وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة ابراهيم - تفسير الآيات 1 – 5 الإنسان بين الظلمات والنور
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

حضور مجالس العلم فرضٌ لسلامتنا وسعادتنا ودخولنا الجنَّة :


 أيها الإخوة المؤمنون ؛ سورة اليوم سورة إبراهيم أبي الأنبياء عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام ، بسم الله الرحمن الرحيم :

﴿ الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ  (1) ﴾

في هذه الآية مركز ثِقَل ، الظلمات والنور ، ربنا سبحانه وتعالى كَنَّى عن الهدى بالنور ، وكنَّى عن الضلال بالظلمات ، فالكافر في ظلماتٍ بعضها فوق بعض ..

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) ﴾

[  سورة البقرة  ]

لو أن الرجل دخل الأسواق ، وباع واشترى ، وليس له معرفةٌ في الله فهو في ظُلُمات ، أغلب الظن أنه يكسب مالاً حراماً ، أغلب الظن أنه يُسيء للآخرين ، فإذا كان مؤمناً ، مهتدياً ، متَّبعاً لكتاب الله فهو في نور ، يكسب ماله كلَّه حلالاً ..

(( عن عبد الله بن عباس :  تُلِيَتْ هذهِ الآيةُ عِندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] ، فقام سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ, فقال: يا رسولَ اللهِ, ادعُ اللهَ أنْ يجعَلَني مُستَجابَ الدَّعوةِ ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (يا سعدُ ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُستَجابَ الدَّعوةِ ، والَّذي نفْسُ مُحمَّدٍ بيدِهِ, إنَّ العبدَ لَيَقذِفُ اللُّقمةَ الحرامَ في جَوفِهِ ما يُتقبَّلُ منه عملٌ أربعينَ يومًا, وأيُّما عبدٍ نَبَتَ لحمُهُ مِن سُحْتٍ, فالنَّارُ أَوْلى به). ))

[  ابن رجب : جامع العلوم والحكم ]

[  خلاصة حكم المحدث : إسناده فيه نظر ]

[ التخريج : أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط))  باختلاف يسير. ]

أي حضور مجالس العلم ليس من باب أن نضيف إلى مُتعنا متعةً جديدة ، لا ، حضور مجالس العلم فرضٌ لسلامتنا ، وفرضٌ لسعادتنا ، وفرضٌ لدخولنا الجنَّة ، لأن الجاهل لا يستوي مع العالم ..

﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)  ﴾

[ سورة الزمر  ]

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾

[  سورة السجدة  ]

الرجل الذي يتزوَّج ولا يعرف الله سبحانه وتعالى قد يُخْرِبُ حياته بنفسه ، بيديه ، لأنه جاهل لا يعرف كيف يعامل الزوجة ، في ظلمات ، بساعة غضب يحلف عليها يميناً بالطلاق ، قد يتساهل في أشياء ، ينشأ اختلاط ، تنشأ محبَّةٌ ، تنشأ خيانةٌ ، كل ذلك بسبب أنه في ظلمات بعضها فوق بعض ، فالزوج المُنْقَطِعُ عن الله عزَّ وجل في ظلماتٍ بعضها فوق بعض ، والتاجر المنقطع عن الله عزَّ وجل في ظلماتٍ بعضها فوق بعض .

 

مهمة الأنبياء إخراج الناس من الظلمات إلى النور :


ما مهمَّة الأنبياء ؟ كأنَّ الله سبحانه وتعالى في هذه الآية حدَّد مهمَّة النبي عليه الصلاة والسلام : ﴿ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾   الضلال ظلمات ، والهدى نور ، الجهل ظلمات ، والعلم نور ، المعصية ظلمات ، والطاعة نور ، الانقطاع عن الله ظلمات ، والاتصال به نور ، هذه مهمَّة الأنبياء ، وهذه مهمَّة النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذه مهمّة الدعاة الصادقين من بعده ..

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

[  سورة يوسف  ]

﴿ لِتُخْرِجَ النَّاسَ ﴾ والله الذي لا إله إلا هو ما من تشبيهٍ وتمثيلٍ أوضح من أن يُشبَّه العلم بالنور والضلال بالظلمات ، المهتدي يُحِسُّ على الجاهلَ بأنه في ظلمات ، يتخبَّط خَبْطَ عشواء ، ينفعل من دون سبب ، يرضى من دون سبب ، يسيء علاقاته مع الناس لأنه جاهل ، فإذا كنت مهتدياً فأنت على بصيرة .. ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ﴾  .

 

أثمن شيءٍ يمنحك الله إياه في الدنيا أن تعرفه وأن تكون أديباً معه ومع خلقه :


لذلك :

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾

[ سورة البقرة ]

أثمن شيءٍ يمنحك الله في الدنيا أن تعرفه ، وأن تكون أديباً معه ومع خلقه ..

(( إذا أتاكُم من ترضَوْنَ دينَهُ وخلُقَهُ فزوِّجوهُ إلَّا تفعلوهُ تكنْ فِتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ . ))

[  غاية المرام :  خلاصة حكم المحدث : حسن ]

أثمن شخصيَّةٍ في الحياة شخصية المؤمن لأنه عرف الله ، سَمَتْ نفسه ، تفتَّح عقله ، تيقَّظ حسُّه ، نمت مشاعره ، يرى ما لا يراه الناس ، يسمع ما لا يسمعون ، يحتكم إلى القِيَم ، تحكمه القيم ، هذه صفات المؤمن ، المؤمن شخصيَّةٌ فذَّة ، كلمة مؤمن لقبٌ علمي ..

ما اتخذ الله وليَّاً جاهلاً لو اتخذه لعلَّمه . 

لقبُ مؤمنٍ لقبٌ جمالي ، المؤمن سعيدٌ بالله عزَّ وجل ، مطمئنٌّ إلى عدالته ، راضٍ بقضائه ، مستسلمٌ لقدره ، مصدِّقٌ لوعده ، يخاف من وعيده ..

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21) ﴾

[ سورة الجاثية ]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)  ﴾

[  سورة القصص ]

فلذلك : ﴿ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ هل أنت في نور ؟ هل تُحسُّ أنَّكَ مهتدٍ ؟ هل ترى الأشياء واضحةً ؟ هل ترى كيف تتخذ القرار في شأن زوجتك ؟ في شأن عملك ؟ في شأن أصدقائك ؟ في شأن جيرانك ؟ في شأن صحَّتك ؟ .. ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ .

 

الهدى ثمنه طاعة الله عزَّ وجل وهو مبذول لكل الناس :


يا أيها الإخوة الأكارم ؛ كتاب الله بين أيدينا نقرؤه ، ونحفظه ، ونستمع إليه ، ونستطيع أن نستمع إلى تفسيره ، إذاً هذه مائدة الله سبحانه وتعالى ، يدعوكم الله إليها ، هذا كتابه ، هذه آياته ، هذه كلماته ، كتابٌ :

﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)  ﴾

[ سورة فصلت ]

﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾ .. لأن الإنسان إن لم يأذن الله له بالهدى لا يهتدي ، وإذن الله سبحانه وتعالى له قاعدة ، القاعدة هو أنك إذا دفعت الثمن قبضت الجائزة ، الهدى ثمنه طاعة الله عزَّ وجل ، ثمنه أن تكون وَرِعاً ، ثمنه أن تجاهد نفسك وهواك ، جاهد تُشاهد ، ثمن الهدى مبذولٌ للناس كلِّهم ، فمن دفع الثمن قبض الجائزة ، فضل الله سبحانه وتعالى واسع .. 

﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)  ﴾

[ سورة البقرة ]

من يشاء من العباد ، يشاء يعود فاعلها على العباد .. ﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ فالله سبحانه وتعالى لا يأذن إلا للصادق ، لا يأذن للكاذب ، لا يأذن للمنافق ، لا يأذن للمُرائي ، لا يأذن للفاسق ، لا يأذن للمُخَلِّط ، الفاسق ، والمخلِّط ، والمُرائي ، والفاجر ، والمنافق هؤلاء جميعاً لا يأذن الله لهم بالهدى ، ولو قرؤوا كتب الثقلين ، ولو حفظوها عن ظهر قلب ، الثقافة شيء والهدى شيءٌ آخر ، الثقافة تبقى في الدماغ ، تُكْسِبُ صاحبها حَذْلقةَ لا قيمة لها بعد الموت ، لكن الهدى يتغلغل الهدى في كل خليةٍ من خلايا جسدك ، قلبُك مهتدٍ ، جوارحك في طاعة الله ، اهتماماتك في مرضاته ، قلقك على رضاه ، رغبتك في القُرْبِ منه ، فالهدى سعادة ، الهدى رؤية ، الهدى انضباط ، الهدى سموّ ، الهدى خُلُق ، الهدى تفاؤل ، الهدى أمن ، شعورٌ بالأمن ..

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

الفرق بين السلامة والأمن هو أن السلامة ألا تُصاب بمصيبة ، ولكنَّ الأمن أثمن من السلامة ألا تتوقَّع المصيبة .. أنت من خوف الفقر في فقر ، ومن خوف المرض في مرضٍ ، وتوقُّع المصيبة مصيبةٌ أكبر منها . 

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ فهذا الكتاب الذي بين أيدينا كتاب الله سبحانه وتعالى ، منهجنا ، دستورنا ، فيه نبأ مَن قبلنا ، ونبأ من بعدنا ، حبل الله المتين ، فيه نظامٌ لحياتنا ، تقنينٌ لعلاقاتنا ، توضيحٌ لمنهجنا في الحياة ..

 

الله تعالى عزيزٌ حميد يُحْمَدُ على أفعاله وتصرُّفاتِه كلِّها :


﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ اختار الله عزَّ وجل من أسمائه الحُسنى في هذه الآية اسم العزيز ، العزيز الذي لا يُنال جانبه ، أي إذا كنت مع العزيز فأنت عزيز :

﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)﴾

[ سورة المنافقون ]

(( وزادَ البَيْهَقيُّ بعدَ : ولا يَذِلُّ مَن والَيْتَ ، ولا يَعِزُّ مَن عادَيْتَ. ))

[  شعيب الأرناؤوط : تخريج زاد المعاد ]

[  خلاصة حكم المحدث : زيادة حسنة ]

إذا كنت تبتغي العزَّة فإن العزَّة لله جميعاً .. ﴿ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ ﴾   منيع الجانب ، لا تستطيع جهةٌ في الكون أن تصل إليه ، ولا أن تنال منه ، فإذا كنت معه فأنت أقوى الناس ، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله ، إذا أردت أن تكون عزيزاً فكن مع العزيز ، كن في حماية العزيز ، لُذْ بالعزيز ..

﴿ الْحَمِيدِ ﴾ ومع أنه عزيز ، ومع أن أحداً لا يستطيع أن ينال منه ، ومع أن أحداً لا يستطيع أن يصل إليه ، ومع أن أحداً لا يستطيع أن يعقِّب على حكمه ، ومع أن أحداً لا يستطيع أن يشركه في الحكم ﴿ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ هو حميد ، أغلب الظن أن بعض الأشخاص الذين إذا قوي شأنهم لَمْ يبالوا أن يمدحهم الناس أو أن يذمُّوهم ، لكن الله سبحانه وتعالى له الأسماء الحُسنى ، مع أنه عزيزٌ هو حميد ، يُحْمَدُ على أفعاله كلِّها ، يُحْمَد على تصرُّفاتِه كلِّها ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ..

 

بطولة الإنسان أن يرضى عن الله في الشدة وعند الصدمة الأولى :


﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) ﴾

[ سورة يونس ]

يوم القيامة الله سبحانه وتعالى يكشف للرجل عن كل شيءٍ ساقه إليه في الدنيا ، فلا يسعه إلا أن يقول : الحمد لله رب العالمين ، يحمده على الضراء ، يحمده على الفقر ، يحمده على فقد البصر ، يحمده أن جعله عقيماً ، يحمده أن جعل له أولاداً إناثاً جميعاً ، يحمده أن جعله فقيراً ، يحمده أن جعله مريضاً ، يحمده أن جعله مُعَذَّباً ، لأن الله سبحانه وتعالى يكشف للمرء يوم القيامة عن كل شيء ساقه إليه فلا يسعه إلا أن يحمد الله عزَّ وجل ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله ، هذه من كلمات الإسلام الكبرى ، تقول في الصلاة :

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)  ﴾

[ سورة الفاتحة  ]

إما أن تقولها بلسانك ، وإما أن يقولها قلبك ، فهل ترى أن كل شيءٍ ساقه الله لك يُحْمَد عليه ؟ هل أنت راضٍ عنه ؟ 

أن ترضى عن الله في الرخاء شيءٌ لا يكلِّف شيئاً ، شيءٌ بديهي ولكن البطولة ، ولكن الإيمان الصحيح أن ترضى عنه في الشدة ، وعند الصدمة الأولى أن تقول : يا ربي لك الحمد ، يا ربي لك الحمد على كل حال ، النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أصابته ضرَّاءٌ صَبَرْ  ، وكان إذا أصابته سَرَّاءٌ شَكَرْ ، وليس هذا لغير المؤمن ..

(( عن صهيب بن سنان الرومي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ  ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ  ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ  ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ . ))

[ السلسلة الصحيحة إسناده صحيح على شرط مسلم ]

 

نعمة الهدى أثمن نعمة ينالها الإنسان :


﴿ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ أي إذا اهتديت بهذا الكتاب نقلك من الظلمات إلى النور ، بهذا النور رأيت الطريق إلى الله عزَّ وجل ، والطريق إلى الله طريق الخلود ، قبل أيَّام ذكرت في مجلسٍ خاص أن نعمةَ الصحَّةِ على أنها ثمينة جداً إلا أنها تنتهي عند الموت ، لو عاش الإنسان مئة وعشرين عاماً لا يشكو شيئاً يأتي الموت فيضع حداً لهذه النعمة ، لو كان غنيَّاً وأنفق طول حياته إنفاقاً هائلاً ، كان دخله أكبر بكثيرٍ من مصروفه ، ما ذاق طعم الحاجة ، ما ذاق طعم الفقر ، عاش مئتي عام يأتي بعدها الموت فيضع حداً لهذه النعمة ، ولكن نعمة الهدى تستمرُّ إلى الأبد ، إذا جاء ملك الموت وكنت مهتدياً فهنيئاً لك إنك في جنَّاتٍ ونعيم ، إنك في مقعدٍ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر ، إنك في القُرب من الله سبحانه وتعالى ، فلذلك نعمة الهدى أثمن نعمة .

 

كل ما في السماوات والأرض مِلْكٌ لله مُلْكَاً وتصرُّفاً ومصيراً :


﴿ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(1)اللَّهِ ﴾ صاحب الأسماء الحُسنى ، اسم الذات الأعظم .. ﴿ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ له ، هذه اللام لام المُلْكِيَّة ، أي ما في السماوات والأرض مِلْكٌ له ، مُلْكَاً وتصرُّفاً ومصيراً ، فكيف تعبد غيره ؟ كيف تسعى إلى غيره ؟ كيف يهمُّك رضاء غيره ؟ كيف تخاف غيره ؟ كيف تسعد بغيره ؟ كيف تبذل عمرك الثمين من أجل غيره ؟! 

 

الكافرون موتهم محقَّق وهلاكهم محقَّق وشقاؤهم محقَّق ودخولهم النار محقَّق :


﴿ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ الويل هو الهلاك ، كنت مرَّةً قد ضربت مثلاً أن سائقاً يقود سيَّارته في طريقٍ هابطة وفيها انعطافاتٌ حادَّة ، وعلى جوانب الطريق وديانٌ سحيقة ، فجأةٌ اكتشف أن المِكْبَحَ قد تعطَّل ، وأن سرعته كبيرة ، قبل أن يقع في الوادي يقول : قد هلكت ، قد ينادي بويله ، ما الويل ؟ الهلاك المحقَّق ، قد يقول هذا السائق : متنا ، لم يمت بعدُ لأن الموت محقَّق..﴿ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ موتهم محقَّق ، هلاكهم محقَّق ، شقاؤهم محقَّق ، دخولهم النار محقَّق ، فالمسألة مسألة وقت إلى أن يتوقَّف القلب عن الخفقان ، إلى أن يأتي الأجل ، إلى أن تُكْتَب النعوة ، إلى أن تنتهي السنوات ، والأشهر ، والأيام ، والسَّاعات ، والدقائق ، والثواني التي منحها الله للعبد ، إن الحياة دقائقٌ وثوانٍ ، أنت بضعة أيَّام كلَّما انقضى منك يومٌ انقضى بضعٌ منك ..

كل ابنِ أنثى وإنْ طالتْ سلامته          يوماً على آلةٍ حدباءَ محمولُ

فإذا حملـــــــــتَ إلى القبورِ جنازةً          فــــــــــاعلمْ بأنَّك بعدها محمولُ

***

أيها الإخوة الأكارم ؛ العاقل مَن يضع هذه الساعة نُصْبَ عينيه ، ساعة الموت ، ساعة نزول القبر ، ساعة دخول المسجد في نَعْشٍ ، ساعة الصلاة عليك ، لا أن تصلي في الناس ، كل إنسانٍ لابدَّ من أن يدخل المسجد مرَّةً في حياته ، كل إنسان مسلم يدخله ليُصَلَّى عليه .. ﴿ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ ألا تصدِّق الله سبحانه وتعالى ؟ ألا تخشى هذا اليوم ؟ ألا تخشى هذا العذاب الشديد ؟ ما بالك تخشى تهديد إنسان ؟ ما بالك تصدِّق وعيد إنسان ؟ لو أنَّك خشيت الله عزَّ وجل كما تخشى إنساناً تخاف منه إذا قال فعل ، لو خشيتَ الله عزَّ وجل كما تخشى إنساناً لدخلت الجنَّة.

 

من استحب الحياة الدنيا على الآخرة فقد وعده الله بعذاب شديد :


من هؤلاء الكافرون الذين توعَّدهم الله بالعذاب الشديد ؟ ﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ﴾ أرادوا الدنيا ، عديّ بن حاتم جاء النبي عليه الصلاة والسلام ، فرحَّب به النبي وكان ملكاً في شمال الجزيرة ، فلمَّا انفضَّ المجلس أخذ بيده إلى البيت ، وهذا من إكرام النبي له ، قال : في الطريق استوقفت النبي الكريم امرأةٌ مسنَّةٌ ضعيفة فقيرة ، فوقف معها طويلاً تكلِّمه في حاجتها ، فهل للدنيا شأنٌ عند الله ؟ لو أن لها شأناً لأعطاها لحبيبه ، فلينظر ناظرٌ بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا ؟ فإن قال : أهانه فقد كذب ، وإن قال : أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا .

دخل عليه عمر رضي الله عنه فرآه نائماً على الحصير ، وقد أثَّر الحصير في خدِّه الشريف ، فبكى عمر ، قال :

(( عن ابن عباس ... وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا ، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ ، فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ : أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ . ))

[ صحيح البخاري  ]

أما ترضون أيها الإخوة أن تكونوا في الآخرة من السعداء ؟ أن تكونوا في الحياة الأبديَّة في الجنَّة ؟ أن تكونوا في مَرْضاةِ الله عزَّ وجل ؟ أن تكونوا في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر ؟ أن تكونوا في ظلِّ الله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه ؟ أن تتمتَّعوا برؤية الله سبحانه وتعالى ؟ 

(( عن أبي سعيد الخدري:  لمَّا أعطَى رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - ما أعطَى مِن تلكَ العَطايا في قُرَيْشٍ وقبائلِ العربِ  ، ولم يَكُن في الأنصارِ مِنها شيءٌ  ، وجدَ هذا الحيُّ منَ الأنصارِ في أنفسِهِم حتَّى كثُرَتْ فيهمُ القالةُ  ، حتَّى قالَ قائلُهُم لَقيَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - قَومَهُ فدخلَ علَيهِ سعدُ بنُ عبادةَ فقالَ : يا رسولَ اللَّهِ  ، إنَّ هذا الحيَّ قد وَجدوا عليكَ في أنفسِهِم لما صنَعتَ في هذا الفَيءِ الَّذي أصبتَ  ، قسَمتَ في قَومِكَ وأعطَيتَ عطايا عِظامًا في قبائلِ العرَبِ  ، ولم يَكُن في هذا الحيِّ منَ الأنصارِ شيءٌ قالَ : فأينَ أنتَ مِن ذلِكَ يا سَعدُ ؟ قالَ : يا رسولَ اللَّهِ ما أَنا إلَّا امرؤٌ من قَومي وما أنا . قالَ فاجْمَع لي قَومَكَ في هذِهِ الحظيرةِ قالَ : فخَرجَ سعدٌ فجمعَ النَّاسَ في تلكَ الحظيرةِ . قالَ : فجاءَ رجالٌ منَ المُهاجرينَ فترَكَهُم فدَخلوا . وجاءَ آخرونَ فردَّهم . فَلمَّا اجتَمعوا أتاهُ سعدٌ فقالَ : قدِ اجتَمعَ لَكَ هذا الحيُّ مِنَ الأنصارِ قالَ : فأتاهُم رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - فحمِدَ اللَّهَ وأثنَى عليهِ بالَّذي هوَ لَهُ أهلٌ . ثمَّ قالَ : يا مَعشرَ الأنصارِ مَقالةٌ بلغَتْني عنكُم  ، وجِدةٌ وجدتُموها في أنفسِكُم  ، ألَم آتِكُم ضُلَّالًا فَهَداكمُ اللَّهُ  ، وعالةً فأغناكمُ اللَّهُ  ، وأعداءً فألَّفَ اللَّهُ بينَ قلوبِكُم ؟ قالوا : بلِ اللَّهُ ورسولُهُ أمَنُّ وأفضَلُ . قالَ : ألا تُجيبوني يا معشرَ الأنصار ؟ قالوا : وبماذا نُجيبُكَ يا رسولَ اللَّهِ  ، وللَّهِ ولرسولِهِ المنُّ والفَضلُ . قالَ: " أما واللَّهِ لو شئتُمْ لقلتُمْ  ، فلَصَدقتُمْ وصُدِّقتُمْ أتَيتَنا مُكَذَّبًا فصدَّقناكَ  ، ومَخذولًا فنصَرناكَ وطريدًا فآويناكَ  ، وعائلًا فأغنَيناكَ  ، أوجَدتُمْ في أنفسِكُم يا معشرَ الأنصارِ في لُعاعةٍ منَ الدُّنيا تألَّفتُ بِها قَومًا ليُسلِموا  ، ووَكَلتُكُم إلى إسلامِكُم أفلا تَرضَونَ يا مَعشرَ الأنصارِ أن يذهبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبعيرِ وتَرجِعونَ برسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - في رحالِكُم ؟ َوالَّذي نَفسُ مُحمَّدٍ بيدِهِ لَولا الهِجرةُ لَكُنتُ امرءًا مِن الأنصارِ ولَو سلَكَ النَّاسُ شِعبًا وسلَكَتِ الأنصارُ شِعبًا لسلَكْتُ شِعبَ الأنصارِ . اللَّهمَّ ارحمِ الأنصارَ وأبناءَ الأَنصارِ وأبناءَ أبناءِ الأنصارِ . قالَ : فبَكَى القَومُ حتَّى أخضَلوا لِحاهُم وقالوا : رَضينا بِرَسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - قَسْمًا وحظًّا . ثمَّ انصَرفَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - وتفرَّقْنا . ))

[  الوادعي  : الصحيح المسند: خلاصة حكم المحدث : حسن ]

أما ترضى أن يكون الله راضياً عنك؟ أما ترضى أن يكون نصيبك في الدنيا معرفة الله عزَّ وجل ؟ أن تكون مستقيماً ؟ ما لك تتمنَّى ما عند الناس ؟

﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) ﴾

[  سورة النساء ]

﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) ﴾

[ سورة الرعد ]

ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس .

أيها الإخوة الأكارم ؛ كن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك ، انقل همومك كلها إلى الدار الآخرة ..

(( عن عبد الله بن مسعود : مَن جعلَ الهمومَ همًّا واحدًا ، همَّ آخرتِهِ ، كفاهُ اللَّهُ همَّ دُنْياهُ  ، ومَن تشعَّبت بِهِ الهمومُ في أحوالِ الدُّنيا لم يبالِ اللَّهُ في أيِّ أوديتِها هلَكَ . ))

[ صحيح ابن ماجه:  خلاصة حكم المحدث : حسن ]

(( عن أنس بن مالك : اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الوجوه كلَّها . ))

[ السلسلة الضعيفة : أخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء ]

﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ﴾ يريدُ الدنيا ، يريد مالها ، نساءها ، مركباتها الفخمة ، بيوتها الفخمة ، يريد بيتاً فيه تدفئةٌ مركزيَّة ، يريد بيتاً مكيَّفاً في الصيف ، يريد أثاثاً فخماً ، يريد فُرُشَاً نفيسةً ، يريد طعاماً فاخراً ، أيُّ طعامٍ تأكله تَرَهُ طيّباً .. ﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ﴾ فإذا حصَّلت بيتاً ، وزوجةً ، ودخلاً ، ومركبةً من طريقٍ مشروع فذلك مقبول ، أما أن تحصِّل الدنيا عن طريق المعصية ، وعن طريق الكذب ، والنفاق ، والتزوير ، والتدليس ، وعن طريق غش المسلمين ، تُحَصِّل الدنيا بمعصية والدنيا فانية ، تفنى الدنيا وتبقى المعصية ، تحصَّل الدنيا بغضب الله ، تذهب الدنيا ويبقى غضب الله .

 

صفات الكفَّار :


يا أيها الإخوة الأكارم ... ﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ﴾   ، صفات الكفَّار أنهم يستحبُّون الحياة الدنيا على الآخرة ، أما المؤمن فإن الدنيا تنتقلُ من قلبه إلى يديه ، ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ هذا الذي أحبَّ الحياة الدنيا إذا رأى ابنه يصلي ، ويغضُّ بصره عن محارم الله ، وامتنع عن رؤية زوجة أخيه لأن القرآن يمنع ذلك ، يقيم عليه النكير ، يريد أن يصدّ ابنه عن سبيل الله ، إذا رأى شريكه يترفَّع عن أكل المال الحرام ، أو عن حسم السندات ، أو عن البيع بسعرين ، يقيم عليه النكير ليصدَّه عن سبيل الله ، همُّه الأوحد أن يبعد الناس عن طريق الحق ، أن يكرِّههُم بطريق الحق ، أن يرغِّبهم في الدنيا ، هؤلاء الكفَّار هم : ﴿ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ في بيعهٍ عِوَج ، يُدَلِّس ، يكذب ، يبالغ ، في علاقته بزوجته عِوَج ، يسلك الطريق غير المشروع ، في علاقته بالناس يسلك طريق العِوَج ، يكذب ، ويدلِّس ، ويحتال ، ويختال ، ويوهم .. ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ أي وصف ربّنا دقيق .. ﴿ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ الطُرُقُ المشروعة مغلقةٌ ، الطرق غير المشروعة مفتَّحة ، أي صاحب العمل لا يسمح لك أن تأخذ حَقَّك ، لكنَّك إذا غافلته وأخذت حقَّك لا يدري ، لِمَ منعته الحق؟ .. 

 

أنواع الضلال :


﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ قد تسير في طريقٍ خطأ ، تسير فيه مئتي كيلو متر ، نقول لهذا الذي ضلَّ الطريق : لقد ضلَّ ضلالاً بعيدا ، وقد تكون لوحةٌ كبيرةٌ توضِّح وجهة الطريق ، مع أنّك قرأتها ، ومع أنك رأيتها سرت في طريقٍ آخر ، نقول : هذا ضلالٌ مبين ، هناك ضلالٌ مبين ، وهناك ضلالٌ بعيد ، فالكفَّار لحبِّهم للدنيا ، وإيثارهم لها ، وصدِّهم عن سبيل الله ، وابتغاء العِوَجَ في علاقاتهم كلَّها ، الكفَّار بهذا قد ضلوا ضلالاً بعيداً عن طريق الحق ، عن طريق السلامة ، عن طريق السعادة ، عن طريق الخُلود .

 

المعاني المستفادة من قوله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ :


﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ المعنى الأول المستفاد من هذه الآية أن كل نبيٍّ ينطق بلغة قومه وإلا مستحيل أن يكون مع النبي مترجمون ليترجموا للأقوام ، رحمة الله بعباده أن يجعل أنبياءَهُ ينطقون بلغتهم ، هذا المعنى الأولي ، ولكن المعنى الآخر أن لغة القوم تعني قوَّة العصر .

 في عهد سيدنا عيسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام كان الطبُّ متقدِّماً جداً ، فكانت معجزة هذا النبي الكريم أنه يُحْيي الموتى ، وإحياء الميّت مستحيلٌ في الطب .. 

إن الطبيبَ له علمٌ يـــــدلُّ بــه           إن كان للناسِ في الآجالٍ تأخيرُ

حتى إذا ما انتهتْ أيَّام رحلَتِه          حار الطبيبُ وخانته العقاقيـــــــــرُ

***

أي مستحيلٌ في الطب أن يحيي الطبيب الميت ، فجاء سيدنا عيسى وأحيا الميِّت ولكن بإذن الله ، ليثبت الله لهم أن هذا رسول ، هذا رسولٌ من عندي .

 وفي عهد سيدنا موسى كان السحر متقدِّماً جداً ، فالذي جاء به موسى أنه أمسك العصا فإذا هي ثعبانٌ مبين .. 

﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)﴾

[ سورة الشعراء ]

الآيات طويلة ، في نهايتها ..

﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)  ﴾

[ سورة طه  ]

إذاً جاء عيسى بلسان قومه أي بقوَّة العصر ، وجاء النبي عليه الصلاة والسلام في عصر البلاغة ، في عصر البيان ، في عصر الشعْر ، كان الشاعر مرتبته بعد شيخ القبيلة ، أي المنصب الثاني بعد المنصب الأول في القبيلة ، شيخ القبيلة شاعرها لشدَّة رِفْعَةِ الشعر ، المُعَلَّقات قصائد كُتِبَت بماء الذهب وعُلِّقَت على أستار الكعبة ، جاء النبي عليه الصلاة والسلام ومعه كتابٌ فيه إعجازٌ وفيه إيجاز ، ما هو بشعر ولا هو بنثر إنه كالسحر ، وهذا الكتاب على قدر ورعك ، وعلى قدر استقامتك ، وعلى قدر اتصالك بالله تنكشف لك حقائقه ، إنه لا يَبلى ، لا يَخْلق على كثرة الترداد .

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ .. وفي هذا العصر يحتاج الداعية إلى الله عزَّ وجل أن يستوعب ثقافة العصر ، أن يسلك المنهج العلمي لأن العلم مما يتميَّز به هذا العصر ..

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)  ﴾

[  سورة الذاريات  ]

﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) ﴾

[ سورة يس ]

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18)  ﴾

[ سورة الغاشية  ]

هذه الآيات الكونيَّة تستطيع أن تشرحها وهي بابٌ واسعٌ تدخل منه إلى الله سبحانه وتعالى .. 


الإنسان مخير من يشاء الهُدى يهديه الله ومن يشاء الضلالة ينطلق في طريقها:


﴿ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ من يشاء الهُدى يهديه الله سبحانه وتعالى ، ومن يشاء الضلالة بمعنى أنه ينطلق في طريق الضلالة فلابدَّ من أن يصل إلى نهاية الطريق فيضلِّه الله لأن هذا طلبه ، وهذه رغبته ، وهذه إرادته ، وهذا كَسْبُهُ ، الجامعة تأتي قيمتها لا من نجاح جميع الطلاب ، لا ، ولكن أن تأتي النتائج متوافقةً مع المقدِّمات .. 

 

الله تعالى عزيز حكيم يضع الأشياء في مواضعها :


﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ عزيزٌ حميد ، وعزيزٌ حكيم ، لأنه حكيمٌ هو عزيز ، لو لم يكن حكيماً لما كان عزيزاً ، لأنه يضع الأشياء في مواضعها ، ما من شيءٍ وقع إلا وفي وقوعه حكمةٌ بالغة ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 

(( الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ ، فلا تَقُلْ : لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ . ))

[ صحيح مسلم ]

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ النبي عليه الصلاة والسلام ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾   ، ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ إذاً مهمَّة الأنبياء أن يخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ، وسيدنا موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام أيضاً أُمِرَ أن يُخْرِجَ الناس من الظلمات إلى النور ، والعلماء من بعد النبي عليه الصلاة والسلام مهمَّتهم أن يُخرِجوا الناس من الظلمات إلى النور . 

 

أيّام الله :


﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾ أيَّام الله ؛ الأيَّام التي نصر الله بها قوم سيدنا موسى ، أي حين نجَّاهم من فرعون ، حين صار البحر لهم طريقاً يبساً ،  أيَّام الله للمؤمن قد تكون في امتحانٍ عصيب ، وتدعو الله سبحانه وتعالى فيستجيب لك ، هذا يومٌ من أيَّام الله .

 قد يكون ابنك في مرضٍ عُضال ،وتدعو الله سبحانك وتعالى فيستجيب لك ويشفيه ، هذا يومٌ ثانٍ من أيَّام الله .

قد تكون في ضائقةٍ ماديَّةٍ خانقة يأتيك رزقٌ من حيث لا تحتسب ، هذا يومٌ من أيَّام الله .

قد تسأل الله الهدى فيجمعك برجلٍ على حق ، هذا يومٌ من أيَّام الله .

قد تسأل الله زوجةً صالحة فيرزقك الله زوجة صالحة ، هذا يومٌ من أيَّام الله .

قد تسأل الله بيتاً يؤويك يهبك الله هذا البيت ، هذا يومٌ من أيَّام الله .

قد تقع في ورطة وترى الهلاك فيها تدعو الله مخلصاً فينجّيك منها ومن كل كرب ، هذا يومٌ من أيَّام الله  ، فالمؤمن لا ينسى أيَّام الله ، يذكرها دائماً ، يطأطئ رأسه تواضعاً لله ، كلَّما ذكر أيَّام الله :

(( ألم تكونوا ضُلاَّلاً - هكذا قال عليه الصلاة والسلام للأنصار - أما أنتم فلو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصُدِّقتم به : أتيتنا مكذباً فصدَّقناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فأغنيناك ـ هذا حق ـ لو قلتم هذا لصدقتم ولصُدِّقتم به ، يا معشر الأنصار ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي - هذا يومٌ من أيَّام الله- ألم تكونوا أعداءً فألَّف الله بينكم ؟ ألم تكونوا عالةً فأغناكم الله ؟))

[  الوادعي  : الصحيح المسند: خلاصة حكم المحدث : حسن ]

إذا فتح شخص دفتراً وكتب : أيَّام الله عنده ، يوم نجَّاهُ الله عزَّ وجل من المرض الفلاني ، يوم زوَّجه فلانة ، يوم أعطاه هذا المحل التجاري ، يوم هَيَّأ له هذا المنزل ، يوم وقع في مشكلة كبيرة جداً فنجَّاه الله منها ، ذكِّر نفسك بأيَّام الله .

كن عن همومك معرضاً     وكِلْ الأمور إلى القضـــا

وأبشر بخيــــــــــــرٍ عاجــلٍ     تنــس به ما قــد مضـــى

فيــــــــــا رُبَّ أمرٍ مُسخــطٍ     لك في عواقبــــــه رضــــــا

ولربَّمـــــا ضاق المضـيق     ولربَّمــــــا اتسع الفضــــــا

الله يفعـــــــــــل ما يشـــاء     فـــــــلا تكونَنَّ مُعتـــرضـــــا

الله عوَّدك الجميـــــــــــــــل     فقس على ما قـد مضى

***

الله عوَّدك الجميل في أيام الله .

 فكل واحدٍ منَّا إذا أمكن أن يكتب لنا على دفتر أيَّام الله ، يذكِّر نفسه فيها ، فالله أمرنا أمراً ، قال : ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾ من أجل أن تحبَّه ، من أجل أن تطمئنَّ له ، من أجل أنَّ الذي أنقذك فيما مضى سيحفظك فيما سيكون ، لا تقلق .. ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ الإيمان نصفٌ صبرٌ ونصفٌ شكرٌ ، أما هنا فصبَّار ، أي كثير الصبر عن المعصية ، وعلى الطاعة ، وعلى قضاء الله وقدره ، ﴿  إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور