وضع داكن
01-05-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة النجم - تفسير الآيات 24-28 - طاعة الله منجاة من عذاب الله لا التمنيات
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

عدم نجاة الإنسان من عذاب الله إلا بطاعته:


أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الرابع من سورة النجم، ومع الآية الرابعة والعشرين:

﴿ أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)﴾

[ سورة النجم ]

الإنسان يتمنى، يخطط، يرسم ملامح المستقبل، يستخدم طاقاته، إمكاناته، علمه، خبرته لبلوغ هدفٍ معين، لو أنه ظنّ أن قدراته الذاتية كافيةٌ لتحقيق أهدافه فقد أشرك، ﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى﴾ الأمر كله بيد الله، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فالإنسان إذا تصور أنه قادرٌ على أن يفعل ما يريد، أو يحقق ما يتمنى، أو يصل إلى ما يصبو إليه فقد أشرك نفسه مع الله وهو واهمٌ، وهذا عين الجهل، القضية ليست بتمنيات الإنسان، ولا بتخطيطه، ولا بنزواته، ولا بسعيه، ولكن بفعل الله ومشيئته، أضرب لكم مثلاً: هناك قوانين قننها الله عزَّ وجل، أنت إن لم تتأدب معها هذه القوانين تسحق الإنسان، من هذه القوانين قانون السقوط، سقوط الأجسام سقوطاً حراً، أنت إن لم تتأدب مع هذا القانون وتستخدم مظلةً تجعل للهواء مقاومة تهبط رويداً رويداً، إن لم تعبأ بهذا القانون، وألقيت نفسك من الطائرة هلكت، هذا مثل، السقوط له قانون، من أجل أن تصل سالماً تحتاج إلى مظلة، هذه المظلة تقاوم الهواء، هذه المقاومة تجعل السرعة معتدلة، ثابتة، إلى أن تصل بها إلى الأرض، فالله عزَّ وجل سَنَّ سنناً، وقنن قوانينَ، فأنت لا تنجو من عذاب الله إلا بطاعته، لا تنجو من عذاب الله إلا باتباع سنة نبيه، الأمر ليس بتمنياتك، ولكن الأمر بقانونٍ قننه الله، مثلاً: 

﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)﴾

[ سورة يونس  ]

قانون.

 

الجاهل من لم يتبع القوانين التي سنها الله عز وجل:


﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾

[ سورة القصص ]

قانون، لو أنك تتبعت القوانين التي قننها الله في القرآن الكريم لوجدت أنك إن لم تتبعها فأنت جاهل.

إخواننا الكرام؛ الإنسان إذا تمنى، وخطط، ورسم هدفاً، واستخدم طاقاته، وقدراته، وخبراته، وإمكاناته لتحقيق هذا الهدف ولم يكن مطيعاً لله عزَّ وجل، ولم يكن متبعاً لمنهجه، هذا الهدف لا يتحقق، وإذا تحقق يكون هذا مُناقضاً لوجود الله عزَّ وجل، النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول:

(( عن أنس بن مالك:  اللَّهمَّ لا سَهلَ إلَّا ما جَعَلتَه سَهلًا، وأنتَ تَجعَلُ الحَزْنَ إذا شِئتَ سَهلاً. ))

[ ابن حجر العسقلاني :الفتوحات الربانية: خلاصة حكم المحدث: صحيح: أخرجه ابن حبان ]

ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً سهلا، الآية الكريمة تؤكِّد أن شيئاً لا يحدث في الكون إلا بتوفيق الله، وما توفيقي إلا بالله، هذه الحقيقة حينما تغيب عن الإنسان يؤلِّه الأسباب، ويعبدها من دون الله، ويتوهمها كافيةً لتحقيق النتائج، والأمر ليس كذلك.

 

السعادة والتوفيق والنجاح أشياء مرتبطة بطاعة الله:


بعض العارفين يقول: "عرفت الله من نقض العزائم" ، تخطط، وتدبر، وتهيِّئ، وتتخذ الأسباب، وتجعل الطاقات كلها مُركزةً في هدفٍ معين، ثم لسببٍ تافهٍ تافه يُحْبَطُ عملك، ويخيب ظنك، ويفشل مسعاك، ﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى﴾ كم إنسان! وكم فئة! وكم  جهة! وكم شعب! وكم أمة تمنَّت فلم تحقق أمنياتها! الأمر ليس بتمنياتك، الإنسان أحياناً يخطط، سأفعل كذا، سأكون كذا، بعد كذا سأكون كذا، يُفاجأ أن الموت قضى على كل آماله، أو أن مرضاً عُضالاً أذهب كل تمنياته، أو أن خطاً آخر جرَّه إليه ففقد كل آماله، فأنت إذا أردت السعادة في الدنيا، أو أردت التوفيق، أو أردت النجاح، فالأمر ليس بتمنياتك، ولكن بتوفيق الله لك، وتوفيق الله لك منوطٌ بطاعتك له، القضية دقيقة، ﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى﴾ أيُّ شيء تتمناه يكون؟ هذا شأن الخالق.

 

مشيئة الله فوق كل شيء في الكون:


الله عزَّ وجل يصف نفسه فيقول:

﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)﴾

[ سورة البروج ]

هذا شأن الخالق لا شأن المخلوق، المخلوق لا يفعل ما يريد، كم يريد وما أكثر ما لا يتحقق ما يريد؟ أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد، إن سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد، الآية دقيقة جداً بمعنى اعتقد اعتقاداً جازماً أن شيئاً في الكون لا يقع إلا بمشيئة الله، وأنت لا تستطيع أن تحقق أمنياتك إلا بتوفيق الله، وتوفيق الله ثمنه طاعته، فإن أردت أمراً بمعصيةٍ كان هذا الأمر أبعد مما ترجو وأقرب مما تحذر، من ابتغى أمراً بمعصيةٍ كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى.

 

الجاهل من لا يدخل في حساباته توفيق الله عز وجل:


لذلك الإنسان الجاهل يخطط لتحقيق أمنياته، ولا يُدخل في حساباته توفيق الله عزَّ وجل، ولا يعبأ بوحدانية الله، وأنَّ الله يفعل ما يريد، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، كم من حدث! آلاف الأحداث التي تجري تحت سمعنا وبصرنا مفادها أن الإنسان إذا أراد تحقيق ما يريد بمعزلٍ عن مشيئة الله هذا الشيء لا يتحقق، ولحكمةٍ بالغةٍ بالغة يُحبط لسببٍ تافهٍ تافه، إذا أراد الله عزَّ وجل إظهار آياته نصر المؤمنين بسببٍ صغير، أي رياحٌ عاتية هبت على الأحزاب في موقعة الأحزاب فأطفأت نيرانهم، واقتلعت خيامهم، وقلبت قدورهم، فحملوا أمتعتهم وغادروا.

﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)﴾

[ سورة الأحزاب ]

﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)﴾

[ سورة الأحزاب ]

هم ماذا أرادوا؟ أراد كفار قريش ومن لفّ لفهم، ومن ناصرهم، ومن حالفهم، أرادوا أن يَسْتأصِلوا شأفة المسلمين، أرادوا أن يبيدوهم عن آخرهم، فجاءهم جيش مؤلفٌ من عشرة آلاف مقاتل، ولم يجتمع جيشٌ في الجزيرة بهذا العدد، ثم إن اليهود كعادتهم نقضوا عهدهم معهم، فالمسلمون كُشفوا، وأصبح القضاء عليهم قضية وقت، أصبح استئصالهم لسويعاتٍ قليلة.

﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12)﴾

[ سورة الأحزاب ]

 

نصر الله عز وجل للمؤمنين الصادقين:


ثم يقول الله عزَّ وجل:

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)﴾

[ سورة الأحزاب ]

الله عزَّ وجل ساق لهم الرياح قلبت قدورهم، واقتلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وجعل النصر المؤزَّر على يدِ صحابي جليل هو نعيم بن مسعود أسلم حديثاً، ولم يعلم بإسلامه أحد، فقال للنبي عليه الصلاة والسلام: "مرني ماذا أصنع؟" قال: "خذل عنا ما استطعت" ، فذهب إلى جموع المشركين وحَّدثهم بحديث، وذهب إلى اليهود وحدثهم بحديث، أوقع بينهم، وهبت الرياح، معركةٌ كان القصد منها استئصال شأفة المسلمين، لكنهم لم يفلحوا، فالذي أريده من هذه الآية أن كل ما يتمناه الإنسان لا يقع إلا بما شاء الله له أن يقع، بمعنى آخر إن خطة الله عزَّ وجل تستوعب خطة الإنسان.

 

أعظم الشرك من يعتقد أنه سينتصر دون مشيئة الله:


لا يقع من خطة الإنسان إلا ما شاء الله منها أن يقع، أما أن تظن أن في الأرض جهةً مستقلةً بمشيئتها عن الله، أما أن تظن أن جهةً في الأرض مهما قويت شوكتها، ومهما عظم شأنها، تستطيع أن تفعل ما تريد، فهذا هو عين الشرك، لذلك:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)﴾

[  سورة يونس ]

 

الأخذ بالأسباب من تمام التوكل:


حينما كان النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه الصديق في غار ثور، النبي عليه الصلاة والسلام أخذ بالأسباب كلها، اتجه مساحلاً، وهيَّأ من يمحو آثار مشيه، وهيَّأ من يأتيه بالأخبار، ومن يأتيه بالزاد، واستأجر خبيراً متمكناً من خبايا الطريق، وآثر الخبرة على الولاء، ومع كل هذه الاحتياطات، ومع كل هذه الأسباب، ومع كل هذه الأساليب وصل المشركون إلى غار ثور، فقال الصديق: "يا رسول الله لو أن أحداً نظر إلى موطئ قدمه لرآنا" ، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( عن أبي بكر الصديق قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن في الغارِ لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ فقال: يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما؟ ))

[ صحيح البخاري ]

أي إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ 

ثم تروي كتب السيرة أن سيدنا الصديق قال للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله لقد رأونا، فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى:

﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)﴾

[ سورة الأعراف  ]

 

الله تعالى فعّال لما يريد:


في طريق الهجرة ألم يأتِ سراقة وهو من كبار الفرسان ليأخذ النبي وليأتي به حياً أو ميتاً لينال مئتي ناقة جائزة من يأتي به حياً أو ميتاً؟ نعم، ماذا قال عليه الصلاة والسلام لسراقة؟ يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى، كلكم قرأتم هذه الفقرة لكن قلّما من يقف عندها، النبي ملاحق وقد هدر دمه، ووضعت مئتا ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، ويقول لسراقة: يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ أي أنا سأصل إلى المدينة، وسأنشئ مجتمعاً إسلامياً، وسنحارب الكفار، وسننتصر عليهم، وسنأتي بتاج كسرى وسواريه من غنائمنا، ويا سراقة أنت سوف تلبس سواري كسرى، هذه ثقة النبي بالله عزَّ وجل، يجب أن نؤمن أنه لا فعّال إلا الله، وأن كل الذين ترى أعينكم إنهم أدواتٌ بيد الله يحركها كيف يشاء، لذلك لخص هذه الحقيقة أحد الأنبياء الكرام فقال: 

﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾  

[ سورة هود ]

(( عن أنس بن مالك: إن القلوبَ بين إصبعين من أصابعِ اللهِ يقلِّبُها كيف يشاءُ. ))

[ صحيح الترمذي ]

 

أساس الدين التوحيد:


أنت الآن تقف أمام إنسان أقوى منك، ما الذي يدور في خلده؟ الله يعلم، من الذي ألقى في رُوعه أن يسامحك؟ الله، من الذي ألقى في روعه أن يحاسبك؟ الله، من الذي عَطَّفَهُ عليك؟ الله، من الذي قسّا قلبه عليك؟ الله، فأنت علاقتك مع الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، بيده الخلق، بيده الأمر، بيده مرجع كل شيء، بيده ملكوت كل شيء:

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[ سورة هود ]

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾

[ سورة فاطر ]

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾  

[ سورة الزخرف ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾

[ سورة الفتح ]

هكذا الدين، الدين توحيد، الدين أَلا ترى مع الله أحداً.

 

تعلق إرادة الله المطلقة بحكمته المطلقة:


﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى﴾ الكافر يظن نفسه يسبق الله عزَّ وجل، يتوهَّمُ هذا حينما يتوهم أن بإمكانه أن يفعل ما يريد، لا والله، الله وحده الفعال لما يريد، أما أنت فلا تستطيع أن تفعل إلا ما أراده الله لك أن تفعل، اختر ما شئت وافعل ما شئت لكنه لا يقع إلا ما أراده الله، يجب أن نعلم علم اليقين أن كل شيءٍ وقع أراده الله، وأن كل شيءٍ أراده الله وقع، وأن إرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، ﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى﴾ .


  المؤمن الحقيقي من يثق بأمر الله ووجوده:


لو أن إنساناً قوياً تمنى شيئاً لا يرضي الله، وسخَّر كل طاقاته وإمكاناته لتحقيقه وتحقق، هذا يتناقض مع وجود الله، لذلك الإنسان لا ينبغي أن يضفي على الكفرة الفجّار القوى الأسطورية، لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً إلا أن يأذن الله، الأمر بيده، بيده وحده.

﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾

[  سورة الكهف ]

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾

[ سورة الزمر  ]

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾

[ سورة الأعراف ]

هكذا الإيمان.

 

عين الشرك من يعتقد أن جهة ما مستقلة عن الله في أفعالها:


﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى﴾ أي إذا توهَّمتَ أن جهةً في الأرض مهما قويت، ومهما علا شأنها هي مستقلةٌ في إرادتها وفي أفعالها عن الله فهذا هو عين الشرك، وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله عزَّ وجل، شأنك مع الله، علاقتك بالله، مثلاً: لو أن أحداً عاش في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت له قضيةٌ مع إنسانٍ آخر، ورُفِعَت القضية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كلّ أدلى بدلوه، واحدٌ منهم بحجةٍ ناصعة، وبيانٍ طليق، ولسانٍ ذرب، استطاع أن ينتزع من فم النبي حكماً لصالحه ولم يكن محقاً لا ينجو من عذاب الله.

(( عن أم سلمة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ. ))

[ صحيح البخاري ]

علاقتك مع الله وحده وهو يراك حين تقوم، يرى تقلُّبك في الساجدين، يرى نواياك، يرى مبتغاك، يرى ما تصبو إليه، يرى ما يعتلج في صدرك، يرى كل دقائق حياتك، يرى كل ثنيات شخصيتك، أنت مكشوفٌ أمامه، لذلك تعامل مع الله وحده، ولا تبالِ بأحد، تعامل مع الله وحده فإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ ما معك أحد، أقرب الناس إليك يتنكر لك، وإذا كان الله معك عدوك اللدود يخدمك، شاءت حكمة الله أن يسخِّر لك عدواً يخدمك إن توكَّلت عليه، وأن يتنكر أقرب الناس إليك إن اعتززت بنفسك.

 

من يشرك نفسه مع الله يتخلَّ الله عنه:


يا أيها الأخوة الكرام؛ هذا الموضوع متصل بهذه الآية، أنت في حياتك الدنيا، أنت في كل يومٍ بين حالين، حال التولّي، وحال التخلِّي، إما أن يتولاك الله فيكفيك كل مؤْنَة، وإما أن يتخلَّى عنك فيقوى عليك كل صغير، إذا كنت معه موحداً له، منيباً إليه، مفتقراً إليه يتولاك، عندئذٍ أنت أقوى الناس، وأنت أغنى الناس، وأنت أكرم الناس، أما إذا قلت: أنا، واعتددت بنفسك، وأشركت نفسك مع الله، يتخلَّى عنك، وإذا تخلَّى عنك لا ينفعك أحد، وليس هذا بدعاً من القول، الصحابة الكرام، ومعهم سيد الأنام في معركة حنين هزمهم الله عزَّ وجل:

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

[  سورة التوبة  ]

 

الإنسان المفتقر إلى الله يتولاه الله برحمته ورعايته:


لكن في معركة بدر قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾

[  سورة آل عمران  ]

أي مفتقرون، فأنت على علمك، واختصاصك، وخبرتك، ومالك، وموقعك، وشأنك في المجتمع، مهما علا شأنك إذا قلت: أنا، تخلَّى الله عنك، إذا قلت: الله، تولاك، فأنت بين التخلِّي والتولِّي، إن شئت أن يتولاك الله وهو خير ولي فكن مفتقراً إليه، إن شئت أن يتخلّى عنك وإذا تخلّى عنك وَكَلَكَ إلى نفسك وأنت ضعيفٌ صغير، يتجرَّأ عليك أضعف الخلق وأحقر الخلق.

 أيها الأخوة؛ كما في الدعاء الشريف: "اللهم صُنْ وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء" .

 

ليس للإنسان ما يتمنى إنما ما يقدره الله له:


﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى﴾ هذا استفهام إنكاري، ليس له ما يتمنى، الآية الكريمة:

﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)﴾

[ سورة النساء ]

﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)﴾

[ سورة البقرة ]

القضية بالسعي، القضية بالعمل، القضية باتباع منهج الله، القضية بطاعة الله.

 

طاعة الله عز وجل أصل كل خير يقدره للإنسان:


﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى﴾ استفهام إنكاري، أي ليس له ما يتمنَّى، ليس له إلا ما يقدِّرُهُ الله له، والله يقدر كل خير بناءً على طاعتك له، الأصل أن تطيعه:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات  ]

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾

[ سورة الأحزاب  ]

لا منجى منه إلا إليه:

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــا           فإنا منحنا بالرضا من أحبنــــــــا

ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنــــــــــا          لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــــــا

وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــــل          وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـــا

وسلم إلينا الأمر في كل ما يكــن          فما القرب والإبعاد إلا بأمــــرنــا

[ علي وفا الشاذلي ]

  * * *

 

سعادة الدنيا والآخرة مرتبطة بطاعة أمر الله:


أيها الأخوة؛ طاعة الله عزَّ وجل هي الفوز العظيم، طاعة الله عزَّ وجل هي سبيل النجاح، سبيل التوفيق، سبيل الطمأنينة، سبيل سعادة الدنيا والآخرة، سبيل استحقاق نصر الله، سبيل استحقاق تأييده، سبيل استحقاق حفظه، سبيل استحقاق عفوه، سبيل استحقاق سعادة الدنيا والآخرة، ﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى﴾ الجواب: ليس له ما تمنى.

 

الآخرة بيد الله لا بيد الأصنام:


﴿ فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)﴾

[ سورة النجم ]

﴿لله الآخرة﴾ الأبدية بيد الله، فإن ظننتم يا كفار قريش أنكم تعبدون اللات والعُزَّى كي تتقربوا بها إلى الله زلفى، الآخرة بيد الله لا بيد اللات والعزى، هذا معنى الآية: ﴿فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى﴾ حينما قالوا:

﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)﴾

[ سورة الزمر ]

قال الله لهم: ﴿فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى﴾ الأمر ليس بيد هذه الأصنام، ولا بيد الملائكة الذين اعتقدتم أنهم إناث وهم بنات الله. 

 

تقديم الآخرة على الأولى لأنها الحياة الحقيقية للإنسان:


﴿فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى﴾ وقد قُدِّمَتْ الآخرة على الأولى تقديم أهمية، لأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، ألم يقل الإنسان إذا جاءه الموت:

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)﴾

[  سورة الفجر  ]

أيَّةُ حياةٍ كان يحياها، هذه حياةٌ دنيا، حياةٌ كلها متاعب، حياةٌ قصيرة، حياةٌ متعبة.

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)﴾

[ سورة الانشقاق ]

حياةٌ أساسها بذل الجهد، حياةٌ مشحونةٌ بالمتاعب، لا تصفو لأحد، مصممةٌ على ألا تصفو لأحد، "إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي" .

 

الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف:


الدنيا مصممة على أنها لا تصفو لإنسان، لا راحة لمؤمنٍ إلا بلقاء وجه ربه، ولحكمةٍ بالغةٍ بالغة جعلها الله عزَّ وجل مشحونةً بالمتاعب لئلا نركن إليها، إنها مدرسة وليست نزهة، الإنسان في المدرسة لا ينبغي أن يكون المقعد مريحاً جداً، إذاً ينام، إذا شاء لمدرسةٍ أن تكون المقاعد فيها وثيرةً ومريحةً، والغرفة مكيفة تكييفًا رائعاً، والطعام أمامه، والشراب أمامه، والمجلات أمامه، أين المحاضرة؟ هذه ليست مدرسة، إننا في مدرسة، إننا في مزرعةٍ للآخرة، إننا في دار عمل لا في دار جزاء، في دار سعي لا في دار نعيم، في دار تكليفٍ لا دار تشريف، الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف، الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء، إذا فهمنا الدنيا دار جزاء أو دار راحة وقعنا في مطب كبير، وقعنا في خطأ قاتل، إنك هنا في الدنيا من أجل أن تعرف الله، ومن أجل أن تطيعه، ومن أجل أن تعمل العمل الصالح الذي تستحق به دخول الجنة، قد تتنعم إذا شاء الله لك أن تتنعم، أما أن تجعل النعيم هدفاً، أما أن تجعل الراحة هدفاً فقد أخطأت سواء السبيل:

(( عن معاذ بن جبل:  أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا بعَث به إلى اليمنِ قال له: إيَّاك والتَّنَعُّمَ فإنَّ عبادَ اللهِ ليسوا بالمُتَنَعِّمينَ. ))

[ الهيثمي: مجمع الزوائد: خلاصة حكم المحدث: رجاله ثقات ]

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)﴾

[  سورة الفرقان ]

 

مهمة الإنسان الأساسية في الدنيا معرفة الله:


سيدنا عمر كان إذا سار أسرع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وإذا قال أسمع، لا يمشي هوناً، والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا سار كأنه يَنْحَطُّ من صَبَبْ، أي يسرع، ما معنى الآية إذاً؟ معنى الآية أن المؤمن لا يسمح لشيءٍ أن يلغي وجوده، ولا يسمح لعملٍ أن يلغي معرفته بربه، لا يسمح لشيء أن يستهلكه، يمشي هوناً، يقتطع من وقته وقتاً لمعرفة الله، يقتطع من وقته وقتاً لمعرفة منهجه، يقتطع من وقته وقتاً للعمل الصالح، يقتطع من وقته وقتاً للأمر بالمعروف، مخلوقٌ لمعرفة الله، فإذا غابت عنك مهمتك الأساسية فهذا ضياع شديد.

شاب سافر إلى بلد لينال الدكتوراه، وصل إلى هذا البلد، نسي مهمته، من مسرحٍ إلى مسرح، ومن نادٍ إلى نادٍ، ومن متحفٍ إلى متحف، حتى انقضت المدة وعاد إلى بلده صفر اليدين، نقول: هذا ما عرف الهدف الذي من أجله سافر إلى ذاك البلد، لو عرف الهدف لَجَمَّعَ طاقاته كلها:

﴿ أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)﴾

[ سورة النجم ]

يأذن الله لمن يشاء أن يشفع، ويرضى لمن شُفِعَ له أن يُشْفَعُ له. 

 

على الإنسان الاتكال على الله لا على أحد من خلقه:


لذلك:

﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)﴾

[ سورة الزمر ]

يا محمد ﴿أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾ .

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قَالَ: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا-اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. ))

[ صحيح البخاري ]

((  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَن سلَك طريقًا يطلُبُ فيه عِلمًا سهَّل اللهُ له به طريقًا مِن طُرقِ الجنَّةِ، ومَن أبطَأ به عمَلُه لَمْ يُسرِعْ به نسَبُه. ))

[  صحيح ابن حبان  ]

لا تتكل على أحدٍ من خلق الله، النبي عليه الصلاة والسلام حينما يرى أمته يوم القيامة تُساق إلى العذاب يقول: أمتي أمتي:

(( عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة, فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا، فقالوا: يا رسول الله, ألسنا بإخوانك؟ قال بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض، فقالوا: يا رسول الله, كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم, ألا هلم, ألا هلم. فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا. ))

[ صحيح مسلم  ]

 

تقسيم أمة سيدنا محمد إلى أمة التبليغ وأمة الاستجابة:


لذلك العلماء قَسَّموا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى أمتين؛ أمة التبليغ، وأمة الاستجابة، أمة التبليغ: كل إنسان ولد من أبوين مسلمين وسمع من خُطب الجمعة مبادئ الإسلام فهو من أمة التبليغ، وليس لهذا الإنسان أية مَيِّزةٍ على الإطلاق.

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾

[ سورة المائدة ]

أيْ إذا قال المسلمون قياساً على هذه الآية: نحن أمة محمدٍ، يقال لهم: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ هذه أمة التبليغ.

أما الذين استجابوا لربهم، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وطبقوا منهج الله في بيوتهم وفي أعمالهم، واستلهموا هَدْيَ القرآن الكريم، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، هذه أمة الاستجابة، هؤلاء أمة محمدٍ المرحومة، هؤلاء الذين لهم عند الله مكانةٌ كبيرة، هؤلاء الذي ينطبق عليهم قوله تعالى:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)﴾

[  سورة آل عمران  ]

كنتم ببعثة النبي عليه الصلاة والسلام وباتباعكم لمنهجه خير أمةٍ أخرجت للناس، بهذا، والعِلَّة: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ .

 

ظنّ المشركين أن الملائكة إناث وهن بنات الله عز وجل:


إذاً:

﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)﴾

[ سورة النجم ]

توهَّموا وظنّوا وجهلوا أن الملائكة إناثٌ وأنهن بنات الله، قال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28)﴾

[ سورة النجم ]

لذلك قد يعشعش في ذهن الإنسان أوهامٌ ما أنزل الله بها من سلطان، اعمل جرداً، هذا وَهْمٌ دعه، اجعل الحقيقة هي التي تصبو إليها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28)﴾ .

 

الطاعة لا تكون إلا بمعروف:


أيها الأخوة الكرام؛ احرصوا حرصاً بالغاً على ألا تعتقدوا إلا العقيدة الصحيحة التي توافق الكتاب والسنة، أما أن يمتلئ عقل الإنسان بالضلالات، وبالخرافات، وبالترُّهات، فهذا من شقاء الإنسان في الدنيا والآخرة، أي الإنسان مكرمٌ عند الله عزَّ وجل، وهو أعظم وأجلّ من أن يكون ضحية خرافةٍ أو فِرْيَةٍ أو إفكٍ أو قضيةٍ مبنيةٍ على الوهم والظن، فالإنسان عليه أن يتحرَّى، لا أن يقبل شيئًا بلا بدليل، وبلا تعليل، والله سبحانه وتعالى علَّمنا من خلال سنة النبي أشياء كثيرة، هؤلاء الذين بعثهم النبي في سريةٍ وأمَّر عليهم أنصارياً وقال هذا الأنصاري: "أضرموا ناراً واقتحموها، فقال بعض أصحاب النبي: كيف نقتحمها وقد آمنا بالله فراراً منها؟" ، فلما رُفِعَ الأمر للنبي قال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ عَلِيٍّ   قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ مِنَ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ». ))

[ صحيح البخاري ]

 

علامة المُتبع للنبي الكريم أنه يدعو على بصيرة:


﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

[ سورة يوسف ]

أي على بصيرةٍ أنا ومن اتبعني، فعلامة المُتبع للنبي أنه يدعو على بصيرة، يدعو بالدليل، يدعو بالبرهان، يدعو بالحجة، ولا شيء من عنده، أنما أنا متبع ولست بمبتدع، فلذلك: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ اطلب الدليل، لا تقبل أية فكرة، لا تكن ضحيةً لفكرةٍ غير صحيحة، لا تكن تابعاً لوهمٍ لا أساس له، ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ ولو استخرجنا ما في عقولنا وعرضناه على مِحَكِّ الواقع، ومحك الكتاب والسنة، ومحك العلم، لوجدنا أربعة أخماس ما نعتقده وهمٌ بوهمٍ وخرافةٌ بخرافة، فيجب أن تُحرر العقول من كل الأوهام، وما أكثر الأوهام في حياتنا.

 

الحق ما وافق العقل والنقل والفطرة والواقع:


لذلك: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ نحرص حرصاً بالغاً على أن نعتقد الحقيقة، على أن نعتقد ما جاء به القرآن الكريم، ما جاءت به السنة النبوية، على أن نعتقد ما وافق الواقع، على أن نعتقد ما وافق الفطرة، على أن نعتقد ما وافق العقل، على أن نعتقد ما وافق النقل، هذا هو الحق، يوافق النقل الذي هو وحي السماء، يوافق العقل الذي هو مقياسٌ أودعه الله فينا، يوافق الفطرة التي هي مقياسٌ نفسي لا يخطئ، يوافق الواقع، وكل ما خالف الواقع، أو خالف الفطرة، أو خالف العقل، أو خالف النقل، فهو ليس من الحق، مقياس الحق دائرةٌ يمرُّ فيها أربعة خطوط، خط العقل والنقل والفطرة والواقع، فيجب على كل منا أن يستخرج ما عشعش في ذهنه من اعتقادات لا أصل لها، من خرافات لا سند لها، من ظنون لا أساس لها، أن ننبذها وأن نعتقد ما جاء به القرآن.

 

كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه:


إذا قلنا مثلاً: لا يعلم الغيب إلا الله، كم قصةٍ يمكن أن تركلها بقدمك وفق هذه الآية؟ كم ادعاء يَّدعيه شذّاذ الآفاق؟ كم ادعاء يدّعيه المنحرفون؟ يدعون أنهم يعلمون الغيب، آية واحدة يمكن أن تجعلك تركل ألف قصةٍ بقدمك، يجب أن تعتقد ما في القرآن الكريم، الآن العالم كله يتوهَّم أن الإنسان أصله قرد، هكذا قال داروين، القرآن ماذا يقول؟ بدأنا الله من آدم عليه السلام، فلو اعتقدت أن هذا كلام الله، وأنه كلامٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا تعبأ بأية نظريةٍ من صنع أناسٍ حقدوا على الدين، وأرادوا أن يصدموا الدين في جذوره، وفي أصوله.

 

الحقيقة علاقةٌ مقطوعٌ بصحتها توافق الواقع:


لذلك: ﴿إ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ هنا الظن بمعنى الوهم، وطبعاً كما تعلمون مقياس الحقيقة علاقةٌ مقطوعٌ بصحَّتها، لو لم تكن مقطوعاً بصحتها كان الوهم، أو كان الشك، أو كان الظن، الوهم ثلاثون بالمئة، الشك خمسون، الظن ثمانون أو سبعون، أما الحقيقة فمقطوعٌ بصحتها مئة بالمئة، علاقةٌ مقطوعٌ بصحتها توافق الواقع، عليها دليل، لو ألغينا الدليل لكان التقليد، لو ألغينا الواقع لكان الجهل، لو ألغينا القطع لكان الوهم والظن والشك، فالحقيقة ليست وهماً ولا شكاً ولا ظناً ولا تقليداً ولا جهلاً، الجهل مخالفة الواقع، من دون دليل تقليد، من دون قطع مئة بالمئة شكّ أو وهمٌ أو ظن.

 

معرفة الحقيقة توصل إلى الله:


﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ الوهم، لذلك الدعاء: "اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القُربات" و: ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ .

إخواننا الكرام؛ ما من شيء أخطر في حياة الإنسان من معرفة الحقيقة، إنك إن عرفتها سعدت بها في الدنيا والآخرة، إن عرفت الحقيقة عرفت سرّ وجودك، عرفت غاية وجودك، إن عرفت الحقيقة تتبعت منهجها، إن عرفت الحقيقة وصلت إلى الله لأنه هو الحق، لذلك لا نشاط في الحياة الدنيا يعلو على أن تعرف الحقيقة، لا نشاط في الحياة الدنيا يعلو في أهميته على أن تعرف الحقيقة.

 

تطبيق آيات القرآن الكريم سبب سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة:


﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾

[  سورة العنكبوت  ]

أيها الأخوة؛ هذا كتاب الله، هذا وحي السماء للأرض، هذه تعليمات الصانع، هذا الكتاب يهدي للتي هي أقوم، من أمسك به فقد أمسك حبل الله، ومن أمسك حبل الله نجا من عذاب الدنيا ومن عذاب الآخرة.

فلذلك يا أيها الأخوة؛ هذا الكتاب علينا أن نقرأه، أن نتلوه حقّ تلاوته، ومن تلاوته حقّ تلاوته أن نتلوه وفق أحكام التجويد، وأن نتلوه فنفهم آياته، وأن نتلوه فنتدبَّرها، وأن نتلوه فنطبِّقها، إن تلوته حقّ تلاوته، وإن فهمت آياته، وإن تدبرتها، وإن طبقتها سعدت به في الدنيا والآخرة، هذا كتابنا المقرر، وهذا الكتاب الذي نحاسب عليه:

﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)﴾

[ سورة القمر ]

﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا﴾ تريده مسموعاً مسموع، مطبوعاً مطبوع، مقروءاً مقروء، مفسراً، أي لا يوجد شيء الملاحظ أن هذا الكتاب الكريم قد تولّى الله جلَّ جلاله في عليائه حفظه، وتولى تيسيرَهُ للناس، تسمعه صباحاً ومساءً، لا تجد بيتاً إلا وفيه أكثر من مئة مصحف، وتفاسير، ودروس علم، والأبواب مُفَتَّحَةٌ على مصاريعها، لا يوجد رسم دخول، ولا يوجد ضريبة، ولا يوجد شيء، تعالَ واستمع وطبِّق واسعد في الدنيا والآخرة.

 

القرآن الكريم ربيع القلوب:


فيا أيها الأخوة الكرام؛ القرآن ربيع القلوب وهو روح الروح، ما معنى روح الروح؟ أي جسمك يحتاج إلى غذاء، وروحك تحتاج إلى غذاء، غذاء روحك هذا القرآن، إذاً هو روح روحك.

أيها الأخوة؛ إذا قرأته وتدبَّرته وجدت حلاً لكل مشكلاتك، لا يوجد سؤال عويص إلا وترى فيه حلاً في القرآن الكريم، لذلك لا يحزن قارئ القرآن، وبشارة: من تعلَّم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت، اقرأه صباحاً ومساءً، آناء الليل وأطراف النهار، احضر دروس التفسير، اعمل به، طبِّقه يكن لك ذخراً وسعادةً في الدنيا والآخرة.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور