وضع داكن
28-03-2024
Logo
العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 34 - قضايا الإيمان -1- مظاهر الوصول إلى الله
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الأعمال التي لا ترضي الله عز وجل تحول بين المؤمن و ربه:

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الرابع والثلاثين من دروس العقيدة والإعجاز. الموضوع اليوم متصل بمشكلة يعاني منها معظم المسلمين، يسألك سائل أصلي فلا أشعر بشيء، أقرأ القرآن فلا أشعر بشيء، أذكر الله فلا أشعر بشيء، أين المشكلة و ما السبب ؟ وأين الخلل ؟ الحقيقة الله عز وجل يقول:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾

( سورة البقرة الآية: 186 ).

الله عز وجل يحول بين المرء وقلبه، أقرب إلينا من حبل الوريد، معنا أينما كنا، بل إن قيامنا به، هو قريب ولكن كيف نحن نقترب منه ؟ الحقيقة المرة أن الذي يحول بيننا وبين الله أعمال لا ترضي الله والدليل: 

﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) ﴾

( سورة المطففين).

سلامة الإنسان و سعادته في الدنيا أن يصل إلى الله تعالى:

الله عز وجل عزيز لا يتجلى على المؤمن إلا إذا كان طاهراً، إلا إذا كان مستقيماً، إلا إذا كان ورعاً، إلا إذا كان مخلصاً، يجب أن تتهم نفسك دائماً إنك إن لم تستطع أن تتصل بالله، أنك إن لم تجد حلاوة الإيمان، إنك إن لم تجد حلاوة الذكر، إنك إن لم تجد حلاوة القرآن فاتهم نفسك، هناك شبهة حالت بينك وبين ثمار الإيمان، أو هناك شهوة آثرتها على طاعة الله عز وجل، هذه الحقيقة التي ينبغي أن تكون واضحة وضوح الشمس ؛ إما شبهة أو شهوة، الشبهة تحجبك عن الله عز وجل، والشهوة أيضاً تحجبك عن الله عز وجل، لكن الإنسان إذا شعر بالغفلة هناك إنسان بسرعة وبجهد يسير يتصل بالله، يكون الحجاب رقيق، صغير، تقصير، وأحياناً يكون الاتصال بالله صعباً جداً، الحجاب كثيف، يجب أن تعلم علم اليقين أن كل سعادتك وسلامتك أن تصل إلى الله في الدنيا، أن تصل إليه من خلال الصلاة، أو من خلال الذكر، أو من خلال تلاوة القرآن، أو من خلال المناجاة، أو من خلال الدعاء، أو من خلال التسبيح، أو التكبير، والحمد، وما إلى ذلك.
حينما ترى حجاباً بينك وبين الله اتهم نفسك، الله عز وجل أقرب إلينا من حبل الوريد، يحول بيننا وبين قلوبنا، الله عز وجل ينتظرنا:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾

( سورة البقرة الآية: 186 ).

من رأى أن الله عز وجل لا يتجلى على قلبه عليه أن يتهم نفسه بالدرجة الأولى:

يمكن أن تتصل بالله وشفتاك مطبقتان، لكن حينما ترى الأمر غير ميسور في حجب، النقطة الدقيقة الأولى، اعلم علم اليقين أن التقصير والمخالفات والشهوات والشبهات حجاب بينك وبين الله، الكافر محجوب عن الله لكن محجوب بسبب كبير جداً أنه أنكر وجوده، أو أنه أنكر أسماءه الحسنى، أو أنه أنكر عدله، أو أنه أنكر رحمته، لكن معقول مسلم لسبب صغير يحجب عن الله ؟ لسبب قليل ؟ المشكلة راجع حساباتك، راجع نفسك.

من ثمرات الاتصال بالله عز وجل:

 

1 ـ نور يقذفه الله في قلب الإنسان يرى به الخير خيراً والشر شراً:

لعل من المناسب أن نشرح في هذا اللقاء الطيب ثمار أن تصل إلى الله أو مظاهر الوصول إلى الله، مظاهر الإقبال على الله عز وجل، أولاً الله عز وجل يقول:

﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ (122) ﴾

( سورة الأنعام)

حياة القلوب و اطمئنانها بذكر الله تعالى:

الإنسان بالبعد عن الله ميت، إذا اتصل به شعر بالحياة، الحياة الحقيقية حياة القلب، الحياة الحقيقية حياة الاتصال بالله، الحياة الحقيقية حياة أن يقذف في قلبك نور إلهي ترى به الخير خيراً والشر شراً، فالآية واضحة جداً:

﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ (122) ﴾

( سورة الأنعام)

قد يموت القلب والقلب يحيا بذكر الله:

 

﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

( سورة الرعد الآية: 28 ).

القلوب تحيا بذكر الله وتطمئن بذكر الله:

 

﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا (122) ﴾

( سورة الأنعام)

من وصل إلى الله و اصطلح معه قذف الله في قلبه نوراً يهديه إلى أفضل الأمور:

أول نقطة في الدرس علامة اتصالك بالله، علامة إقبالك عليه، علامة إخلاصك له، علامة استقامتك، أن الله عز وجل يكافئك بنور يقذفه في قلبك ترى به الخير خيراً والشر شراً، هذه ميزة أيها الأخوة، يصعب تصورها، لا تقع في ورطة، لا تقع في خطأ كبير يدمرك، أنت مستنير بنور الله، ترى بنور الله، وتنطق بتوفيق الله، وتتحرك وفق منهج الله، أول ثمرة من ثمار اتصالك بالله أنك تشعر برؤية صحيحة، المؤمن يملك رؤية صحيحة، المؤمن يملك رؤية صحيحة يرى الخير خيراً والشر شراً، يعني لا أقول معصوم لا ليس معصوماً، لكن إن أخطأ ففي أشياء صغيرة جداً أما أن يقع في كبيرة، أن يقع في ورطة، تودي به إلى الدمار مستحيل، لأنه يرى بنور الله، لأنه ينطق بتوفيق الله له مرجع.
أيها الأخوة، مثل بسيط أضعه بين أيديكم، مثل افتراضي، أب كبير، كبير بعلمه، باختصاصه، وبرحمته، وغني، ويحرص على تربية ابنه حرصاً لا حدود له، هيأ له أفضل مدرسة، أفضل مكتبة، أفضل أصدقاء، له غرفة خاصة يتابعه في أدق التفاصيل، ترى الطفل مهذب، الأول في مدرسته، أنيق في لباسه، انظر إلى طفل آخر لا ولي له، من مكان إلى مكان، من بناء إلى بناء، من مخفر إلى مخفر، منحرف، رث الثياب، يسرق، يرتكب الفواحش، يساق إلى السجن أحياناً، هذا لا ولي له، اسمع الآية الآن:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾

( سورة محمد )

لك مرجع، مرجعك الله، لك كتاب مرجعك الكتاب، لك نبي عظيم مرجعك سنته الشريفة، أنت لك مرجع: 

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾

( سورة محمد )

أول حقيقة أن المؤمن إذا وصل إلى الله، واصطلح معه، وأقبل عليه، واستقام على أمره، وأخلص له، يقذف الله في قلبه نوراً يريه الحق حقاً والباطل باطلاً.

 

من أقبل على الله قلّما يقع بأخطاء تحجبه عن المولى سبحانه:

قلما يقع المؤمن في ورطة كبيرة، هذه الحقيقة الأولى، قد يقول أحدكم ما الدليل ؟ الدليل هذه الآية:

﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا (122)﴾

( سورة الأنعام)

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ (28) ﴾

(سورة الحديد)

هذه أول ثمرة من ثمار الاتصال بالله، الوصول إلى الله، الإقبال على الله.

2 – انتقال اهتمامات الإنسان إلى الدار الآخرة:

أيضاً العلامة الثانية فضلاً عن الرؤية الصحيحة، العلامة الثانية تنتقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة.

(( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله ولم يؤتيه من الدنيا إلا ما قدر له ))

( أخرجه ابن ماجة عن الترمذي ].

أول ثمرة من ثمار الوصول إلى الله: نور يقذفه الله في قلبك ترى به الخير خيراً والشر شراً، والثمرة الثانية أنه تنتقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة، لذلك الإنابة إلى دار الخلود والتأهب ليوم النشور.

3 ـ وجل القلب عند ذكر الله:

هناك علامة ثالثة، أنا أضعكم أمام علامات دقيقة حتى الواحد يراقب نفسه، يحاسب نفسه، يفحص نفسه، العلامة الثالثة وجل القلب عند ذكر الله، الدليل: 

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (2) ﴾

( سورة الأنفال)

يبكي المؤمن، يضطرب قلبه، يخفق قلبه، إذا ذكر الله وجل قلبه يعني اضطرب، شعر برعشة، رعشة إيمانية نقلته إلى الله عز وجل، الآن من علامات الوصول إلى الله أيضاً خشوع القلب عند ذكر الله: 

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾

( سورة المؤمنون ).

الخشوع السكون، يعني إنسان يصلي بحركات زائدة إذا صلى خشع قلبه وخشعت جوارحه، إذا استمع إلى القرآن يخشع ويبكي، الخشوع السكون، والركون، والانبساط، الآية: 

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) ﴾

( سورة الحديد ).

بنور يقذفه في قلبك تنتقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة قلبك يضطرب إذا ذكرت الله، جسمك وقلبك يخشع عند ذكر الله.

4 ـ حضور القلب في الذكر والصلاة:

هناك علامة أخرى هذه العلامة حضور القلب في الذكر والصلاة، أنا لا أقول لك إنك إن صليت لن تشرد إطلاقاً لكن المؤمن في معظم صلاته مع الله، واقف بين يدي الله، يناجي ربه، يقول في صلاته سمع الله لمن حمده، يا رب لك الحمد خلقتني، هديتني، أكرمتني، سترتني، غفرت لي، في مناجاة، إن أردت أن تحدث الله فادعه، وإن أردت أن يحدثك الله فاقرأ القرآن، إذا قرأت قوله تعالى:

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) ﴾

( سورة الإسراء)

إن أردت أن يحدثك الله فاقرأ القرآن، وإن أردت أن تحدث ربك فادعه:

يا موسى أتحب أن تكون جليسي ؟ قال: كيف أكون يا رب جليسك وأنت رب العالمين ؟ قال أما علمت أنني جليس من ذكرني وحيث ما التمسني عبدي وجدني.

 

الراحة التي تأتي عقب العبادات دليل أن الإنسان موصول بالله عز وجل:

كان بعض العلماء يصفون المؤمن القريب من الله كمصباح، البلورة صافية، مستودع الوقود ممتلئ، الفتيلة جاهزة، يحتاج إلى عود ثقاب، أما الإنسان البعيد البلورة مسودة، والمستودع فارغ، والفتيل محروق، فهناك جهود كبيرة جداً حتى يصل إلى الله عز وجل، يعني البطولة ألا يكون هناك حجاب بينك وبين الله، لذلك عقب العبادات تشعر أنك في حال غير الحال الآخر، عقب الصلاة في راحة، عقب الصيام في راحة، عقب الأذكار في راحة، هذه الراحة التي تأتي عقب العبادات، دليل أنك موصول بالله عز وجل.

5 ـ من وصل إلى الله و أقبل عليه ذاق حلاوة الإيمان:

أيها الأخوة الكرام، عندنا علامة أخرى من أروع العلامات أنك إذا وصلت إلى الله، وأقبلت عليه، واستقمت على أمره، وتقربت إليه، أذاقك الله حلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان شيء يصعب وصفه، يعني بالضبط بين أن تفهم بعض حقائق الإيمان وبين أن تذوق حلاوة الإيمان مسافة كبيرة جداً، كالفرق بين أن تقول ألف مليون و بين أن تنطق بها وبين أن تملكها، كم هي المسافة بين أن تقول ألف مليون بين أن تمتلكها أو أن تنطق بها ؟

 

لا يذوق الإنسان حلاوة الإيمان إلا بشروط منها:

 

1 ـ أن يكون الله ورسوله أحب إلى الإنسان مما سواهما:

لذلك:

(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))

[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]

أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، تعني شيئاً دقيقاً جداً عند التعارض، حينما تتعارض مصالحك مع أمر الله في قرآنه، ومع أمر النبي في سنته، وتؤثر طاعة الله وتضع مصلحتك المتوهمة تحت قدمك عندئذ تذوق حلاوة الإيمان، الحقيقة في نتائج باهرة لكن الثمن باهظ.
أحياناً تتعارض مصلحتك مع النص الشرعي، يعني شركة لك منها أرباح طائلة فرضت عليك شراء بضاعة لا ترضي الله، إن لم تشترِ هذه البضاعة تسحب منك الوكالة، والبضاعة محرمة، ولك منها أرباح طائلة، امتحان صعب جداً، فأنت حينما تضع تحت قدمك مصالحك المتوهمة، وتنحاز إلى طاعة الله ولا تعبأ بدنياك الآن تذوق حلاوة الإيمان، ثمن الحلاوة كبيرة، وعندئذ يجعل هذه الشركة ترضى أن تستورد منها كل شيء عدا هذه البضاعة ترضى بعد جهود كبيرة، هذه نقطة مهمة جداً.

 

من آثر طاعة الله على مصالحه ذاق حلاوة الإيمان:

حلاوة الإيمان تأتي حينما تؤثر طاعة الله على مصالحك، أن يكون الله في قرآنه والنبي في سنته أحب إليك مما سواهما من الدنيا وما فيها، إن آثرت ذلك أذاقك الله حلاوة الإيمان، هذه واحدة.

2 ـ الولاء و البراء:

الشيء الثاني:

(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ))

الانتماء للمؤمنين، الولاء للمؤمنين ولو كانوا فقراء وضعفاء، والتبرؤ من أعداء الدين ولو كانوا أقوياء وأغنياء، أحياناً الإنسان ينتمي إلى مصالحه، ينتمي إلى الأقوياء، ينتمي إلى الأغنياء، ويسكت عن كل أخطائهم ولا يدقق في كل تصرفاتهم، يطمع بمالهم أو بعطاء منهم، فالولاء والبراء أحد أركان الإيمان، أن توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء وأن تتبرأ من أعداء الدين ولو كانوا أغنياء وأقوياء.

3 ـ أن يكره الإنسان أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار:

البند الثالث:

(( وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))

هذه علامات الوصول إلى الله، أيها الأخوة، يقول الإمام الحسن البصري: تفقدوا حلاوة الإيمان في ثلاثة أشياء: في الصلاة و في الذكر وفي تلاوة القرآن، فإن وجدتم وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق.
في حجاب هناك عمل لا يرضي الله، نوايا لا ترضي الله، شبهات تحجبك عن الله، شهوات تحجب بها عن الله عز وجل ، هذه حقيقة مرة.

 

ثمار الإخلاص هي:

 

1 ـ أن يكون باطن الإنسان كظاهره:

علامة الوصول إلى الله لا تستأنس بالناس، وقد قيل الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس، يعني يحلو لك أن تكون وحدك في البيت، أن تقرأ القرآن وحدك، أن تناجي ربك وحدك، أن تمشي في الخلوات، أن تبادر إلى الصلوات، لا تستأنس بالناس، ويستوي عندك مديحهم أو ذمهم، يعني من حلاوة الإيمان أن تقطف ثمار الإخلاص، ما ثمار الإخلاص ؟ أولاً العمل لا يختلف أنت بين الناس أو وحدك في البيت لا يزيد ولا ينقص، سريرتك كعلانيتك، باطنك كظاهرك، خلوتك كجلوتك، هذه أول مؤشر.

 

2 ـ عمل الإنسان لا يتأثر ولا يزيد ولا ينقص في المدح أو الذم:

المؤشر الثاني العمل لا يتأثر ولا يزيد ولا ينقص في المدح أو الذم: 

﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

( سورة الأنعام )

هذه علامة ثانية.

6 ـ من ثمار الوصول إلى الله السكينة التي يمنحها الله للمؤمن:

من علامات حلاوة الإيمان وعلامات الإخلاص أنك عقب العمل الصالح يعود لك من الله سكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، هذه السكينة.

 

الصلاة الوسيلة الأولى للاتصال بالله لأنها تنهى الإنسان عن الفحشاء و المنكر:

أيها الأخوة الكرام، هذه من ثمار الوصول إلى الله، الحقيقة أن الله عز وجل حينما جعل الصلاة الوسيلة الأولى للاتصال به، جاء النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة وصف الصلاة بأنها نور:

(( الصلاة نور ))

[ رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري ].

بالصلاة يشتق النور من الله، وفي الصلاة يشتق الطهور، المؤمن طاهر لا في حقد ولا في احتيال ولا في كبر ولا في قسوة ولا في ظلم، كل الصفات المذمومة المؤمن بريء منها لأن الله عز وجل قال:

 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

( سورة العنكبوت الآية: 45 ).

نهياً ذاتياً، فالذي لا ينتهي من خلال صلاته عن الفحشاء والمنكر، صلاته لا يقطف ثمارها إطلاقاً:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

( سورة العنكبوت الآية: 45 ).

ما معنى أكبر ؟ قال العلماء ذكر الله أكبر ما فيها، وقال بعضهم: ذكر الله لك وأنت تصلي أكبر من ذكرك له، كيف ؟ إنك إن صليت ذكرته، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إن ذكرك ألقى في قلبك النور ترى به الخير خيراً والشر شراً، لكنه إن ذكرك منحك الحكمة، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، لكنه إن ذكرك منحك الأمن قال تعالى:

 

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

( سورة الأنعام )

إنه إن ذكرك منحك الرضى، إنه إن ذكرك منحك الثقة بالنفس.

 

من ثمار الصلاة الصحيحة:

1 ـ الاتصال بالله العظيم:

أيها الأخوة، ثمار الصلاة الصحيحة تفوق حدّ الخيال، هل تدري ماذا تفعل ؟ تتصل بالمطلق، تتصل بالعليم، تتصل بالحكيم، بالرحيم، بالقوي.

 

﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾

( سورة طه ).

وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ من ثمار الوصول إلى الله أن الصلاة لها ثمار يانعة جداً تقطفها، أول ثمرة أن المصلي في طهارة، صدره سليم، لا يحقد، لا يتكبر، لا يؤذي، لا يستعلي، لا يتآمر، سليم الصدر:

 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾

(سورة الشعراء)

قال بعض العلماء: القلب السليم القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، والقلب السليم القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، والقلب السليم القلب الذي لا يحكم شرع غير الله، والقلب السليم القلب الذي لا يعبد إلا الله:

 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾

(سورة الشعراء)

2 ـ القلب السليم:

من ثمار الصلاة القلب السليم.

7 ـ من ثمار الوصول إلى الله أن تقطف من الصلاة ثمارها:

من ثمار الوصول إلى الله أن تقطف من الصلاة ثمارها، طهارة ونور وحبور:

(( أرحنا بها يا بلال ))

[ أبو داود عن سالم بن أبي الجعد ].

الصلاة مناجاة " لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل "، الصلاة عروج، والصلاة معراج المؤمن الصلاة عقل.

(( ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها ))

[ ورد في الأثر ]

لذلك ورد في الأثر القدسي:

(( ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا، يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه، ويقسم عليّ فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها ))

[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ].

8 ـ الاستمتاع بالعبادات:

أيها الأخوة، من علامات الوصول إلى الله أنك تستمتع بالعبادات، ما الفرق بين العبادات والطقوس ؟ الأديان الأرضية الوضعية، فيها طقوس، فيها حركات وسكنات وتمتمات وإيماءات لا معنى لها، أما العبادات كما يقول الإمام الشافعي معللة بمصالح الخلق. العبادات معللة بمصالح الخلق، مثلاً الصلاة:

 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

( سورة العنكبوت الآية: 45 ).

يعني مستحيل وألف ألف مستحيل أن يرتكب المصلي فاحشة أو منكراً أو أن يؤذي أو أن يستعلي أو أن يتآمر أو أن يخدع، إن الصلاة تنهى، هذه ثمار الصلاة.
﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

أكبر ما فيها أو إن ذكر الله لك وأنت تصلي أكبر من ذكرك له، منحك الأمن، الحرية، الإرادة القوية، الرؤية الصحيحة، الحكمة، الغنى، القوة، العزة، سبحانك إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت.

 

شعور المؤمن المتصل بالله عز وجل بسعادة لا توصف أثناء تأدية العبادات:

لذلك أيها الأخوة، من ثمار الوصول إلى الله أن العبادة تستمتع بها، تستمتع بشهر رمضان، رمضان شهر عبادة، أما عند معظم الناس شهر فلكلور، شهر ولائم، شهر سهر على المسلسلات، أما رمضان لك من أجمل أشهر السنة، رمضان اتصال بالله، رمضان عبادة، رمضان طاعة، من علامات وصولك إلى الله أنك تستمتع بالعبادات، أحياناً إنسان يحج يعود من الحج ويحدثك عن كل شيء إلا الحج، أين سافر، أين نزل، ركوب الطائرة، الوصول على المطار، من استقبله، الماء البارد، الطعام الطيب، الازدحام الحر، وبالحج بماذا شعرت ؟ وأنت في الطواف، بماذا شعرت وأنت أمام الحجر الأسود ؟ بماذا شعرت وأنت في السعي ؟ بماذا شعرت وأنت في عرفات ؟ هذه المشكلة، أن علامة الوصول إلى الله تغدو العبادات مسعدةً، والحقيقة كما قال الشاعر:

ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
***

وحي السماء أو نداء الغريزة طريقان لا ثالث لهما أمام الإنسان:

الإنسان حينما يتصل بالله يصبح حياً:

﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ (122) ﴾

( سورة الأنعام)

﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) ﴾

(سورة فاطر)

الإنسان من دون اتصال بالله ميت، أو كالبيت الخرب، لذلك الآية الكريمة: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (24) ﴾

( سورة الأنفال)

دقق: 

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لك فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ (50) ﴾

(سورة القصص)

أنت على أحد طريقين لا ثالث لهما إما أن تستجيب لله أو أن تستجيب للهوى، إما أن تكون مع الله أو مع الهوى، مع الله والدار الآخرة، مع الهوى والدنيا، إما أن تستجيب لوحي السماء وإما أن تستجيب لنداء الغريزة فذلك: 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ (24) ﴾

( سورة الأنفال).

العاقل من راجع حساباته من حين لآخر:

أيها الأخوة الكرام، أتمنى على نفسي وأنا معكم وأتمنى عليكم أن نراجع حساباتنا من حين لآخر، أن نتأمل في صلاتنا، هل هذه الصلاة التي أرادها الله ؟
أحياناً يحدثني أخ كان بالعمرة وصلى بالحرم المكي وبكى بكاء شديداً يقول لي: هذه هي الصلاة التي أرادها الله، هذه الصلاة تشعر بها كأنك ملكت كل شيء، يعني إله عظيم يدعوك إلى الصلاة خمس مرات في اليوم من أجل أن تكون واقفاً بلا معنى حركات وسكنات تبدأ بالتكبير، تنتهي بالتسليم، وأنت غارق في خواطر وفي حسابات ؟ قال شخص صليت المغرب ركعتين، قال ثلاثة أكيد، قال ما الدليل ؟ قال لأنه أنا عندي ثلاثة صناديق بعملي وكل صندوق فيه مشكلة، حليت بأول ركعة أول صندوق، وثاني ركعة ثاني صندوق، وبثالث ركعة ثالث صندوق، ثلاثة أكيد صلى هو، خواطر لا علاقة لها بالصلاة تأتيك وأنت في الصلاة هذه صلاة أرادها الله عز وجل ؟ إذا شخص الله عز وجل أكرمه بالعمرة أو بالحج وصلى في بيت الله الحرام يشعر أن هذه الصلاة مع القرب، هذه الصلاة مع البكاء، هذه الصلاة مع الوصول إلى الله، هي الصلاة التي أرادها الله عز وجل .

صلاة الإنسان لا تقبل إلا ممن تواضع لعظمة الخالق و كفّ شهواته عن محارمه:

لذلك دائماً أنا أستخدم هذا المثل حينما أقول إنسان هذه كلمة تغطي ستة آلاف مليون، يكفي أن أضيف صفة للإنسان أقول إنسان مسلم، من ستة آلاف مليون إلى ألف ونصف مليون ضاقت الدائرة، قلت إنسان مسلم عربي خمسمئة مليون، إنسان مسلم عربي مثقف ضاقت أكثر، قل طبيب، قل طبيب قلب، كلما أضفت صفة ضاقت الدائرة، قيسوا على هذه المثل هذه الآية:

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾

( سورة المعارج )

مليار وخمسمئة مليون مسلم في الأعمّ الأغلب مليار منهم يصلون:

﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ ﴾

( سورة المعارج ).

كلما أضفت صفة ضاقت الدائرة لذلك الأثر القدسي الذي يحل هذه المشكلة:

(( ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا، يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها ))

[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ].

أيها الأخوة، هذا اللقاء الطيب أنت إذا وصلت إلى الله ما هي ثمار الوصول ؟ الحديث كان عن ثمار الوصول إلى الله.

 

موضوع الإعجاز العلمي:

ننتقل إلى الموضوع العلمي.

التفكر في خلق السماوات والأرض يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله:

أيها الأخوة، نحن ألفنا أنك إذا أردت أن تطلب العلم الشرعي لك أن تدرس الفقه والتفسير والحديث والسيرة وفي موضوعات كثيرة، كالفقه المقارن، أو تاريخ التشريع الإسلامي، أو أصول الفقه إلى آخره، لكن يغيب عن المسلمين أن أصل الدين أن تعرف الله، أصل الدين معرفته والذي أقوله دائماً، إن عرفت الآمر، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر.
لذلك بحسب ما في القرآن الكريم من آيات تقترب من ألف آية تتحدث عن التفكر، وعن الآيات الكونية في السماوات والأرض، وعن الآيات في خلق الإنسان، بحسب هذه الآيات الكونية يتضح أنه ينبغي أن نتفكر في خلق السماوات والأرض، وأقول لكم دائماً إن التفكر في خلق السماوات والأرض يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله، بل إن التفكر في خلق السماوات والأرض يعدّ أقصر طريق إلى الله، ويعدّ أوسع باب ندخل منه على الله، لأن هناك علماً به وأن هناك علماً بأمره وأن هناك علماً بخلقه، العلم به أصل الدين، والعلم بأمره أصل علم الشريعة، والعلم بخلقه أصل صلاح الدنيا، المسلم بحاجة ماسة إلى أن يعرفه كي يستقيم على أمره، إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر.

الأنف من آيات الله الدالة على عظمته:

مثل بسيط هذا الأنف جهاز بالغ الدقة، بداخل الأنف سطوح متداخلة، يعني الهواء يمشي بالأنف مسافة طويلة لماذا ؟ قال لأن الإنسان حرارته سبعة وثلاثون وفي أيام الشتاء قد يستنشق هواء حرارته صفر، فبهذه المسافة الطويلة بهذا السير بين السطوح المتداخلة يسخن يصل إلى الرئة بدرجة مناسبة جداً

هذه السطوح المتداخلة لها ميزة، فيها أوعية دموية تختص بعضلات، هذه العضلات إذا اتسعت زادت كمية الدم فالإنسان لو نظر على أنفه بالمرآة في أيام البرد الشديد يرى أنفه أحمر اللون، من أين جاء هذا اللون ؟ جاء من توسع الأوعية الدموية في الأنف، تتوسع تأتي كمية دم ساخنة تسخن هذه السطوح، فالهواء الذي يمشي بينها يسخن، لذلك كل إنسان يتنفس من فمه يصاب بأمراض كثيرة أما إذا تنفس من أنفه استخدم هذه الميزات الهائلة، سطوح متداخلة مزودة بأوعية دموية ذات عضلات إذا اتسعت زادت كمية الدم وسخن الهواء الذي نستنشقه عن طريق الأنف.

الآن هذه السطوح مغطاة بمادة مخاطية، مادة لزجة، من شأن هذه المادة أن تستقطب الغبار والمواد العالقة في الغبار، أحياناً إنسان يمشي في طريق فيه غبار يستنشق الهواء، ذرات الغبار تعلق على سطوح المادة المخاطية، فحينما ينظف أنفه يرى سواداً أحياناً، الحكمة البالغة، لو فرضنا أن هذا الهواء يمر بالأنف، وبعض ذرات الغبار نجت من أن تعلق بالمادة المخاطية، ما الذي يصطادها ؟ أشعار بالأنف، في سطوح عليها مادة مخاطية لزجة، وهناك أشعار، و أوعية مع عضلات، وهناك مسافة طويلة فكل هذه الخصائص من أجل أن تستنشق هواءً نقياً ساخناً يتناسب مع حرارة الجسم.
هذا الأنف قضية سهلة ؟ أليس وراءه تخطيط عقل أول ؟ حكمة بالغة ؟ رحمة بالغة ؟ علم بالغ ؟

 

وظيفة الأعصاب الشمية:

الآن الإنسان بهذا الأنف يشم، كم عصب شمي ؟ عشرون مليون عصب للشمٍّ، ينتهي كل عصب بسبعة أهداب، الهدب مغمس بمادة أيضاً مخاطية، هذه المادة تتفاعل مع الرائحة، تشكل شكلاً هندسياً، هذا الشكل الهندسي رمز هذه الرائحة، هذا الشكل يشحن إلى الدماغ ويستقر في الذاكرة الشمية، كيف تعرف أن في هذا الطعام نعنع مثلاً، أو هناك مادة معينة ، هذا الشكل يعرض على الذاكرة الأنفية، قال بعض العلماء هناك عشرة آلاف بند شمي، فهذا الرمز يعرض على عشرة آلاف بند، عند التطابق تقول أنا أشعر أن في الطعام المادة الفلانية:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ 

( سورة التين ).

تذكر أن هذا الأنف فيه سطوح متداخلة، فيه أوعية ذات عضلات تتسع عند البرد، تذكر فيه مادة مخاطية لاصطياد ذرات الغبار، تذكر فيه أشعار، ثم تذكر أن العصب الشمي مؤلف من عشرين مليون عصب، كل عصب ينتهي بسبعة أهداب، كل هدب مغمس بمادة مخاطية، تتفاعل هذه الأهداب مع الرائحة، ينتج من هذا التفاعل شكل هندسي هو رمز هذه الرائحة، هذا الشكل ينتقل إلى الدماغ إلى مركز الشم وهناك الذاكرة الشمية، يعرض هذا الرمز على بنود الذاكرة الشمية تكتشف أن في بالطعام المادة الفلانية: 

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

( سورة التين ).

فإن لم يعرف ربه:

﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) ﴾

( سورة التين ).

تفكر الإنسان في جسمه يوصله إلى الخالق سبحانه:

أيها الأخوة الكرام، هناك شيء أقرب لك من جسمك ؟ هذا الشعر، العين، الأنف، الشفتان، اللسان، الحنجرة، القصبة الهوائية، المري، المعدة، الأمعاء، البنكرياس، الكبد، القلب، الرئتين، العضلات، الدماغ، الأعصاب، النخاع الشوكي، أنت أمام جسم معجز.

أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾

( سورة الذرايات )

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾

( سورة آل عمران ).

الصور مأخوذة من المرجعين التاليين :

F-netter - Fox Human Physiology

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور