضوءًا كهذا الضوء، وأي جسم سبق الضوء تراجع الزمن

  أيضاً افتراض، لو ركبنا مركبة أسرع من الضوء لرأينا بأم أعيننا معركة بدر وأحد والخندق واليرموك، هذه معارك كلها مشرفة، والقادسية، فإذا قصر عن الضوء تراخى الزمن، فإذا سار مع الضوء توقف الزمن

  هذه النظرية العملاقة قلبت مفاهيم الفيزياء في الأرض، صاحبها من أعلم علماء الأرض اسمه إنشتاين، لكن أتمنى أن أكون منصفاً معه، قال مرة: كل من لا يرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، حكيمة هي أحكم ما تكون، هو إنسان حي، ولكنه ميت.

2 – سرعة الضوء كما جاءت في القرآن الكريم:

كان مؤمناً بالله، هل يعقل أن هذه النظرية العملاقة التي غيّرت مفاهيم الفيزياء، مفاهيم الحركة والسرعة، أن تكون مدرجة في كتاب الله، وهذا من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾

( سورة الحج )

 العرب مخاطبون بهذه الآية، يعدّون السنة القمرية

 والقمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، لو أخذنا مركز القمر، وأخذنا منه خطاً مددناه إلى مركز الأرض، وطالب في الإعدادي يستطيع أن يحسب طول هذا الخط، نصف قطر القمر مع نصف قطر الأرض مع المسافة بينهما

  هذا الخط بين مركز القمر ومركز الأرض يساوي نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، أليس كذلك ؟ ضرب اثنين، القطر ضرب ثلاثة، فاصلة أربعة عشر ( بي )

  المحيط ضرب اثني عشر، السنة ضرب ألف، ألف سنة، أنا حينما أعرف محيط الدائرة التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض باثني عشر بسنة، بألف، بألف سنة، أنا حينما أحسب كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يستطيع طالب في الإعدادي إن أعطيناه قطر الأرض وقطر القمر، يأخذ نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر مع المسافة بينهما، المجموع نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ضرب اثنين، القطر ضرب ثلاثة، فاصلة أربعة عشر ( بي )، المحيط ضرب اثني عشر، السنة ضرب ألف، دقائق الرقم تظهر، هذا الرقم عدد الكيلو مترات التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض، لو قسمته على ثواني اليوم لكانت سرعة الضوء الدقيقة، لأن الضوء سرعته بالثواني، أما ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد

﴿وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾

( سورة الحج )

  أنتم تعدون السنة القمرية، أما الناتج فليس ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، أدق من ذلك مئتان وتسعة وتسعون ألف وسبعمئة واثنان وخمسون ( 299752 )، هذه سرعة الضوء الدقيقة جداً.
 إذاً: نظرية عملاقة مدرجة في آية واحدة في كتاب الله، وقد عرض الموضوع مفصلاً في مؤتمر الإعجاز العملي الخامس الذي عقد في موسكو، وأصل الموضوع عندي كما قيل: القرآن كون ناطق

 والكون قرآن صامت، والنبي الكريم قرآن يمشي، وأرجو الله سبحانه وتعالى بأن يعرفنا بقيمة قرآنه الكريم، فهو الصراط المستقيم

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور