وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة النجم - تفسير الآيات 19-23 - الدين عبادة وتوحيد - الشرك الخفي والشرك الجلي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

الأصنام التي كانت تُعبد من دون الله:


أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث من سورة النجم، ومع الآية التاسعة عشرة وهي قوله تعالى:

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)﴾

[ سورة النجم ]

أيها الأخوة الكرام؛ قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كان في الجزيرة العربية أصنامٌ كثيرة، من أشهرها: ﴿اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)﴾ هذه الأصنام كان لها شأنٌ كبير، فالناس كانوا يحجُّون إليها، ويطوفون حولها، ويذبحون قرابينهم إليها، واحدةٌ في الطائف وهي اللات، وقالوا: اللات مؤنث لفظ الجلالة، جلَّ جلاله عما يقولون علوًّا كبيراً، والعزَّى مؤنَّث العزيز، والمناة أيْ التي تحقق للإنسان أمانيه، هناك وجهات نظرٍ كثيرةٍ جداً حول أسباب التسمية، لكن الذي يعنينا أن هذه الأصنام الثلاث التي كانت تُعبَدُ من دون الله كانت لها أبنيةٌ كبيرة، وكان الناس يحجّون إليها، ويطوفون حولها، ويذبحون الذبائح تقرُّباً إليها، وكانوا يعبدونها من دون الله.

 

دعوة الله الإنسان للتفكر في الأصنام التي نحتها بيده:


الذي يعنينا من هذا أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ﴾ إنه يدعونا إلى التأمُّل في هذه الأصنام، لا تنفع ولا تضر، أحجار لا تقدِّم ولا تؤخِّر، لا تملك الحياة، ولا تملك الموت، ولا تملك الرزق، ولا تعطي ولا تأخذ، ولا ترفع ولا تخفض، ولا تملك شيئاً. 

﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)﴾

[ سورة الصافات ]

تنحتونها أنتم وتعبدونها من دون الله!! أي هذا الكلام قد يضيق وقد يتسع، قد يضيق حينما نرى صنماً في عهد رسول الله قبل البعثة يُعْبَدُ من دون الله، أما حينما يعبد الإنسان شهوته فهذا شرك موسَّع.

 

معاني الشرك:


الشرك له معانٍ كثيرة، من معانيه الضيقة أن تتخذ إلهاً من دون الله تعبده مع الله، من معانيه الواسعة أن تعتمد على مخلوقٍ مثلك، أن تعقد الآمال على مخلوقٍ مثلك ضعيف لا ينفع ولا يضر، فالشرك الجلي انتهى مع بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، بقي الشرك الخفي، الرياء شرك خفي:

(( من علق تميمة فقد أشرك. ))

[ صحيح الجامع: صحيح ]

أي علَّق شيئاً يتوهَّم أنه يمنعه من الموت، هذا الذي يعلِّق حدوة فرسٍ مثلاً ماذا يقصد بها؟ ((من علق تميمة فقد أشرك)) حينما تتجه إلى شيءٍ من دون الله تعظِّمه، وتعقد عليه الآمال، وتجعله أساساً لرفعتك أو تخاف أن يخفضك، هذا الشيء هو الشرك بعينه، لكن الشرك الجلي انتهى، بقي الشرك الخفي، والرياء من الشرك الخفي، والنفاق من الشرك الخفي، وأن تعتمد على جهةٍ غير الله من الشرك الخفي، أن ترجو، وأن تخاف، وأن تعتمد، وأن تثق، وأن تُعلِّق الآمال، وأن تفعل شيئاً يغضب الله من أجل أن ترضي ما سوى الله فهذا هو الشرك أيضاً، فلذلك قيل: أخوف ما أتخوف على أمَّتي الشرك الخفي، أما إني لستُ أقولُ إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله.

 

الإشراك هو اعتماد الإنسان على جهة غير الله اعتماداً كلياً:


أيها الأخوة الكرام؛ كما قلت قبل قليل: ولَّى زمن الشرك الجلي، ونحن كمسلمين لا نؤخذ إلا من الشرك الخفي، أحياناً إنسان يعلِّق آماله على ابنه، يعقد عليه كل الآمال؛ غداً يكبر ويعمل، ويكون له دخل كبير، أنا أستريح، إذا اعتمد على ابنه فقد أشرك، قد يسخِّر الله له عدواً يخدمه، أما إذا اعتمد على جهةٍ غير الله اعتماداً كلِّياً ونسي الله فقد أشرك، فكيف إذا عصى الله من أجل هذه الجهة؟ هذا أبلغ، إن اعتمدت على جهةٍ غير الله فقد أشركت، أما إذا عصيت الذي خلقك من أجل أن ترضي جهةً غير الله هذا هو الشرك الذي رافقته المعصية، لذلك:

(( عن عائشة أم المؤمنين:  من التمس رِضا اللهِ بسخَطِ الناسِ رضِيَ اللهُ عنه، وأرْضى عنه الناسَ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَطِ اللهِ سخِط اللهُ عليه، وأسخَط عليه الناسَ. ))

[ صحيح الترغيب: خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره : أخرجه الترمذي ]

 

الدين عبادة وتوحيد:


أيها الأخوة؛ الإنسان كما يتمنَّى أحياناً الشرح والتفصيل، يتمنَّى أحياناً الإيجاز، أي إذا أردت أن تضغط الدين كلَّه بكلمتين، هناك عشرات الألوف، بل مئات الألوف، بل ألوف الألوف من المؤلَّفات في الإسلام، إذا أردنا أن نضغط كل هذه المؤلَّفات بكلمتين أنا أقول لك: التوحيد والعبادة.

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾

[ سورة الأنبياء ]

العقيدة: التوحيد، والعبادة: العمل ، وأنت بين عقيدةٍ وبين عمل، العقيدة وحدها شرطٌ لازمٌ غير كافٍ، والعمل وحده شرطٌ لازمٌ غير كافٍ، ولابدَّ من أن تعتقد التوحيد، وأن تنصاع إلى هذا الإله العظيم، إنْ وحدَّته وعبدته فقد حققت المراد من وجودك، هذا هو الإيجاز: 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[  سورة الكهف ]

هذا كلام إدراكه سهل، كلمة لا يوجد إلا الله، هذه المقولة إدراكها سهل، لكن شتَّان بين أن تدركها وبين أن تعيشها.

 

الله تعالى بيده كل شيء:


أنت في حياتك أشخاص أقوياء، تريك عينك هذه أنهم يفعلون ما يريدون، يقرِّبون ويبعدون، يعطون ويمنعون، يرفعون ويخفضون، يغضبون ويرضون، وأن الدنيا بيدهم أحياناً، هذه العين تريك أن هناك أشخاصاً بيدهم الأمر، لكنك إذا تعمَّقت في فهم الدين، وتعمَّقت في التأمُّل في ملكوت السماوات والأرض لا ترى إلا الله.

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾

[ سورة الزخرف  ]

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[ سورة هود ]

﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾

[ سورة الكهف ]

 

جو التوحيد لا يعيشه إلا من ذاقه:


﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾

[ سورة الزمر  ]

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾

[ سورة الفتح ]

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾

[ سورة فاطر ]

هذه الحقائق إذا أدركتها عشت في جو آخر، جو التوحيد لا يعرفه إلا من ذاقه، أكثر الأمراض النفسية أسبابها ضعف التوحيد، الخوف المرضي ضعف توحيد، القلق ضعف توحيد، النفاق ضعف توحيد، الرياء ضعف توحيد، الوساوس المتسلِّطة ضعف توحيد، إنك إن وحَّدت الله عزَّ وجل، ورأيت أن بيده كل شيء، وأنه القوي، وأنه الغني، وأنه العادل، وأنه الرحيم، وأنه المعطي، أي: 

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)﴾

[ سورة الصافات ]

هو المعطي، هو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، هو الذي يقرِّب، هو الذي يُبعد، هو الذي يوفق:

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾

[ سورة هود ]

 

المؤمن الناجي من عذاب الله هو المؤمن الموحد:


لا يتحقَّق هدفٌ على وجه الأرض صغيراً كان أو كبيراً إلا بتوفيق الله، ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾ هذا هو التوحيد، هذا هو الدين، لذلك المؤمن عزيز، من أين جاءت عزَّته؟ من توحيده، المؤمن شجاع، من أين جاءت شجاعته؟ من توحيده، يعلم أن أمره كلَّه بيد الله، وأنه مطيعٌ لله، وأن الله لا يضيّعه، ولا يسلمه، ولا يخذله، ولا يتخلَّى عنه، ولا يعاقبه إلا بذنبٍ ارتكبه لقوله تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

لا يوجد داع، هذه المعاني أيها الأخوة إذا تعمَّق بها الإنسان صار مؤمناً، الحقيقة الإيمان دائرة تتسع فتتسع وتتسع وتتسع إلى أن تشمل كل إنسانٍ قال: لهذا الكون إله، وتضيق وتضيق حتى يُعدُّ المؤمن الناجي هو الموحِّد، من مات غير مشركٍ أصابته شفاعة رسول الله، طبعاً مرَّةً ثانية: أخوف ما أتخوف على أمَّتي الشرك الخفي، أما إني لستُ أقولُ إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله.


المسافة الكبيرة بين إدراك عقيدة التوحيد وبين تطبيقها:

 

لا شكَّ أنك إذا قرأت أن اللات والعزَّى آلهة تُعبد من دون الله تسخر وتستسخف هؤلاء الذين فعلوا ذلك، لأن عهد الشرك الجلي قد انقضى، وإن كان هناك شركٌ جلي في بقاعٍ شتَّى من الأرض، بوذا يُعبَد من دون الله، الهندوس، والسيخ، واليابانيون، وكل شعبٍ تائهٍ ضال شارد يعبد إلهاً من دون الله، لكن الله سبحانه وتعالى تفضَّل علينا بعقيدة التوحيد، عقيدة التوحيد كفكرة سهلٌ إدراكها، أما أن تعيشها مسافةٌ كبيرةٌ جداً وبونٌ شاسعٌ بين أن تدرك عقيدة التوحيد وبين أن تعيشها، إن عشت عقيدة التوحيد صرت إنساناً آخر، الدليل:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

[ سورة الشعراء ]

التوحيد يريح، والشرك يعذِّب، المشرك معذَّب دائماً لأنه يخاف من قِوى كثيرة، هذه القوى لا تحبُّه، ولا تتمنَّى له الخير، ويراها قويةً جداً، أمره بيدها، مصيره بيدها، رزقه بيدها، نماؤه بيدها، تراجعه بيدها، فإذا أدركت أن إنساناً من بني جلدتك أمرك بيده وهو لا يحبُّك هذا أكبر مصدر عذابات الإنسان.

﴿  فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾

[ سورة الشعراء ]


تكريم الله تعالى للإنسان بدين الإسلام:


لذلك: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ أي هل من المعقول أنْ ينحت إنسانٌ من الحجر صنماً يعبده ويُؤَلِهَهُ ويقدِّسه ويرجو رضاه ويخاف نقمته؟ هذا إنسان عقله معطَّل، مرَّة شاعر رأى صنماً قد بال عليه الثعلب، قال: 

أربٌ يبول الثعلبانُ برأسه!!            لقد ضلَّ من بالت عليه الثعالبُ

[ راشد بن عبد ربه السلمي ]

* * *

معقول؟!! قبيلة اسمها (ودّ) صنعت إلهاً من تمر، فلمَّا جاعت أكلته، أهذا إلهٌ؟! الإله يؤكل؟ وإذا ذهبت إلى شعوب الأرض شرقاً وغرباً لرأيت ما لا يصدَّق، سبعمئة وخمسون مليوناً يعبدون البقر من دون الله، وأكبر قطيع بقرٍ في العالم في الهند، والبقرة في الهند مقدَّسة، يوضع روثها في غرف البيوت في الأعياد، يُتعطَّر ببولها، إن دخلتْ إلى بقَّالٍ وأكلت من الفاكهة ما لذَّ وطاب فهو من أسعد الناس، لأن الإله دخل إليه وأكل من عنده، شعوب، والسيخ، والهندوس، وهناك شعوبٌ تعبد ذكر الرجل، وهناك شعوب تعبد الجُرْذان، وهناك شعوب تعبد موج البحر، الله جلَّ جلاله كرَّمنا بالإسلام، وكرَّمنا بعبادة الواحد الديَّان، وكرَّمنا بالحقيقة.

 

المؤمن الحق من يؤمن بأن الله تعالى فعّال لما يريد:


لذلك طبعاً نحن على مستوى العالم الإسلامي نحن بخير، عقيدة الشرك الجلي لا وجود لها إطلاقاً والحمد لله، لكن يشكو بعض المسلمين أو يقع بعض المسلمين وهم لا يشعرون بالشرك الخفي، الشرك الخفي قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما معناه أو كما قال كما يقولون: الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصمَّاء في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحبَّ على جور، وأن تبغِضَ على عدل، أيْ إذا أحببت إنساناً وهو ليس على الحق، جائر، حبُّك له أنّك أشركته مع الله، وإذا تألَّمت من إنسان قدَّم لك النصيحة الصادقة ألمك من هذا الإنسان دليل أنك أشركت نفسك، وأبيت أن تعترف بذنبك، فأن تتألَّم من نصيحةٍ مخلصة، وأن تُوادد إنساناً منحرفاً هذا من الشرك الخفي.

فلذلك إخواننا الكرام؛ والفكرة دقيقة جداً: أن تؤمن أن لهذا الكون خالقاً هذا يؤمن به عامَّة الناس، ما من إنسانٍ إلا قلَّة قليلة جداً عطَّلت عقلها، ما من إنسانٍ فيه ذرَّة عقلٍ إلا ويقول: هذا الكون له خالقٌ عظيم، حتى إنّ عُبَّاد الأوثان يقولون:

﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)﴾

[ سورة الزمر ]

معنى ذلك أن تؤمن أن لهذا الكون خالقاً هذا شيء مفروغ منه، حتى إنّ الشيطان الذي أبعده الله ولعنه قال: ربي.

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾

[ سورة ص  ]

لكن المطلوب ليس أن تؤمن أن لهذا الكون خالقاً، المطلوب أن تؤمن أن هذا الخالق العظيم هو فَعَّال، هو الإله، بيده كل شيء، لا يعزب عنه شيء:

﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)﴾

[  سورة البروج  ]

هذا هو الإيمان.

 

من أساسيات الدين معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى:


لذلك أن تعرف أسماء الله الحُسنى وصفاته الفُضلى هذا شيء من أساسيات الإيمان، ما معنى أن الله إلهٌ فعَّال بيده كل شيء؟ أساساً الآية: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ﴾ قال لك: كلُّه، الأمر معرَّفة تعريف استغراق، ﴿الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ .

﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)﴾ هذه الآلهة كما ترون، الله جلَّ جلاله، وعزَّ نواله، وتعالى عما يقولون علّوّاً كبيرا، اللّات مؤنَّث الله، أي هذا الصنم الذي يعبدونه الذي كان في الطائف صخرةٌ بيضاء منقوشة، وحولها بناءٌ كبير، ويحجُّ إليها الناس، ويذبحون تقرُّباً إليها، ويطوفون حولها هذه جاءت مؤنَّثة، والعزَّى مؤنث عزيز. 

 

استئثار الكفار بالذَّكر ونسب الأنثى إلى الله عز وجل:


﴿ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)﴾

[ سورة النجم ]

أنتم تكرهون الإناث وتحبّون الذكور، وتنسبون إلى الملائكة أنهم بنات الله، ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى﴾ جعلوا هذه الآلهة إناثاً، وجعلوا هذه الآلهة التي هي إناثٌ بنات الله عزَّ وجل.

﴿ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى(22)﴾

[ سورة النجم ]

 أنت تكره شيئاً فتنسبه إلى خالق الكون، وتحبُّ شيئاً فتؤثره على نفسك، أو تستأثر به، تحب الذكر فتستأثر به وتكره الأنثى فتنسبها إلى الله عزَّ وجل؟ ﴿تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ .

 

تسمية كل صنم باسمه بعد نحته وجعله إلهاً:


أما الجواب الدقيق:

﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)﴾

[ سورة النجم ]

نحن عندنا شيء اسمه: اسم ومسمَّى، طبعاً هذه مسجِّلة لها وزن، لها حجم، لها طول، لها عرض، لها بعد ثالث، لها آلية معيَّنة، اسمها مسجِّلة، الاسم كلمات، مقاطع صوتية؛ ميم، سين، جيم، لام، تاء مربوطة، أي مقاطع صوتية، هذا هو الاسم، لكن هذا الاسم يقابله شيء هو المُسَمَّى، فكل اسم له مسمَّى، وكل مسمَّى له اسم، أما هذه الآلهة التي نحتوها بأيديهم، وعبدوها من دون الله، وجعلوها آلهةً، قال الله في حقِّها: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ﴾ من غير مسمَّيات، لا أصل لها، لا يقابلها شيء في الواقع، إذا شخص مثلاً وليكُنْ طالباً في الصف التاسع قال: أنا وزير التربية، وعمل بطاقة وطبع عليها وزير التربية، هل صار وزير تربية؟ مثلاً، إذا كتب على بطاقة أنه وزير التربية، وهو لا يحمل كفاءة، وعمره اثنتا عشرة سنة، هذه الكلمة التي طبعها على بطاقته هل تجعله وزيراً للتربية؟ هذا اسم بلا مسمَّى، بلا وجود، بلا واقع، بلا أصل، فأحياناً تجد المسمَّى وله اسم، أحياناً تنطق بالاسم وله مسمَّى، إذا قلت: جبل، يوجد جبل كتلة كبيرة جداً، جبال هملايا ارتفاعها اثنا عشر ألف متر، إذا قلت: بحر، أربعة أخماس الأرض بحر، إذا قلت مثلاً: فيل، الفيل حيوان ضخم، إذا قلت: الحوت الأزرق، هذا اسم لكن مقابله يوجد مسمَّى، يوجد حوت وزنه مئة وخمسون طنًا، إذا قلت: زلزال، يوجد صور، مدينة أبيدت عن آخرها بخمس ثوان بزلزال، كلمة زلزال يقابلها زلزال أتلف كل شيء، إن قلت: إعصار، هناك إعصار إذا أتى على مدينةٍ جعلها قاعاً صفصفاً.

﴿ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)﴾

[  سورة طه ]

كلمة إعصار اسم وله مسمَّى، زلزال اسم له مسمَّى، إذا قلت مثلاً: صاعقة، تجد أنها أحرقت مركبة ضخمة، هذه كلِّها أسماء لها مسمَّيات.

 

عدم فائدة هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع:


أما إذا قلت: اللاَّت، هل خلقت اللّات شيئاً؟ هل أوجدت؟ هل حرَّكت الأفلاك؟ هل أخرجت النبات من تحت الأرض؟ هل أنزلت المياه من السماء؟ ماذا فعلت هذه؟ ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ﴾ هذه كالذي يكتب على بطاقته: وزير تربية، طفل صغير لا يتجاوز سنَّه العشر سنوات، لا يفقه شيئاً من أمور الدنيا كتب على بطاقته.

﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ نحن أحياناً نتوهَّم أن فلاناً، أحياناً يكون الشخص مثلاً موظّفاً في دائرة، وهناك إنسان أعلى منه مرتبة، يراه يفعل كل شيء وهو ليس بشيء، هو أسبغ عليه هذه الهالة العظيمة، هو الذي يسعد إذا ابتسم في وجهه، ويتألَّم أشدَّ الألم إذا عبس في وجهه، هذا الشخص هو الذي أعطاه هذه الهالة، هو في الحقيقة لا شيء، عبدٌ فقير.

قيل لأحد الخلفاء من خلفاء بني العبَّاس وأظنّه هارون الرشيد، طلب كأس ماء قال له أحد الحكماء: بكم تشتري هذه الكأس إذا مُنِعت منك؟ قال: بنصف ملكي، قال: فإذا مُنِع إخراجها؟ قال: بنصف ملكي الآخر ، فالإنسان مفتقر لكأس ماء، مفتقر إلى شربه ومفتقر إلى إخراجه.

 

الإنسان مهما كان قوياً أمره بيد خالقه العظيم:


الإنسان مهما بدا عظيماً، مهما بدا قويَّاً، مهما بدا حكيماً، مهما بدا ذكياً، يحمل شهادة بورد مثلاً، يملك كذا، حجمه المالي فلكي، يقول لك: أرقام كلها فلكية، بيته من أفخم البيوت، مركبته من أحدث المركبات، كل هذه المكانة وهذا العطاء خثرة دمٍ لا تزيد عن حجم رأس دبوس إذا تجمَّدت في أحد عروق الدماغ تجعله مشلولاً، أو تجعله أعمى، أو يفقد ذاكرته، أو يفقد توازنه، ما هذا الإنسان؟! كل قيمة الإنسان تتوقف على خثرة دم مجمَّدة في رأسه، شيء مخيف إذا قال لك الطبيب: خثرة في الدماغ، أي انتهى، تنتقل من مكانٍ إلى آخر، مكان الذاكرة، مكان الحركة، مكان الإدراك، مكان التصوُّر، مكان الرؤية، مكان السمع، مكان الشم، أي مكان مدمِّر، خثرة دم، إذا انسد شريان عند إنسان يحتاج إلى فتح قلب، وإلى عملية قلب مفتوح، وإلى أخذ شريان من ساقه، وجراحة تكلِّف الملايين، ما هو هذا الإنسان؟ يقول لك:  أنا، من أنتَ؟ ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ أي أنت أعطيت هذه الهالة، أحياناً ابن يرى أباه كل شيء، هذا الأب الغني، القوي، مفتقر إلى كأس ماء يشربه، إلى هواء يتنفَّسه، إلى سيولة دمه.

 

الأصنام ليس عندها حجَّة ولا تملك قوَّة:


حدَّثني طبيب يجري عملية قلب مفتوح: المريض يأخذ الأسبرين وهو لا يقول، لم يذكر ذلك للطبيب، العملية بعد أن نجحت الدم مائع ومات بهذه الطريقة، الإنسان على حبّة أسبرين تنهي له حياته إذا لم يمتنع عنه قبل العملية بأسبوعين، حبِّة أسبرين، أنت لو تعرف أن انتقال الإنسان من دار البقاء إلى دار الفناء مرهون بأسبابٍ صغيرةً جداً، والله عزَّ وجل جلَّت حكمته أحياناً المريض يمضي سنوات تلو السنوات وهو طريح الفِرَاش، وأحياناً يُخْطَف خطفاً، وهو في أعلى درجات نشاطه وذكائه ونجاحه يقول لك: سكتة دماغية، ما هو الإنسان؟ ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ لم يعطها قوَّة، ولم يعطها قوَّة إقناع، أحياناً الإنسان يكون قوياً أمامك، قوته المادية تغنيك عن إدراك أسباب قوته، وأحياناً يتمتّع بحجَّة قوية، فالحجَّة سلطان، والقوة سلطان، فالله عزَّ وجل قال: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ لم يعطها حجَّة ولا جعلها قوَّية، صنم جامد، والإنسان إخواننا الكرام يحتاج إلى أن يراجع حساباته، أن يراجع مفهوماته، تصوّراته، مدركاته، عقيدته، ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ .

 

الإشراك هو إضفاء صفة القوة والعطاء على غير الله:


قد تجد الابن أحياناً يعبد أباه من دون الله وهو لا يدري، طمعاً بعطاء أبيه يعصي الله إرضاءً لأبيه، هذا الإنسان يُؤَلِّه أباه ويعبده من دون الله، وإنسان آخر يعبد زوجته من دون الله إرضاءً لها، يفعل كل شيء من أجل أن ترضى، أو من أجل أن ترضى عنه، هو يعصي الله، إذاً الإنسان عندما يضفي على المخلوقين صفة القوَّة، وصفة الديمومة والعطاء يكون أشرك وهو لا يدري، ﴿تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ مثلاً: هذه الدراجة التي لها ثلاث عجلات، لو وضعنا عليها إشارة أضخم سيارة في الأرض تصبح من صناعة تلك الشركة؟ هذه كلمة، اكتب ما شئت، أنت الآن لو تحمل شهادة إعدادية، اكتب دكتوراه في الفيزياء النووية، هل تصير دكتورَ فيزياء نووية؟ لا، أريد أن أبين لكم أن الكلمات لا تفعل شيئاً، الوصف لا يفعل شيئاً، اكتب مثلاً على آلة سيئة جداً: هذه أفضل آلة في العالم، هل تغدو أفضل آلة في العالم؟ لا، وصفك لا يقدِّم ولا يؤخِّر، وصفك للشيء بأكبر مما هو فيه لا يجعله كبيراً، فلذلك أنا أضرب مثلاً دائماً: الذي معه كيلو معدن إن استطاع بذكاءٍ كبير أن يوهم الناس أنه ذهب وهو ليس ذهباً هو الخاسر، وإن ظنَّه الناس معدناً خسيساً وهو ذهبٌ خالص هو الرابح، لا اتهام الناس لك يفقدك ما عندك، ولا إيهامك للناس أنه عندك شيءٌ ثمين يمنحك ما تفقد.

 

على الإنسان ألا يفرح بالمديح الكاذب لأنه لا يقدم شيئاً:


﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ هناك معنى آخر: الآن لو قالوا عنك: العالم الجليل، المُحسن الكبير، فريد عصره، وحيد زمانه، لو أضفى الناس عليك كل صفات العلم والتقوى والصلاح ولم تكن كذلك هل تجعلك هذه الصفات كذلك؟ لا، أبداً، مثلاً النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( عن أم سلمة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ. ))

[ صحيح البخاري ]

لو استطعت أن تقنع النبي وهو سيدُ الخلقِ وحبيبُ الحقِّ، لو أمكنتك حجَّتك القوية، وطلاقة لسانك، وروعة بيانك أن تنتزع من فمِ النبي حكماً لصالحك ولم تكن محقًّا لن تنجوَ من عذاب الله، وسعنا الموضوع؛ لو أقنعت صاحب حجة قوية، وطلاقة لسان، وبيان رائع، وكنت مع النبي، وذكرت له كل شيء، وقال: معك الحق، لو استطعت أن تنتزع من فمِ النبي حكماً لصالحك ولم تكن محقًّا لا تنجوَ من عذاب الله، فإذاً: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ لو قلت عن إنسان: تقيٌّ نقٌّي ورع، وهو ليس تقياً ولا نقياً ولا ورعاً، هذه الأوصاف لا تفعل شيئاً، لذلك الإنسان لا يفرح بالمديح الكاذب ولا يعبأ به لأنه لا يقدِّم ولا يؤخر. 

 

اقتفاء نهج رسول الله وآثاره ترفع الإنسان عند ربه:


يروى أنه حين كان زعيم المنافقين يحتضر طلب وهو على فِراش الموت قميص رسول الله، أعطاه قميصه، وقال عليه الصلاة والسلام: عن أبي هريرة:

(( هذا حجَرٌ رُمِيَ بهِ في النارِ مُنذُ سبعينَ خرِيفًا، فلَهُوَ يَهوِي في النارِ، الآنَ حِينَ انْتهَى إلى قعْرِها. ))

[ صحيح مسلم ]

وهو يرتدي قميص رسول الله، وماذا يفعل قميص رسول الله مع إنسانٍ منافق؟ الإنسان لا يعتقد يتمسَّح، إذا تمسَّحت بثوب الكعبة ولم تكن مستقيماً لا ينفعك هذا شيئاً، مرَّة قلت لكم: في إحدى الزيارات للمدينة المنورة صليت في محراب رسول الله، ثم خطر في بالي أن عالماً كبيراً جليلاً له عشرات المؤلَّفات لو كان عنده آذن وقفز هذا الآذن وجلس في مكانه في غيبته وراء مكتبه هل يصبح عالماً؟ لا، هذا الآذن لو درس كتاباً، لو أخذ الكفاءة مشى على طريق العلم، هذا أفضل من أن يجلس في مكانه، طبعاً الذي يرفعك عند الله أن تقتفي أثر رسول الله لا أن تصلي مكان صلاته، ولا أن تتمسَّح بقبره، العبرة أن تقتفي أثره، أن تجعله قدوةً لك، أن تجعله أسوةً لك، فالذي يرفعك عند الله اقتفاؤك للنبي، لا تمسُّحك بأشياء ماديّة لا تقدِّم ولا تؤخِّر، أعطاه قميصه وقال: الآن استقرَّ في جهنَّم حجرٌ كان يهوي به سبعين خريفاً، لكنَّ صحابيًّا آخرَ طلب قميص رسول الله وهو على فِراش الموت، صحابيٌّ جليل، قالوا: "ولِمَ؟ قال: إذا جاءني الملكان وسألاني: من ربك؟ أقول: الله ربي، من نبيك؟ أقول: هذا قميصه" ، هذا موضوع ثانٍ.

 

على الإنسان التمسك بما وافق القرآن والسنة:


﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ هنا هل تتبع الحقيقة أم تتبع الظن؟ ما قولك أن معظم الذي يعتقده الناس ظنون لا أصل لها ولا علاقة لها بالواقع إطلاقاً؟ أي أما آن الأوان أن تعمل جرداً لمعتقداتك؟ لأفكارك؟ لتصوراتك؟ ما وافق الكتاب والسنَّة فتمسَّك به، وما خالف الكتاب والسنَّة فانبذه ولا تلوِ على شيء، الإنسان أيليق به أن يعتقد الباطل؟ أن يعتقد خرافات لا تقدم ولا تؤخِّر، الناس يعيشون في خرافات لا يعلمها إلا الله، صبُّوا له ماء وملحاً، خصومته مع زوجته سببها يدَّعي أنهم صبُّوا له ماء وملحاً، أنت السيئ مع زوجتك ومعاملتك سيئة، لا علاقة لهذه، أسر، وهناك منجِّمون، وهناك كُهَّان، وهناك عرَّافون، وفكوا له السحر، ولفة الشيخ خضراء، ولفّ له السحر، وطلب منه خروفًا كبيراً لونه كذا وفيه لطخة سوداء، هذا كلّه كلام فارغ، هذه كلِّها دجل، ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ .

 

لا يليق بالإنسان وهو المخلوق الأول أن يعتقد بالخرافات:


نحن بحاجة إلى علم، بحاجة إلى منهج، هذا هو منهجنا، هذا هو كتابنا، هذه سنَّة نبينا عليه الصلاة والسلام، هذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الحق فيه مُطْلَق لأنه كلام خالق الكون، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، فالإنسان لا يليق به وقد كرَّمه الله وشرَّفه، وجعله المخلوق الأول، لا يليق به أن يعتقد بالخرافات، والترهات، والأباطيل، والأوهام، والله أنا أستمع إلى أناس يرتادون المساجد، ويحملون أفكاراً لا أصل لها، يعتقدون بالسحر:

(( عن عبد الله بن مسعود قال: مَنْ أَتَى عَرَّافًا أو ساحراً أو كَاهِنًا فسأله فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ))

[ صحيح الترغيب :صحيح موقوف ]

من أتى ساحراً فلم يصدِّقه لم تُقبَل له صلاة أربعين صباحاً، القضية سهلة؟ تتسلَّى؟ الله عزَّ وجل يقول: 

﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)﴾

[ سورة النمل ]

تأخذ أرقاماً، ما هو اسمك؟ اسمي سعيد، السين خمسة عشر، العين ثلاثة عشر، معنى هذا لك مستقبل مظلم، ما هذا الكلام؟ هذه كلها خرافات، ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ هذه اركلها بقدمك، كنا بصدد أن نبيع بيعة فدخل شخص فقَسَت البيعة، قدمه سوء، قدوم هذا الشخص ليس له علاقة، هناك أناس يكرهون يوماً معيّنًا، رقماً معيّناً، شخصاً معيّناً، كلِّها معتقدات لا أصل لها، الله الموفِّق.  

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾

[  سورة هود ]

 

الإنسان الموفق من آمن بالله وعمل أعمالاً صالحة:


﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾

[ سورة الليل ]

 قانون التيسير:

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾

[ سورة الليل ]

هذا القرآن الكريم، ﴿أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ﴾ آمن واتقى وعمِل أعمالاً صالحة فهو موفّق، أموره ميسَّرة، اللهمَّ لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، هكذا النبي علَّمنا، لكن لم يعلِّمنا أن نتشاءم من شخص، نتشاءم من طير طار عن شمالنا. 

﴿ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)﴾

[ سورة يس ]

 

حاجة الإنسان إلى مراجعة تصوّراته وأفكاره التي توافق القرآن والسنَّة:


أنت خيرك منك، من استقامتك، وشرَّك من معصيتك فقط ليس من أحد آخر.

﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)﴾

[ سورة الأنعام ]

هذا الحق.

أيها الأخوة؛ إذاً الإنسان بحاجة إلى مراجعة تصوّراته، مراجعة أفكاره، أفكاره التي توافق القرآن الكريم وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، هذه يتمسَّكْ بها ويعتمدها، في قوله تعالى: 

﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)﴾

[ سورة النمل ]

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)﴾

[ سورة الجن ]

 

سلوك الإنسان غير المبني على آية أو حديث سلوك خاطئ:


إخواننا الكرام؛ بإمكانك أن تركل بقدمك مليار قصة فحواها أن فلاناً يعلم الغيب، هذا  الإيمان، خالق الكون يقول لك: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ هناك أحاديث صحيحة عن قيام الساعة كثيرة، وعن علامات آخر الزمان، هذه ما عرفها النبي بذاته، أعلمه الله بها، ما سوى النبي لا نعبأ بكلامه إطلاقاً، فأنت حينما تقرأ القرآن وتعرف معرفة يقينية أن أحداً في الكون لا يعلم الغيب ألا ترتاح من آلاف القصص ومن آلاف الخزعبلات والترُّهات والدجل؟ هذا كله ينتهي في حياتك، إذا علمت أن خيرك من طاعتك لله، وأن الشر من المعصية لا تفعل شيئًا ليس له معنى، مثلاً إذا علَّقت حدوة فرس على سيَّارتك أفلا يكون هناك حادث؟ لا، الوقاية من الحادث بطاعتك لله، بدفع الصدقة، ليس في تعليق هذه الحدوة، هذه ليس لها معنى إطلاقاً، كل سلوك الإنسان غير المبني على آية أو حديث أو سنَّة نبويّة سلوك خاطئ غير صحيح، فالآن آن الأوان أن تراجع معتقداتك، تراجع تصوراتك، وأفكارك.


  العاقل من لا يقبل إلا الحق:


أحياناً تسمع قصة ليس لها أصل، فحواها فيه ظلم شديد، واللهُ يقول:

﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)﴾

[  سورة الكهف ]

﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)﴾

[ سورة التوبة  ]

﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)﴾

[  سورة غافر  ]

في الظاهر هناك ظلم، أما في الحقيقة فلا يوجد ظلم، إذاً الإنسان بحاجة إلى أن يراجع حساباته، يراجع معتقداته، يراجع تصوّراته لأنه: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ لذلك الخشية كل الخشية أن تتبع الظن، أن تتبع الوهم، الدعاء الشريف: اللهمَّ أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، الأوهام ظلمات بعضها فوق بعض، واللهِ هناك أُسر تشقى بالأوهام، يوجد شركات تنفصم بالأوهام، وسوسة، وساوس متسلِّطة، أوهام، أقوال كلها غير صحيحة، فالإنسان العاقل هو الذي لا يقبل إلا الحق، والحق من كتاب الله ومن سنَّة رسوله.

 

العقيدة الإسلامية لا تقبل تقليداً بل تحقيقاً:


﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ أي تشاءمنا، قال:

﴿ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)﴾

[ سورة النمل ]

أنت خيرك من طاعتك لله، وشرَّك من معصيتك لله فقط، وأي عامل آخر غير صحيح، لا تصدِّق، ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ قال بعض العلماء: "لا تُقبَل العقيدة إلا تحقيقاً"، هناك جمهور من العلماء يرفض أن يعتقد الإنسان تقليداً لأنه ظن، ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ .

 

الله تعالى لا يعذر إنساناً يتبع إنساناً غير مستقيم:


يجب أن تُحقِّق، يجب أن تدقِّق، إذاً العقيدة لا تُقبل إلا تحقيقاً، ولا تُقبَل تقليداً، ولو قُبِلَت تقليداً لكان كل الذين انحرفوا في عقيدتهم عند الله ليسوا مؤاخذين، يا رب فلان قال لنا هكذا فسمعنا كلامه، كل إنسان إذا كان قد نشأ مع جماعة ولهم رأس، وتكلَّم رأسهم كلاماً غير صحيح، أسقط الصلاة، أسقط كذا، يا رب إننا لا نعلم، ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ لذلك لا تُقبَل العقيدة إلا تحقيقاً، لا تُقبَل تصديقاً، لا تقبل تقليداً، أنت يُمكن أنْ تقلّد في حكم شرعي، تقلِّد في حكم فقهي، يا أخي أنا حنفي ورأي الإمام أبي حنيفة هكذا، هذا في العبادات أما في العقائد فلا يقبل إلا أن تحقق، لأن الله لا يعذرك إذا اتبعت إنساناً غير مستقيم، ابن عمر، دينك، دينك، إنه لحمك ودمك، خذا عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا.

 

الظن والوهم والهوى مفاهيم تُتبع من دون الله:


﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ عندنا الظن، الوهم، أوهام، قال: ﴿وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ أحياناً الشهوة تُتخَذ إلهاً يُعبَد من دون الله، أحياناً الإنسان يقول لك: الاختلاط ليس فيه شيء أبداً، بالعكس يهذِّب المشاعر، هذا ماذا يتبع الآن؟ إنه لا يتبع الوهم، يتبع ما تهوى الأنفس، أحياناً تتبع وهماً، يقول لك: إنَّ الآلهة اليوم ساخطة عليك لأنك لم تقرِّب لها القرابين، كانوا يختارون أجمل فتاة في مصر ويلقونها في النيل لماذا؟ قال: استرضاءً للنيل، شعوب تُقِدِّم الفتاة الجميلة وتُلقَى في النيل، وتموت غرقاً من أجل أن يرضى عنهم نهر النيل، فهذا وهم، أما عندما يروج الإنسان المعصية، ويفلسفها، ويعمل لها غطاء فكرياً، ويقول لك: يُهذِّب المشاعر، هذا كلام ثانٍ، هذا وما تهوى الأنفس، فالإنسان إما أن يتبع الظن أو أن يتبع ما تهوى الأنفس.


  الهدى أساس القضاء على الوهم والهوى:


﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ الآن الوهم قُضي عليه بالهدى، والهوى الموهوم قُضي عليه بالهدى، انتهت الحجَّة، قبل نزول هذه الرسالة العظيمة كان هناك وهم وكان هناك هوى، بعد أن بيّن الله كل شيء، وأنزل على عبده الكتاب، وجعله نوراً، وجعله إماماً، وجعله حبلاً متيناً، وبعد أن أرسل الله أنبياءه ورسوله انتهت الضلالات، وانتهت الأهواء، قال: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ .

 

العبرة بالمضمون لا بالأسماء الفارغة التي لا تقدم ولا تؤخر:


محور درسنا اليوم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ ائت بسيارة صُنِعَت عام أربعين وهي لا تقوى على السير، اكتب عليها ماركة أعلى سيارة في العالم الآن، تبقي هي هي، هذه الكلمة لا تقدِّم ولا تؤخِّر، هذا معنى: ﴿أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ ، فالإنسان لا يتعلَّق بالأسماء، يتعلَّق بماذا؟ بالمسمِّيات، لا يقبل اسماً بلا مسمَّى، بعضهم قال: "كان التصوّف مسمىً بلا اسم في عهد أصحاب رسول الله، أصبح اسماً بلا مسمى" ، العبرة بالمسمى، بالمضمون، بالجوهر، لا بالأسماء الفارغة، الأسماء الفارغة لا تقدِّم ولا تؤخِّر.

وفي درسٍ آخر إن شاء الله تعالى نتابع تفسير الآيات: 

﴿ أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)﴾

[ سورة النجم ]

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور