وضع داكن
20-04-2024
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 098 - تلخيص الأسس الكبرى لدروس المدارج - كلمة التوحيد الأولى : لا إله إلا الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الأسس الكبرى لدروس المدارج :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

ما سبب ابتعاد المسلمين عن حقيقة التوحيد ؟.


أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في مدارج السالكين وفي منازل إياك نعبد وإياك نستعين، و لكن نحن في الدروس الأخيرة بقي درسان، ومن أصول عرض الموضوعات الطويلة: أنه في النهاية يلخِّص الأسس الكبرى لهذه الدروس؛ كلمة التوحيد الأولى.

ولا بد من أن أنوِّه إلى أنَّ هذه الكلمات الكبرى في الإسلام, مع مضي الزمن, ومع ضعف الإيمان, ومع الانغماس في الدنيا, أصبح المسلمون بعيدين عن حقيقتها، وكأنه فُرِّغت من معناها، ككلمة لا إله إلا الله يقولها المسلم في اليوم مئات المرات، ولو فقِه حقيقتها لارتعدت مفاصلُه.

قالوا: شدّة القرب حجاب.

والنبي -عليه الصلاة والسلام- حينما سأله أعرابي:

((  عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ, قَالَ:قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, قُلْ لِي فِي الإِسلامِ قوْلاً لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بعدك، قَالَ، قل: قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ ))

[ أخرجه مسلم ]

قل، لأن القول يعبّر عن حقيقة، ولأن الأنبياء جاؤوا بالكلمة الصادقة، فلذلك في البدايات يكفي أن تقول: لا إله إلا الله فأنت مؤمن، أما مع مضي الزمن هناك من يقول: لا إله إلا الله, ولكنه لا يفقه معناها, هناك من يردِّدها ولا يدرك أبعادها.


وسأقدّم لكم بعض الأدلة: 


كلمة الله أكبر: أكبر من كل شيء, فالإنسان حينما يطيع زوجته ويعصي ربَّه بجرأة بالغة, لماذا فعل هذا؟ لأنه رأى أن إرضاء زوجته أكبر عنده من الله، فهل قال هذا الإنسان: الله أكبر حقيقة؟ مستحيل وألف ألف مستحيل.

إنسانٌ يغش المسلمين في بضاعتهم, هو ماذا رأى؟ رأى أن هذا الربح الحرام الذي يأتيه من غشِّ المسلمين أغلى عنده من طاعة الله، ومن رضوان الله، فهل يصحُّ أن يقول هذا الإنسان: الله أكبر؟ كم إنسان يغش المسلمين, ويقول: الله أكبر في الصلاة؟ كلام لا معنى له إطلاقاً، لا يعني شيئاً، تأكل المال الحرام وتؤذي المسلمين وتقول: الله أكبر، أكبر من ماذا؟ لذلك كنت أقول:

 مَن قال: الله أكبر بلسانه, ورأى أن إرضاء أهله أكبر عنده من إرضاء خالقه، أو رأى أن ربحه من بضاعة مغشوشة يؤذي بها المسلمين أكبر عنده من رضوان الله، فهو ما قال الله أكبر ولا مرة، ولو ردَّدها بلسانه ألف مرة، صار هناك كلمات كبيرة مفرَّغة من مضمونها: شدة القرب حجاب. 

لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوَّلُها.

ينبغي أن نعود إلى الينابيع الصافية، ينبغي أن نعود إلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله ، كلمات الإسلام الكبرى: 

الله أكبر، لا إله إلا الله، الحمد لله, سبحان الله .

كم إنسان يقول: سبحان الله، ولا يعي ما يقول؟ إن أراد أن يستهزئ بإنسان: سبحان الله, يستخدمها ليستهزئ بأخيه، قد يستخدمها ليُعجب بامرأة شبه عارية، سبحان الله، هكذا، هذه الكلمات الكبرى فُرِّغت من مضمونها، ولا معنى لها، وشدة القرب حجاب، نريد أن نعيد إلى هذه الكلمات مضامينها، لهذه الكلمات الأولى أبعادها.

 

كلمة التوحيد لا إله إلا الله .


اليوم أردت أن يكون هذا اللقاء حول: لا إله إلا الله، كلمة التوحيد الأولى، الكلمـة التي هي فحوى دعوة الأنبياء جميعــاً، كم كتاب في الإسلام؟ في العالم الإسلامي ملايين الملايين، المكتبة الإسلامية اليوم فيها من المجلّدات والكتب والعنوانات والموضوعات ما لا سبيل إلى إحصائه، أيمكن أن تُضغط كلُّ هذه الكتب بكلمة واحدة هي لا إله إلا الله؟ أيمكن أن تُضغط كل أفكار الديانات السابقة السماوية بكلمة واحدة هي لا إله إلا الله؟ قال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾

[ سورة الأنبياء  ]

لا إله إلا الله حصن، لا إله إلا الله نور، ولكن المسلمين بعيدون جداً عن فهم أبعادها، لأنها كلمة التوحيد الأولى، ولأنها كلمة العبادة الأولى، لا معبود بحق إلا الله، ألِهَ؛ أي ولِهَ، أحبَّ.

 

لماذا أراد الله أن نكون مخيرين ؟.


أساس هذا الدين المحبوبية، كان من الممكن أن يجبرنا الله على طاعته جميعاً، بالخمس قارات لا يوجد ولا معصية، كل المخلوقات عدا الإنس والجن مسيَّرون، قال تعالى:

﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) ﴾

[ سورة يس ]

أيُعقل أن تقول الشمس يوماً: أنا اليــوم لا يعجبني أن أشرق؟ مزاجي لا يتفق مع الإشراق؟ نستيقظ ليس هنــاك شمس؟ لا، الشمس مسيَّرة ومسخَّرة، والقمر كذلك، وكل أنواع المعادن وأشباه المعادن، كل أنواع النبات والحيوان، كل أنواع المخلوقات مسيَّرة، ليس لك خيار، كان من الممكن أن يكون هذا الإنسانُ مسيِّراً أيضـاً، لا تجد في الأرض معصية واحدة.

لماذا أراد الله أن نكون مخيَّرين؟ لأن الكون بُني على المحبوبية، واللهُ عز وجل لا يرضيه أن تأتيه خائفاً، ولا أن تأتيه مقهوراً, ولا أن تأتيه مجبوراً، يريد أن تأتيه محبًّاً، ويكون الإنسانُ محبًّا لما يكون مختاراً.

يعني مثلاً :

  

لماذا شاءت حكمة الله أن يجعل الأنبياءَ ضعفاء في بداية الدعوة؟.


سيد الخلق وحبيب الحق يمرُّ على عمَّار بن ياسر يُعذَّب, لا يستطيع أن يخلِّصه، ولا يستطيع أن يخفف من عذابه من شيء، كان النبيُّ مستضعفاً، ماذا قال؟: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.

استطاع أن يخلِّصهم, سيد الخلق وحبيب الحق لم يتمكن أن يخلِّص عمار بن ياسر من التعذيب ولا بلالاً، معنى ذلك: أن النبي ضعيف، لماذا أراده ضعيفاً؟ لو أنه كان قوياً دعا إلى الله وكلُّ من دونه خضعوا له، هذا الخضوع لا قيمة له, هذا خضوع الرقاب لا خضوع القلوب، أنت بالقوة تملك الرقاب ولا تملك القلوب، ولكنك بالحق والكمال تملك القلوب, فشاءت حكمة الله أن يكون النبيُّ ضعيفاً، ليكون الذي آمن به عن قناعة تامة، وعن صدق شديد, وعن حرية مطلقة, وعن حب شديد، لأن الله يريدنا أن نأتيه محبِّين طائعين مختارين.

كان الأنبياءُ ضعفاء، لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً، لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرًّا:

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾

[ سورة الأعراف  ]

قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)﴾

[ سورة الأنعام ]

ضعف شديد، لماذا؟ ليكون الذي آمن به آمن مختاراً عن حبٍّ وشوق وتقدير، إذًا اللهُ عز وجل أراد المحبوبية، وجعل الإنسان مخيَّراً، لو كان مسيراً لانتهى.

تصوَّر جامعةً أراد رئيسها أن ينحج كلُّ الطلاب من دون استثناء، وزَّع أوراق الإجابة وعليها الإجابة كاملة مطبوعة، وما على الطالب إلاّ أن يكتب اسمه ورقمه خلال دقيقة، و العلامة مائة على مائة كاملة، طلاب الجامعة نالوا شهادات بدرجة امتياز، ما قيمة هذا النجاح ؟ لا قيمة له إطلاقاً، لا يُبنى له إطلاقاً؛ لا عند الناس ولا عند الطلاب ولا عند الجامعة.

 

هل في العالم الإسلامي شرك جلي ؟.


كلمة التوحيد أن تقول: لا إله إلا الله تنفي وتثبــت، تنفي الشرك.

أطمئنكم: ليس في العالم الإسلامي شرك جليٌّ، لو ذهبت إلى آسيا لوجدت شركاً جلياً، لوجدت من يعبد النار، لوجدت من يعبد البقر، لوجدت من يعبد الحجر، لوجدت من يعبد الجرذان، هناك معبد كبير جداً, فيه مائة ألف جرذ, والإنسان إذا دخل هذا المعبد يعبد هذه الجرذان، لوجدت من يعبد موج البحر هكذا، فالمسلم يعبد الله عز وجل، إذًا: لا إله نفيُ الشركاء، ليس في العالم الإسلامي شرك جلي، ولكن في العالم الإسلامي شرك خفي.

الإمام علي -كرّم الله وجهه- يقول: الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء, على الصخرة الصماء, في الليلة الظلماء -نملة سمراء تمشي على صخرة صمّاء في ليلة ظلماء، لها صوت-.

 

علامة التوحيد .


 وأدناه أن تحب على جور، وأن تبغض على عدل.

يعني إنسان قدّم لك شيئاً نفيساً وهو منحرف, أحببته, علامة توحيدك وعلامة حبك في الله: أنه إذا وصلك من مؤمن ضررٌ تبقى تحبه، وأنه إذا وصلك من منافق خيرٌ تبقى تبغضه، أبداً, هذا الإيمان، وهذا هو الحب في الله والبغض في الله، يأتيك خير من كافر أو منافق تبغضه، يأتيك أحياناً إيذاء من مؤمن، اجتهد فأخطأ في الاجتهاد، أراد الخير فلم يصبه، نالك منه أذى، على أنه نالك منه أذى تبقى تحبه، قضية أن تحب في الله وأن تحب مع الله, قضية خطيرة جداً, الحبُّ في الله عينُ التوحيد، والحب مع الله عين الشرك، أن تحب في الله، يعني إنك تحب الله.

 

لوازم حبك لله :


 ومن لوازم حبك لله: أن تحب رسول الله .

ومن لوازم حب الله: أن تحب أصحاب رسول الله .

ومن لوازم حب الله: أن تحب المؤمنين .

ومن لوازم حب الله: أن تحب القرآن الكريم, وأن تحب المساجد, وأن تحب كل ما يمتُّ بصلة إلى الله .

هذا كله حبٌ في الله .

ومن لوازم الحب مع الله: أن تحب شيئاً لا يحبه الله، أن تحب شيئاً يبغضه الله، أن تحب صديقاً ليس مطيعا لله، شيء خطير جداً .

أن تحب في الله أو أن تحب مع الله, أراد الله أن تأتيه محباً ، لا إله، لا شريك, لا فعَّال, لا معطٍ, لا مانع، لا قابض, لا باسط، لا معز, لا مذلّ، لا رافع, لا خافض إلا الله، نفي الشرك، هذه العين ترى القوم، أما الإيمان فلا يرى إلا الله القوي.

 

التوحيد :


قال تعالى:

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾

[ سورة الأنفال ]

وقال تعالى:( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُم ) في اللغة يمكن أن يُنسب الفعلُ إلى الذي باشره أو إلى الذي أمر به، بنى الأمير قلعة، هذا الآمر بنى البناء قلعة، مِن القرآن قال تعالى:

﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) ﴾

[ سورة الزمر ]

وقال تعالى:

﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) ﴾

[ سورة السجدة  ]

هذا الفعل عُزِي مرة إلى الله ومرة إلى ملك الموت، فيمكن أن يعزى الفعل إلى المباشر أو إلى الآمر، قال تعالى: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) وقال تعالى:( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُم ) هذا هو التوحيد، لا إله، هؤلاء الأشخاص الأقوياء الذين تراهم عينك مَن هم؟ هؤلاء عصِيٌّ بيد الله، أدوات تأديب للخلائق، هذه رؤية المؤمن.

 

هنالك آية في كتاب الله دقيقة ما معناها ؟.


قال تعالى:

﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)﴾

سورة الشورى

قد نمرُّ على هذا المعنى بشكل سريع، لو دقَّقت المشكلة كبيرة جداً، قال تعالى: ( أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) الأمور صارت إلى الله، بيد من كانت؟ كأنها لم تكن بيد الله فصارت بيد الله، وهو معنى فاسد.

 قال علماء التفسير: الأمر كله بيد الله، أزلاً أبداً، ولكن أهل الدنيا يرون الأمور بيد عبد الله لا بيد الله, فإذا انتقلوا إلى دار الحق رأوها بيد الله، أما المؤمن وهو في الدنيا وهو في الآخرة لا يراها إلا بيد الله, يرى يد الله تعمل في الخفاء، الأحداث الكبرى التي تجري في العالم يراها بيد الله، يرى أقوياء الله كأحجار الشطرنج، يحركهم الله عز وجل، القوى العاتية يراها مسلَّطة من قِبل الله، لحكمة أرادها الله, قال تعالى:

﴿ إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90)﴾

[ سورة النساء ]

  

ما ينبغي أن تؤمن به :


أوَّلاً: ينبغي أن تؤمن أنه لا يُعقل ولا يُقبل ولا يُستساغ أن يجري في ملك الله ما لا يريده الله، إذا مدير حازم لمؤسسة أو مدرسة أو مستشفى, لا يمكن أن يدخل طبيب لا علاقة له بهذا المستشفى, ويعالج مرضى, ويتقاضى أجراً, والمدير لا علم له، مستحيل، هذا ليس مديراً، إذا كان مديراً حقيقياً حازماً, لا يمكن أن يدخل طبيب إلى هذا المستشفى, ويعالج الناس بأجر دون أن يعلم المدير العام.

إلهٌ عظيم لا يجري في ملكه إلا ما يريد، إذًا: لا إله إلا الله، الله صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، الله هو الخالق, وهو المربِّي, وهو المسيِّر، هو الموجود, وهو الكامل، الله عز وجل علم على الذات، علم على واجب الوجود، صاحب الأسماء الحسنى و الصفات الفضلى، لا إله إلا الله.

ممرض في المستشفى والمدير العام انتقل، يقول لك: مَن عيَّنوا؟ أول كلمة: مَن عيَّنوا؟ تقول له: فلان، يقول لك: كيف أخلاقه؟ الإنسان يريد أن يعرف مَن وكيف؟ لا إله إلا الله وحده لا شريك له, -منذ الصباح عقِب صلاة الفجر-, له الملك وله الحمد، والإنسان قد يملك ولا يُحمد، وقد يُحمد ولا يملك، قد تجد إنساناً لطيف الأخلاق، ولكن ليس بيده شيء، و قد تجد إنساناً قويًا جداً ولكن لا يُحمد، أما الله عز وجل فله الملك وله الحمد، تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.

في حياتنا اليومية، قد تكون تحمل أعلى شهادة, ولك أمٌّ أمِّية تحبها محبة لا يعلمها إلا الله، لكن من حيث العلم لا شيء، ابنها يحمل أعلى شهادة في الأرض، عنده أفق واسع جداً، و إدراك عميق, اطِّلاع واسع، وثقافة عالية ومؤلَّفات، أمُّه أمِّية، يحبها ويكرمها، ولكن لا يمكن أن يقدِّر جهلها، إذًا هو أكرمها وأحبها، ولكنه لا يجلُّها علمياً.

طالب في الجامعة, عنده أستاذ عظيم، ولكنه لئيم أيَّما لؤم, يقدِّره ويجل علمه ولكن لا يحبُّه، ولكن انظر إلى هذه الآية:

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) ﴾

[ سورة الرحمن ]

بقدر ما تعظِّمه تحبُّه، وبقدر ما تحبه تعظِّمه، شيء دقيق، ذو الجلال الإكرام: ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)) هكذا إذًا لا إله, لا معبود بحقٍّ إلا الله، ينبغي أن نعبد الذي خلقنا، ينبغي أن نعبد ربنا ، الذي يمدَّنا بما نحتاج، ينبغي أن نعبد المسيِّر، الذي يسيِّر كلّ الخلائق، ينبغي أن نعبد الرحيم ، أن نعبد الحكيم، إذًا لا معبود بحق إلا الله، هذا الذي تعبده ينبغي أن تحبه.

كنتُ في عيادة مريض هذا اليوم، قلت له: ألا تحب الله؟ الذي تحبه هو الذي ساق لك هذا المرض, قلت له: حديث قدسي صحيح، لكن كلمة فيه لم أكن منتبهاً إليها.

يا داوود, مرضت فلم تعدني, قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: مرض عبدي فلان فلم تعُده، أما علمتَ لو أنك عدته لوجدتني عنده.

فبكى المريض، قلت له: حينما يأخذ ربُّنا من عبد بعض صحَّته، ليعوِّضه أضعافاً مضاعفة في التجلي على قلبه.

أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟.

يا موسى, أتحب أن أكون جليسك؟ قال: وكيف ذلك يا رب؟ قال: أما علمتَ أنني جليس مَن ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني؟.

هذه كلمة التوحيد، يعني الإنسان أحيانا يقيس.

 

ما سبب معاناة المسلمين اليوم ؟.


قلت لكم من قبل: إن ضبّاط الأمن الجنائي أينما رأوا جريمة, يطرحون هذا السؤال: فتِّش عن المرأة، وأنا أقول لكم: أينما وجدت ضعفا فتِّش عن ضعف التوحيد، أينما وجدت تقصيراً فتِّش عن ضعف التوحيد، أينما وجدت خوفاً مُريعاً فتِّش عن ضعف التوحيد، إلى أن أقول لكم: هناك أعراض كثيرة جداً لمرض واحد، لمرض الإعراض عن الله، كل ما تعانيـه المجتمعات هي أعراض لمـرض الإعراض عن الله.

أحياناً يكون الطبيب متمكِّناً, يقــول له المريض: أشعر بصداع، هذا من أعراض التهاب الأمعاء، أشعر بقيء، هذا من أعراض مرض التهاب الأمعاء، أشعر بقشعريرة، هذا من أعراض التهاب الأمعاء، أشعر ببُعد عن الطعام، هذا من أعراض التهاب الأمعاء، ثم يقول : كل هذا الذي ذكرته لي أعراض لمرض واحد هو التهاب الأمعاء.

وأنا أقول لكم: كل ما يعانيه المسلمون أعراضٌ لمرض واحد هو ضعف التوحيد، لو أردت أن تأخذ تأشيرة خروج لبلد معيّن، أو لبلد له معاملة خاصة، إذا تيقَّنت أن هذه التأشيرة لا يمنحها إلا المدير العام, هل تبذل ماء وجهك أمام أحد الموظفين؟ أنت حين تعلم أن هذه التاشيرة لا تُمنَح إلا من قِبل المدير العام، لا ترجو إلا هذا المدير العام، ولا تعقد الأمل إلا عليه، ولا تبذل ماء وجهك إلا إليه، ولا تتضعضع إلا أمامه، هذه النقطة الدقيقة: حينما تعلم أن الرازق هو الله، لا تكذب من أجل أنْ تُرزق، حينما تعلم أن العمر بيد الله, كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرِّب أجلاً.

كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلا إله إلا الله كلمـة التوحيد الأولى، فيها نفي وإثبات, ثم إن هذا الإله هو الله، صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، محمد رسول الله، الله عز وجل كامل، ولكن الكمال البشري مجسّد برسول الله، رسول الله -عليه الصلاة والسلام- سيد الخلق وحبيب الحق بلغ سدرة المنتهى:

﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)﴾

[ سورة النجم ]

هذا النبي الكريم بلغ أعلى مقام وصله بشر، ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام متواضعا أشد التواضع، قال:

مَن كنتُ جلدتُ له ظهراً فهذا ظهري فليقتد مني، ومن كنت أخذت له فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليقتد منه.

هو لا يخشى الشحناء, فإنها ليست من شأنه ولا من طبيعته.

 

في السيرة مواقف لا تُصدق:


 النبي -عليه الصلاة والسلام- طبعاً وصل إلى قمة قوته، عقب معركة حنين، دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، كان قوياً، بدأ ضعيفاً ثم صار قوياً, حينما قال لقريش: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

جاءه صحابي جليل, فقال له:

يا رسول الله, إن قومي وجدوا عليك في أنفسهم، من أجل هذا الفيء الذي وزَّعته في العرب، ولم تعط الأنصار منه شيئاً -يا ترى أنت ناقل أم متبنٍّ؟-, قال له: يا سعد, -سعد بن عبادة سيد الأنصار- أين أنت من قومك؟ قال: ما أنا إلا من قومي, -أي أنا كذلك-, قال: اجمع لي قومك, فجمع قومه، وقف النبي فيهم خطيباً، قال:

أما بعد, مقالة بلغتني عنكم، وجِدة وجدتموها عليَّ في أنفسكم، من أجل لعاعة من الدنيا تألفتُ بها قوماً ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، يا معشر الأنصار, -وهو في أعلى درجة من القوة-, أما إنكم لو شئتم لقلتم، فلصَدَقتم ولصُدقتم به, -ذكَّرهم بفضلهم عليه, بمقدوره كما يفعل الأقوياء أن يلغي وجودهم، وأن يهدر كرامتهم، وأن يهملهم، وأن يعاتبهم لصالحه, ماذا فعل؟ ذكَّرهم بفضلهم عليه-, قال: يا معشر الأنصار، أما إنكم لو شئتم لقلتم، فلصَدَقتم ولصُدقتم به, أتيتنا مكذَّبا فصدّقناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فأغنيناك

لو قلتم هذا فأنتم صادقون، أنتم تفضَّلتم عليّ, جئتكم طريداً فآويتموني، جئتكم مكذَّباً فصدّقتموني، جئتكم عائلاً فأغنيتموني.

مرة السيدة عائشة -وهي شابة في ريعان الشباب، وضيئة، وهي من أحبِّ زوجاته إليه-, ولكنه لا يفتــأ يذكر خديجة بالخير فضجرت، فقالت:

هذه العجوز الشمطاء، ألا زلت تذكرها؟ ألم يبدلك الله خيراً منها؟ قال: لا والله لا واللهِ لا والله، صدّقتني حين كذّبني الناس، وآمنت بي إذ كفـر بي الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد، فوالله لا أنساها

اليوم إذا رجل عنده زوجة في مثل سنه يندب حظَّه، ويقول: غلطت غلطة كبيرة جداً ، أي إنسان يتزوج امرأة شابة، وله زوجة توفيت, يقول لك: الله خلَّصنا منها، والله لا يوجد مثلك أنت، قمة وفاء.

 عثرت في بعض كتب السيرة على ومضة, أنا لا أصدِّق ما أرى.

النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما فتح مكة نصب عند قبر خديجة راية الإسلام.

ليشعر الناس أن لهذه المرأة فضلاً كبيراً في هذا النصر، هي الدعم الداخلي، الآن يأتي الواحد أحياناً من البيت، ضغط من زوجته، الدخل محدود والطلبات كثيرة, السيدة خديجة إن صح التعبير امرأة لا كالنساء، كانت الدعم الداخلي للنبي عليه الصلاة والسلام، كان يقيم في غار حراء الليالي ذوات العدد، ما قالت كلمة: تركتنا لوحدنا، إذا كان يرضيه أن يعبد ربَّه فأنا معه، كانت تأتيه بالطعام إلى غار حراء، قال: انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة، ليشعر الناس أن لهذه المرأة البطلة مساهمة في هذا النصر، هناك امرأة عبء على زوجها، وهناك امرأة في خدمة زوجها, هناك امرأة تدعمه، تعينه، وهناك امرأة عبء عليه.

لا إله إلا الله محمد رسول الله يمثل الكمال البشري.

 

الخاتمة :


مرة قال لي واحد: سمعت من يقول: أن هذا الكون كلَّه خُلق من أجل محمد، قلت له : هذا ليس بصحيح، هذه شطحة، ولكن البشر جميعاً خُلقوا ليكونوا على شاكلة محمد، هو القدوة، هو الأسوة، خُلقنا لنكون على شاكلته، هو المثل الأعلى، هو القدوة، وهو النموذج، لم نُخلق من أجله، خُلقنا لنكون على شاكلته، لهذا الآية الكريمة:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)﴾

[ سورة الأحزاب ]

لا معبود بحـق إلا الله، اعبُد من اتصف بالكمال المطلق، اعبد الرحيم ولا تعبد اللئيم ، اعبد القوي ولا تعبد الضعيف، اعبد الحكيم ولا تعبد غير الحكيــم، فلذلك بقولك: لا إله إلا الله؛ أي لا معبود بحق إلا الله, هو أهل التقوى وأهل المغفرة، أهلٌ أن تعبده.

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور