الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
خلاصة ما ذُكر في الدرس السابق:
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الثامن والخمسين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، وقد مرّ بنا في درسين سابقين منزلة الذوق، وقد ذكرت أن حقائق الإيمان شيء وحلاوة الإيمان شيء آخر، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً. ))
وذكرت لكم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ. ))
وبينت كيف أن الإنسان ينبغي أن يوازن بين أن يكون مع الخلق وأن يكون مع الحق، لابدّ من أن تُؤثر ما يرضي الله، فإذا كان رضا الله أن تكون مع الخلق، ينبغي أن تكون مع الخلق، وإذا كان رضا الله عز وجل أن يكون مع الحق، ينبغي أن تكون مع الحق، وهذا محور الدرس الثاني.
الثمرة التي يجنيها العبد حينما يصطلح مع الله ويتصل به:
الدرس الثالث والأخير في منزلة الذوق، وهي من منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين في مدارج السالكين إلى رب العالمين، الموضوع الثالث هو أن الإنسان حينما يصطلح مع الله ويتصل به يفرح الفرح الحقيقي، قال تعالى:
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾
﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)﴾
﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)﴾
فحينما تفرح برحمة الله التي تنزلت على قلبك، وحينما تفرح بالعلم الذي امتنّ الله به عليك، وحينما تفرح بالحكمة التي آتاك الله إياها، وحينما تفرح أنك على الصراط المستقيم، وحينما تفرح أنك في اتجاه الجنة، وحينما تفرح أن الله راض عنك، هذا هو الفرح الحقيقي، هذا هو الفرح الذي لا يأتي بعده حزن.
بعض الأمثلة يذكرها المفكرون الأجانب: من يضحك أولاً يبكي كثيراً، ومن يضحك أخيراً يضحك كثيراً، قال تعالى:
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)﴾
﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)﴾
﴿ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13)﴾
ضحك أولاً.
﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)﴾
ضحك آخراً، فالبطولة أن تضحك آخر الناس، لأنك إن ضحكت آخرهم كان الضحك مستمراً، والضحك هنا أي السعادة.
الفرح بالله والسرور به من أعظم مقامات الإيمان:
الآن يوجد مشكلة؛ الإنسان حينما يصطلح مع الله، ويتوب إليه، وحينما يشعر أن الله راض عنه لا شكّ أنه يفرح، ولكن هذا الفرح فيه منزلق، المنزلق أن يأمن به مكر الله، ما مكر الله؟ التدبير، الإنسان حينما يفرح بفضل الله تضعف همته، حينما يأخذ علامات عليا في المذاكرات تضعف همته في الدراسة، فيميل إلى الراحة، يميل إلى أن يأخذ الوظيفة من صديقه، يميل إلى أن يغيب عن المدرسة لأنه هو حقق علامات عالية، فالفرح بفضل الله وبرحمته معه منزلق أن تأمن تدبير الله الذي يسوق الإنسان إلى أعلى المراكز، لذلك قال العلماء: من أعظم مقامات الإيمان الفرح بالله والسرور به:
﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)﴾
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ ما الذي يُفرحك؟ قل لي ما الذي يُفرحك أقل لك من أنت؟ هل يُفرحك أن تجمع مالاً وفيراً؟ أنت من أهل الدنيا، هل يُفرحك أن ترتقي إلى منصب رفيع؟ أنت من أهل الدنيا، هل يُفرحك أن تنغمس في الملذات الدنيوية؟ أنت من أهل الدنيا، هل يفرحك أن الله علمك ما لم تكن تعلم؟
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾
هل يُفرحك أن الله آتاك الحكمة؟ هل يُفرحك أن الله يستجيب دعاءك دائماً؟ هل يُفرحك أن الله استعملك في الخير؟ هل يُفرحك أن الله عز وجل أجرى على يدك هداية العباد؟ قل لي ما الذي يفرحك أقل لك من أنت، ما الذي يدخل على قلبك السرور أن تكون مع الله أم أن تكون غنياً؟ هل تقول مع الشاعر:
فليتك تحلـو والحيــاة مريـــــــرة وليتك ترضى والأنام غـضـــاب
وليت الـــذي بيني وبيـنك عامــر وبيني وبيـــــن العالمين خـــراب
إذا صحّ منك الوصل فالـكل هين وكل الــــذي فوق التـراب تـراب
إخواننا الكرام؛ مرتبة الفرح بفضل الله عز وجل مرتبة طبيعية، لكن فيها منزلق أن هذا الفرح قد يقودك إلى التراخي، إلى الاسترخاء، إلى ضِعف الهمة، إلى أن تطمئن إلى أن الله يحبك، قد يقودك إلى أن تطمئن إلى أن لك عند الله مقعد صدق عند مليك مقتدر، هذه الراحة، والاستجمام، والاطمئنان، والتساهل، وضعف الهمة، هذه تستوجب المعالجة، يأتي تدبير الله عز وجل ليدفعك من جديد إلى هدفك النبيل، يأتي تدبير الله عز وجل ليرقى بك إلى أعلى مستوى، لذلك المؤمنون لهم مصائب خاصة بهم، المؤمنون مؤمنون، والمؤمنون أطهار، والمؤمنون مستقيمون، ومع ذلك:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)﴾
على الإنسان أن يكون حذراً وهو في قمة فرحه بفضل الله عز وجل:
أيها الإخوة؛ يقول الله عز وجل:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾
أي بصراحة الأنبياء والمرسلون والصّدّيقون وكبار المؤمنين همتهم إلى الله عالية في الرخاء والشدة، لكن ضعاف المؤمنين أو أوساط المؤمنين همتهم إلى الله عالية في الشدة، أما في الرخاء يميلون إلى الدعة والراحة، فلذلك الفرح بفضل الله عز وجل قد يقودك إلى التساهل، إذاً لابدّ من أن تكون حذراً وأنت في قمة فرحك بفضل الله عز وجل.
أحياناً شخص يكون له مكانة كبيرة، يُقرِّب موظفاً عنده، أحياناً يمازحه، هذا الموظف إذا كان ذكياً وعاقلاً يتقرب من سيده ويتجاوب معه، ولكن لا يغيب عن ذهنه أبداً أنه موظف صغير، وأن سيده مدير كبير، وأنه إذا قربه ليس معنى ذلك أن يرفع الكلفة بينهما، فالموظف الموفق مهما قرّبه مديره يبقى في حدود الأدب، والذي هو أحمق إذا قربه مديره يتجاوز حده فيُطرد من قُربه، هذه قاعدة، فإذا الإنسان فَرِح بفضل الله عز وجل يجب أن يكون مع هذا الفرح يقظة وانتباهاً وحذراً شديداً أن ينقلك فرحك إلى ضعف الهمة والتساهل في تطبيق الأمر والنهي.
الفرح بالنعمة قد يُنسي المُنعم:
هذه الآية: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ حينما يستغني، الآن الصحيح يتوهم أن صحته طيبة فيستغني، الغني يتوهم أنه غني، الله آتاه المال، يستغني عن فضل الله، فإذا استغنى تأتيه مشكلة لا تحلها ألوف الملايين، أنا مرة كنت عند طبيب قلب فجاء اتصال هاتفي، يبدو أهل مريض، أنا سمعتهم يقولون: أي مكان في العالم نأخذه وأكبر مبلغ ندفعه، قال لهم: والله لا يوجد أمل، الورم الخبيث من الدرجة الخامسة، لا تجدي معه لا عملية ولا مستشفى ولا بلد أجنبي، فالإنسان عندما يعتدّ بماله له علاج، لما يعتدّ بمكانته له علاج، لما يعتدّ بعلمه له علاج، لذلك قالوا: الفرح بالنعمة قد يُنسي المنعم.
إنسان خلع عليك خلعةً، ثوب جيد جداً، فهذا انتبه إلى الثوب ولون الثوب، وقياس الثوب، وارتداه، وقف أمام المرآة، ونسي أن يشكر الذي أهداه هذا الثوب، يُقال: هذا اشتغل بالنعمة عن المنعم، اشتغل بالشيء عن الذي قدّره له، لذلك المؤمن لا تغيب عن مخيلته الآية الكريمة:
﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)﴾
حتى لو إنسان ضحك، كان بين أهله وأولاده، وطُرِح موضوع طريف وضحك، يجب أن يعلم علم اليقين أن الله سمح له أن يضحك، لأنه عافاه، ليس ملاحقاً، لا يوجد بحقه مُذكرة بحث، ولا يوجد عنده فشل كلوي، ولا يوجد تشمع كبد، ولا يوجد انسداد شريان، ولا يوجد تبديل صمام، ولا يوجد ورم خبيث، لا هو ولا زوجته ولا أولاده، ويسكن في بيت، وعنده دخل يكفي لمصروفه، فلما طُرِح موضوع طريف ضحك، يجب ألا تنسى فضل الله عز وجل:
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)﴾
الذي يُضحك يُبكي، وقد ترى رجالاً يبكون.
دخلت على عند إنسان، صار معه خثرة بالدماغ فشُلَّ، ما إن رآني حتى أجهش بالبكاء، صار عاجزاً، كان ملء السمع والبصر؛ شخصية قوية، أموره مضبوطة، فلما شُلّت أعضاؤه، وانعقد لسانه، كلما يدخل عليه إنسان ليعوده يبكي، ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ فالإنسان إذا ضحك فليشكر المولى على أنه سمح له أن يضحك، الله عز وجل يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)﴾
كلنا في هذا المسجد لولا فضل الله علينا ورحمته ما كنا في هذا المسجد، كنا في ملهى، كنا في مكان يُعصى الله فيه، الآن السجون ملأى، بشر مثلنا كلهم في السجون، الزاني، ومتعاطي المخدرات، وشارب الخمر، والسارق، والمحتال، والمهرب، الله عز وجل تفضّل علينا، وقد يكون إنسان في أعلى مستوى، لما يغضب الله عليه يصبح في أسفل سافلين ويُعذَّب، وتؤتى بأمواله كلها، ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ .
الفضل العظيم أن تكون زاكي النفس:
والله مرة دخلت لعند بعض إخواننا العلماء، بيته متواضع، لكن يوجد آية قرآنية لما قرأتها اقشعر جلدي، هو اختار هذه الآية: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ هذا هو الفضل العظيم، الفضل العظيم أن تكون زاكي النفس، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)﴾
﴿ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86)﴾
﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)﴾
الإنسان الأحمق لا يُدخل الله في حساباته:
إخواننا الكرام، الإنسان في ساعات قوته وجبروته إذا لم يدخل حساب الله عز وجل في خططه فهو أحمق، وربنا عز وجل لحكمة بالغة يُرخي له الحبل، وقد يصعد صعوداً حاداً، فإذا بلغ قمة الصعود سقط سقوطاً مريعاً، وهذا ما يسمى ببطش الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
والله أعرف أناساً تهتز لوجودهم الرجال، يُعَذَّبون، وحكموا بالسجن، الله عز وجل منتقم، الإنسان إذا كان قوياً وظلم ينتقم منه الله عز وجل، بعض العلماء الصالحين يقول: اللهم لا تخذلني حتى آمن مكرك ولا أخافه.
أحياناً الإنسان ينسى أن الله سوف يحاسبه فيرتاح، يرى نفسه في بحبوحة وقوي لا يوجد عنده مشكلة، يتخذ مواقف لا مبالية، ينسى أن الله سيؤدبه، لذلك الإنسان حينما يُذكَّر بالحق ولا يستجيب يقسو قلبه ثم يكون الران عليه، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾
كيف نوفق بين الآيتين التاليتين؟
بالمناسبة إخواننا الكرام قال تعالى: ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ بآية ثانية قال:
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)﴾
كيف نوفق بين الآيتين؟ الله عز وجل نهانا أن نفرح بالدنيا، لأنه من عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي: ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ لا تفرح في الدنيا لأنها مؤقتة، افرح بفضل الله عز وجل.
أيها الإخوة، الشيء الذي ينبغي أن يكون هو أنك حينما تفرح بفضل الله عز وجل، هذا الفرح ينبغي أن يقودك إلى الشكر، والشكر-كما تعلمون-على مستويات ثلاث؛ المستوى الأول حينما تعزو النعمة إلى الله عز وجل فهذا أحد أنواع الشكر، أي أقرب مثل إذا سمعت في الأخبار، أو قرأت في الصحيفة اليومية أن منخفضاً متجهاً نحو القطر، هل ترى أنه منخفض أم أنها رحمة الله؟ حينما تُفرغ المثانة وأنت مرتاح، لا يوجد انسداد، ولا يوجد التهاب، ولا يوجد بروستات، ولا يوجد مشكلة، هل ترى أن جسمك سليم أم أن الله عز وجل امتنّ عليك بالصحة؟ حينما تصعد درجاً عالياً دون أن تشعر بضيق في صدرك، هل تشعر أن هذا بفضل ما تمارسه من رياضة أم أن الله عز وجل تكرَّمَ عليك وسلَّم لك هذا القلب؟ لمجرد أن تعزو النعمة إلى الله عز وجل فهذا أحد أنواع الشكر، قضية فكرية.
والشكر يوجد مستوى أعلى منه مستوى نفسي، حينما يمتلئ قلبك امتناناً من الله عز وجل لأنه أنعم عليك، فهذا مستوى آخر، أرقى، وحينما تبادر إلى خدمة الخلق إرضاءً للحق فهذا مستوى أرقى وأرقى، يوجد مستوى فكري، مستوى نفسي، مستوى سلوكي، فإذا عزوت لفكرك هذه النعمة إلى الله كما قال الله عز وجل: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ فهذا مستوى، وحينما تحمد الله على نعمائه، ويمتلئ قلبك حُبّاً لله عز وجل على ما منحك به من خير عميم فهذا مستوى أرقى، وحينما تعمل لخدمة الخلق إرضاء للحق فهذا من المستويات الراقية في الشكر.
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾
قد يسأل أحدكم: ما علاقة العلم بالشكر؟ أنت حينما تقول: سمع الله لمن حمده، حينما تقول: ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً، الله جلّ جلاله سمع هذا الحمد، فأنت إن شكرت الله فهو يعلم، ولو شكرته بقلبك ولم يتحرك لسانك فهو يعلم، ﴿وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)﴾
شيء جميل، لك ذنب؟ يغفره لك، لك عمل طيب؟ يشكره لك، يغفر الذنب ويشكر العمل الصالح، ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ .
التفاوت بين العباد في النعم:
يقول سيدنا موسى في المناجاة، قال له: يا رب هلّا ساويت بين عبادك؟ قال: يا موسى إني أحبّ أن أُشكر، أي تفاوت العباد فيها حكمة بالغة، إنسان يكون لحكمة بالغة ينبغي أن يكون بيته بوضع معين، الذي عنده بيت أكبر، إذا دخل إلى هذا البيت يقول: يا ربي لك الحمد، لكن بينه وبين نفسه وليس أمام صاحب البيت، يارب أنت أكرمتني ببيت أوسع، إنسان غير متزوج وأنت متزوج، يا رب أنت أكرمتني بزوجة، إنسان يعمل وهناك إنسان لا يعمل، يا رب أنت أكرمتني بعمل، فهذا التفاوت من أجل أن تشكر، لو الناس كلهم في مستوى معاشي واحد، لا يوجد نعمة ظاهرة، تختفي النعم.
من عرف الله أكثر تذلّل له أكثر:
أيها الإخوة الكرام؛ الموضوع الذي ينبغي أن يُعالج قبل أن ينتهي الدرس موضوع دقيق، كل واحد من الإخوة الكرام في أول بداياته شعر بسعادة لا توصف، ويسأل بعض الإخوة الكرام: يا أخي، أنا هذه الأحوال التي عشتها في بدايات الطريق الآن لا أشعر بها، فما سرّ ذلك؟ القضية بسيطة جداً، إنسان كان في منطقة باردة جداً، دخل فجأة إلى مكان مدفّأ، خلال ربع ساعة يشعر بنعمة الدفء، وهو في نشوة حينما شعر بالدفء، وتخلّل بين ثنايا جسمه، لكن بعد ساعتين أو ثلاث أَلِف هذا الدفء، الدفء موجود، أما إحساسه به ضَعُف، إنسان بحالة معاكسة، كان بحرّ شديد جداً، دخل إلى غرفة مكيفة، أول عشر دقائق يستمتع بالتكييف استمتاعاً لا حدود له، لكن بعد ساعة أَلِف هذا الجو، وهذا الذي يحصل في طريق الإيمان، أول انطلاقة إلى الله يوجد سعادة لا توصف، الانتقال المفاجئ من الكفر إلى الإيمان، من المعصية إلى الطاعة، من الشرود إلى اللقيا، من الهبوط إلى الصعود، من الوحول إلى الجنات، يوجد سعادة كبيرة جداً، لكن بعد حين تألف طريق الإيمان، وتراه طبيعياً، لذلك قد تجد إنساناً يحضر أول درس أو ثاني درس يقول لك: أنا تألقت تألقاً ليس له حدود، بعد سنة ضبط بيته، ضبط استقامته، ضبط جوارحه، ضبط أعضاءه، ضبط حواسه، غضّ بصره، حرر دخله، ربّى أولاده، حجب زوجته، عاش حياة مريحة، لكن لا يجد هذه السعادة الصارخة، السبب أنه أَلِفها، أحياناً الإنسان يركب سيارة، والسيارة واقفة، لكن المحرك يدور، هذه الدورة موجودة، لكن أنت لا تشعر بها، لأن السيارة واقفة، أما لو أطفأت المحرك يوجد فرق واضح، لذلك الإنسان في البدايات يفرح فرحاً كبيراً، ثم تأتيه حالة فتور، هذا شيء طبيعي جداً، هذا الكلام نقوله لكم ما دام لا يوجد معصية، أما إذا كان هناك معصية، هذا ليس فتوراً ، صار حجاباً، فرق كبير بين الفتور والحجاب، الإنسان بالمعصية يُحْجَب، لكن مع تقدمه في طريق الإيمان يُصاب بفتور، الفتور حالة معتدلة من العبادة.
سيدنا عمر بن الخطاب يقول: إن لهذه القلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإذا أدبرت فألزموها الفرائض، كلكم تعرفون أحياناً بساعة الإنسان يكون نشيطاً، يقرأ القرآن، يصلي قيام الليل، يذكر الله عز وجل، طليق اللسان، أحياناً تعتوره متاعب، يصلي الفرض والسنة، لكن لا يوجد نفل، يأخذ الحد الأدنى من العبادات، فسيدنا عمر قال: إن لهذه القلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض، والصادق ينتظر الفرج ولا ييأس من روح الله، ويُلقي نفسه بالباب طريحاً، ذليلاً، مسكيناً، مستهيناً، والإنسان كلما عرف الله أكثر تذلّل له أكثر.
بالمناسبة يوجد علاقة عكسية، الذي يستكبر عن طاعة الله يُذلِّه الله، أما كل إنسان تذلل على أبواب الله يُعزه الله عز وجل.
الفرق بين الفتور وبين الحجاب:
أيها الإخوة الكرام؛ حينما تفتُر الهِمة، قبل كل شيء يجب أن نفرق بين الفتور وبين الحجاب، المعصية تسبب حجاباً عن الله عز وجل، لكن المؤمن ساعة وساعة، ليس معنى ساعة وساعة أي ساعة طاعة وساعة معصية، أعوذ بالله! ساعة وساعة أي ساعة تألق وإقبال، وساعة فتور، لأنه ورد: إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها، الله لحكمة بالغة له نفحات، فحينما تأتيك نفحة من الله عز وجل تسعد أيما سعادة وتتألق، فإذا غابت عنك هذه النفحة تفتُر، الفتور غير الحجاب، المعصية تُسبب حجاباً، أما حينما لا تأتيك نفحة الله عز وجل أنت في حالة الفتور، إذا كان هناك معصية إياك أن تسمِّي هذه الحالة حالة فتور، إذا كان هناك معصية أنت في حالة الحجاب:
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾
أما إذا النفحة غابت عنك لحكمة أرادها الله فأنت في حالة فتور، حالة الفتور أحياناً طريق إلى الرقي، إذا كان يجب أن ترتفع أسعار هذه المادة، تختفي من الأسواق ثم تُطرح بأسعار جديدة، ولما الإنسان يفقد شيئاً من التألق الروحي حتى يصير معه حالة اسمها: التعطيش، فربنا عز وجل يُعطشه؛ أي يبحث عن حلّ، يبذل، يضاعف جهده، فيقفز قفزة نوعية، إذا كان أقامك بمقام الفتور فلعل الله عز وجل سيتفضل عليك بنفحة كبيرة ترقى بها رُقيّاً دقيقاً، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ. ))
[ الوادعي صحيح على شرط الشيخين ]
كل عامل له تألق وبعد التألق يوجد فترة، فالفترة من أجل أن يبقى التالق تألقاً، لو كان الشيء استمر لن يبقى تألقاً، وهذه الفترة تدفعك إلى تألق جديد، الجنيد رحمه الله تعالى كان كثير الذكر لبداية سيره، والله عز وجل قال:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)﴾
أي أيام التألق، أيام الإقبال، أيام البكاء الشديد، أيام التضحية بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس، هذه أيام الله.
بكاء الفرح أرقى أنواع البكاء:
أيها الإخوة؛ هناك شيء دقيق، قال بعضهم: دخلت على بعض أصحابنا وقد حصل له بكاء شديداً، فسألته عنه فقال: -هذا بكاء من أرقى أنواع البكاء: بكاء الشكر-ذكرت ما منّ الله به عليّ من السنة ومعرفتها، والتخلص من شُبَه القوم -أي من أهل البدع-وقواعدهم الباطلة، وموافقة العقل الصريح، والفطرة السليمة مع النقل الصحيح لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، فسرني ذلك فلذلك أبكي، هذا أرقى أنواع البكاء بكاء الفرح.
أكمل حالة للقلب أن يجتمع فيه الحبّ والخوف والتعظيم:
الذين ذاقوا طعم القرب من الله عز وجل يقولون: ما من حالة يسعد بها الإنسان كأن يشعر أنه مع الله، وعمله في سبيل الله، ويبتغي مرضاة الله، ويسعى لخدمة خلق الله، ولا يرجو أحداً إلا الله، ولا يرجو من أحد شيئاً إلا أن يرضى الله عنه، هذا الشيء المسعد أيها الإخوة.
بالمناسبة: العلماء يُرَجّحون أن ينطوي القلب على حبّ وخوف وتعظيم، ورد بالأثر القدسي: أن يا عبدي خلقت لك السماوات والأرض ولم أعي بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين؟ لي عليك فريضة ولك عليّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
ورد أيضاً: أن يا ربي أي عبادك أحبّ إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحبّ عبادي إلي تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني وأحبّ من أحبني وحببني إلى خلقي، قال : يا رب إنك تعلم أني أحبك وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي، هنا الشاهد؛ ذكرهم بآلائي من أجل أن يُعظّموني، وذكرهم بنعمائي من أجل أن يحبوني، وذكرهم ببلائي من أجل أن يخافوني.
فأكمل حالة للقلب أن يجتمع فيه الحب والخوف والتعظيم، النِّعم تدعوك إلى الحب، والنِّقم تدعوك إلى الخوف، وعظمة الكون تدعوك إلى التعظيم، فقلب فيه تعظيم لله عز وجل من خلال آلائه، وفيه خوف من الله عز وجل من خلال بلائه، وفيه حبّ لله عز وجل من خلال نعمائه، هذا قلب سليم موصول:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
وفي درس آخر ننتقل إن شاء الله تعالى إلى منزلة أخرى من منازل مدارج السالكين في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين.
الملف مدقق