وضع داكن
16-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 2008 - الدرس : 27 - التربية الاجتماعية -10- الآداب العامة والخاصة عند المؤمن
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

تربية الأولاد في الإسلام ؛ الأدب:

مع درس جديد من دروس تربية الأولاد في الإسلام، وهذا الدرس يأخذ طابعاً عاماً متعلقاً بحقيقة الأدب.
ذكرت لكم من قبل أن الإسلام عقائد، وعبادات، ومعاملات، وآداب، أما الشيء البارز، والواضح، والصارخ في المؤمن أدبه، وهذا ما يشير إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:

(( أدبني ربي فأحسن تأديبي ))

[ابن السمعانى فى أدب الإملاء عن ابن مسعود]

للأدب طريقان ؛ طريق تعليمي وطريق إشراقي:

إذاًَ هذا الأدب ما تحليله ؟ وما طبيعته ؟ الحقيقة الأدب له طريقان، طريق تعليمي وطريق إشراقي

فأنت حينما تطلب العلم يقال لك: إذا دخلت فسلم، إذا أكلت فسمِّ، إذا عطس أخوك فشمته، هذه معلومات نتلقاها بالتعليم، آداب الطعام، آداب الزيارة، آداب عيادة المريض، آداب السفر، آداب الزواج، آداب... إلخ.
في كل نشاطات المؤمن معنا ملحقات متعلقة بالآداب، تزور مريضاً، العيادة فواق ناقة، آداب أن تزور أخاك، ينبغي ألا تقف أمام الباب هكذا، أن تعطي ظهرك للباب لعل امرأة فتحت الباب فجأة، هناك تفاصيل كثيرة جداً عن موضوعات كثيرة جداً متعلقة بالآداب.
فهذا الجانب من الآداب جانب تعليمي، لذلك الأب الكامل كلما رأى ابنه تجاوز حدّه، جلس جلسة غير مؤدبة، يا بني اجلس هكذا، أكل الطعام بشكل غير مؤدب، طاشت يده في صفيحة الطعام فقال:

(( كل بيمينك وكل مما يليك ))

[أخرجه الطبراني عن حمزة بن عمرو الأسلمي ]

أحاديث رسول الله توجيه لطيف لإنسان أخطأ أمامه لأن الأدب ربع الدين:

لو أنك تتبعت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالآداب لوجدت كل أحاديث رسول الله هي توجيه لطيف 

لإنسان أخطأ أمامه، طبعاً لأنه مشرع

لو سكت عن شيء أصبح هذا الشيء صحيحاً، النبي وحده كلامه سنة، وفعله سنة، وإقراره سنة، شاب مشى أمام أبيه، أنت قد تنصحه، وقد لا تنصحه، لكن النبي قال:

(( فلا تمش أمامه، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه، ولا تستسب له ))

[أخرجه الطبراني عن عائشة أم المؤمنين ]

والله أيها الأخوة، لو تتبعتم شمائل النبي أي الآداب التي تحلى بها، أو لو تتبعتم التوجيهات النبوية لصحابته الكرام من كل المجالات من زاوية الأدب لوجدت أن المؤمن هو الإنسان الأول في الأرض الكامل، في زواجه، في علاقته بأمه، بأولاده، بالكبير، بالصغير، بالقوي، بالضعيف، في صحته، في مرضه، في حله، في ترحاله، في أفراحه في أحزانه.
هذه الآداب ربع الدين، والآداب الشيء الظاهر للمؤمن، صلاته بينه وبين ربه، صدقته بينه وبين ربه، قيامه بالليل بينه وبين ربه، أما الذي بينه وبين الناس هو الأدب يعني الصفة الصارخة في المؤمن أنه مؤدب، مؤدب بجلسته، مؤدب في بيته، مؤدب في ثيابه، مؤدب في كلامه، مؤدب عند غضبه، مؤدب عند رضاه، مؤدب في أفراحه، مؤدب في أتراحه، الآداب ربع هذا الدين.

 

توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام التي تتعلق بالآداب لا تعد و لا تحصى:

لذلك الآداب لها طريقان، طريق تعليمي، أنت كأب، كمعلم، كموجه، كمرشد، كقائد، كخطيب، كمدير دائرة، يجب أن توجه من حولك إلى الموقف الأديب.
شخص جالس عند صديقه، هناك دفتر يفتحه، هذا من سوء الأدب، لماذا تفتح هذا الدفتر ؟ هذا من خصوصيات صديقك، هل سمح لك أن تفتحه ؟ يفتح الدرج، كيف تفتح الدرج ؟.
فلذلك كلما ارتقيت تكون أديباً أكثر، دخلت إلى بيت لا تجلس مقابل باب الغرفة وهو مفتوح، فإذا مرت امرأة لا تدري أن عند زوجها ضيفاً تراها كما هي، وقد تكون في بيتها متبذلة في ثيابها، اجلس باتجاه الحائط، أنا أضرب لكم بعض الأمثلة.
والله لا أبالغ لو تتبعت توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام التي تتعلق بالآداب لوجدتها بعشرات الألوف، بحيث أن هذا المؤمن ملك، ثيابه محشومة، كلامه محشوم، لا يتكلم بكلمة فاحشة، ولا بذيئة، ليس بالفاحش ولا المتفحش، لا يوجد عنده طرفة جنسية، لا يذكر العورة باسمها أبداً، بعض الآداب.
فتاة ترتدي ثياباً شفافة، قال لها: يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم أي كلمة من أعضاء المرأة تثير الشهوة، إن هذه الثياب تصف حجم عظامك، كلمة عظام لا تثير الشهوة أبداً، انظر إلى الأدب.

القرآن الكريم يعلمنا الأدب:

القرآن علمنا الأدب، قال:

﴿ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾

( سورة النساء الآية: 43 )

قد يفهم الطفل لامس النساء وضع يده فوق يد زوجته، لها معنى آخر بالقرآن الكريم. 

﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾ 

( سورة الأعراف الآية: 189 )

حتى الصحابيات كن على مستوى من الأدب مذهل، يا أمير المؤمنين، نعم قالت له: إن زوجي صوام قوام، ما انتبه، قال لها: بارك الله لك بزوجك، قال له سيدنا علي: إنها تشكو زوجها، صائم في النهار، قائم في الليل.
انظر إلى الأدب، مرة امرأة متبذلة في هيئتها، رأتها السيدة عائشة، قالت لها: ما قصتك ؟ قالت: إن زوجي صوام قوام، فالنبي دعا زوجها، وقال له: أليس لك بي أسوة ؟ أعطاه توجيهاً معيناً، فجاءت في اليوم التالي إلى السيدة عائشة نضرة عطرة، قالت لها: ما الذي حدث ؟ تبدل الأمر، اسمع الجواب، قالت: أصابنا ما أصاب الناس.
والله أحياناً أتتبع أقوال الصحابة أجد أدباً مذهلاً.

الأدب شيء جميل جداً على الإنسان أن يتحلى به:

سيدنا يوسف قال:

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي ﴾

( سورة يوسف الآية: 100 )

أمام إخوته، الذين وضعوه في غيابت الجب ليموت. 

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ 

( سورة يوسف الآية: 100 )

ما ذكر الجب، أيهما أخطر السجن أم الجب ؟ الجب، الجب مظنة موت، أما السجن فقدت حريتك فقط، لكن تأكل وتشرب وأنت آمن.
أنا الذي أراه أن الذي يبدو من المؤمن هو أدبه، أدبه مع الله، أدبه في بيوت الله، أدبه مع كتاب الله، أدبه في بيته، في ثيابه، لا أعتقد أن مؤمناً يخلع ثيابه أمام أولاده أبداً، لا أعتقد أن مؤمناً يرتدي ثيابه أمام أولاده يضطر أن يخلع الثياب الأولى ليرتدي ثياباً ثانية إلا وقد أغلق الباب.
مرة حدثني أخ قال لي: جاءت أختي لعندنا، ودخل ابنها إلى غرفة النوم قال لي أنا سأخلع القسم العلوي من ثيابي، هذا الطفل من شدة أدبه، من كثرة ما تلقى توجيهات رائعة، فخرج من الغرفة فوراً، لأنه رأى خاله يخلع ثيابه العلوية مبدئياً، و تحتها قميص كامل، لكن الأدب جميل جداً.

أعظم الأعمال تأديب الأولاد:

أنا أخاطب الآباء، الأمهات، أحياناً الطفل يأكل بشكل عشوائي، يأكل بشكل يدعو إلى الاشمئزاز.
فيا أيها الأخوة، بطولة الأب أن يؤدب أولاده.

(( لأنْ يُؤَدِّبَ الرجلُ وَلَدَه، خيرٌ من أن يتصدق بصاع ))

[أخرجه الترمذي عن جابر بن سمرة ]

من أعظم الأعمال تأديب الأولاد، هذه الكلمة ينبغي ألا تقولها، هذا الموقف ينبغي ألا تقفه، هذه الجلسة ينبغي ألا تجلسها، هذه النظرة ينبغي ألا تستخدمها، دفع الباب بعنف هذا سوء أدب من الإنسان.
هذا الأدب الكسبي، الأدب التعليمي، الأدب على أثر توجيه، من معلم، من أب، من أم، من مدير دائرة، من خطيب مسجد، من داعية، من مرشد... إلخ.

 

الأدب الكسبي أساسه التعلم والأدب الإشراقي أساسه الاتصال بالله تعالى:

لكن هناك أدب من نوع آخر، أنت حينما تتصل بالله اتصالاً حقيقياً، حينما تقبل على الله إقبالاً حقيقياً، لابدّ من أن تشتق من الله مكارم الأخلاق، الأدب الأصيل الحقيقي الذي لا يتأثر لا برخاء، ولا بشدة، ولا بعداوة، ولا ببغضاء، ولا بفقر، ولا بغنى، يعني أغلب الظن إذا الإنسان ببحبوحة، ودخله جيد ما عنده مشكلة، تجده لطيفاً، ناعماً، أما حينما تهدد مصالحه، يغدو وحشاً، والله عز وجل أرانا من هو الغرب، الغرب بلد القيم سابقاً، الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، فلما مُست مصالح الغرب انقلب إلى وحش كاسر.
فهذا الأدب الكسبي أساسه التعلم، والمتعلم قد يطبق، وقد لا يطبق، الأدب الإشراقي أساسه الاتصال بالله، هذا هو الأدب الحقيقي، هذا لا يتأثر، ولا يتبدل، ولا يزيد ولا ينقص، لا يتأثر لا بالغنى، ولا بالفقر، ولا بالقوة، ولا بالضعف، ولا بالزواج، ولا بعد الزوج، ولا قبل الزواج، ولا في الصغر، ولا في الكبر، آداب أصيلة.

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

( سورة القلم )

متمكن من هذه الأخلاق، يعني المؤمن يشبه سفينة عملاقة، لا تؤثر فيها الأمواج، وغير المؤمن يعني استفزاز بسيط يسب الدين أحياناً، غير المؤمن.
أخوانا الكرام، الطريق الذوقي أساسه الاتصال بالله، والدليل: إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله قوماً منحهم مكارم الأخلاق، هذه الأخلاق الأصيلة هي التي تنفع المؤمن في الدنيا والآخرة.

أخلاق الأذكياء أخلاق ساقطة عند الله عز وجل:

لكن هناك أخلاق رقم ثلاثة، هذه أخلاق لا علاقة لنا بها إطلاقاً في هذا الدرس أخلاق الأذكياء، ذكي جداً فإذا تواضع ينتزع إعجاب الآخرين، وحقق مصالحه معهم، إذا وفى بوعده يستطيع أن يبيع أكثر، إذا أتقن عمله يربح أكثر، الأخلاق الناتجة عن ذكاء الإنسان، والتي تصب في مصالحه هي أخلاق الأذكياء، هذه ليست محل بحثنا إطلاقاً.
أنتم تسمعون أحياناً أنه فعل هذا النائب كذا لينجح في الانتخابات، الكمال وحده من أجل الانتخابات، شنّ هذا العدوان من أجل الانتخابات، فالإنسان حينما لا يعرف الله يعبد ذاته، أي شيء يرفعه، يمنحه منصباً رفيعاً، يمنحه كرسياً في المجلس، فيبذل الغالي والرخيص، ويقيم ولائم، وعزائم، ويتواضع من أجل أن يصل إلى الكرسي في هذه النقابة، أو في هذه الغرفة، أو في هذا المجلس، حتى في مصالح كثيرة تحقق عن طريقها.
فموضوع أن تكون صادقاً، أو أميناً، محققاً لبعض الكمالات البشرية من أجل أن تنتزع إعجاب الآخرين، وأن تحقق مصالحك معهم، هذا الأدب ليس متعلقاً بدرسنا أبداً، هذا أدب الأذكياء، أدب تجاري، والغرب برع به براعة مذهلة، تجد حقوق الحيوان، يبيدوا شعوب بأكملها، يراعي حق حيوان، حق كلب أحياناً، شعب بأكمله يباد، ويرعون حق كلب.
أخلاق الأذكياء أخلاق المصالح، أخلاق الانتخابات، هذه أخلاق ساقطة عند الله لا تقدم ولا تؤخر، سلوك ذكي، هدفه تحقيق مصلحة.

الأخلاق الإشراقية الأصيلة التي ينبغي أن نتخلق بها هي أخلاق الصلاة:

الآن الآداب التي أساسها الذوق تأتي من أين ؟ من الصلاة، نحن أحياناً لا نقدر قيمة الصلاة، الله عز وجل قال:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

( سورة طه )

هل تستطيع أن تقبل أن إلهاً عظيماً أمرك أن تؤدي كل يوم خمس مرات الصلوات، من أجل أن تقف وأنت ساه أو لاه، تقرأ قراءة شكلية، وتركع وتسجد، وخيالك يسوح، ويبحث عن مشكلاته، ثم تسلم، هذا العمل هل تقبله عبادة لله عز وجل ؟ الله عز وجل قال:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

هل تذكره في الصلاة ؟ قال:

﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾

( سورة العلق )

هل تحس بالقرب من الله في الصلاة ؟ قال كما ورد في بعض الآثار:

(( ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها ))

[ورد في الأثر]

والآية التي نسخت:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾

( سورة النساء الآية: 43 )

فالإنسان إذا صلى لا يعلم ما قرأ كأنه سكران، هذه العبادة الأولى التي لا تسقط بحال، هذه العبادة من أجل أن تشتق من الله الكمال.

ذكر الله لك وأنت في الصلاة أكبر من ذكرك له:

فلذلك لما قال الله عز وجل:

﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

( سورة العنكبوت الآية: 45 )

قال بعض العلماء: ذكر الله لك وأنت في الصلاة أكبر من ذكرك له، إنه إن ذكرك منحك الكمال، منحك الحلم، منحك الحكمة، منحك الرضا، منحك العفاف.
يعني بصراحة الفرق بين إنسان أميّ، وإنسان معه دكتوراه، قلم بالجيبة يوضع هذا هو الفرق فقط ؟ شيء مضحك، هذا درس خمس و ثلاثين سنة، معه ابتدائي، وإعدادي، وثانوي، ولسانس، ودبلوم عامة، ودبلوم خاصة، وماجستير، ودكتوراه، دراسة 35 سنة، ودراسة ليلاً نهاراً، وتحقيق، وتأليف، ومتابعة، ومراجعة، وحفظ، وأداء امتحانات، حتى وضع إلى جانب اسمه: د. هذه الدال يقابلها قلم حبر بالجيبة ؟ أحياناً إذا شخص ليس متعلماً يحب أن يضع كم قلم بجيبته، أحياناً يضع ستة أقلام، ويضع بمكتبه الكتاب بالعكس.

مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى:

الأخلاق شيء آخر، قال ذكر الله لك وأنت تصلي أكبر من ذكرك له، إنه إن ذكرك منحك الحكمة.

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

( سورة البقرة الآية: 269 )

إنه إن ذكرك منحك الحلم، كاد الحليم أن يكون نبياً، إنه إن ذكرك منحك الرضا، إنه إن ذكرك منحك الكرم، الشجاعة، محاسن الأخلاق، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، بصراحة إذا ما كانت أخلاقك صارخة ما علامة إيمانك ؟ هذه الأخلاق، المؤمن: 

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾ 

( سورة السجدة )

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

( سورة القلم )

إذاً أيها الأخوة، الأخلاق الإشراقية الأصيلة التي ينبغي أن تتخلق بها هي أخلاق الصلاة، المتصل بالله اشتق من الله الكرم، الحلم.

الله عز وجل لا يُتقرب إليه إلا بكمال مشتق منه من خلال الصلاة:

الآن فكرة مهمة جداً، الله عز وجل قال:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

( سورة الأعراف الآية: 180 )

الله عز وجل أسماؤه حسنى، يعني كريم، يعني حليم، يعني عفو، يعني رؤوف، عليم، غني، قوي، فأنت حينما تشتق كمالاً منه وتعامل عباده بهذا الكمال تتقرب إليه.
إذاً الله عز وجل لا يتقرب إليه إلا بكمال مشتق منه من خلال الصلاة، هذا الكمال تعامل به من حولك من الناس، يقبلك الله عز وجل، الكريم يحب الكريم، والحليم يحب الحليم، والوفي يحب الوفي.
فهذه الآداب التي يسعى إليها الأب، والأم، والمعلم، والموجه، والمدرس والخطيب، والداعية، والمدير، هذه أخلاق الاتصال بالله، أخلاق القرب، أخلاق الحب.

 

الاتصال بالله يوصل الإنسان إلى نوع من الذوق يحمله على تطبيق منهج لم يطلع عليه:

أخوانا الكرام، الأخلاق التعليمية، تقرأ الآداب، تقرأ شمائل النبي، تقرأ أي كتاب في الآداب، بحوث، وأدلة، وآيات، وأحاديث، وقصص، ومواقف، شيء رائع جداً هذه تعلم تتعلم، إما أن تطبق ما تعلمت، أو أن تنسى، إما أن تطبق ما تعلمت أو في حين الغضب تنسى كل الذي فعلته، فإذا أردنا أن نؤكد على خلق معين فهو الخلق المتعلق بالإشراق من خلال الاتصال بالله عز وجل.
ممكن أعطيكم فكرة دقيقة جداً ؟ لو فرضنا أن إنساناً هناك حكم شرعي ما تعلمه لكنه موصول بالله صلة قوية جداً، صدقوا ولا أبالغ يطبق هذا الحكم الشرعي دون أن يعرفه ذوقاً، هناك نهي شديد جداً أن يخلو رجل بامرأة لا تحل له طبعاً، لو أن إنساناً هذا التوجيه ما قرأه إطلاقاً، لكن له صلة بالله قوية جداً، دخل إلى بيت أحد أقربائه، بيت ابن عمه قالت له الزوجة: تفضل، توهم أنه في البيت، ثم علم أنه خارج البيت، ينسحب فوراً، ذوقه العام لا يسمح له أن يكون مع امرأة لا تحل له في البيت.
فأنا متأكد أن الإنسان حينما يتصل بالله عز وجل قد يصل إلى مستوى من الذوق يحمله على تطبيق منهج لم يطلع عليه، يقول عمر رضي الله عنه: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه.
هناك أشياء كثيرة أملاها عليك الذوق ثم وجدت أن الحكم الشرعي كما فعلت، هذا شيء مؤكد، أشياء كثيرة أملاها عليك الذوق، بعد حين قرأت حكماً شرعياً.
أذكر مرة أنه كنت في سفر، أردت أن أصلي فإذا خلفي عشرين شخصاً، في بلدة متطرفة في الشمال، أنا غلب على ظني أنهم لا يعرفون ما معنى أن المسافر يصلي الظهر ركعتين، فإذا سلم يقول أتموا صلاتكم فإني مسافر، خشيت أن يضطربوا، فأتممت الصلاة حتى ما يكون في خطأ، أثناء مطالعتي لبعض الأحكام الفقهية وجدت أنه إذا غلب على ظنك أن الذي خلفك قد يضطرب ينبغي أن تتم الصلاة.
أشياء كثيرة تأتيك ذوقاً، تجد هناك حكم شرعي، يعني مثلاً في بعض الأحكام الفقهية الإنسان لا ينبغي أن يخلو بكنته الشابة إذا كان زوجها غير موجود، هذه بابن عابدين موجودة، أنا أعرف أناساً إذا دخل لبيت ابنه، وابنه غير موجود يقول لها: آتي مرة ثانية لعل ذلك لأنها شابة، وهو له وضع معين، حتى لا يكون في أي إشكال، فلا يسمح لنفسه أن يخلو يعني هذه يحل له أن يخلو بها، هي زوجة ابنه، لكن الأولى أن يكون ابنه في البيت، هذا عبر الاجتهادات.

الآية في سياقها لها معنى فإذا نزعت من سياقها لها معنى آخر:

النقطة التي ذكرتها الآن، يعني أنت أحياناً ممكن أن تستنبط حكماً شرعياً ذوقاً ثم تفاجأ أن هذا الذي فعلته ورد في بعض الشمائل النبوية، لذلك هناك آية قرآنية تؤكد هذا المعنى:

﴿ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾

( سورة الرعد )

الصحابي الكريم بعد اتصاله الشديد بالله، يرتقى مستواه، فإذا جاء حكم فقهي في القرآن وفق ما ارتقى إليه يفرح،

﴿ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾

طبعاً القرآن الآية حينما تنزعها من سياقها لها معنى مستقل، وقد يكون لها في السياق معنى آخر، مثلاً:

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

( سورة الطلاق )

هذه الآية سياقها في موضوع الطلاق، يعني من يتقِ الله في تطليق زوجته فيطلقها طلقة أولى، ثم ثانية، ثم ثالثة، يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها، أما الذي يطلق طلاقاً بدعياً هذا خالف منهج رسول الله في الطلاق، فعندئذٍ في بعض المذاهب لا سبيل إلى إرجاعها

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

انزع هذه الآية من سياقها يكتب عليها مجلدات، من يتقِ الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم، من يتق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من إتلاف المال، وهكذا.
فأحياناً الآية في سياقها لها معنى، فإذا نزعت من سياقها لها معنى آخر

﴿ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾

ارتقت نفسه، فجاء القرآن جاء موافقاً لما في نفسه.

التناقض بين الطبع والتكليف ثمن الجنة:


أيها الأخوة، الإنسان فيه نزعة فردية، ونزعة اجتماعية، النزعة الفردية يحب أن يؤكد ذاته

يعني الله عز وجل أمرك أن تستيقظ لتصلي صلاة الفجر، وجعل طبعك محباً للنوم، الطبع هو النوم، والاستيقاظ تكليف، هناك طبع وهناك تكليف، الطبع أن تأخذ المال والتكليف أن تنفقه، الطبع أن تخوض في فضائح الناس، والتكليف أن تصمت، الطبع أن تملأ عينيك من محاسن المرأة الأجنبية، والتكليف أن تغض البصر، هذا التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة.

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

( سورة النازعات )

الآن الطبع فردي، والتكليف تعاوني، الإنسان بين الفردية وبين الاجتماعية، عندك نزعة فردية ونزعة اجتماعية، تحب أن تنجح لوحدك، وكل من حولك يرسب تشعر بنشوة مثل الطاووس، لكن النزعة الراقية أن تفرح لنجاح كل من حولك، هذه نزعة أرقى.

الحاجة إلى الحب حاجة أساسية فالحب أصل في الدين:

الإنسان عنده حاجة إلى الحب، وأي إنسان لا يشعر بحاجة إلى أن يُحِب أو إلى أن يُحَب ليس من بني البشر، فالحاجة إلى الحب حاجة أساسية، لكن المؤمن بطل عرف من ينبغي أن يُحِب، كلمة عيد الحب كلمة تعني شيئاً لا يرضي الله إطلاقاً، قد تكون علاقة محرمة، قد تكون زنا باسم الحب، أما المؤمن يحب الله.

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾

( سورة البقرة الآية: 165 )

أي لا يوجد موضوع متأصل في المؤمن كالحب، الحب في دمه يمشي، يحب الله، يحب رسول الله، يحب أصحاب رسول الله، يحب التابعين، يحب المؤمنين، يحب العلماء، يحب بيوت الله، يحب القرآن، يحب الأعمال الصالحة، يحب التواضع، كل شيء كامل يحبه، فالحب أصل في الدين، والذي لا يجد نفسه بحاجة إلى أن يُحِب، أو إلى أن يُحَب ليس من بني البشر أصلاً، لكن هذا الحب الراقي مسخ إلى حب محرم يحتفل به العالم كل يوم، في حاجة إلى التقدير، إلى تأكيد الذات، تكون محترماً، لك قيمتك، لك بصمة، يشار لك بالبنان، فلان ! تحتل منصباً رفيعاً، هذه حاجة بالإنسان، حاجة إلى التقدير، إلى تأكيد الذات.
عندك حاجة إلى الأنس، مهما كان البيت فخماً، وحدك، يقول لك: أريد أن أجلس مع واحد، الأنس حاجة اجتماعية أساسية، أحياناً الإنسان يأنس بأهل بيته، بأولاده، بأقربائه، بأصدقائه، بزملائه بالعمل، يحب أن يجلس مع الناس.
عندك حاجة لأن يكون لك سند قوي، لك ابن عم، معك رقم هاتفه، يحتل منصباً رفيعاً، تحس بطمأنينة، أنت بحاجة إلى من تتقوى به، وأن تحتمي به، ليلبيك عند الطلب.
أنت بحاجة إلى الأمن، هذه كلها حاجات اجتماعية، وبحاجة إلى أن تأخذ من غيرك أفكار، خبرات، علوم، بحاجة إلى تحقيق إنجاز... إلخ.
وعندك حاجة فردية، فالذي يحصل الإنسان ما دامت الحاجة الفردية محققة والحاجة الاجتماعية محققة في تناسق وتناغم بينهما، لكن أحياناً لا سمح الله ولا قدر لك سمعتك أعارك صديقك بيته، بأزمات الإيجار السابقة، وقت كان القانون يحمي المستأجر كائناً من كان، فأعارك بيته شهراً، وأنت بعد ثماني سنوات قلت له: هذه المحاكم أمامك، أنا مستأجر، ضحيت بسمعتك، وبمكانتك، وبعلاقاتك، وبهيبتك، وبأوصافك الكاملة سابقاً من أجل هذا البيت، بيت رائع، وأجرة رمزية.

سمو الدين بالحاجة الاجتماعية من حاجة تلبى إلى عبادة تؤدى:

 

لذلك الإنسان حينما تتضارب حاجاته الاجتماعية مع حاجاته الفردية قد يؤثر مصالحه الشخصية على سمعته، وهذه مشكلة العالم اليوم، العالم المتحضر الراقي سابقاً طبعاً، العالم الذي يؤمن بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل، ما تكلم كلمة حينما قتل خمسمئة طفل بغزة، ما تكلم كلمة، لأن مصالحه مع العدو.
فأحياناً تتضارب المصالح الشخصية مع المكانة الاجتماعية، انظر إلى عظمة هذا الدين، سما بالحاجة الاجتماعية إلى مستوى العبادة، فأنت كمؤمن حينما تكون صادقاً مع أخيك ترقى عند الله، حينما تزور أخاك ترقى عند الله، حينما تعود مريضاً ترقى عند الله، حينما تلبي حاجة أخيك ترقى عند الله، فكأن عظمة هذا الدين سما بالحاجة الاجتماعية من حاجة تلبى إلى عبادة تؤدى، هكذا المؤمن.
لذلك المؤمن يُحَب، هو ما يقصد أن يُحَب، لأنه مطبق لمنهج الله عز وجل ما فيه يكذب، دُعي يلبي، سُئل يجيب، سُئل عن قضية ينصف.
سيدنا رسول الله مرّ أمامه الأسرى، أحدهم صهره أبو العاص، جاء ليقاتله مع المشركين وقع أسيراً، لكن هو كان صهراً جيداً جداً، فقال عليه الصلاة والسلام: والله ما ذممناه صهراً، انظر إلى الوفاء، انظر إلى الإنصاف، ما ذممناه صهراً.
لذلك أعظم ما في الإيمان أن حاجاتك الاجتماعية سمت إلى مستوى العبادة، فأنت تؤدي الحاجات الاجتماعية، أنت تصدق، وتلبي الدعوة، وتتواضع، وتعود المريض، وتطعم الجائع، وتكسو العاري، وتزور المريض، هذه كلها نشاطات اجتماعي لكن كل هذه النشاطات عند الله أعمال صالحة.
فلذلك يصعب في حياة المؤمن أن يضحي بمكانته الاجتماعية لأن هذه المكانة ليست مكانة، هي عبادة، هناك فرق بين أن تكون مكانة يضحي بها الإنسان، إذا في مبلغ ضخم يحل كل مشكلاتك يقول لك خير إن شاء الله، يضحي بسمعته من أجل مصالحه، أما المؤمن نشاطه الاجتماعي عبادات، فلذلك محصن من أن يؤثر المصلحة الشخصية على المكانة الاجتماعية.

من أطاع الله في علاقاته الاجتماعية ارتقى عنده إلى أعلى عليين:

أيها الأخوة، شيء ثان، وهذا أروع ما في الإيمان أن النشاط الاجتماعي عند المؤمن له قنوات نظيفة، لا يوجد حفلة سهرة غنائية يرصد ريعها للأيتام، لا يوجد يانصيب خيري، لا يوجد رحلة مختلطة من أجل الإطلاع على موضوع معين، فهو منضبط بقنوات نظيفة، فكل نشاطاته الاجتماعية تنضبط بقنوات نظيفة.
أيها الأخوة، أنا أتمنى أن أؤكد لكم أن النشاط الاجتماعي نشاط عبادي فأنت تنتزع إعجاب من حولك دون أن تشعر لأنك مطبق لمنهج الله.
أذكر أخاً من إخوانا عمّر بناء، وتأخر تسجيل البناء بأسماء أصحابه لأسباب خارجة عن إرادته، فالذين اشتروا البيت من سنوات طويلة بثمن قليل جداًً ارتفع سعره عشرين ضعفاً تقريباً، عرضوا عليه مبلغاً ليسجل لهم البيت، قال: لا والله، أنا بعتكم وقتها، وربحت عليكم، وقبضت الثمن، ليس لي عندكم شيء، هو بدافع من طاعته لله ما أخذ منهم شيئاً، أكبروه إكباراً.
أنت لمجرد أن تطيع الله في علاقات الاجتماعية ترقى عند الله، وعند الناس هذا هو المنهج.
فلذلك القنوات الاجتماعية عند المؤمن نظيفة وطاهرة، ومظهرك الصارخ هو الآداب، علاقة الآداب بالدرس في تربية الأولاد بطولتك أن تؤدب ولدك.

(( لأنْ يُؤَدِّبَ الرجلُ وَلَدَه، خيرٌ من أن يتصدق بصاع ))

[أخرجه الترمذي عن جابر بن سمرة ]

هناك كلمة لا تقال، هناك جلسة غير مؤدبة، هناك حركة غير مؤدبة، هناك ثياب غير مؤدبة، والله هناك قيادة مركبة غير مؤدبة يجلس جنابي، شيء يقرف، وهناك قيادة مركبة بأدب، هناك جلسة غير مؤدبة، هناك تعليق غير مؤدب، المؤمن مؤدب، أدبه ربه بأدب الإسلام. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور