وضع داكن
16-04-2024
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 063 - التبتل
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا و زدنا علماً, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

منزلة التبتل :


أيها الإخوة  المؤمنون؛ مع الدرس الثالث والستين من دروس مدارج السالكين, في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، والمنزلة اليوم: التبتل، وقبل أن نمضي في شرح هذه المنزلة, لا بد من أن أضع بين أيديكم هذه الحقيقة .

 

تمهيد :


لكل دولة في نظامها الوظيفي مراتب ودرجات، تبدأ بالمرتبة العاشرة وتنتهي بالمرتبة الأولى، وكل مرتبة ثلاث درجات, فعشرة بثلاثة ثلاثين، وموظفو الدولة ولو بلغوا مليونين, لا بد من أن وجودهم في هذه المراتب الثلاثين حصراً, أما عند الله فعدد المراتب بعدد البشر بلغوا ما بلغوا، كل إنسان له درجة، الإنسان لا يستطيع أن يصنف الناس بأكثر من درجات محدودة، مثلاً: 

إنسان يحمل أعلى شهادة باختصاص نادر جداً, من أرقى دولة, ومن أرقى جامعة، دكتوراه دولة يوظف بمرتبة تساوي مرتبة إنسان, يحمل شهادة من أسوأ دولة, ومن أقل جامعة مكانةً, وقد تكون دكتوراه شكلية، أما عند الله عز وجل كل إنسان له مرتبة, بحسب معرفته, وبحسب استقامته، وبحسب عمله الصالح، وبحسب تضحياته، وبحسب ميله عن الصوارف، وبحسب تجاوزه العقبات، وبحسب صبره على الملمات، قال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) ﴾

[ سورة الأنعام ]

فمن السذاجة أن تتوهم أن الدين مرتبة واحدة، الدين مراتب تبدأ ولا تنتهي، طبعاً أنا أمهد لهذا الموضوع :

التبتل: انقطاع لله عز وجل ...

إذا نحن ما وصلنا إلى هذه المرتبة, لا يوجد مانع أن نتحدث عنها, حتى تكون من طموحاتنا، أنا حينما أتحدث عن مرتبة رفيعة جداً, قد أقول: إن معظم الناس وقد أكون أنا منهم, هذا لا يمنع أن نتحدث عن مراتب عالية حتى نصعد ميولنا ونصعِّد طموحاتنا.

فالتبتل ورد في القرآن الكريم:

﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) ﴾

[ سورة المزمل ]

هذه المنازل منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ولا يمكن أن تكون هناك منزلة, إلا ولها أصل في القرآن الكريم, وكتاب الله عز وجل منهج لنا، الله عز وجل أكبر، وأعظم، ومنزه عن أن يقول كلاماً لا معنى له، لما ربنا عز وجل يأمر: ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً ) معنى هذا أمر وجوب أنت ليس لك خيار فيه، إن أردت أن تكون محسوباً على الله، إن أردت أن تكون من أهل الإيمان، من أصحاب المراتب العلية عند الله عز وجل, لا بد من أن تنتبه إلى هذه المرتبة, هذه مرتبة التبتل، وما الذي يمنع أن تبذل كل جهدك كي تصل إلى الله؟ ما الذي يمنع أن تصل إلى المراتب العالية؟.

ذكرت لكم أن قطعة لحم طازجة وأنت جائع لا تقدر بثمن, وقطعة لحم متفسخة, لو شممت رائحتها تكاد تخرج من جلدك, وكلاهما قطعة لحم، هذا في قطع اللحم، في البشر أبلغ ، قد تجد إنساناً خيراً من ملء الأرض من البشر، أعتقد الأرض نعرف حجمها من محيطها, وحجم الإنسان المتوسط متر مربع مثلاً، قسمنا حجم الأرض على متر، نعرف لو أن الأرض مجوفة كرة مفرغة وملأناها من بني البشر, ممكن نعرف كم إنسان تستوعب الأرض؟.

فالنبي -عليه الصلاة والسلام وهو لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى، هو رسول الله- يقول: هناك رجل يساوي ملء الأرض من غيره.

البشر متشابهون بأشكالهم المادية, ولكن بمراتبهم عند الله متفاوتون تفاوتاً عجيباً، قال تعالى: ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) أنت بمعرفتك، واستقامتك، وإخلاصك، ونواياك الطيبة, وتضحياتك، وبذْلك، وانضباطك ، وورعك، ومآثرتك، لك عند الله مرتبة، هذه المرتبة هي أهم شيء في حياتك، لأن هذه المرتبة لها منعكس أبدي إلى يوم القيامة.

دقق في هذه الفكرة: 

هناك في الدنيا أشياء كثيرة, ولكن تنتهي عند الموت لا قيمة لها؛ يعني: 

إنسان توفاه الله عز وجل, لو أردت أن تؤبنه: هل بإمكانك أن تتحدث عن بيته, عن مساحة بيته، عن أناقة بيته، عن تزيينات بيته؟ أبداً, هل بإمكانك أن تتحدث عن مركبته؟ عن حجمه المالي؟ أبداً، لا تستطيع أن تتحدث إلا عن عمله الصالح.

حضرت جنازة في أحد مساجد دمشق, وصاحب الجنازة المتوفى صناعي، عنده معمل ، دخلت إلى بيته, وكان هناك زيارات متبادلة، فعلاً شيء مدهش، صناعي من الطراز الأول ، متفوق جداً، أذواقه عالية جداً، رحلاته إلى أوربا وأمريكا سنوية، فلما وضع في النعش في المسجد, قام أحد علماء دمشق لتأبينه, وقال بالحرف الواحد: أخوكم أبو فلان كان مؤذناً ترحموا عليه. 

أنا صعقت, قلت: يا رب ألا يمكن أن يقال دقيقة واحدة عنه؟ دنيوي من الطراز الأول, وكان صالحاً وما كان سيئاً فيما أظنه, ولا أزكي على الله أحداً، ولكن لا يوجد عمل يلفت النظر، الدنيا تلفت النظر أما الآخرة لا تلفت النظر، فماذا يقول هذا العالم الجليل؟ كان مؤذناً ترحموا عليه، وأنا قلت في نفسي: يا ليت الإنسان يعمل عملاً يؤبن في دقيقة ستين ثانية ، أو في خمس دقائق, أو يتحدث عن عمله في ساعة.

أنت لك حجم عند الله عز وجل، حجمك لا بأناقتك، ولا بطعامك, ولا بشرابك، ولا بأثاث بيتك، ولا بموقع بيتك، ولا بمساحة بيتك, ولا بنوع مركبتك، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح فقط، مع الإخلاص, مع الانضباط.

فإذا تحدثنا عن مرتبة التبتل, ليس معنى هذا: أن هذه مرتبة مألوفة معظم الناس في مستواها، لا، قد تكون في مرتبة نادرة, وهذا لا يمنع أن نتحدث عن مرتبة عالية, كي ترتفع أهدافنا، هناك من يأكل ويشرب وتنتهي كل همومه عند طعامه وشرابه، هناك من يأكل ويشرب ويتزوج وتنتهي كل همومه عند طعامه وشرابه وزواجه، وهناك من يطمح إلى أن يعمل عملاً يرضي الله عز وجل، قل لي: ماذا يهمك, أقل لك: من أنت؟.

إخواننا الكرام؛ المؤمن الصادق يحمل هموم المسلمين، المؤمن الصادق له أهداف في الحياة, تسمو عن حاجاته اليومية، وتسمو عن ميوله ورغباته, وتسمو عن مصالحه، المؤمن شخصية فذة, لا يسخر القيم ولا يسخر منها، يقود نفسه ولا تقوده، يسير هواه ولا يسيره، سما حتى اشرأبت إليه الأعناق، وارتقى حتى مالت إليه النفوس.

بصراحة: المؤمن الصادق يجب أن تحبه لمزاياه الأخلاقية، الله عز وجل يقول:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

أنت لا تستطيع أن تتصل بالله إلا بكمال مشتق منه، الله عز وجل رحيم، لن يسمح الله لك أن تتصل به, ولن يلقي في قلبك شيئاً من سكينته إلا إذا رحمت خلقه، الله عز وجل عدل, لن تستطيع الإقبال عليه إلا إذا كنت عادلاً، الله عز وجل محسن لعباده, لن تستطيع أن تكشف الحجاب بينك وبينه إلا إذا كنت محسناً، لن تستطيع أن تتصل به إلا بكمال مشتق منه، إذاً: المؤمن على جانب من الكمال، المؤمن صبغة الله.

في بعض الشركات الضخمة في العالم, حينما ترى العلامة التجارية لهذه الشركة, تشتري بلا تردد، هذه الشركة الفلانية، الآن يوجد حرب علامات تجارية، ترى الشركة لها اسم كبير, تدقق, تجد مصنوعة في الصين، آخذة اسم لماع براق, ولكنها صنع بلد من الدرجة العاشرة مثلاً، فهذه حرب علامات تجارية, فهو إن صح التعبير: المؤمن علامته التجارية صبغة الله، قال تعالى:

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) ﴾

[ سورة البقرة ]

يعني من أعلى درجة، يعني متخلق بالكمال الإلهي، يشتق كمال الله عز وجل، فتحتار برحمته، بعدله، بإنصافه، بتواضعه, بإنكاره لذاته، بخدمة الخلق، هذا التمهيد من أجل أن تعلموا أنَّ هذه المرتبة قد تكون عالية جداً؛ ولكن لا بد من شرحها.

 

التبتل من خلال اللغة.


التبتل هو الانقطاع, وهو التفعل من البتل, وهو القطع، بتل قطع, تبتل تفعل، ما معنى تفعل؟ العمل المتكرر، العمل المستمر فيه تفعل مثلاً, قد تقول فلان كتب، كتب مرة واحدة، أما اكتتب أصبح كاتباً، اتخذ الكتابة حرفةً له.

وسميت مريم البتول لانقطاعها عن الأزواج، وعن أن يكون لها نظراء من نساء زمانها، قال تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) ﴾  

[ سورة آل عمران ]

لماذا الاصطفاء مرتين؟ الاصطفاء الأول اصطفاء قرب، معنى ذلك: أن الإنسان مخير، معنى ذلك: أن النبوة اصطفاء، النبوة فيها جانب كسبي وجانب وهبي، قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) هذا الجانب الكسبي، بعد أن اصطفاهم وجعلهم أنبياء ورسلاً أعطاهم الوحي، أعطاهم المعجزات هذا وهبي، يوجد جزء كسبي وجزء وهبي، كذلك مريم البتول، إن الله اصطفاك لمحبتك, لمعرفتك، لإخلاصك، لإقبالك، واصطفاك جعلك تلدين من دون زوج، الاصطفاء الأول اصطفاء قرب, والاصطفاء الثاني اصطفاء معجزة، قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ففاقت نساء الزمان شرفاً وفضلاً.

ومصدر بتل تبتلاً كتعلم تعلماً، يعني بتل تبتلي وتبتل، ما معنى بتل؟ إنسان قطع اللحمة، الفرق بين قَطَعَ وقَطّعَ، الفرق واضح, يوجد مبالغة، قَطَعها قطعةً واحدة، أما إذا قطعها قطعها آلاف القطع، كالفرق بين كَسَّرَ وكَسّرَ، قد يقع هذا الكأس من يدك فينكسر, أما إذا جئت بمطرقة, وضربته عشرات الضربات, حتى أصبح طحيناً, هذا اسمه كَسَّرَ غير كَسَرَ، وغلقت الأبواب، أغلقت الباب أصبح الباب مغلقاً، أما غلَّقت الأبواب أترجتها، هل ترى الفرق بين كَسَرَ وكَسّرَ، وبين غَلَقَ وغَلّقَ، قَطَعَ وقَطّعَ؟ فالتبتل: التفعل من البتل، قال تعالى:

﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ﴾

[ سورة آل عمران ]

( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) فالتبتل المفاعلة من البتل، البتل مبالغة كماً ونوعاً، فالتبتل كالتعلم والتفهم، تفهم تفهماً، تعلم تعلماً ، الشيء الذي يلفت النظر, قال تعالى: ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) ولم يقل: تبتلاً بل تبتيلاً، يوجد سر التبتيل, يعطي معنى آخر, فربنا عز وجل جاء بالفعل أعطى معنى، وجاء بمصدر آخر أعطى معنىً آخر، فلذلك: هذا من أسرار بلاغة القرآن الكريم، التبتيل فيه تكلف وتعمل وتكثر ومبالغة، فصار في تفعيل من تبتل، وفي تكلف وتعمل وتكثر ومبالغة من تبتيل، وما قال: وتبتل إليه تبتلاً، قال: ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) فالمصدر أعطى معنى والفعل أعطى معنى، فأتى بالفعل الدال على أحدهما, وبالمصدر الدال على الآخر, فكأنه قيل: بتل نفسك إلى الله تبتيلاً, وتبتل إليه تبتلاً, ففهم المعنيان من الفعل ومصدره, وهذا كثير في القرآن الكريم, وهذا من أحسن الاختصار.  


توضيح :


أضرب مثلاً آخر لكم: لو فتحنا المعجم على فعل أحسن, في المعجم أحسن إليه، إلى من لوازم أحسن بالقرآن الكريم, قال تعالى: 

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) ﴾

[ سورة الإسراء ]

جاء أحسن بـ، الباء تفيد الإلصاق، فمعنى الإحسان أضيف إليه الإلصاق، يعني يجب أن تحسن إليهما مباشرةً دون وسيط, هذا المعنى, أخذنا معنى الإحسان من الفعل, ومعنى الإلصاق من الباء، فجمعنا المعنيين في معنىً واحد.

 

التبتل في المصطلح الشرعي .


التبتل: الانقطاع إلى الله بالكلية، وقوله عز وجل:

﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) ﴾

[ سورة الرعد ]

أي يجـب أن تكون خالصاً له وحده، لأنه أهل أن تكون له، له دعوة الحق، فالتبتل هو الانقطاع عن ملاحظة الخلق, بحيث لا يكون المتبتل كالأجير, الذي لا يخدم إلا لأجل الأجرة, فإذا أخذها انصرف عن باب المستأجر، قال تعالى:

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) ﴾

[ سورة آل عمران ]

هذه مرتبة، أما الآن في واو:

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) ﴾

[ سورة آل عمران ]

هذه الواو ليست عاطفة، هذه واو استئنافية، يوجد مرتبة أدنى: ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ) الطبقة الثانيـة عملت لمصلحتها ونعم أجر العاملين، عملت لمصلحتها فنالت الأجر كهذا المعنى هنا تماماً، أحياناً الإنسان يحب الله ولا يسأله شيئاً.

من أحبنا أحببناه, ومن طلب منا أعطيناه, ومن اكتفى بنا عما لنا, كنا له وما لنا.

يوجد إنسان يحب الله حتى يوفقه ويعطيه صحة طيبة، ويجعله غنياً، يهيىء له زوجة صالحة، ويجعله محبوباً بين الناس، يحب الله لعلة يريدها, مقبول عند الله على العين والرأس, ولكن الأول أعلى, الذي يحب الله من دون شيء.

يعني هكذا يقول بعض العارفين بالله، أو بعض علماء القلوب: هناك من يعبد الله حباً به, وهناك من يعبد الله طمعاً في جنته، وهناك من يعبد الله خوفاً من ناره.

فالأجير همه الأجرة فإذا أخذها انتهى الأمر، يعني إنسان رغبان بالصحة, أعطاه الله صحة، يبتغي تجارة وقد حصلها، يتوق بزوجة فنالها، عنده بيت ومركبة، ما له شيء عند الله، أراد الاستقامة ليكسب الدنيا فكسبها، لا يوجد عنده الشوق لله عز وجل, هذه المرتبة مقبولة, ما دام هو يخافه ويرجو رحمته، ولكن ليست راقية هذه المرتبة.

صلى الله عليه كان يصلي حتى تتورم قدماه .

(( عن عائشة رَضي اللَّه عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَان يقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تتَفطَرَ قَدمَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ، لِمْ تصنعُ هَذَا يَا رسولَ اللَّهِ، وقدْ غفَرَ اللَّه لَكَ مَا تقدَّمَ مِنْ ذَنبِكَ وَمَا تأخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أكُونَ عبْداً شكُوراً؟ ))

[  متفقٌ عَلَيهِ ]

نحن نعمل عملاً طيباً, نرتاح، نجتهد في عمل, نستريح فترة, لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- طوال النهار في خدمة الخلق, وفي الليل في الاتصال بالحق.

يعني الله تعالى صاحب دعوة الحق لذاته وصفاته، وإن لم يوجب لداعية بها ثواباً فإنه يستحقها لذاته، يعني كماله يجعله أهلاً أن تحبه دون أن تطالبه بشيء.

مثلاً: إذا صديق غني, كل ما زرته قدم عشاءً، يكرمك ويصحبك في نزهة، فأنت تحبه, ولكن يا ترى: تحبه لذاته أم لكرمه؟ الله أعلم، لو أنك زرته مرتين ثلاثة, وما قدم لك شيئاً, ولا خدمك أبداً, تنصرف عنه، معنى هذا: أن إقبالك عليه لم يكن من أجل كماله بل من أجل نواله.

 

كيفية الوصول إلى هذه المنزلة :


الإنسان أحياناً يطلب الله عز وجل لمصابه بأمراض مخيفة؛ سرطانات, شلل، جلطات مبكرة، حادث سير مخيف، فقر مدقع، يخاف, يلتجئ إلى الله, فطالب السلامة، طالب الغنى، طالب السعادة، جيد على العين والرأس, ولكن هناك مرتبة أعلى بكثير, أن تحب الله دون أن تعلق محبتك بمنفعة تجرها أو كسب توصله.

من أحبنا أحببناه, ومن طلب منا أعطيناه, ومن اكتفى بنا عما لنا, كنا له وما لنا:

هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا    ليس لي عنهم معدل وإن عدلوا

والله وإن فتتوا في حبهم كبدي     باق على حبهم راض بما فعلوا

هذا متى يظهر؟ يظهر لما الإنسان يكون متألقاً عند الله ثم تأتيه مصيبة فيصبر، قال تعالى:

﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (43) ﴾

[ سورة ص ]

أحياناً يسوق لك الرب أشياء غير واضحة, فعليك أن تقول: يا رب أنا راض بما قضيت.

أحياناً: أب محترم جداً، كامل, عالم، مرب، غني، مقتدر, يعني إذا أعطى أمراً لابنه, غير واضح مثلاً: لا تأكل يا بني، فعلى الابن أن يقول: سمعاً وطاعة، حاضر، فالأب الذي قدم لأولاده كل شيء, يحق له أن يعطيهم أمراً غير واضح, وأن يقبلوه، الله عز وجل أحياناً يمتحننا امتحان عبودية له، وأحدنا مستقيماً متألقاً عند الله, تأتيه مصيبة ليس لها تفسير، المؤمن يقول: يا رب أنا راض بقضائك وقدرك، عندها يكون قد نجح وأخذ درجة تامة.

المؤمن إذا استقام الله عز وجل, أحياناً بعد استقامته مباشرةً يعطيه الدنيا, يشجعه, لأنه ضعيفاً، وإنسان آخر يستقيم, ويبقى سنوات وسنوات بوضعه المادي السابق، هذا أرقى, هذا ما علق أهمية، وما اتخذ الاستقامة تجارة, بل إن الله عز وجل لو يعاقب المذنب مباشرةً, ويكافئ المحسن مباشرةً, انتهى الاختيار، كل الناس يخافون العقاب السريع فينضبطون, ويرجون العطاء السريع فينضبطون، أما الله عز وجل سياسته يسمح لك أن تفعل ما تشاء إلى أمد بعيد ثم يحاسبك.

التبتل: هو الانقطاع إلى الله تعالى, لأنه أهل أن يعبد وحده، ويدعى وحده، ويقصد وحده، ويشكر وحده، ويحمد وحده، ويحب, ويرجى، ويخاف، ويتوكل عليه، ويستعان به، ويستجار به, ويرجأ إليه، ويصمد إليه، فتكون الدعوة الإلهية الحق له وحده, قال تعالى:

﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)  ﴾

[ سورة الرعد ]

يعني له وحده أن تدعوه كلياً، هذه المعاني إذا قامت بنفس الإنسان, إذا دعا الله وحده، قصده وحده, تلك دعوة الحق.

السيدة عائشة لما الله برأها, قالت لها أمها: قومي إلى النبي فاشكريه، قالت: والله لا أقوم إلا لله -على مسمع من النبي- فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: عرفت الحق لأهله .

فحينما تعبده وحده, وتدعوه، وتقصده وحده، وتشكره وحده, وتحمده وحده، وتحبه وحده، وترجوه وحده، وتخافه, وتتوكل عليه وحده, وتستعين به وحده، وتستجير به وحده، وتلجأ إليه وحده، فتكون الدعوة الإلهية الحق له وحده، هذا التبتل، ليس لك علاقة بالخلق أبداً؛ تعاملهم، تلاطفهم، تحسن لهم، تكرمهم، أما قلبك معلق بالله لا تعلق عليهم أية أهمية.

بالمناسبة : الله عز وجل من أساليبه العظيمة في تربية خلقه ، أنه حينما تعتمد على جهة أرضية, لحكمة بالغة بالغة الله عز وجل يلهم هذه الجهة الأرضية التي اعتمدت عليها, أن تخيب ظنك فيها، لأن الله يغار، حينما تعتمد على جهة أرضية, الله عز وجل يلهم هذا الإنسان أن يتخلى عنك في أحرج وقت، لو قال لك: واحد زرني، ماذا تريد؟ أحققه لك فأنت ارتحت, علقت الأمل كله عليه ونسيت الله عز وجل, تزوره يتجاهلك, يسألك: ما الاسم الكريم؟ قد لا يقول لك: تفضل اجلس، أنت تصعق بهذا الموقف، هذا الموقف مفتعل، حينما تعلق أهمية على جهة أرضية, إذا كان الله يحبك ويغار عليك, يلهم هذه الجهة الأرضية أن تخيب ظنك بها، لا تحزن. 


قصة :


رجل افتقر, وله قريب يعمل مدير مكتب السلطان عبد الحميد، شد إليه الرحال، وعلق عليه الآمال كلها على قريبه مدير مكتب السلطان، كان حاكماً لثلث العالم، فقدم استدعاء مدير المكتب لقريبه بتعيينه بوظيفة, فلم يوقعها السلطان لمدة أسبوع, كل يوم يعرضها عليه فيهملها، ومرَّ أول أسبوع، وثاني أسبوع، وثالث أسبوع ولم يوقعها، فهذا الرجل يبدو على معرفة بالله, أعطى توجيهاً للخادم أن يصرفه، قال له: يا أخي, الضيف ثلاثة أيام, ومضى شهر, كأنه طرده، فهذا خرج هائماً على نفسه يبكي، قال له: اتبعه, وانظر أين يسكن؟ فدخل لخان, وسكن فيه من اليوم الثاني, وضع الاستدعاء للسلطان, فوقعها فوراً, فاستدعاه, قال له: بقيت شهراً بأكمله معتمداً علي, فلما يئست مني, واعتمدت على الله, وقع السلطان، طبعاً قصة لها معنى، لما علقت الأمل على إنسان خيب الله ظنك بهذا الإنسان، فلما علقت الأمل على الله عز وجل, الله عز وجل أكرمك بما كنت تريد.

أيها الإخوة ؛ ندخل في التفاصيل: 

التبتل يجمع أمرين : اتصالاً وانفصالاً لا يصح إلا بهما . 

فالانفصال انقطاع قلبه عن حظوظ النفس المزاحمة لمراد الرب منه، وعن التفات قلبه إلى ما سوى الله رغبة فيه أو مبالاة به أو فكراً فيه.

يعني يجب أن تقطع نفسك عن كل ميل يزاحم مراد الله منك هذا الانفصال، النفس تميل إلى النوم, ويوجد دعوة إلى الذكر والاستيقاظ والصلاة, فيجب أن تقطع نفسك عن حظها من النوم, لأن هذا الحظ يزاحم مراد الله منك في أن تصلي، والاتصال لا يصح إلا بعد هذا الانفصال, وهو اتصال القلب بالله, وإقباله عليه, وإقامة وجهه له حباً، وخوفاً، ورجاءً، وإنابةً ، وتوكلاً.

التبتل انقطاع واتصال، انفصال عن ما سوى الله وعن حظوظ النفس وإقبال على الله، 

والذي يحسم مادة رجاء المخلوقين من قلبك حينما ترضى بحكم الله عز وجل وقسمته لك، فمن رضي بحكم الله وقسمته, لم يبقَ لرجاء الخلق في قلبه موضع:

لا تســــألـن بنيّ آدم حاجة     وســـل الذي أبوابه لا تغـلـق

الله يغضـــب إن تركت سؤاله     وبنـي آدم حيـــن يسأل يغضب

يجب أن تحسم مادة رجاء المخلوقين حينما ترضى بقضاء الله وقدره، والذي يحسم مادة الخوف هو التسليم لله, فإنه من سلم لله, واستسلم له, وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه, وعلم أنه لم يصبه إلا ما كتب الله له، لم يبقَ لخوف المخلوقين في قلبه موضع أيضاً، حينما تعلم أن الأمر بيد الله, وأن الله لن يسلمك إلى أحد, وأن مصيرك مع الله، وأن الفعل كله بيد الله لا تخاف أحداً، والنبي الكريم بحديث جامع مانع موجز قال:

(( لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه  ))

[ أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن علي ]

إذاً: إن بلغت هذه المرتبة لا معنى للخوف من غير الله عز وجل, الانفصال عن الخلق وعن هوى النفس الذي يزاحم مراد الله منك, والاتصال بالإقبال على الله.

 

في التسليم أيضاً فائدة لطيفة:


هو أنه إذا سلمها الله, فقد أودعها عنده, وأحرزها في حرزه، وجعلها تحت كنفه, حيث لا تنالها يد عدو عاد, ولا بغي بغي عات، أنت حينما تدع الأمر لله عز وجل, يتولى عنك كل شيء, أما إذا اتكلت على نفسك أوكلك الله إياها، فلما سلمت ضمنت النجاح، وإن لم تسلم أخفقت، هذا هو الانقطاع عن الخلق, ولكن التبتل لا يكتمل حتى يكون انقطاع المتبتل عن النفس لا عن الخلق وحدهم, ولكن عن حظوظ النفس بمجانبة الهوى، وتنسم روح الإنس، فإن في جانبة الهوى ومخالفته ونهي النفس عنه تنسم روح الأنس بالله. 

يوجد نقطة دقيقة: افرض نفسك وعاء ممتلئاً بالدنيا, لا يوجد مكان لحب الله عز وجل, إذا نزعت حب الدنيا من قلبك, البديل الطبيعي حب الله عز وجل، مثل آخر:

نقطتان؛ الآخرة والدنيا، إن اقتربت من الآخرة ابتعدت حكماً عن الدنيا, وإن اقتربت من الدنيا ابتعدت حكماً عن الآخرة، كل فراغ لا بد من أن يشغل، فإذا فرغت نفسك من حب الدنيا, لا بد وأن تملأ محبة الله قلبك:

﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

هذا الروح الذي تشعر به, هو بسبب إعراضك عن الهوى، صار في هوى وروح:

من ترك الهوى امتلأ قلبه روحاً وريحاناً، من اتجه إلى الهوى خسر إقبال القلب على الله عز وجل.

النفس لا بد لها من التعلق, فلما انقطع تعلقها من هواها, وجدت روح الأنس بالله عز وجل. 

 

الخاتمة :


كنت أقول هذه الكلمة: إما أن تكون عبداً لله, وإما أن تكون عبداً لعبد لئيم، أنت عبد؛ فإما أن تجعل الله إلهك, وإما أن تجعل عبداً لئيماً إلهك، فإذا أنت رفضت أن تكون عبداً لله, أنت عبد لمليون شهوة.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِي اللَّهم عَنْهم-, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَة  ))

فإن لم تكن عبداً لله فأنت عبد لشهواتك، فإن لم تكن عبداً لله فأنت عبد لعبد لئيم، إن لم تخضع لله سوف تقبل الأرجل لغير الله، أنت مصمم أن تكون عبداً، فشرفك ومكانتك أن تكون عبداً لله، فالمؤمن الصادق يصدع بالحق عند من يخافه ويرجوه، وقد زهد في مدحهم وثنائهم, يصيح فيهم بالنصائح جهاراً، ويعلن لهم بها ويسر لهم إسراراً.

فالتبتل مرتبة عالية جداً, فيها انقطاع عن الخلق, وعن هوى نفسك, واتجاه إلى الحق، وفي تكامل, بقدر ما تنقطع عن الخلق تتجه إلى الحق، وبقدر ما تفرغ نفسك من حب الدنيا, تملأ هذه النفس بحب الله ورسوله، والقضية قضية مرتبة, نرجو الله أن نصل إليها، مرتبة التبتل، قال تعالى ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) التبتل الأول الانقطاع، لكن مع التفعيل، انقطاع مع التفعيل، أما التبتل: التبتيل مصدر آخر فيه معنى التكلف, والتعمل، والتكثر, والمبالغة، فمجموع المعاني خمسة:

﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) ﴾

[ سورة المزمل ]

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور